استطاعت شركة التوصيل السريع التركية “غيتر (Getir)” من ولوج العالمية، بعد نجاحها بفتح فروع لها بأوروبا والولايات المتحدة منذ سنة 2021، فما السر وراء هذا النجاح العالمي الذي جعل هذه الشركة الصغيرة، والتي أُنشئت سنة 2015، أن تصل الى قيمة سوقية لأكثر من 12 مليار دولار، وتوسّع شبكة حضورها عبر العالم في وقت وجيز؟
تركيا، وبشكل دؤوب، تؤكد قوة ديناميكية شركاتها الخاصة، القادرة على بلورة نماذج تجارية وتكنولوجية تأهّلها ولوج سوق العالمية بأسواق ناضجة وتنافسية.
من هذه النماذج التي خلقت المفاجأة بعد جائحة كورونا، شركة التوصيل السريع “غيتر”، التي تمكّنت من الاستفادة من نجاحها بالسوق التركي، لتسريع فتح فروع لها بأسواق الدول الأوروبية والولايات المتحدة الأمريكية.
مغامرة إطلاق “غيتر” بدأت في إسطنبول سنة 2015، بمبادرة من رجل الأعمال ناظم سالور، بالتزام واحد مع الزبائن: كل طلب عبر تطبيق “غيتر” سيصل إلى بيت الزبون في أقل من 10 دقائق.
5 سنوات كانت كافية لنجاح هذا التطبيق المحمول للتوصيل السريع في أكثر من 30 مدينة تركية، لمختلف الاحتياجات الأساسية للتسوق اليومي من مستلزمات المطبخ والمنزل اليومية.
نتيجة جائحة كورونا، ونظرًا إلى إكراهات الاحتياطات الاحترازية التي فرضتها السلطات عبر العالم و تركيا، تمكّنت “غيتر” من أن تصبح الحل اليومي للتسوق لملايين الزبائن بأكثر من 30 مدينة تركية، مع احترام قواعد التباعد الاجتماعي تفاديًا لانتقال عدوى فيروس كورونا.
مباشرة مع بدء التخفيف من الاحتياطات الاحترازية المرتبطة بفيروس كورونا، قررت شركة “غيتر” طرق باب الأسواق الأوروبية، بعد أن وصلت قيمتها السوقية المليار دولار سنة 2021 عقب نجاح 3 عمليات تمويلية محلية ودولية، مكّنتها من جمع استثمارات بقيمة 300 مليون دولار.
قيمة سوقية تجاوزت 12 مليار دولار
العديد من الصناديق الاستثمارية والمستثمرين استغلت النمو المطّرد لشركة “غيتر”، للاستثمار فيها عبر 6 عمليات ضخّ أموال استثمارية من ضمنها 3 عمليات تمّت سنة 2021، يتعلق الأمر بـ Séquoia Capital، Tiger Global، Silver Lake، DisruptAD وMubadala Investment Company.
الاهتمام الدولي بهذه الشركة التركية، وقوة زخم الاستثمارات المالية التي تمكّنت من جمعها، سيسمحان لها بعد ذلك بتمويل مشاريع فتح فروع لها بالعديد من العواصم الأوروبية، وكذا الولايات المتحدة الأميركية سنة 2021.
هكذا، كانت أولى المحطات الدولية لنمو تطبيق “غيتر” في السوق الأوروبي سنة 2021، عبر فتح فروع محلية في هولندا، إنجلترا، ألمانيا، إيطاليا، البرتغال وفرنسا.
الالتزام التاريخي لتوصيل كل الطلبيات في أقل من 10 دقائق وخلال كل أيام الأسبوع منذ إنشاء الشركة، شكّل بوصلة لسياسة النمو الدولي لـ”غيتر”.
استراتيجية الشركة التركية للتوصيل السريع اعتمدت، بالتوازي مع سياسة فتح فروع مباشرة بأوروبا، على القيام بشراء شركات رائدة بالأسواق المحلية المستهدفة، خاصة في دولتَي إسبانيا وإنجلترا.
في هذا الإطار، استطاعت “غيتر” بفضل قوة استثمارات الصناديق الدولية، التي وفّرت لها سيولة مالية من الاستحواذ على شركتي التوصيل السريع الإسبانية Blok والبريطانية Weezy، وبالتالي تسريع وتيرة تغلغلها في هذه الأسواق الاوروبية الكبيرة والناضجة.
نموذج “غيتر” للتوصيل السريع لم يكتفِ بالنمو في السوق الأوروبي، بل امتدّت سياسته التوسعية حول العالم إلى استهداف التواجد بأكبر وأنضج الأسواق العالمية، وهي السوق الأمريكي عبر توفير خدماته بمدينة نيويورك سنة 2021.
الالتزام التاريخي لتوصيل كل الطلبيات في أقل من 10 دقائق وخلال كل أيام الأسبوع منذ إنشاء الشركة، شكّل بوصلة لسياسة النمو الدولي لـ”غيتر”، سواء بالسوق التركي أم في باقي الدول الأوروبية والولايات المتحدة.
أسرار النجاح الدولي للنموذج التركي “غيتر”
نجاح نموذج تطبيق “غيتر” في تجاوز النجاح المحلي بالسوق التركية إلى الأسواق العالمية، هو نتاج الاعتماد أساسًا على تطوير تكنولوجي لتطبيق هاتف محمول سهل الاستعمال، وقادر على تحمُّل ضغط آلاف طلبيات الزبائن بشكل مرن ومستمر، خاصة عند فترات الإغلاق العامة الناتجة عن تداعيات جائحة فيروس كورونا.
بالتوازي مع الاستثمار في التميز التكنولوجي للتطبيق، اعتمدت الشركة التركية المجددة على بنية لوجستية قوية، مبنية على قانون القرب الجغرافي وقادرة على احترام الوعد الأساسي لشركة “غيتر”، الذي هو الالتزام بتوصيل أي طلبية في أقل من 10 دقائق إلى منزل أو مكان عمل الزبون.
على المستوى اللوجستي، اعتمدت “غيتر” على إنشاء مخازن صغيرة بالآلاف، تتوفر على مواد ومنتجات لا تتجاوز الألف صنف المتوفرة للطلب عبر التطبيق المحمول، محدودية المنتجات المتوفرة عبر التطبيق للتوصيل تضمّ أساسًا الاحتياجات والمنتوجات اليومية الأساسية، والتي يتمّ استهلاكها من طرف الزبائن بشكل يومي ومنتظم.
“غيتر” طوّرت نظام خوارزميات يعتمد على الذكاء الاصطناعي، مكنها من الاستفادة من المعطيات المجمّعة بناءً على طلبات الزبائن، لتتمكّن من استشراف اتجاهات المستهلكين وتوقعاتهم
عامل ثالث آخر مكّن الشركة التركية من النجاح المتوقع بأسواق أوروبا والولايات المتحدة، والتي هي أسواق ناضجة، وتتوفر على شركات توصيل قوية كـ”أمازون” و”أوبر إيتس” و”ديليفيرو”، هو حجم استثمارات الشركة في البحث والتطوير التكنولوجي لتوفير نظام تكنولوجي وتطبيق سهل الاستعمال، وقادر على تحمل الضغوط اليومية للطلبات عبر العالم، وبالعديد من اللغات والمدن حول العالم.
في هذا الإطار، تجدر الاشارة إلى أن “غيتر” طوّرت نظام خوارزميات يعتمد على الذكاء الاصطناعي، مكنها من الاستفادة من المعطيات المجمّعة بناءً على طلبات الزبائن، لتتمكّن من استشراف اتجاهات المستهلكين وتوقعاتهم، وذلك بالأخذ بعين الاعتبار المناطق الجغرافية التي يتواجدون فيها عبر العالم.
يمثّل نجاح “غيتر” دليلًا على التحول الذي يميز ديناميكية السوق التركي، الذي أصبح يفرز تجارب ناجحة قادرة على دخول غمار التنافس الدولي، فمن بين التجارب الأخرى الناجحة دوليًّا يمكن ذكر شركات Trendyol، Marti وHepsburda.