يمكن القول إن شهر سبتمبر/ أيلول هو شهر الاستحقاقات اللبنانية المرتقبة التي ينتظرها البلد، ويمكن أن تفتح الأمور على أكثر من اتجاه، ففي بداية الشهر الحالي تبدأ المهلة الدستورية لانتخاب رئيس جديد للجمهورية، قبل انتهاء ولاية الرئيس الحالي ميشال عون في 31 أكتوبر/ تشرين الأول المقبل، واعتبارًا من 1 سبتمبر/ أيلول يتحوّل المجلس النيابي اللبناني إلى هيئة ناخبة وظيفتها الأساسية انتخاب رئيس جديد، بالنظر إلى أن لبنان يعتمد النظام الديمقراطي البرلماني.
وفي موازاة هذا الاستحقاق، يعيش البلد أزمة انسداد في أفق الحلول السياسية التي يمكن أن تشكّل مفتاح الحلّ لبقية الأزمات الاقتصادية الحياتية وغيرها، وقد جرت الانتخابات النيابية في منتصف شهر مايو/ أيار الماضي، وتمخّضت عن توزُّع المقاعد النيابية وتشتُّتها بين عدد كبير من القوى السياسية، بحيث إن أية قوة سياسية أو أي فريق سياسي لا يمكنه أن يشكّل الحكومة منفردًا.
وبالتالي، من نتائج تلك الانتخابات حصول نوع من الفراغ في السلطة التنفيذية، أو بالأحرى حالة فشل أو عرقلة لمسار تشكيل الحكومة، وظلّت حكومة تصريف الأعمال تقوم بدورها وواجبها في أضيق نطاق، وتزامن هذا الأمر مع اقتراب الاستحقاق الرئاسي، ما أدخل مسار ومساعي تشكيل الحكومة في بازار المساومات والمحاصصات، وهو ما أدّى بدوره إلى عرقلة تشكيل الحكومة.
الاستحقاق الآخر الذي لا يقلّ أهمية وشأنًا بالنسبة إلى لبنان في سبتمبر/ أيلول، هو استحقاق استخراج النفط والغاز من قبل “إسرائيل” من حقول شرق المتوسط المتنازع عليها.
أمّا على مسار الانتخابات الرئاسية، فهناك حالة قلق وخوف من عدم حصول الانتخاب، حيث إن كل طرف وفريق سياسي يريد أن يحقق غاياته ومصالحه على حساب إجراء الاستحقاق، ومن هنا يتمثّل القلق الأول بعرقلة انعقاد جلسات المجلس النيابي المخصَّصة لانتخاب الرئيس، إذ إن جلسة الانتخاب تحتاج إلى حضور ثلثي أعضاء المجلس النيابي (87 نائبًا)، وهو أمر متعذّر إلا في حال التوافقات السياسية، وهو أمر ما زال بعيدًا حتى الساعة، بما معناه أن أي انتخاب لرئاسة الجمهورية لن يكون إلّا في ظل التوافقات بين الكتل النيابية والنوّاب.
وأمّا في حال عدم تمكُّن المجلس النيابي من انتخاب رئيس جديد ضمن المهلة الدستورية (نهاية شهر أكتوبر/ تشرين الأول)، فإنّ ذلك يفتح الأمر على تحدّيات واستحقاقات أخرى، فرئيس الجمهورية الحالي يلمّح إلى أنه لن يسلّم صلاحياته إلى حكومة تصريف أعمال لا تحظى بثقة المجلس النيابي الجديد.
وبالتالي قد يلجأ إلى تفسير خاص للدستور، ويعمد إلى سحب التكليف من الرئيس المكلف تشكيل الحكومة، وهو الآن نجيب ميقاتي (ليس من اختصاص رئيس الجمهورية ولا من صلاحياته الدستورية فعل ذلك)، وتكليف شخصية أخرى تشكيل حكومة انتقالية أو حكومة طوارئ، متكئًا في ذلك على بعض التفسيرات الدستورية الهشّة، أو أنه لا يقدم على خطوة من هذا النوع، غير أن يتمسّك بالبقاء هو في القصر الجمهوري تحت حجّة وذريعة عدم ترك البلد والموقع للفراغ، وهناك من محيط الرئيس من ألمح إلى ذلك.
وفي مقابل هذه التفسيرات أو المواقف، حذّرت قوى سياسية وشخصيات وطنية من التغوّل أولًا على صلاحيات المجلس النيابي، الذي كلّف فعليًّا نجيب ميقاتي تشكيل الحكومة، وبالتالي رفضت قوى وكتل نيابية أي تفسير خاطئ للدستور، بحيث يتجاوز فيها رئيس الجمهورية صلاحياته ليعتدي على صلاحيات المجلس النيابي.
كما حذّرت من مغبّة الاعتداء على موقع رئاسة الحكومة وعلى الحكومة مجتمعة، من خلال الإقدام على أي فعل فيه تجاوز للدستور من قبل رئيس الجمهورية، واعتبرت ذلك بمثابة وصفة سحرية لحرب أهلية جديدة وفتنة داخلية لبنان بغنى عنها.
لبنان يحبس الأنفاس بانتظار ما ستسفر عنه وساطة الوسيط الأمريكي من ناحية، أو ما ستؤول إليه التهديدات من كلا الطرفَين، وكل ذلك أو بعضه سيكون في شهر سبتمبر/ أيلول.
على هذا الأساس، رفضت دار الفتوى والمجلس الإسلامي الشرعي الأعلى، ومراجع سياسية وحزبية في لبنان، أيّ تفكير من قبل الرئاسة الأولى بتجاوز الدستور والاعتداء على صلاحيات السلطات الأخرى، وطالبت رئيس الجمهورية والفريق المحيط به بالتزام المهل والنصوص الدستورية، لأنّ من شأن أي تجاوز للدستور أو محاولة لتشكيل أعراف جديدة، أن يدخل البلد في أتون أزمة جديدة قد تتحوّل إلى فتنة داخلية تحرق ما تبقّى من لبنان.
وأمّا الاستحقاق الآخر الذي لا يقلّ أهمية وشأنًا بالنسبة إلى لبنان في سبتمبر/ أيلول، هو استحقاق استخراج النفط والغاز من قبل “إسرائيل” من حقول شرق المتوسط المتنازع عليها.
في هذا السياق، يبذل الوسيط الأمريكي، آموس هوكشتاين، محاولات لتذليل العقبات أمام اتفاق لبناني إسرائيلي برعاية الأمم المتحدة لترسيم الحدود البحرية، ومن ضمنها حقول النفط والغاز، غير أن هذه المحاولات لم تصل إلى نتيجة إيجابية لاعتبارات كثيرة وعديدة ليس محلّ ذكرها الآن.
وفي موازاة هذه الوساطة، كانت التهديدات تجري على قدم وساق بين “إسرائيل” من ناحية وحزب الله ممثلًا لبنان من ناحية أخرى، تهديدات وصلت إلى مستوى حديث “إسرائيل” عن تدمير لبنان، وحديث حزب الله عن قصف منصات استخراج الغاز في الحقول المتنازع عليها وفي غيرها من الحقول.
وقد أعطت “إسرائيل” مهلة لنفسها لاستخراج الغاز شهر سبتمبر/ أيلول، بينما أكّد حزب الله على أنه سيذهب إلى أقصى حدّ ممكن لمنع ذلك، قبل أن يتمَّ ضمان حقوق لبنان في حقوله وفي استخراج النفط والغاز، ولطالما كرّر استعداده للذهاب إلى حدود شنّ حرب على “إسرائيل” إذا أقدمت على استخراج النفط أو الغاز قبل أي اتفاق.
بناءً على ذلك، فإنّ لبنان أيضًا يحبس الأنفاس بانتظار ما ستسفر عنه وساطة الوسيط الأمريكي من ناحية، وهي بالمناسبة مرتبطة بمسار المفاوضات الجارية في فيينا بالنمسا إلى حدّ بعيد، أو ما ستؤول إليه التهديدات من كلا الطرفَين، وكل ذلك أو بعضه سيكون في شهر سبتمبر/ أيلول، الذي بات شهر الاستحقاقات اللبنانية بكل امتياز.