ترجمة حفصة جودة
في يوم 1 أكتوبر/تشرين الأول 2020، دُعي وليد الحضيري للعمل كمترجم فوري في اجتماع مع عدد من السفراء في العاصمة الليبية طرابلس، بعد انتهاء الاجتماع، يتذكر الحضيري أنه أوصل سفير الكونغو إلى سيارته لوداعه، ثم عاد إلى غرفة الاجتماعات لجمع أغراضه.
يقول الحضيري: “هناك وجدت 4 أفراد في انتظاري، حيث عاملوني بعنف، وصفعوني ووجهوا بندقية إلى بطني، ثم اختطفوني، بعد ذلك اختفيت ولم أكن أعلم حتى أين أنا”.
أرسلت الاستخبارات هؤلاء الرجال – الذين كانوا يرتدون ملابس مدنية – حيث توجه وليد إلى أحد سجون طرابلس السرية، التي يدير بعضها الميليشيات العسكرية التي تتحكم في بعض أجزاء من العاصمة.
وثقت الأمم المتحدة ظاهرة الإخفاء القسري على نطاق واسع في أعقاب ثورة 2011 التي أطاحت بالرئيس معمر القذافي، ودفعت البلاد نحو حالة من الفوضى.
يقول الحضيري: “لم يعلم أحد أين أنا لمدة 47 يومًا”، كانت الأيام والأسابيع التالية مثل الدوامة، اتُهم وليد بمحاولة الحصول على أسرار دفاعية ووُضع في الحبس الانفرادي ونُقل إلى مكان آخر حيث عُذب وحُرم من أي مظهر للحياة.
يتذكر الحضيري ما حدث قائلًا: “لقد حرموني من المياه لمدة 3 أيام متتالية وكانوا يأتون لضربي على ظهري 3 مرات في اليوم، لم يسألونني أي سؤال مطلقًا”.
بعد نحو أسبوعين، خضع وليد للتحقيق وتوقف الضرب بشكل كبير، مثل وليد الحضيري أمام النائب العام، وبعد نحو شهر في منتصف نوفمبر/تشرين الثاني 2020 نُقل مع أحد زملائه – الذي اعتُقل أيضًا – إلى سجن الرويمي في ضاحية عين زارة بطرابلس.
يقول الحضيري: “يوم وصلنا إلى ذلك السجن كان الأمر أشبه بالحرية، رغم أننا ما زلنا في السجن، إلا أنه كان هناك نظام على الأقل، قبل ذلك كنا في اللامكان، ولم نكن نعلم أننا سنقضي 13 شهرًا في تلك المنشأة”.
كان الحضيري يعمل في قسم الترجمة والترجمة الفورية في وزارة الخارجية منذ أشهر فقط وقت اعتقاله، وكان موظفًا مدنيًا رفيع المستوى بخلفية في تكنولوجيا المعلومات وحقوق الإنسان، وقد رُشح مؤخرًا لرئاسة قسم تكنولوجيا المعلومات والاتصالات “ICT“، تلك الترقية التي كلفته أكثر مما تستحق.
في البداية، اتُهم الحضيري بخرق نظام المعلومات السري للوزارة، وأعلنت وسائل الإعلام أنه وُضع في الاحتجاز في منتصف أكتوبر/تشرين الأول 2020 وفقًا لبيان من مكتب النائب العام الذي قال إن المخابرات اعتقلته.
يعمل وليد، وشريكه في التهمة سفيان مرابط، في قسم “ICT” بالوزارة، وقد اتُهما باستخدام وسائل الاتصالات للحصول على أسرار دفاعية، اتُهم وليد بتثبيت عدة مصفوفات على خادم الوزارة المتصل بخادم آخر في فرنسا حيث كان والده يعمل سفيرًا هناك.
اعتُقل مرابط في نفس الفترة تقريبًا وأُطلق سراحهما في يناير/كانون الثاني 2022 بعد فترة اعتقال دامت 15 شهرًا، يصف الحضيري ما حدث بأنه مؤامرة، متهمًا مدير قسم “ICT” آنذاك بذلك، فيقول إنه رجل ذو صلات قوية في طرابلس وأنه خلف تلك التهم المضللة لمنعه من تولي رئاسة القسم، وهو منصب ذو فوائد عديدة لأصحابه وحاشيته.
يقول الحضيري: “ما حدث لي هو قصة كل ليبي، لكن الكثير من الناس لا يتحدثون عما حدث لهم”
في النهاية، بعد شهور من ضغط عائلته ومحاميه والمفوضية الوطنية لحقوق الإنسان في ليبيا التي كان الحضيري يتطوع بها، قالت المحكمة إن التهم لم تكن مستندة إلى الحقائق والقانون لكنها نتجت عن خلاف بسيط بين زملاء عمل.
قال حكم البراءة أيضًا إن الحضيري ومرابط اعترفا بالإكراه وتعرضا للتعذيب النفسي والجسدي واختُطفا دون أن يعلم أحد مكانهما، مما دفع أسرهما للذهاب إلى مكتب النائب العام وإرسال بلاغات اختفاء، أضاف الحكم أن الطبيب الذي كشف على الحضيري وجده مصابًا بعدة إصابات خاصة كدمات على الجذع التي حدثت نفس فترة اختفائه وسببتها أداة ثقيلة أو عصا معدنية.
ما حدث مع الحضيري ومرابط، أكثر من مجرد تنافس بين الموظفين، إنه دليل على ثقافة الفساد والإفلات من العقاب في دولة تنازلت عن سلطتها لأصحاب المصالح الشخصية وتأثير الميليشيات.
في أغسطس/آب 2022، قال ديوان المحاسبة إنه رصد انتهاكات تتعلق بالتعيينات الدبلوماسية والقنصلية داخل الوزارة، وسلط الضوء على ترشيح أفراد من خارج قطاع الشوؤن الخارجية، وأصدر عدة توصيات من بينها “الحد من التعيينات من خارج القسم”.
في حديثه عن تلك الظاهرة، وصف الحضيري الوزارة وغيرها من مؤسسات الدولة بأنهم “مشروع مدرّ للأموال”.
عندما خضع الحضيري للتحقيق أول مرة بعد أسبوعين من اختفائه، أخبره المحقق أنه محظوظ، فقد قال له: “إنك محظوظ للغاية، فسفيان ميت، لقد قتلناه، لكنك محظوظ، في البداية أردنا أن نرسل لك فرقة اغتيال”.
يقول الحضيري: “كان ذلك بعد أسبوعين من التعذيب، وعيني مغماة طوال الوقت، وهذا ما بدأ به المحقق حديثه، كانت أول مرة يتحدث إليّ فيها أحد بعد أسبوعين”، بشكل ما كان المحقق – الذي كذب بشأن سفيان – محقًا، فقد كان الحضيري محظوظًا.
في بداية عام 2020، قالت بعثة الأمم المتحدة لدعم ليبيا “UNSMIL” إنها تلقت عشرات التقارير بخصوص الإخفاء القسري وتعذيب المدنيين بما في ذلك نشطاء المجتمع المدني والصحفيين والمهاجرين وموظفي الدولة من الميليشيات في العام السابق.
يقول الحضيري: “ما حدث لي هو قصة كل ليبي، لكن الكثير من الناس لا يتحدثون عما حدث لهم”، يتذكر وليد قصة رجل التقاه في الحجز كان يدير كافتيريا في منطقة قصر بن غشير التي تبعد 20 كيلومترًا عن جنوب وسط طرابلس، وقد قُبض عليه بحوزته دنانير يصدرها البنك المركزي في الشرق – حيث توجد إدارة منافسه -.
يكمل وليد “عندما أغلق محله في ذلك اليوم كان لديه 100 أو 200 دينار من الشرق ضمن 2000 دينار، كانت هذه هي تهمته، لكنه لم يمثل أمام النائب العام مطلقًا ولا تملك أسرته أي فكرة عن مكانه، لقد مات بعض الناس هنا وبعضهم محتجز منذ 5 أو 6 أشهر، ولم يمثلوا مطلقًا أمام المحكمة ولا يعلم أحد مكانهم”.
يعلم الحضيري أن لديه بعض المميزات، ومع ذلك ورغم كل صلاته، احتُجز أكثر من عام حتى حصل على البراءة، بعد أشهر من إطلاق سراحهما لم يعد الحضيري أو مرابط إلى مناصبهما السابقة في الوزارة ولم يحصلا على أي تعويض.
ومع ذلك، ما زال الحضيري يواجه الموقف بشجاعة، يقول وليد: “عندما تمر بما مررنا به، بعض الناس لا يستطيعون تجاوز ذلك، ويصبحون مجرد ظل أو بقايا لشخصياتهم السابقة، بالنسبة لي، فالبقاء على قيد الحياة معجزة”.
المصدر: بي بي سي