ترجمة وتحرير: نون بوست
إذا كنت تقضي الكثير من الوقت على الإنترنت فربما شعرت في مرحلة ما برغبة لا تقاوم في القيام بعمل جانبي. والمقصود بالعمل الجانبي مشروعًا تبدأ فيه بنية صريحة إلى حد ما في كسب المال أو المتابعين أو الاعتراف أو الشهرة. ربما فكرت في إطلاق بودكاست أو مدونة أو قناة على يوتيوب أو متجر إلكتروني على إتسي. لم لا؟ فنحن نعيش في اقتصاد المحتوى حيث تسود ثقافة تأليه ريادة الأعمال، ولا تنفك إعلانات ويكس وسكويرسبايس تذكّرنا بأنه من السهل إنشاء موقع ويب احترافي لأي مشروع ناشئ.
بالنسبة لأولئك الذين باشروا عملًا جانبيًا، من الوارد جدًا أنهم سيُصابون بعد فترة قصيرة بالإرهاق. قد تشعر أنك لا تستطيع الحفاظ على مستوى معين من الإنتاجية أو أن هوايتك لم تعد ممتعة بعد إضفاء الطابع المهني عليها. ومهما كان السبب، قد يبدو ما تفعله روتينيًا.
ماذا تفعل عندما يصبح عملك الجانبي عبئا أو مملا؟ قد تتراخى مع اتخاذ خطوات مبهمة عند العودة إليه فتشعر بالذنب لتخلّيك عنه. (هل فعلت ذلك؟ هل أفعل ذلك الآن مع مشروع معين؟ من يعلم!) يمكنك التطرق إلى هذه المسألة مباشرةً من خلال طرح بعض الأسئلة المعتمدة من الخبراء على نفسك لإرشادك نحو نهج أكثر استدامة.
اسأل نفسك لماذا بدأت عملك الجانبي؟
عندما أجريت مقابلات مع الخبراء حول هذا الموضوع، أردت معرفة الأسئلة التي قد يطرحها الناس على أنفسهم عندما يشعرون أن عملهم الجانبي يستنزف طاقتهم، وذلك من أجل معرفة كيفية المضي قدمًا. وقد كانت إجاباتهم متشابهة في المجمل: “لماذا بدأت هذا العمل الجانبي في المقام الأول؟”.
ربما بدأت عملك الجانبي لكسب المال، أو لأنك أردت ممارسة ما تبدع فيه، أو كنت شغوفا بشأن قضية ما، أو لأن جميع أصدقائك لديهم مشاريع موازية وكنت تعتقد أنه عليك فعل ذلك أيضًا. بالتأني ومراجعة هدفك الأصلي، يمكنك معرفة ما يحدث بالفعل والبحث عن حلول.
إذا كان السبب الأولي لبدء عملك الجانبي لا يزال يتردد صداه معك، فيمكنك عندئذٍ النظر في إعادة تحديد المشكلة. يقترح بيل بورنيت، المؤسس المشارك والمدير التنفيذي لـ “مختبر ستانفورد لايف ديزاين” والمؤلف المشارك لكتاب “تصميم حياتك“، التفكير في التحدي الذي تواجهه من حيث ما يسمى بـ”مشاكل المرساة” و”مشاكل الجاذبية”. لنفترض – مثلا – أنك منخرط في نشرة إخبارية أسبوعية مخصصة لتتبع افتتاح مطاعم جديدة في مدينتك لأنك تحب تجربة أماكن جديدة وترغب في مشاركة هذه المعلومات مع الآخرين. قد تكون مشكلة المرساة هنا هي الفكرة الثابتة بضرورة وجود نشرة إخبارية أسبوعية – أو حتى النشرة الإخبارية في حد ذاتها
يقول بورنيت: “بمجرد أن تقرر أن هناك حلًا واحدًا فقط لمشكلة ما، فأنت بذلك تحبس نفسك”. وعلى سبيل التدريب، حاول التخلي عن المراسي التي قمت بتثبيتها على عملك الجانبي، ثم قم بعصف ذهني لإيجاد طرق أخرى لتحقيق هدفك المركزي. ماذا لو أرسلت هذه النشرة الإخبارية كل شهر بدلاً من كل أسبوع؟ ماذا لو اتخذت هذه الخطوة شكلاً أكثر إثارة بالنسبة لك، مثل حساب تيك توك أو إنستغرام؟
إذا كان المشروع لا يتماشى مع هويتك وما تريد أن تقدمه للعالم فهذا سبب وجيه للتخلي عنه.
في المقابل، لا يمكن تغيير مشاكل الجاذبية. في هذا الصدد، يوضح بورنيت: “إنه مجرد قانون من قوانين الطبيعة، وفي هذه الحالة نقول إنها ليست مشكلة وإنما مجرد ظرف”. قد تظهر مشكلة الجاذبية أيضًا في موقف يمكنك إحداث تغيير فيه ولكنك لست على استعداد للقيام بذلك. فعلى سبيل المثال، يمكنك تحضير مخزون من المشروبات بالتخمير البارد وإرسال نشرة إخبارية للمطعم في نهاية كل أسبوع إلى جانب وظيفتك المعتادة – ولكن ربما لم تدرك في البداية مقدار الجهد والطاقة اللذين تتطلبهما النشرة الإخبارية، ولا ترغب في التضحية بكل وقت فراغك عليها. (الإرهاق حقيقي.) هذا موقف منطقي يجب أخذه بعين الاعتبار. وعندما تقوم بالعصف الذهني للحلول، يكون عملك ضمن هذا القيد.
من خلال التساؤل لماذا بدأت عملك الجانبي؟ قد تدرك أيضًا أن إجابتك تقودك إلى التوقف. قد يكون هذا الاحتمال صحيحًا خاصة في حال بدأت مشروعًا تقليدا لأصدقائك، أو لأنك شعرت بنوع من ضغط الأقران. ويقول بورنيت: “عليك فقط أن تكون صادقًا مع نفسك. فبدلاً من فتح موقع على إتسي ربما تحتاج إلى علاج. لماذا أهتم بما يفكر فيه أصدقائي عني، ولماذا أعتمد هذا المقياس لتقييم نجاحي في العالم؟”.
ترى سارة نوبل، مدربة الحياة التي تعمل مع المبدعين، أنه إذا كان المشروع لا يتماشى مع هويتك وما تريد أن تقدمه للعالم فهذا سبب وجيه للتخلي عنه. وتحب سارة أن تساعد العملاء الذين يباشرون مشروعًا جديدًا على وضع “شروط للرضا” تتضمن “القواعد الأساسية” لمعرفة متى يجب التخلي عن هذا المشروع. وتقول نوبل: “لا أعتقد أننا، كأشخاص مبدعين على وجه الخصوص، نفعل ما يكفي للتخلي عن مشاريعنا والانتقال إلى شيء آخر”.
التخلي عن تقريع الذات والكمالية والإلزامية
عندما تبدأ في إعادة هيكلة عملك الجانبي، قد تسمع صوتا في داخلك يقول، “بالتأكيد، يمكنك نقل نشرتك الإخبارية الأسبوعية إلى نشرة شهريّة، ولكن لا يجب عليك ذلك”، ويقدم لك كل أنواع الأسباب. سوف يفشل مشروعك! لقد أخبرت المشتركين في قناتك أنك سترسلها كل أسبوع وعلى هذا النحو لن تفي بوعدك! يزاول أقرانك الأكثر نجاحًا وظائف رفيعة المستوى ويديرون مدونات لها نشرات إخبارية أسبوعية، لذلك يجب عليك القيام بالمثل!
هذا أمر طبيعي، لذا لا تقع في دوامة تقريع الذات. حيال هذا الشأن، تقول أستريد بومغاردنر، المدربة المهنية لقادة الفنون والمبدعين ومؤلفة كتاب “النجاح الإبداعي الآن: كيف يمكن للمبدعين أن يزدهروا في القرن الحادي والعشرين”: “أعتقد أن الإشكال الأكبر الذي يواجهه الناس عند بدء عمل جانبي ثم الاصطدام بالعراقيل هو أن هناك قدرًا كبيرًا من تقريع الذات والتساؤل عما إذا كانت المشكلة فيهم”.
تقريع الذات يعيق عملية البحث عن حل مستدام لعملك الجانبي. وحسب ما أكده بورنيت: فإن “التصميم يعمل فقط في الواقع، في الوقت الحالي، وحيث نحن اليوم”. بدلاً من التركيز على النسخة الأكثر طموحًا من عملك الجانبي – التي لا وجود لها – اقبل واقعك: لقد جربت نسخة واحدة منه ولم تنجح تمامًا، ولديك الآن بعض المعلومات القيمة لإرشادك للمضي قدما”.
أحيانًا نفرض كلمة “ينبغي” على أنفسنا، بينما قد تأتي أحيانًا من الأشخاص الموجودين في حياتنا بما ذلك أحبائنا ذوي النوايا الحسنة. وبدلاً من أخذ عبارة “ينبغي” لشخص آخر في ظاهرها، تقترح بومغاردنر التعامل معها كعلامة: “عندما تسمع هذه الكلمة، اطرح على نفسك هذا السؤال: “قد تعتقد ذلك، لكن هل علي فعل هذا حقا؟”.
إذا أخبرك أحد الأصدقاء بأنه ينبغي عليك استثمار هوايتك في الخياطة، على سبيل المثال، فكر بجدية فيما إذا كان هذا هو الشيء الذي تريده حقًا، لأنه حتى لو كان التشجيع الخارجي يحفزك على بدء مشروع، فمن المحتمل ألا يدعمك على المدى الطويل. وتقول بومغاردنر: “إذا لم يكن هذا هو هدفك، فلن ينجح المشروع”.
بالحديث عن “المصادقة الخارجية”، من بين الأسباب الرئيسية التي تجعلك تشعر بأنك عالق في عمل جانبي – حتى إذا كان من الواضح أنه لم يعد مناسبًا لك – هو الخوف من إحباط جمهورك أو عملائك. في النهاية، هؤلاء الأشخاص هم الذين منحوك وقتهم واهتمامهم وأموالهم – والذين جعلوا بشكل فعال العمل الجانبي ما هو عليه الآن. هذا حقيقي. ولكن “عليك أن تتخلى عنه” على حد تعبير بومغاردنر. وحسب نوبل فإن جمهورك ليس شخصية مرجعية في حياتك (إنهم ليسوا والديك. كرر ذلك مرة أخرى.): “وإذا كانوا متوافقين حقًا مع هويتك والعمل الذي تقوم به، فسيكونون متوافقين مع أي طريق تسلكه أو أي اتجاه تقرر أخذ عملك إليه”.
تعامل مع عملك الجانبي كتجربة
بعد تحديد دوافعك لبدء عمل جانبي وإعادة صياغة التحديات التي تواجهها، يمكنك الدخول في وضع التجريب، حيث تختبر التغييرات التي تم إجراؤها على المشروع وترى نتائجها. وتنصح بومغاردنر بالتحلي بالانفتاح خلال هذه العملية: “ربما كانت لديك فكرة عن ذلك في البداية، لكن امنح نفسك حرية رؤية ما يبدو عليه الأمر. احصل على المعلومات باستمرار من خلال طرح الأسئلة: كيف يعجبني هذا؟ كيف أستغل نقاط قوتي؟ إلى أي مدى يعتبر هذا ممتعا؟ ما مدى صعوبة هذا؟ وما الذي أنا بصدد تعلمه؟”.
بناءً على طبيعة عملك الجانبي، يمكنك التفكير في تغيير إيقاع أو طول أو موضوع أو شكل منتجك. إذا كنت تواجه صعوبة في التعامل مع جانب تقني منه، فاعمل على حل هذا التحدي واطلب المساعدة من شخص أو شاهد مقطع فيديو تعليمي على يوتيوب. قد تفكر أيضًا في تعديل جوانب أخرى من حياتك لتناسب عملك الجانبي. إذا كان عملك الجانبي يمثل أولوية كبيرة – كمصدر للدخل أو مشروعا شغوفا أو أداة للتقدم الوظيفي – فربما سيفيدك التخلي عن تصفح تيك توك أو مشاهدة التلفزيون لتعديل جدولك الزمني.
إذا كان هذا مناسبا، يمكنك حتى تجربة نسخة معدلة من عملك الجانبي بشكل خاص. فمثلا قبل أن تطلق بومغاردنر مدونتها، التي أصبحت في النهاية أساسا لكتابها، قامت باختبارها لمدة ستة أشهر لترى كيف تبدو المدونات من خلال تخزين المنشورات دون نشر كلمة واحدة. ويمكن أن تمنحك النماذج الأولية فرصة الحصول على تعليقات من الأصدقاء والعائلة قبل طرح منتجك للعلن.
لا توجد فترة زمنية واحدة مثالية لإجراء مثل هذا النوع من التجارب، ولكنك سترغب في منح نفسك ما يكفي من الوقت للدخول في مسار التغييرات التي سبق أن قمت بها. يمكن أن يستغرق هذا الأمر ثمانية أسابيع أو حتى عدة أشهر، مع ضرورة منح نفسك متسعًا من الوقت خاصة إذا ما كنت تختبر منتجًا جديدًا. وهو ما تقول بشأنه بومغاردنر: “أعتقد أنه إذا استمر هذا الأمر لأكثر من سنة، فيمكن اعتبار هذا عذرًا”.
تمثل هدفك في تطوير المشروع والتعلم من أخطائك إلى أن تنجح
في حين أن هناك الكثير من القيمة في تحليل الدوافع خلف عملك الجانبي وتبادل الأفكار المدروسة المتعلقة بإصدارات أخرى منه، فإن هذا النوع من التجارب يتطلب أيضًا جرعةً صحية من عدم التفكير الجاد – ذلك الافتقار إلى الانفتاح الذهني والافتقار إلى الصلابة الذي وصفته بومغاردنر. كما تقول سارة كامبل، كاتبة ومدربة حياة مقيمة في لوس أنجلوس: “فقط افعلها. فالتفكير يمكن أن يستغرق 100 سنة قبل تجسيد فكرتك. دعها تكن سيئة”.
من خلال تجربة بورنيت، فإن الشعور الرهيب بالفشل في محاولتك الأولى يتبدد بمجرد بدءك بالتجربة. وفي هذا السياق، يقول الأستاذ المساعد للهندسة الميكانيكية في جامعة ستانفورد الذي عمل سابقا في تصميم المنتجات في آبل، والذي يُعد خبيرا في النماذج الأولية: “بالطبع سارت الأمور بشكل خاطئ في المرات الأولى، وسيتكرر ذلك مع النماذج الخمس الأولى والعاشرة وحتى الخامسة عشرة. فعندما كنت في آبل، قمنا باختراع أول حاسوب محمول بوجود ما يقارب 300 نموذج أولي قبل أن نكتشف أن لوحة المفاتيح يجب أن تكون في الخلف وكرة التعقب في المقدمة”.
يتمثل هدفك في تطوير المشروع والتعلم من أخطائك إلى أن تنجح. ومن جهته، يقول بورنيت: “لا تبتكر طريقتين للقيام بذلك، بل ابتكر عشر طرق، وبمجرد أن تكون مشغولًا في التفكير سيزول الشعور بالذنب، وستختفي كلمة “ينبغي”، وستتوقف عن مقارنة نفسك بالآخرين. إن الفضول حول ” تعدد الاحتمالات التي يمكن أن تحدث في المستقبل” يُعتبر أمرا قويًا ومثيرًا وممتعًا”.
تقبل المد والجزر في العمل
مع تطور أهدافك واحتياجاتك والتزاماتك وعملك ونمط حياتك، من المرجح أن تطرأ أيضا تطورات على عملك الجانبي خلال دورة حياته. هذا ما اختبرته كامبل بشكل مباشر من خلال مدونتها الخاصة التي بدأتها بعد إنهاء مفهوم الشركة الناشئة، الذي كان بحد ذاته عملا جانبيا: “أعتقد أنني في ظل تطور مدونتي وصلت إلى طريق مسدود عدة مرات”.
عندما انهارت شركتها الناشئة، أصيبت كامبل باكتئاب شديد، وأصبحت مدونتها “تايني ريفولوشنز” وسيلة للتحدث عن تلك المشاعر: “خلال الأشهر الستة الأولى كنت أكتب عن هذا الموضوع لأساعد نفسي على التعافي. وهو ما كنت بحاجة إلى القيام به”. وعندما بدأت تشعر بالتحسن، لم يكن لهذا المشروع صدى مثلما كان من قبل، ولفترة من الوقت، أصبحت مدوناتها أكثر تفرقًا. وعندما ضرب فيروس كوفيد-19، حاولت كامبل استعادة النسق بالكتابة مرة واحدة في الأسبوع حول مواضيع مثل الصحة العقلية والبوذية. وهو ما أصبحت تكتب عنه في الآونة الأخيرة، مرة كل شهر.
بعد أربع سنوات من كتابة المدونات، تعتقد كامبل أن قراءها يثقون في أن نشرتها الإخبارية ستظهر في بريدهم الوارد وإن لم يكن ذلك دائما وفقا لجدول زمني محدد بدقة. وقد تضاعف عدد قراءها منذ أن توقفت عن الكتابة أسبوعيًا.
تقول كامبل إنه عندما يتعلق الأمر بالنشاطات الجانبية، هناك درجة معينة من التقلب الذي يتعين علينا تعلم تحمّله – مد وجزر معين يجب تقبله. كما تقول: “بالنسبة لي، عندما تشعر أنك تقوم بعمل روتيني، عندها يتعين عليك أن تكتشف طريقة للمضي قدما. فمثلا، عوضا عن الالتزام بنشر محتوى يوم الجمعة على الساعة 8 صباحا، قم بإعادة صياغة جدولك لتكون رحلة من الفضول والاستكشاف”.
المصدر: فوكس