ترجمة وتحرير: نون بوست
تضمّنت شكوى قدّمها رئيس الأمن السابق في تويتر بيتر زاتكو، كُشف عنها الأسبوع الماضي، مزاعم مثيرة للقلق بشأن قيام الحكومة الهندية بإجبار المنصة على توظيف وكلاء حكوميين لديهم إمكانية الوصول إلى بيانات المستخدمين الحساسة وذلك بسبب البنية الأمنية الهشة لتويتر.
رفض تويتر، الذي لم يستجب لطلب “ميدل إيست آي” التعليق على الموضوع، شكوى زاتكو علنًا ووصفها بأنها “رواية كاذبة” دون التطرق صراحةً إلى الادعاءات المتعلقة بتوظيف وكلاء تابعين للحكومة الهندية.
وفي حين لم يتم التحقق من مزاعم زاتكو بعد، فإن الإشارة إلى “وكلاء الحكومة” قد يكون مرتبطًا بلوائح الإنترنت الصارمة التي سنتها الحكومة الهندية في شباط / فبراير 2021. وهذه القواعد – التي تم تفعيلها جزئيًا بسبب صدام تويتر مع نيودلهي بشأن مطالبته بإزالة الحسابات الداعمة للمتظاهرين المناهضين للحكومة – تطلب من كبرى شبكات التواصل الاجتماعي توظيف مواطنين هنود في ثلاثة مناصب بتكليف من الحكومة، بما في ذلك مسؤول اتصال لإنفاذ القانون.
كثّفت الهند من استخدام قوانين التحريض على الفتنة التي تعود إلى الحقبة الاستعمارية وشددت قوانين مكافحة الإرهاب في السنوات الأخيرة
ومن شأن هذه القواعد الجديدة أن تجعل أحد هؤلاء المسؤولين – كبير مسؤولي الامتثال – يتحمل مسؤولية جنائية إذا لم يتبع مثلا أمرًا صادرًا عن محكمة يقضي بتحديد “المصدر الأول” للرسائل التي تقوّض “سيادة” الدولة الهندية.
وبما أن هؤلاء الموظفين مواطنون هنود يقيمون فعليًا في البلاد ويواجهون احتمال الاعتقال، وصف النقاد هذه القواعد بـ “قوانين أخذ الرهائن” التي تجبر الموظفين المحليين على المشاركة في الرقابة الحكومية على الأصوات المعادية لمن في السلطة.
لكن مزاعم زاتكو تذهب إلى ما هو أبعد من المحاولات العلنية للرقابة من قبل الهند، التي كانت في طليعة الدول التي قطعت الاتصال بالإنترنت في سنة 2020. وكانت الحكومة القومية الهندوسية تُضيّق الخناق على حرية التعبير، خاصة على الأقليات المسلمة والأصوات المعارضة.
مراقبة المعارضين
كثّفت الهند من استخدام قوانين التحريض على الفتنة التي تعود إلى الحقبة الاستعمارية وشددت قوانين مكافحة الإرهاب في السنوات الأخيرة ما انجر عنه اتهام أو اعتقال ناشطين وصحفيين مثل آصف سلطان وفهد شاه ومسرت زهرة.
وتثير المزاعم التي أدلى بها زاتكو تساؤلات جديّة حول ما إذا كانت نيودلهي تتمتع بوصول داخلي إلى منصة تويتر – وربما بقية منصات التواصل الاجتماعي الأخرى – من خلال هؤلاء الضباط المفوّضين أو غيرهم من الموظفين مما يتيح مراقبة المعارضين داخل الهند وكشمير وكذلك منتقدي الحكومة الذين يعيشون في الخارج.
إذا كان الحال كذلك بالفعل، وإذا كانت الحكومة الهندية تتمتع بإمكانية الوصول إلى بيانات المستخدم الحساسة مثل أرقام الهواتف وعناوين بروتوكول الإنترنت والرسائل المباشرة، فيمكنها استخدام تويتر كأداة مراقبة لاستهداف المعارضين وغيرهم من الفئات الضعيفة.
منذ انتخاب مودي سنة 2014، سعت الشركات الأجنبية المتلهفة للوصول إلى الطبقة المتوسطة الهائلة في الهند إلى اختراق الإجراءات الروتينية من خلال استرضاء الشبكات القومية الهندوسية المتورطة في أعمال العنف
بالنسبة للشركات الأجنبية التي تسعى للوصول إلى السوق الاستهلاكي الهائل في الهند، فإن استرضاء الشبكات القومية الهندوسية في البلاد هو الآن جزء من تكلفة القيام بالأعمال التجارية. وبينما عارض تويتر العديد من مطالب نيودلهي، كان فيسبوك أكثر وقاحة، حيث يُزعم أن بعض موظفيه تواطؤوا مع حكومة رئيس الوزراء ناريندرا مودي قبل وقت طويل من إصدار قواعد الإنترنت في سنة 2021.
كشف تحقيق أجرته صحيفة “وول ستريت جورنال” سنة 2020 أن المسؤولين التنفيذيين في شركة فيسبوك في الهند رفضوا حظر السياسيين القوميين الهندوس الذين يستخدمون المنصة لتوجيه دعوات صريحة إلى العنف خوفًا من أن يعرض ذلك مستقبل الشركة للخطر. وتجدر الإشارة إلى أن الهند لديها أكبر عدد من مستخدمي فيسبوك في العالم، وقد تم نشر منصات فيسبوك، بما في ذلك واتساب، من قبل الشبكات الهندوسية المتطرفة المسؤولة عن العنف الجماعي.
ولكن شركات التكنولوجيا ليست وحدها التي تختار التورط مع القوى السياسية السامة في الهند. خلال زيارة مودي إلى الولايات المتحدة سنة 2019، شارك وول مارت في تمويل تجمّع حاشد عقده مع الرئيس آنذاك دونالد ترامب في هيوستن بولاية تكساس. وتم تنظيم الحدث من قبل مجموعة لها روابط مع منظمة راشتريا سوايامسيفاك سانغ المتطرفة التابعة لحزب بهاراتيا جاناتا الذي ينتمي إليه مودي. وقد مارست المنظمة ضغوطًا ضد السماح بالاستثمار الأجنبي المباشر في قطاع التجزئة في الهند في سعيها لحماية صغار تجار التجزئة.
التملق
للهند تاريخ طويل من الإفراط في سن القوانين والحمائية. ولكن منذ انتخاب مودي سنة 2014، سعت الشركات الأجنبية المتلهفة للوصول إلى الطبقة المتوسطة الهائلة في الهند إلى اختراق الإجراءات الروتينية من خلال استرضاء الشبكات القومية الهندوسية المتورطة في أعمال العنف.
تعد الهند مقبرة مبادئ الديمقراطية المثالية وحقوق الإنسان التي تروج لها الحكومات الغربية في أماكن أخرى. وعندما يتعلق الأمر بالعلاقات مع الهند، فهم لا يتوانون عن إقامة شراكات مع الجماعات القومية الهندوسية العنيفة التي تكمن القوة في يدهم.
إلى جانب تعزيز الاستفادة من التجارة هناك أيضا صفقات بيع الأسلحة، إذ تعد الهند أكبر مستورد للأسلحة في العالم منذ سنة 2012 وفقًا لمعهد ستوكهولم الدولي لأبحاث السلام. وفي نهاية المطاف، يتعلق الأمر باحتواء الصين التي تعتبرها الولايات المتحدة منافستها الاستراتيجية الرئيسية لهذا القرن.
يقوم التوافق بين المجتمع الإستراتيجي الأمريكي على أن الهند تلعب دورا حيويا في جهود الاحتواء. وفي حين أن التنافس المشترك ضد الصين يقود في النهاية الشراكة الاستراتيجية بين الولايات المتحدة والهند، فإن واشنطن تصبغه من منظور أيديولوجي – على غرار الديمقراطيات الليبرالية التي تدافع عن العالم الحر.
يُعرِّف دستور الهند الدولة بأنها علمانية، وقدرتها على إجراء انتخابات حرة ونزيهة بصورة منتظمة منذ الاستقلال هي قصة نجاح ما بعد الاستعمار. لكن الحكومة القومية الهندوسية تهدف إلى تفكيك الدستور العلماني ذاته الذي تستفيد منه – وقد نجحت إلى حد كبير. وعلى هذا النحو، تحولت الديمقراطية الهندية (ولو أنها تفتقر للكمال) إلى “استبدادية تنافسية” مع الحفاظ على مصداقية انتخاباتها. ولكن عندما يتعلق الأمر بالرقابة والمعلومات المضللة والحرية الدينية، فإن الهند باتت أكثر شبها بالصين وروسيا.
تراجع الديمقراطية
يمكن القول إن الهند أصبحت أكبر ممول للأخبار الزائفة بوجود شبكات مرتبطة بالدولة تنافس أو تفوق تلك الموجودة في روسيا من حيث الحجم. وتدعو أيديولوجية القومية الهندوسية (هندوتفا) التي يتبناها حزب بهاراتيا جاناتا ومنظمة راشتريا سوايامسيفاك سانغ إلى دمج قسري للمسيحيين والمسلمين. بعبارة أخرى، يسعى القوميون الهندوس في الهند، مثل الحزب الشيوعي الصيني، إلى محو علامات التميز الإسلامي من الأوساط العامة.
دمّر متطرفون هندوس مسجد بابري الذي يعود إلى القرن السادس عشر وبنوا مكانه معبدًا هندوسيًا. وهناك دعوات لفعل الشيء نفسه مع مواقع أخرى، بما في ذلك تاج محل – وهو ضريح إسلامي.
تعتبر الهند نموذجًا واضحًا على انتشار الاستبداد الرقمي وتراجع الديمقراطية وصعود قادة مُمجّدين – وهي القضايا العالمية ذاتها التي تظهر في خطاب السياسة الخارجية لواشنطن. مع ذلك، فقد تم استبعاد الهند من جلسات الاستماع في الكونغرس أو مراكز البحوث حول هذه الموضوعات. كما تتجنب نيودلهي اللوم الرسمي من واشنطن بشأن التهديدات المتزايدة للحرية الدينية. ولا تزال متحالفة بشكل وثيق مع روسيا، حيث زادت وارداتها النفطية من موسكو هذه السنة.
وبالنظر إلى أهميتها الجيوسياسية الملحوظة وحجم سوقها الاستهلاكية، تتجنب الهند المعاملة التي قد تواجهها دول مثل الصين أو روسيا. والحقيقة المروعة للمجتمعات الضعيفة في الهند هي: الكيانات الأجنبية التي تدعي الدفاع عن القيم العالمية ينتهي بها الأمر بالتنازل عنها في الهند واضعةً مصالحها التجارية أو الاستراتيجية في المقام الأول.
المصدر: ميدل إيست آي