ترجمة وتحرير: نون بوست
في سنة 2010، غمرت المياه مساحات شاسعة من باكستان بسبب “الفيضانات الطوفانية” مما أدى إلى نزوح أكثر من 20 مليون شخص، فيما وصفه الخبراء بأنه من أسوأ الكوارث الإنسانية التي عانت منها البلاد على الإطلاق. وبعد 12 سنة، تجبر الفيضانات الهائلة المحللين والقادة السياسيين على حد سواء على البحث عن نعوت جديدة لوصف الدمار الناجم عن الأمطار الموسمية التي وصفها الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريس بأنها “غير مسبوقة”.
حذّرت إدارة الأرصاد الجوية الباكستانية من احتمال هطول المزيد من الأمطار هذا الشهر. وأعلنت الحكومة حالة طوارئ وطنية وسعت للحصول على مساعدة عاجلة من المجتمع الدولي، الذي يواجه بدوره استنزافًا في التبرعات.
ومع أن الأمم المتحدة وعدت بمبلغ 160 مليون دولار وتعهدت دول أخرى بتقديم مساعدات، يقول مسؤولون حكوميون إن الفيضانات تسببت في “خسارة تقدر بنحو 10 مليارات دولار على الأقل”.
ما هو حجم الأضرار؟
تواجه الدولة الواقعة في جنوب آسيا التي يقدر عدد سكانها بأكثر من 220 مليون نسمة ما يمكن اعتباره أكبر أزمة إنسانية في تاريخها. بحلول نهاية آب/ أغسطس، لقي ما يقارب 1200 شخص مصرعهم منذ بدء هطول الأمطار الموسمية في منتصف حزيران/ يونيو. ولا يزال أكثر من ثلث البلاد مغمورا بالمياه وتضرر ما لا يقل عن 33 مليون شخص. وتشير تقديرات الهيئة الوطنية لإدارة الكوارث إلى أن عدد المناطق المتضررة يصل إلى 72 منطقة من إجمالي 160.
حسب الهيئة الوطنية لإدارة الكوارث، فإن الأضرار لحقت أكثر من 5000 كيلومتر من الطرقات، و10 ملايين منزل دمرت جزئيًا أو كليًا، ونفوق 700 ألف رأس ماشية التي تعد غالبًا مصدر الرزق الوحيد لبعض السكان.
ولا تزال مقاطعة السند الجنوبية هي الأكثر تضررًا. اعتبارًا من 30 آب/ أغسطس، صرحت الهيئة الوطنية لإدارة الكوارث بأن 405 شخص على الأقل، من بينهم 160 طفلاً، لقوا حتفهم هناك؛ وأن أكثر من 14 مليون شخص في المقاطعة “تضرروا بشدة” منهم 377 ألف فقط يعيشون في مخيمات في الوقت الحالي.
وتشهد مقاطعة بلوشستان الجنوبية الغربية – وهي الأكبر من حيث المساحة في باكستان ولكنها أيضًا الأفقر- اضطرابات عديدة حيث أُجبر أكثر من تسعة ملايين شخص على مغادرة منازلهم بينما لم يتم توفير الإقامة في المخيمات سوى لـ 7000 فقط.
ما الذي تسبب في الفيضانات؟
يضع مؤشر مخاطر المناخ العالمي باكستان في المرتبة الثامنة من حيث سرعة التأثر بالكوارث الناجمة عن تغير المناخ، مع أن البلاد مسؤولة عن أقل من 1 في المئة من غازات الاحتباس الحراري في العالم. وقد تركت الظروف الجوية القاسية البلاد في وضع غير مستقر، حيث لم يعد من الممكن التنبؤ بأنماط الطقس.
وفي وقت سابق من هذه السنة، واجهت البلاد موجات حر لم يسبق لها مثيل وجفافًا استمر لأشهر في السند وبلوشستان. بعد بضعة أشهر فقط، حطمت باكستان رقمها القياسي في تساقطات الأمطار على مدى عقود، حيث كانت نسبة هطول الأمطار في المقاطعتين أكثر بـ 500 في المئة من المتوسط السنوي.
قالت سارة حياة، المحامية والمتخصصة في مجال تغير المناخ والمقيمة في لاهور، إنه للتأكد من سبب الفيضانات المدمرة، يجب أن يُنظر إليها على أنها هرم من العوامل مع اعتبار العامل الأساسي هو تغير المناخ العالمي. وقالت حياة إن الفيضانات نجمت عن هطول سيول، فضلًا عن ذوبان الجليد في شمال البلاد، موضحةً: “باكستان تحصل عمومًا على ثلاث إلى أربع دورات من الأمطار الموسمية. وقد تلقينا هذا العام ثمانية بالفعل وهناك توقعات بأن المطر سيستمر حتى تشرين الأول/ أكتوبر. وهو أمر استثنائي للغاية”.
ذكر علي توقير شيخ، محلل تغير المناخ المقيم في إسلام أباد، أنه على عكس فيضانات 2010 التي كانت نهرية بطبيعتها، شهدت هذه السنة تداخل أنواع متعددة من الفيضانات مع بعضها البعض مما أدى إلى “مثل هذا الدمار الفادح في جميع أنحاء البلاد”. كما سلط الأستاذ الضوء على الفيضانات الحضرية والفيضانات المحلية المفاجئة وذوبان البحيرات الجليدية بالإضافة إلى الأمطار الهائلة في فترات قصيرة حيث تضرب بعض أنواع الفيضانات المختلفة البلاد، وكلها مرتبط بنشاط تغير المناخ.
حيال هذا الشأن، قال علي توقير شيخ: “هذه ليست فيضانات اعتيادية. في الواقع، لم نشهد فيضانات نهرية على الإطلاق هذه السنة. وقد تكون هذه المرة الأولى التي يؤثر فيها تغير المناخ على أنماط الرياح الموسمية. ووجده الزمن سيحدد ما إذا كان هذا مجرد حدث استثنائي من الطبيعة أم أنه سيصبح أكثر تكررًا واعتيادية”. ومن جهتها، قالت سارة حياة إنه قد يكون من السهل إلقاء اللوم على الحكومة، إلا أن الاستعداد لهذا الحجم من الفيضانات يعد دائمًا مهمة صعبة.
كيف تقارن هذه الفيضانات بفيضانات سنة 2010؟
تجتاح الأمطار الموسمية البلاد منذ حزيران/ يونيو، إلا أن شدتها ونطاقها لم يتضح إلا في أواخر تموز/ يوليو. منذ ذلك الحين، وصف رئيس الوزراء شهباز شريف الفيضانات بأنها لم يسبق لها مثيل”، ووصفت شيري رحمن، وزيرة التغير المناخي، الوضع بأنه الأسوأ في الذاكرة الحية.
وعندما سُئلت سارة حياة عما إذا كانت هذه الفيضانات الأسوء مقارنة بفيضانات سنة 2010، أجابت “100 بالمئة” مشيرة إلى أن “الفيضانات السابقة أدت إلى نزوح 20 مليون شخص. أما فيضانات هذه السنة التي لم تنته بعد أدت إلى تضرر ما لا يقل عن 33 مليون شخص بشدة وفقًا للتقديرات حتى الآن. إن المدى الكامل للكارثة لن يتضح إلا في الأشهر المقبلة عندما تبدأ المياه في الانحسار”.
يرى شاروخ واني، الاقتصادي في كلية بلافاتنيك للإدارة الحكومية بجامعة أكسفورد، أنه بالنظر إلى حجم الفيضانات هذه السنة، فإن “الضرر إما سيتساوى أو يتجاوز الضرر الناجم عن فيضانات 2010”. وأضاف “على عكس سنة 2010، فإن الظروف العالمية حاليًا شديدة الاختلاف. ويركز الكثير من زخم المساعدات العالمية على أوكرانيا بينما تواجه العديد من البلدان المتقدمة نفسها أزمات اقتصادية في الداخل، مما قد يعني أن باكستان ستحصل على دعم دولي أقل مما حصلت عليه في سنة 2010”.
ما هي التحديات المقبلة؟
في الوقت الذي تعاني فيه البلاد بالفعل من التضخم المرهق وبالكاد تتجنب التخلف عن السداد بعد أن وافق صندوق النقد الدولي على تمويلها بقيمة 1.17 مليار دولار، فإن الفيضان الذي يحدث مرة واحدة في العمر هو آخر ما تحتاج إليه الدولة الواقعة في جنوب آسيا. وينضاف إلى هذا المزيج المتقلب عدم الاستقرار السياسي الذي تفاقم منذ إزاحة حكومة حركة الإنصاف الباكستانية في نيسان/ أبريل.
وفي تصريح لوسائل الإعلام الدولية مؤخرًا، قال شريف إنه مستعد للجلوس مع رئيس الوزراء السابق عمران خان لإيجاد حل لمعالجة الويلات التي تواجه ضحايا الفيضانات.
قالت سارة حياة إنه من الحتمي التوقف عن إثارة الحرب السياسية وضبط الأولويات لمواجهة التحدي الهائل المتمثل في إعادة بناء البلاد، مضيفة “إن أحد أكبر التحديات التي سنواجهها هو عندما تدخل البلاد في الدورة الانتخابية. عندما يحين الوقت، سوف يقتصر التفكير على السياسة. لكن من الضروري أن ترافق جميع المحادثات السياسية في البلاد، محادثات عن جهود الإغاثة من الفيضانات وإعادة تأهيل السكان المتضررين”.
وحسب واني فإن باكستان ستعاني من تداعيات اقتصادية “كارثية” بسبب الفيضانات، موضحًا “هناك تأثير فوري على المحاصيل الغذائية المدمرة والمنازل والطرق والماشية. وهذا يؤثر على كل من الأشخاص الذين تأثروا بشكل مباشر بالفيضان من خلال القضاء على ثروتهم الأسرية، وعلى الناس في المدن الكبرى من خلال زيادة تكلفة الغذاء”.
حذر واني من أن باكستان ينتظرها “شتاء صعب للغاية في المستقبل” حيث ستحتاج الأموال من أجل “جهود إعادة البناء ما بعد الفيضانات على مستوى البلاد، وتلبية المطالب التي وضعها برنامج صندوق النقد الدولي، والتنافس مع أوروبا لتأمين واردات الغاز، وتخفيف وطأة التضخم المتزايد في أسعار الغذاء”.
لكن التحدي الأكبر بالنسبة لعلي الشيخ هو أن تصبح الفيضانات مثل فيضانات هذه السنة سمة منتظمة بدلًا من كونها حادثة واحدة. وهو يعتقد أن “أسوأ سيناريو سيكون تعرضنا لأنواع متعددة من الفيضانات هذه السنة بالإضافة إلى الفيضانات النهرية حينها “سيفوق الدمار أي تصور”.
وأضاف الشيخ إنه لابد من إعادة توجيه استراتيجيات إدارة الفيضانات لتصبح أكثر قوة وذكاءً فيما يتعلق بالمناخ، موضحًا “أول شيء في خطة العمل هو وجوب حماية مجتمعنا وعدم منح التصاريح التي تسمح بالبناء على ضفاف الأنهار. لا يمكن لأي مبلغ من المال ولا أي تقنية أن ينقذ الهيكل الذي تم بناؤه بجوار النهر”.
المصدر: الجزيرة