ترجمة وتحرير: نون بوست
جزء كبير من باكستان غارق حاليًا في المياه؛ حيث أدت سلسلة من الفيضانات الشديدة إلى تدمير الدولة الواقعة في جنوب آسيا تمامًا، والتي يبلغ عدد سكانها حوالي 225 مليون شخص، وجرفت الطرق والمباني، ودمرت المزارع، وقتلت مئات الآلاف. وخلال عطلة نهاية الأسبوع، التي شهدت موجة أخرى من الأمطار الغزيرة؛ قال مسؤولون حكوميون إن عدد القتلى تجاوز الألف وأن المياه غمرت ما يصل إلى ثلث البلاد.
لقد تسبب هطول الأمطار في هذه الفيضانات الكارثية؛ حيث يتميز الصيف بكونه موسم الرياح الموسمية، وقد كان هذا الموسم رطبًا وقاسيًا بشكل خاص، وربما تفاقم الوضع بسبب تغير المناخ، ولكن هناك سبب آخر وراء الدمار الأخير، ألا وهو ذوبان الأنهار الجليدية والثلوج.
وتعد باكستان موطنا لأكثر من 7200 نهر جليدي، أكثر من أي مكان آخر خارج القطبين، ومن المحتمل أن يؤدي ارتفاع درجات الحرارة، المرتبط بتغير المناخ، إلى ذوبان العديد منها بشكل أسرع وأبكر، مما يضيف المياه إلى الأنهار والجداول التي امتلأت بالفعل بسبب هطول الأمطار.
وقالت وزيرة المناخ الباكستانية، شيري رحمان لوكالة “أسوشييتد برس”: “لدينا أكبر عدد من الأنهار الجليدية خارج المنطقة القطبية، وهذا يؤثر علينا”، وأوضحت قائلة “بدلاً من الحفاظ على فخامتها والحفاظ عليها للأجيال القادمة والطبيعة، فإننا نشهد ذوبانها”.
وهذا يعني أن باكستان – وهي بالفعل واحدة من أكثر البلدان عرضة لتغير المناخ – ستصبح أكثر عرضة للفيضانات في ظل ارتفاع درجة حرارة كوكب الأرض، وهذه حقيقة مؤسفة لدولة مسؤولة عن جزء ضئيل فقط من انبعاثات غازات الاحتباس الحراري العالمية، مما يؤكد كيف يتم تصدير الضرر الناجم عن كبار الملوثين في كثير من الأحيان. ومثل العديد من البلدان؛ ستتحمل باكستان عبئًا غير متكافئ من تغير المناخ في السنوات القادمة.
ذوبان الجليد والثلج يؤدي إلى تفاقم الفيضانات
إن الأنهار الجليدية هي عبارة عن كتل كثيفة من الجليد المضغوط الموجودة في الجبال في مختلف أنحاء العالم، بدءًا من سلسلة جبال ألاسكا وصولًا إلى جبال الألب الفرنسية، ومن الطبيعي أن تتقلص وتنمو في غضون سنة واحدة؛ فهي تذوب في الصيف وتتوسع في الشتاء.
ولكن بشكل عام؛ أصبحت الأنهار الجليدية أصغر حجمًا على مدار العقود العديدة الماضية لأنها لم تتمكن من استعادة كتلتها في الشتاء. وأحد الأسباب البسيطة هو أن الحرارة تتسبب في ذوبان الجليد وتزايد حرارة الكوكب، ويمكن أن تؤدي درجات الحرارة المرتفعة أيضًا إلى تحويل الثلج إلى مطر، وعندما يسقط المطر على الجليد، فإنه يسرع ذوبانه، وفقًا لأولريش كامب، الأستاذ في جامعة ميشيغان ديربورن الذي كان يدرس الأنهار الجليدية منذ حوالي 20 سنة.
وتعتبر هذه مشكلة كبيرة في باكستان، فقد أظهرت دراسة نشرت سنة 2021 أن البلاد ليست مجرد بقعة جليدية ساخنة، ولكن الذوبان في جبال الهيمالايا – إحدى السلاسل الجبلية الرئيسية في البلاد – يتسارع.
من جانبه، قال جوناثان كارفيك، المؤلف الرئيسي للدراسة، في بيان عندما صدرت الدراسة، إن “نتائجنا تظهر بوضوح أن الجليد يذوب حاليًا من الأنهار الجليدية في الهيمالايا بمعدل أعلى بعشر مرات على الأقل من متوسط المعدل على مدى القرون الماضية”.
وإلى جانب ذوبان الثلوج؛ يمكن أن يتسبب الجريان الجليدي في تضخم الأنهار، حتى على بعد أميال عديدة في اتجاه مجرى الجبال، على حد تعبير كامب. ويعد هذا الأمر مثيرًا للقلق بشكل خاص عندما يتزامن مع الرياح الموسمية، والتي قد يتفاقم فيها تغير المناخ أيضًا (جزئيًّا لأن الهواء الساخن يمكن أن يحتفظ بمزيد من الماء). وأوضح كامب أنه “في ظل هذه الزيادة في منسوب المياه الذائبة في الأنهار الجليدية خلال العقود القادمة – بسبب تغير المناخ – سيتعين علينا التعامل مع الفيضانات”.
يمكن أن يتسبب الذوبان الجليدي أيضًا في فيضان بحيرات جبال الألب
وهناك طريقة أخرى يمكن أن يتسبب فيها ذوبان الجليد في حدوث فيضانات شديدة: ففي جبال باكستان؛ تشكل المياه من الأنهار الجليدية بحيرات شاهقة الارتفاع، والتي غالبًا ما يسدها الجليد، وعندما يكون هناك الكثير من الجريان السطحي، تتوسع تلك البحيرات بسرعة ويمكن أن تنكسر السدود الجليدية، مما ينتج عنه ما يسمى “فيضان البحيرة الجليدية”.
وتعتبر هذه الخروقات خطيرة للغاية؛ ففي نيسان/ أبريل، أحد أكثر الشهور حرارة على الإطلاق في باكستان، فاضت بحيرة جليدية بالقرب من جبل شيشبار، على الأرجح لأنها امتلأت بسرعة كبيرة مع ذوبان الجليد، كما ذكر كاشا باتيل في صحيفة “واشنطن بوست”، وغمرت المياه قرية في شمال باكستان وجرفت جسرًا.
ويوجد في شمال باكستان حاليا أكثر من 3000 بحيرة جليدية، ويبدو أن بعضها يتشكل في وقت سابق من السنة بسبب الحرارة الشديدة. ومن المثير للقلق؛ أن 33 منهم “عرضة لفيضانات خطيرة من البحيرات الجليدية”، وفقًا للأمم المتحدة.
وهذه السنة؛ كان هناك أكثر من اثني عشر انفجارًا جليديًا، أعلى بكثير من المتوسط السنوي البالغ خمسة أو ستة. ومع ذلك؛ ليس من الواضح إلى أي درجة أدت هذه الانفجارات إلى تفاقم الفيضانات في الأسابيع الأخيرة.
الدول الغنية مسؤولة إلى حد كبير عن الآثار المتطرفة لتغير المناخ
لم يحدد العلماء بعد الدور الذي يلعبه تغير المناخ في الفيضانات؛ لكن من الواضح أن الاحترار يعرض باكستان للخطر؛ حيث إن الأمر لا يتعلق بالفيضانات فقط، بل إن الحرارة والجفاف وغير ذلك تعد من الأعراض المنبهة لارتفاع درجات الحرارة. في الواقع؛ ووفقًا لمؤشر مخاطر المناخ العالمي الذي طورته منظمة ألمانية غير حكومية؛ فإن باكستان هي ثامن دولة معرضة للطقس القاسي.
حتى لو كان الاحترار العالمي يقتصر على 1.5 درجة مئوية، وهو الهدف الأكثر طموحًا بموجب اتفاقية باريس للمناخ، فإن ثلث الأنهار الجليدية في باكستان من المحتمل أن تذوب. وقال كامب إنه بينما تتقلص الأنهار، فيمكنها أن تصل إلى نقطة حرجة، مضيفا أنه “عندما تكون الأنهار صغيرة جدًا، يتغير كل شيء فجأة بنسبة 180 درجة، بدءا من الكثير من المياه والفيضانات وصولًا إلى الجفاف”.
ولتحقيق هذه الغاية؛ دعت باكستان الدول الغنية إلى الوفاء بالتعهد الذي قطعته على نفسها منذ أكثر من عقد من الزمان بتزويد الدول ذات الدخل المنخفض بمبلغ 100 مليار دولار سنويًا للتكيف مع تغير المناخ.
وقال السفير عامر خان، نائب الممثل الدائم لباكستان لدى الأمم المتحدة، في مقابلة صحفية في تموز/يوليو الماضي: “إن البلدان النامية؛ رغم أنها ليست مسؤولة عن غالبية الانبعاثات اليوم، تتحمل في كثير من الأحيان وطأة تأثيرات تغير المناخ. لذلك، يجب الاعتراف بالتحديات المحددة التي تواجه البلدان النامية في مجال تغير المناخ”.
المصدر: فوكس