لبنان: سياسيون يراكمون الثروات ومواطنون تلتهمهم الديون
ادّخر الشاب اللبناني بسام الشيخ حسين مبلغ 209 آلاف دولار في حساب توفير في البنك الفيدرالي اللبناني، لوقت يستحقهم فيه، وجاء هذا الوقت في شهر أغسطس/ آب الماضي، بالتزامن مع تزايد الديون والفواتير الطبية لوالده المريض.
توجّه الشاب إلى فرع بنكي في حي الحمراء بغرب بيروت للحصول على أمواله، لكن رُفض طلبه فقد تمَّ تحديد سقف السحوبات الشهرية بما يعادل 400 دولار، وهو ما لا يكفي لعائلته للبقاء على قيد الحياة، وعلى الرغم من قلة هذا المبلغ، إلا أنه لم يستطع تحصيله من البنك، وحينها قرر حسين مغادرة البنك، والتوجه إلى سيارته، حيث أخرج بندقية وعبوة بنزين، ورجع إلى الفرع البنك واحتجز 6 أشخاص كرهائن، مطالبًا بالإفراج عن أمواله، ومع وصول الشرطة إلى مكان الحادث احتشد عشرات الأشخاص في الخارج، وتحول الأمر فيما بعد إلى وقفة احتجاجية ضد البنوك اللبنانية والطبقة الحاكمة.
أطلق الشاب اللبناني سراح الرهائن عندما وافق البنك على تسليم 35 ألف دولار من أمواله، بعد ساعات من المفاوضات المتوترة، لكن تم الحجز على حسين لمدة 5 أيام قضى نصفها في إضراب عن الطعام، وتم الإفراج عنه بعد أن أسقط البنك الفيدرالي التهم الموجهة إليه.
تبيّنُ هذه الحادثة مستوى الانهيار الذي وصل إليه الاقتصاد اللبناني، وحدّة الأزمة الاقتصادية التي صنّفها البنك الدولي على أنها واحدة من بين 3 أشد أزمات عرفها العالم منذ منتصف القرن الـ 19، فالبنوك منهارة واحتياطي العملات الأجنبية لدى البنك المركزي في أتعس حالاته، فضلاً عن شحّ بالوقود والأدوية وسلع أساسية أخرى.
يحدث هذا في بلد يحكمه سياسيون لا مهمة لهم سوى اكتناز الأموال، إذ يضم لبنان 6 مليارديرات في قائمة “فوربس” لأغنى أغنياء العالم، بإجمالي ثروات قدرت بنحو 12.6 مليار دولار، على رأسهم رئيس الوزراء نجيب ميقاتي وأفراد عائلة الحريري ومحافظ البنك المركزي رياض سلامة.
سنحاول في هذا التقرير لـ”نون بوست” ضمن ملف “الأوليغارشية العربية”، التعرّف إلى خبايا الأوليغارشية في لبنان، الممثلة في عائلات ميقاتي وسلامة ودياب، وكيفية جني هؤلاء للثروة واستفادتهم من وجودهم في السلطة ومراكز القرار، في الوقت الذي ينهار فيه البلد.
عائلة ميقاتي والتربُّع على عرش أثرياء لبنان
تتربّع عائلة ميقاتي على عرش أثرياء لبنان، كما احتل نجيب وشقيقه طه المرتبة الرابعة على مستوى الشرق الأوسط والمرتبة 951 على مستوى العالم وفقًا لتصنيف “فوربس”، وبلغت ثروة الشقيقَين خلال السنة الحالية 3.2 مليارات دولار، وقد زادت بمقدار 700 مليون دولار مقارنة بالسنة الماضية، لتكون المكاسب الأعلى هذا العام بين مليارديرات العرب.
أضاف الأخوان ميقاتي هذا المبلغ الكبير إلى ثروتهما في ذروة الانهيار المالي اللبناني، وفي ذروة إفلاس الدولة والمصارف والمواطنين، وهو ما يطرح عدة أسئلة ينتظر اللبنانيون الإجابة عنها، لكن الأخوين يركزان على جمع الثروة وليس الإجابة عن الأسئلة وإن كانت مشروعة.
البداية الفعلية للأخوين ميقاتي في مجال الأعمال كانت سنة 1982، حيث أسسا معًا شركة إنڤيستكوم (INVESTCOM)، لبيع الهواتف الفضائية في ذروة الحرب الأهلية اللبنانية، ما حقّق لهم عوائد مالية كبرى، فاللبنانيون كانوا في حاجة لهذه الهواتف.
حصلت شركات مملوكة من نجيب وطه ميقاتي وأولادهما على قروض من الدولة اللبنانية التي تعاني شبح الإفلاس.
بعد نجاحهم في لبنان، اتجهوا نحو إفريقيا وتوسعوا هناك، حيث قاموا ببناء أبراج الهاتف المحمول في غانا وليبيريا وبنين، وتمتلك هذه الشركة حاليًّا شبكة واسعة في عالم الاتصالات الآن، ما مكّنها من احتكار عديد الأسواق في دول مختلفة.
في سنة 2005، تم إدراج شركة الاتصالات التابعة لمجموعة ميقاتي في مجلس الإدارة الرئيسي لبورصة لندن، بعدها تم الاندماج مع شركة الاتصالات الجنوب إفريقية الرائدة MTN ومقرّها جوهانسبورغ، وشهدت المجموعة بذلك نقلة نوعية.
بعدها بسنتين أسس الأخوان مجموعة (M1) القابضة ويديرها نجيب، وتتضمن استثمارات المجموعة حصصًا في عديد الشركات العالمية، فضلًا عن قطاع التجزئة بمجال الأزياء مثل بيبي جينز (Pepe Jeans)، والعقارات الفارهة في نيويورك ولندن وموناكو.
سنة 2021، اشترت المجموعة مشغّل الهاتف المحمول في بورما التابع لشركة تلينور النرويجية مقابل 105 ملايين دولار، وهو مبلغ زهيد مقارنة بقيمة الموجودات الفعليّة للشركة، التي تناهز حدود الـ 600 مليون دولار أميركي.
وبرّر عزمي ميقاتي العملية بـ”دعم الأشخاص في البيئات الصعبة”، ذلك أن بورما تعيش انقلابًا عسكريًّا، لكن في المقابل يعيش بلده لبنان أسوأ أزمة اقتصادية في تاريخه وسط انهيار اقتصاده وهروب الشركات والمستثمرين منه، ومع ذلك لم تتحرك العائلة ساكنًا.
السياسة في خدمة ميقاتي
مكّن عالم الأعمال نجيب ميقاتي من دخول عالم السياسة، وكانت البداية بتوليه منصب وزير الأشغال العامة ووزير النقل في حكومة سليم الحص الرابعة سنة 1998، وتناوب على عديد الوزارات إلى غاية سنة 2005، رغم تغير الحكومات.
في تلك السنة، تم تكليفه برئاسة الحكومة التي تلت استقالة حكومة الرئيس عمر كرامي بعد اغتيال رئيس الوزراء الأسبق رفيق الحريري، وبقي في منصبه 4 أشهر فقط، وفي سنة 2009 عاد وترشح للانتخابات عن قضاء طرابلس بالتحالف مع تيار المستقبل وحلفائه، واستطاع تحقيق الفوز والدخول مرة أخرى إلى البرلمان.
في 25 يناير/ كانون الثاني 2011، أُعيد تكليف ميقاتي برئاسة الحكومة وذلك بعد سقوط حكومة سعد الحريري، و22 مارس/ آذار 2013 استقال من الحكومة، لكنه سلم المنصب في 15 فبراير/ شباط إلى حكومة تمام سلام.
في 26 يوليو/ تموز 2021، عاد نجيب ميقاتي مجدّدًا إلى الوزارة، وتمكن في 10 سبتمبر/ أيلول من السنة نفسها من تشكيل حكومة مكونة من 21 وزيرًا، وأصدر رئيس الجمهورية ميشيل عون مرسومًا بتعيين ميقاتي رئيسًا للوزراء ومرسومًا آخر بتعيين وزراء الحكومة.
في الأثناء كانت شركات الأخوين ميقاتي تحقّق أرباحًا كبيرة، فالمناصب السياسية فتحت الآفاق الواسعة أمامها في ظل انعدام المنافسة والشروط المجحفة في حق مستخدمي شركات الاتصالات، وقد سمح اتساع حضور ميقاتي السياسي في اتساع نفوذه المالي.
تمثلت الصفقة الأبرز، في مشاركة “فرانس تليكوم” بملكيّة أسهم شركة “سيليس”، التي تولّت الاستثمار في قطاع الاتصالات الخليويّة في لبنان مع شركة “ليبونسيل” إلى غاية سنة 2001، واتسمت صفقات قطاع الخليوي في تلك المرحلة بانعدام الشفافيّة ومخالفة جميع معايير النزاهة.
أعطت العقود المبرَمة بين الدولة والشركتين الحق في بيع 250 ألف خط هاتفي فقط، إلا أن مجموعة ميقاتي وشريكها باعا أكثر من 800 ألف خط هاتفي، وتمكنت الشركتان بذلك من تحقيق كسب غير مشروع على حساب الدولة اللبنانيّة بقيمة 600 مليون دولار أمام أنظار السلطة.
إلى جانب ذلك، مارست الشركتان الاحتكار، حيث أقفلت باب المنافسة وحصرت الخدمات عندهما لمدة 8 سنوات، وتقاسما معًا مغانم القطاع بالتساوي والتفاهم على تسعيرة متشابهة للخدمات التي يتم تقديمها، وقد استغل نجيب ميقاتي منصبه الوزاري لتكريس ذلك.
لم تستغل عائلة ميقاتي الحرب في لبنان فقط، فقد عُرفت بالاستثمار في مناطق النزاع على غرار سوريا ومشاركة آل مخلوف هناك، وفي اليمن وأفغانستان والسودان مستغلة حاجة الأنظمة هناك لشريك يؤمن لهم السيطرة على قطاع الاتصالات، والتنصت على المواطنين ومراقبتهم.
منصبه على رأس البنك المركزي اللبناني، خوّل رياض سلامة الاقتراب من رجال السلطة والسياسة.
استغلال النفوذ السياسي لعائلة ميقاتي لم يتوقف هنا، حيث حصلت شركات مملوكة من نجيب وطه ميقاتي وأولادهما على قروض من الدولة اللبنانية التي تعاني شبح الإفلاس، من ذلك حصولهم على 10 قروض مدعومة لشراء شقق في بناية مطلّة على نادي اليخوت في بيروت، بلغت قيمتها الإجمالية 34.1 مليون دولار، موزّعة بين قروض بالدولار بقيمة 19.5 مليون دولار، وقروض بالليرة بقيمة 22.2 مليار ليرة بين عامَي 2010 و2013.
فضلًا عن ذلك، حصلت مجموعة ميقاتي على تعويضات من الدولة اللبنانية بحوالي الـ 220 مليون دولار، بعد أن ادّعت خسارتها في قطاع الاتصالات، إلى جانب ذلك استغلت العائلة مكانتها السياسية للتهرّب من الضريبة على القيمة المضافة بحوالي 49 مليون دولار.
كما استغلت العائلة نفوذها كي تحصل من الدولة على عقد “ليبان بوست“، وهي شركة محظيّة استطاعت أن تقدّم خدمات عامة بصورة احتكارية، ومكنتها الدولة من امتيازات احتكار السوق وتحديد الأسعار التي تناسبها والمجالات التي تريد العمل فيها.
إلى جانب ذلك، استفاد نجيب ميقاتي وهو في سدّة الحكم من المشاريع العامة، ودخل في القطاع المصرفي وأصبح شريكًا في أحد أكبر المصارف، مستفيدًا من عمليات مالية وفّرت له أموالاً من دون فائدة لتكبير حصّته في المصرف.
عائلة سلامة
إلى جانب عائلة ميقاتي، نجد عائلة سلامة التي يتربع ابنها رياض على عرش المصرف المركزي اللبناني منذ سنة 1993، وتقدّر بعض التقارير صافي ثروة غسان بنحو 4 مليار دولار موزعة بين لبنان وعديد الدول على غرار لوكسمبورغ، التي يمتلك فيها استثمارات بقيمة 94 مليون دولار.
يقول سلامة إن ثروته قانونية، حيث استثمر الأموال التي جناها من عمله طيلة 20 سنة لدى شركة “ميريل لينش” في بيروت وباريس، والتي تقدّر وفق قوله بـ 23 مليون دولار، مكّنه استثمار هذا المبلغ في جني الثروة التي يملكها الآن.
لا يبدو هذا الكلام مقنعًا لعدد كبير من اللبنانيين وبعض الدول الغربية أيضًا، حيث يُتهم رياض سلامة باستغلال رئاسة البنك المركزي وعلاقته القوية مع رئيس الوزراء اللبناني الراحل رفيق الحريري، لمراكمة الثروة تحت أنظار الدولة.
اختير سلامة سنة 1993 ليتولَّى منصب حاكم مصرف لبنان، بُغية إخراج البلاد التي تفاقمت أوضاعها في أعقاب الحرب الأهلية (1975-1990) من أزمة ديون الحكومات المتعاقبة، لكن الظاهر أن ما حصل هو العكس، حيث فاقم أزمات البلاد في مقابل أنه راكم ثروته الخاصة.
سبق أن ألقت “سويس ليكس” و”وثائق باناما” و”وثائق باندورا” الضوء على شبكة الشركات التي أسسها حاكم البنك المركزي الذي لا يمكن عزله.
بحكم رئاسته للمصرف المركزي، يترأّس رياض سلامة أيضًا الهيئة المصرفية العليا وهيئة التحقيق الخاصة المعنية بمكافحة تبييض الأموال وتمويل الإرهاب وهيئة الأسواق المالية، كما يشغل عضوية مجلس محافظي صندوق النقد الدولي وصندوق النقد العربي.
منصبه على رأس البنك المركزي اللبناني خوّل لرياض سلامة الاقتراب من رجال السلطة والسياسة، حيث مكنهم من عديد الامتيازات ومكنهم من تهريب الأموال خارج البلاد على غير الصبغة القانونية، وذلك حتى يحافظ على منصبه.
استغل سلامة سمعته الاقتصادية وقربه من رجال السلطة، لجمع أموال طائلة أضافها إلى ثروته الموجودة خارج البلاد، حيث تقول عديد التقارير إنه سطا على أموال المودعين، وقام بعمليات غسل وتبييض الأموال، فضلًا عن إغراق لبنان في ديون خارجية عجزت الدولة عن سدادها.
من هذه التجاوزات مثلًا، تهريب البنوك اللبنانية ما يقرب من 6 مليارات دولار لصالح مسؤولين نافذين في البلاد منذ أكتوبر/ تشرين الأول 2019، رغم حجب التحويلات إلى الخارج مع دخول البلاد في أزمة مالية، وتمّت هذه العمليات بإشراف رياض سلامة.
كما قام سلامة وشقيقه باختلاس أموال البنك المركزي وضلوعهما في غسيل الأموال، حيث أظهرت وثائق أن سلامة استخدم شركة وساطة مملوكة لشقيقه، ليخوِّلها حق بيع سندات الدين الخارجي المعروفة بـ”يوروبوند” من المصرف المركزي، ومن ثم نقلها إلى البنوك السويسرية، وغسل الملايين في فرنسا عبر شراء العقارات الراقية، بما في ذلك عقارات فاخرة قُرب برج إيفل.
اشترى سلامة عدة عقارات داخل البلاد وخارجها، فضلًا عن ارتكابه عدة تجاوزات أثناء عمليات الشراء، حيث تشير بعض التقارير أن سلامة يملك 13 عقارًا موزعة بين بيروت وجبل لبنان، من ذلك عقار اشتراه في منطقة الصفرا سنة 2008 على الشاطئ مع واجهة بحرية بطول 60 مترًا، وتبلغ مساحة العقار نحو 7 آلاف متر، ويظهر عقد البيع أن سلامة اشتراه بقيمة 500 ألف دولار، رغم أن قيمة العقار تبلغ أضعاف هذا المبلغ.
كما يُتهم سلامة أيضًا باستئجار شقق سكنية في باريس لصالح المصرف المركزي اللبناني لكن لم يتم استعمال هذه الشقق، وبالتحري عنها تبيّن أن أغلبها يعود ملكيته لسلامة أو أحد أفراد عائلته أو مقرّبين منه.
سبق أن ألقت “سويس ليكس” و”وثائق باناما” و”وثائق باندورا” الضوء على شبكة الشركات التي أسسها حاكم البنك المركزي الذي لا يمكن عزله، رياض سلامه وأفراد عائلته، ليديروا ثروة تجاوزت قيمتها ملياري دولار على أقل تقدير.
نتيجة تهم الفساد التي تلاحقه، فتحت عديد الدول على غرار سويسرا وفرنسا ولوكسمبور وألمانيا تحقيقات في حق رياض سلامة، وهو لا يزال في منصبه الذي لا يبدو أنه سيتركه في وقت قريب، ليكون بذلك أول حاكم مصرف تفتح في حقه قضايا تتعلق بالفساد.
بداية هذه السنة، أرسل القضاء السويسري مراسلة إلى القضاء اللبناني تحدث فيها عن اختلاس سلامة وشقيقه رجا لأموال بما يقدر بأكثر من 300 مليون دولار على نحو مضرّ بمصرف لبنان، من خلال توقيعه على عقد مقدّم من شركة FORRY ASSOCIATED LTD في جزر فيرجين البريطانية.
في منتصف شهر يوليو/ حزيران الماضي، أقدمت مدعي عام جبل لبنان القاضية غادة عون على اقتحام مقرّ مصرف لبنان المركزي وبرفقتها قوة مدجّجة بالسلاح للبحث عن رياض سلامة، وتفتيش البنك وموجوداته ومكاتب موظفيه، إلا أن سلامة ما زال في منصبه إلى حد الآن ما يؤكد أنه أقوى من الدولة.
عائلة الحريري
فضلًا عن هذه العائلات، تمتلك عائلة الحريري أموال طائلة جعلتها تتربّع على نشاطات اقتصادية واسعة في لبنان، مستغلة النفوذ السياسي لرفيق ومن بعده ابنه سعد الذي ترأّس الحكومة اللبنانية في فترات سابقة.
منذ حادثة اغتيال رفيق الحريري في 14 فبراير/ شباط 2005، تكرر ظهور أسماء عدّة أفراد من عائلة الحريري ضمن قوائم “فوربس” السنوية للمليارديرات، وضمن ذلك نازك الحريري أرملة الرئيس الراحل، وهند رفيق الحريري التي كانت أصغر مليارديرة في العالم عام 2008.
يمتلك الابن الأكبر لرفيق الحريري، بهاء، ثاني أعلى ثروة في لبنان، والحادية عشرة على صعيد الشرق الأوسط، وبالمرتبة الـ 1445 ضمن أثرياء العالم، بلغت ثروة بهاء الحريري 2.1 مليار دولار، بزيادة 100 مليون دولار عن العام السابق.
تركزت أنشطة بهاء ومشاريعه في قطاعات العقارات والاستثمارات، حيث عمِل في مجال الهندسة والعمارة بشركة “سعودي أوجيه” المملوكة للعائلة، إلى أن باع حصته في الشركة لشقيقه سعد الحريري عام 2008، كما أسس بهاء شركة هورايزن للمشاريع الإعمارية (Horizon Group)، وتسلم إدارتها التنفيذية، وتستثمر الشركة في مشاريع بالأردن ولبنان.
في الوقت الذي تجني فيه هذه العائلات الأموال الطائلة، يزداد عدد فقراء البلاد وتزداد أزمات الدولة الاقتصادية.
أما شقيقه أيمن فقد حلَّ في المرتبة الـ 17 على صعيد الشرق الأوسط، والـ 2076 ضمن أثرى أثرياء العالم، وبلغ صافي ثروته 1.4 مليار دولار، بزيادة 100 مليون دولار عن العام الماضي، يستثمر أيمن خصوصًا في الشركات الناشئة من خلال شركة ريد سي ڤينتشرز، وهو مؤسس مشارك ورئيس تنفيذي لشركة ڤيرو، الخاصة بمشاركة الموسيقى والفيديوهات والصور.
فيما جاء الابن الأصغر فهد الحريري بالمرتبة الـ 19 على صعيد الشرق الأوسط، والـ 2324 على صعيد العالم، وبلغ صافي ثروة فهد 1.2 مليار دولار، بزيادة 100 مليون دولار عن العام الماضي، ويستثمر الحريري الأصغر في العقارات بنيويورك وباريس ومونتي كارلو وفي البنوك اللبنانية، كما يعمل على تطوير المباني السكنية في بيروت.
وغادر شقيقهم سعد الحريري سنة 2019 قائمة “فوربس” لأغنى أثرياء العرب، نظرًا إلى تراجُع ثروته، لكنه مع ذلك ما زال يمتلك ثروة طائلة لا يُعرف حجمها على وجه التدقيق، ويرأس الحريري شركة البناء سعودي أوجيه.
استغلت العائلة نفوذها السياسي لتوسيع أعمالها في لبنان وخارجها، وحصلت على قروض كبيرة من البنوك لتمويل مشاريعها وإنقاذ بعض شركاتها، حتى أنها حصلت على قروض من السعودية لإنقاذ شركة سعودي أوجيه، مساعدة لسعد للمواصلة في نشاطه السياسي.
كما ذُكر سعد الحريري فيما يتعلق بصفقات تجارية مشكوك فيها تتعلق بإدارة النفايات، وهو قطاع أجّج اختلاله الوظيفي مظاهرات حاشدة في الفترة 2015-2016، بالإضافة إلى بروز حملة الاحتجاج “طلعت ريحتكم” في بيروت.
وظهر اسم عائلة الحريري في تحقيق عملية سيدر، تلك القضية التي تناولت شبكة واسعة لتبييض الأموال تمتد من كولومبيا إلى لبنان مرورًا بأوروبا الغربية، وعثر على اسم رئيس الوزراء السابق سعد الحريري، واسم أخيه فهد ضمن قوائم اتصالات هاتفية لأعضاء من الشبكة.
انهيار الدولة اللبنانية
المفارقة أنه في الوقت الذي تجني فيه هذه العائلات الأموال الطائلة، يزداد عدد فقراء البلاد وتزداد أزمات الدولة الاقتصادية، حتى أصبحت الدولة على حافة الانهيار، وفق المنسقة الخاصة للأمم المتحدة في لبنان، يوانا فرونِتسكا، التي حذّرت في يوليو/ تموز الماضي من أن بيروت تقف الآن على مفترق طرق بين النهوض أو الانهيار.
يواجه لبنان أزمة متعددة الجوانب، حيث انهارت العملة المحلية أمام الدولار بقيمة 90% وارتفع التضخم إلى مستويات غير مسبوقة، وارتفعت معدلات الفقر بين السكان البالغ عددهم نحو 6.5 ملايين، مع تصنيف حوالي 80% من الناس على أنهم فقراء.
لا تتوقف المشاكل هنا، فاللبنانيون يعانون من مشكلة انقطاع الاتصالات والإنترنت، وسط شحّ المحروقات الذي يكوّن طوابير يومية أمام محطات الوقود، فضلًا عن مشكلة الخبز وانقطاع الكهرباء والمياه، دون أن ننسى احتجاز ودائعهم المالية في البنوك منذ سنة 2019، وتراجع انخفاض الناتج المحلي الإجمالي إلى 20.5 مليار دولار عام 2021.
كما ارتفع معدل البطالة الرسمي في لبنان نحو 3 أضعاف على وقع الانهيار الاقتصادي الذي يعصف بالبلاد، وفق مسح جديد أجرته الحكومة اللبنانية والأمم المتحدة، وتمّ نشر نتائجه في مايو/ أيار الماضي، وأوردت إدارة الإحصاء المركزية في لبنان ومنظمة العمل الدولية في بيان صحافي: “ارتفع معدل البطالة في لبنان من 11.4%” في الفترة الممتدة بين عامَي 2018 و2019 إلى “29.6% في يناير/ كانون الثاني” الماضي.
وسط هذه الأزمات الشاملة التي يمكن أن تعجّل بانهيار الدولة، ينتظر اللبنانيون إجابة هؤلاء الساسة عن أبرز سؤال لديهم، كيف هانت عليهم بلادهم وباعوها، وباعوا معها مستقبل ملايين اللبنانيين؟