تواجه الأجسام النقابية في ريفي حلب الشمالي والشرقي، شمال سوريا، تحديات عديدة تعرقل سير العمل النقابي المهني والعلمي القائم على خدمة الأعضاء والدفاع عن مصالحهم وتحقيق العمل اللائق والكرامة لهم في بيئة العمل والمجتمع على حد سواء، في ظل غياب وعدم وضوح التمثيل الإداري للمنطقة وتعدد الإدارات المحلية اللامركزية.
تعمل الأجسام النقابية في العديد من المجالات والميادين، وهي مبررات وجودها الحقيقي، كونها تأسست لخدمة العمال والموظفين في شتى المجالات، ولها أدوار على المستويات الاجتماعية والاقتصادية والسياسية والتوعوية والتنموية والعلمية والنضالية والقانونية والترفيهية والرياضية.
فقد تأسست العديد من الأجسام النقابية في الشمال السوري خلال السنوات الماضية، بعد تعرض العاملين والموظفين للكثير من الصعوبات التي تؤدي إلى ضياع حقوقهم والاعتداء عليهم، بهدف الحفاظ على مصالح المنتسبين إليها من خلال تمثيلهم في المحافل السياسية والاجتماعية والعمل على حل القضايا والمشاكل التي تواجههم في مكان العمل وخارجه.
نقابة المعلمين.. تجربة انتخابية فريدة
في 19 فبراير/شباط من العام الحاليّ تأسست نقابة المعلمين الأحرار فرع حلب التي تتخذ من مدينة أعزاز مركزًا لعملها، كأول جسم نقابي للمعلمين السوريين في المنطقة، عقب الاحتجاجات المتصاعدة التي شهدها الربع الأخير من عام 2021، وطالب فيها المعلمون بتحسين الواقع المعيشي وتشكيل جسم نقابي ينقل مطالبهم ويرعى حقوقهم، في ظل غياب المنهجية التعليمية.
وعمل المعلمون – بإشراف من نقابة المحامين الأحرار – على انتخاب ممثلي الوحدات النقابية في المدارس، وبدورها قامت بانتخاب شعبة نقابية مكونة من 5 أعضاء، تمثل معلمي ومعلمات المنطقة، وقامت الشعب النقابية بانتخاب وتشكيل نقابة المعلمين الأحرار فرع حلب، وتوزع الأعضاء بحسب التعداد السكاني وعدد المدارس والمعلمين في كل منطقة.
تعمل النقابة ضمن مدن (الباب – أعزاز – قباسين – بزاعة – مارع – جرابلس – صوران – أخترين – المخيمات) لتكون أحد فروع نقابة المعلمين الأحرار التي تأسست عام 2014، فيما بقي ريف حلب الغربي ومنطقة عفرين شاغرًا بوجود 12 مقعدًا لهم في النقابة في حال الانضمام لاحقًا.
ويفوق عدد المعلمين الذين انضموا إلى النقابة 5 آلاف معلم، وتعمل النقابة على تنظيم بروتوكولات مع المؤسسات والمنظمات، لأنها تتبنى قضايا المعلمين العامة والخاصة، وتهدف إلى صون كرامة المعلم ورفع المستوى المعيشي وتطوير كفاءاتهم العلمية والتعليمية، بحسب ما أوضح رئيس نقابة المعلمين الأحرار فرع حلب محمد حميدي.
وقال حميدي خلال حديثه لـ”نون بوست”: “يتألف مجلس فرع حلب، من 24 عضوًا ورئيس فرع، وتتكون النقابة من مكتب تنفيذي ومكتب مالي ومكتب الثقافة والإعلام ومكتب شؤون المعلمين والتربية ومكتب القرطاسية والأرشيف والمشاريع ومكتب الانتساب والعضوية والمكتب الصحي والخدمات والمكتب القانوني والعلاقات العامة ومكتب الطلبة والنشاط الاجتماعي”.
الأجسام على مستوى محافظة حلب
تنامى تأسيس الأجسام النقابية في ريفي حلب الشمالي والشرقي، بعدما استقرت المنطقة عقب طرد تنظيم الدولة الإسلامية “داعش” عام 2017، من منطقة درع الفرات، وميليشيا الوحدات، عام 2018، من منطقة غصن الزيتون، وهذا لا يعني أنها لم تكن موجودة، لكنها كانت محدودة النشاط نتيجة الأوضاع الأمنية غير المستقرة.
ومن أبرز النقابات العاملة في المنطقة: نقابة المحامين الأحرار في سوريا ونقابة أطباء حلب الحرة ونقابة المهندسين السوريين ونقابة التمريض والفنيين والقابلات، إضافة إلى أجسام تمثل الإعلاميين والصحفيين باعتبارها نقابة.
تأسست نقابة المحامين الأحرار في سوريا عام 2018، عقب تعديل القانون 30/لعام 2010، الذي ينظم العمل النقابي للمحامين، وتضم ما يزيد على 1000 محامٍ من جميع المحافظات السورية، ولها 9 أفرع وهي: حلب وحمص وحماة واللاذقية ودمشق وريفها ودرعا والرقة والحسكة ودير الزور، ويتخذ فرع حلب من ريف حلب الشمالي مكتبًا له، وفرع الرقة في مدينة تل أبيض وفرع الحسكة في مدينة رأس العين، وتعمل باقي فروع المحافظات ضمن مكاتبها في ريف حلب الشمالي.
أمين السر وعضو نقابة المحامين الأحرار في سوريا، المحامي يوسف حسين قال خلال حديثه لـ”نون بوست”: “النقابة تعمل على تنظيم مهنة المحاماة وعلاقتها بالمحاكم وإدارة أمور المحامين بشكل عام، وفق قانون تنظيم المهنة، حيث يكون العمل موحد في جميع فروع النقابة بشعار واحد وبطاقة نقابية واحدة ورسوم واحدة تطبق في جميع الفروع”.
في منتصف عام 2019 تأسست نقابة أطباء حلب الحرة في مدينة أعزاز بريف حلب الشمالي، وتتكون النقابة من 26 عضوًا، بهدف الارتقاء بالعمل النقابي الذي ينظم عمل الأطباء ويمثلهم في المحافل الرسمية ورعاية مصالح الأعضاء وتفعيل دور منظمات المجتمع المدني في المنطقة والصعود بالعمل المهني الطبي وتوفير الحماية للأطباء وتمكين العمل الطبي بشكل مهني بما يناسب الأهداف السامية في خدمة الإنسان، إلى جانب المساهمة في تفعيل دور الكوادر الجديدة التي تخرجت في الجامعات بالمناطق المحررة.
وفي السياق، تأسست نقابة التمريض والفنيين والقابلات في يناير/كانون الثاني 2018، وتضم 7 فروع بمحافظات سورية وهي: فرع دمشق وريفها وفرع إدلب وفرع حماة وفرع حمص وفرع حلب وفرع دير الزور وفرع الحسكة والرقة، والتحق بها نحو 7000 منتسب من الكوادر الطبية من ممرضين وفنيين وقابلات وإداريين عاملين في المشافي، وتتوزع جغرافيًا في المناطق المحررة من تل أبيض بريف الرقة ورأس العين وريف حلب الشمالي وريف إدلب.
وعن دور النقابة قال رئيس نقابة التمريض فرع حلب، طارق نجار، في حديث مع “نون بوست”: “تعمل النقابة على تنظيم عمل المهنة والتنسيق مع الفعاليات والمؤسسات الحكومية في المنطقة، وتحمل على عاتقها مسؤولية الدفاع عن الكوادر الطبية والحفاظ على المهنة وآدابها الإنسانية التي تحفظ حقوق الإنسان، كما ساهمت بافتتاح معاهد تمريض للمنقطعين عن الدراسة لاستكمال دراستهم بالتعاون مع وزارتي التربية والصحة في الحكومة السورية المؤقتة”.
تأسست نقابة المهندسين الأحرار فرع حلب خلال العام 2014، ووضعت النقابة نظامًا داخليًا، بعد ذلك أجرت انتخابات لممثلي الوحدات الهندسية وانتخابات هيئة فرع ثم انتخابات مجلس فرع يقود النقابة، ويبلغ عدد المهندسين الملتحقين بها 500 مهندس ومهندسة من كل الاختصاصات وينشط عملها في مناطق غصن الزيتون ودرع الفرات في شمال حلب.
ويهدف عمل نقابة المهندسين إلى رعاية مصالح المنتسبين إليها، بالإضافة إلى تقديم خدمات هندسية للشعب السوري عبر رفع العمل الهندسي والحفاظ على نظام مزاولة المهنة، وتتكون نقابة المهندسين من الناحية التنظيمية من نقابة مركزية جامعة لفروع المحافظات السورية.
وتتألف النقابة من مجالس الفروع والأعضاء المنتمين، كما يوجد مجلس فرع يرأسه رئيس الفرع لكل محافظة يتم انتخابه عن طريق هيئة الفرع لكل محافظة وهي بدورها مكونة من ممثلي الوحدات الهندسية (الاختصاصات)، ويوجد في كل فرع رقابة داخلية وفق النظام الداخلي الحاكم لعمل النقابة، بحسب ما أوضح رئيس نقابة المهندسين الأحرار فرع حلب، عبد الحي العبد خلال حديثه لـ”نون بوست”.
نقابات موازية.. على مستوى الإدارات المحلية
بالتوازي مع النقابات على مستوى المحافظة أو الدولة، نشطت نقابات عمالية ووظيفية في المنطقة ترعاها المجالس المحلية بالتعاون مع الولايات التركية التي تشرف على إدارة المنطقة، عبر تشكيل لجان نقابية متوزعة على كل منطقة إدارية يديرها مجلس محلي، في مدن الباب وأعزاز وجرابلس وأخترين وعفرين والراعي وصوران ومارع.
ومن أبرز النقابات التي تشكلت عبر المجالس المحلية: نقابة الأطباء البيطريين ونقابة العمال ونقابة الفلاحين ومربي الثروة الحيوانية ونقابة الصيادلة ونقابة المهندسين الزراعيين ونقابة المكاتب العقارية ونقابة الصاغة، وغيرها العديد من النقابات والأجسام التي توجد في كل منطقة، برعاية مجلسها المحلي، حيث تهدف إلى رعاية مصالح المنتسبين إليها، لكنها لا تحظى باستقلالية تامة.
بدأ تشكيل النقابات المحلية عام 2019، حيث عملت المجالس المحلية على دعوة العاملين في كل مجال لتأسيس جسم نقابي يمثلهم، بهدف تحسين سير العمل على تنظيم شؤون العمال والموظفين، لكن الواقع كان مختلفًا تمامًا، فلم تستطع النقابات المحلية إلا تنفيذ القرارات الرسمية الموجهة إليها من المجالس المحلية بحسب العاملين فيها، وبعضها مجرد حبر على ورق وليس لها دور حقيقي على أرض الواقع.
الصيدلاني، براء منلا، منتسب لنقابة الصيادلة في مدينة الباب شرق حلب، يرى أن النقابات المحلية غير ناجحة في تسيير أمور المنتسبين إليها ورعاية مصالحهم نتيجة ارتباطها بالمجالس المحلية، ما جعل نشاطها محدودًا ولا يرقى إلى العمل النقابي المنشود، لأنه من الضروري أن تظهر استقلالية النقابات وعدم ارتباطها بالمجالس.
آمال النقابات تصطدم بتحديات الواقع
تتعرض الأجسام النقابية في ريفي حلب الشمالي والشرقي، للعديد من التحديات التي تفشل دورها النقابي والمهني والعلمي وتحجم عملها، في ظل الفجوة الكبيرة بين الآمال والأهداف من جهة والواقع من جهة أخرى، الذي فرض نفسه في مختلف المجالات.
المحامي يوسف حسين قال خلال حديثه لـ”نون بوست”: “تعمل الأجسام النقابية على تنظيم عمل الأعضاء ورعاية مصالحهم والدفاع عنهم وتمثيلهم في مختلف المواقف مع نقل مطالبهم للجهات الرسمية والطموح بإصلاح المؤسسات التي تقود الثورة وجعلها تلبي طموحات شعبنا في الحرية والعدالة واحترام حقوق الإنسان، لكن هذه الطموحات تصطدم بواقع التشظي والفصائلية التي تعيشها المناطق المحررة”.
مضيفًا “الأجسام النقابية هي التي تمثل السوريين، ويجب أن تكون الجهة الأبرز لصناعة الأجسام السياسية التي تمثل الثورة، التي يجب أن تأخذ شرعيتها من الشارع الثوري، لكن للأسف هذه الأجسام منفصلة عن القاعدة الشعبية ولا تمثل إلا أشخاصها ومصالح الدول التي أوجدتها، متناسية آلام الشعب السوري”.
وتعاني الإدارات المحلية في الشمال السوري من ترهل إداري حقيقي يهدد دور النقابات في تنظيم وخدمة أعضائها بشتى المجالات، ما ساهم في إفشال دور النقابات في تحقيق أهدافها، رغم استمرار مساعيها في تحسين الواقع وتغييره بما تتطلب الحاجة، لكن على ما يبدو أن محاولة السلطات المحلية المدنية والعسكرية في تحجيم دور النقابات ومنعها من التوسع والانتشار على مستوى المنطقة كافة جعلها محدودة النشاط.