“أصدقائي أنا كشخص عانيت كثيرًا على الطريق من كذب المهربين بالإضافة إلى أنني واجهت ومن معي الكثير من المصاعب، الكثير يسأل عن مخاطر الطريق، الجواب باختصار: جوع، عطش، تشليح، تعب كثير، برد، جبال عالية ووديان، ما في شيء مضمون أبدًا، قرر على هذا الأساس”، هذه كلمات الناشط السوري مصطفى الذي يخوض غمار رحلة قاسية في طريقه للهجرة من تركيا إلى أوروبا.
تمثل قصة مصطفى الحبش حالة آلاف الشبان السوريين الموجودين حاليًّا على طرق الهجرة الصعبة والقاسية والخطيرة، لكن ما دفعهم لهذه المغامرة إلا المعيشة السيئة وغير الآمنة في سوريا والعنصرية المقيتة والمخيفة التي لاحقتهم في بعض بلدان اللجوء، لذلك يقول مصطفى وهو يركض بين الجبال في طريقه الوعرة: “هي الجبال ما يطلعها إلا المجنون أو اللي ما عندو وطن”.
اصدقائي انا كشخص عانيت كثير على الطريق من كذب مهربين بالأضافة لأني واجهت ومن معي الكثير من المصاعب..
الكثير يسأل عن مخاطر الطريق الجواب وبأختصار : جوع ، عطش، تشليح ، تعب كثير ، برد ، جبال عالية و وديان..
مافي شيء مضمون ابدا قرر على هذا الأساس… pic.twitter.com/wfNMzd40UD— Mustafa HABESH (@mustafa_habesh) September 3, 2022
يحتاج قرار الهجرة من تركيا إلى أوروبا جيوبًا مليئة بالمال، إذ تصل تكلفة الذهاب عبر طرق التهريب إلى 8000 يورو تنقص أو تزيد بحسب الحالة، ما يضطر الشباب السوري إلى الاستدانة أو بيع الممتلكات للوصول إلى ما يعتبرونه بر الأمان في دول الاتحاد الأوروبي.
هجرة جديدة
تصف وسائل الإعلام موجة الهجرة التي تتم هذه الأيام بـ”الأكبر” منذ موجة عام 2015 خاصة من تركيا باتجاه الدول الأوروبية، ولا يكاد يخلو مجلس من الحديث عن الموضوع بين اللاجئين السوريين خاصة بعد تصاعد الخطاب العنصري في البلاد وسوء الأحوال الاقتصادية والتشديد على الأوراق القانونية الخاصة باللاجئين وما تبع ذلك من تزايد حالات الترحيل من تركيا إلى سوريا.
تعتبر موجة الهجرة الجديدة هي الثالثة من نوعها، حصلت الأولى بين عامي 2015 و2016، والثانية في 2019 و2020 عندما قدمت الحكومة التركية تسهيلات لمن يرغب بالعبور، ومع تزايد حالات الهجرة وجهت الحكومة التشيكية اتهامها للحكومة التركية بفتح بواباتها لمرور اللاجئين إلى أوروبا، وقال وزير الداخلية التشيكي فيت راكوسان: “لدينا بوابات مفتوحة على مصراعيها لأوروبا من تركيا، ومن هنا يأتي العدد المتزايد من المهاجرين السوريين غير الشرعيين القادمين إلى جمهورية التشيك والدول الأوروبية المجاورة، ولا يصلون من بلادهم، لكن عبر تركيا”.
بات الشبان المهاجرون اليوم يبثون خطواتهم واحدة تلو الأخرى عبر وسائل التواصل الاجتماعي على سبيل توثيق الرحلة وعرض تجربتهم للراغبين باللحاق بهم، وهذا ما لم يكن منتشرًا في الموجات السابقة، أما اليوم فلك أن تشغل تطبيقات مثل يوتيوب وتيك توك لترى مئات المقاطع من قصص الهجرة وهو ما يدل على ازدياد أعداد الراحلين عن تركيا.
مغامرون بلا حدود
باتت طرق الهجرة للسوريين متعددة، فكلما أغلق طريق وجدوا واحدًا غيره، إذ إننا أمسينا “خبراء كشافة” كما يقول محمد العيسى ذو الـ23 عامًا، محمد حتى كتابة هذه الكلمات موجود في إحدى المناطق بدولة صربيا، تواصلنا معه في “نون بوست” وهو ما زال يحاول الدخول إلى دولة المجر ليكمل طريقه إلى هولندا كما قال، ويروي أن رحلته كانت قاسية ومخيفة وتمنى لو أنه لم يخرج من مكان إقامته في الشمال السوري.
بداية خرج محمد من الشمال السوري إلى تركيا ومن ثم انتظر لمدة 3 أشهر من أجل إيجاد مهرب مناسب لإخراجه إلى أوروبا، لكن أحد أصدقائه أعطاه طريقةً جديدةً يستخدمها الراغبون بالذهاب إلى أوروبا عن طريق مجموعة تسمى “مغامرون بلا حدود” وهي مجموعة تعتمد طريقة الهجرة دون الاعتماد على مهرب، ويروي محمد أنه استدان الأموال التي يبتغي الوصول عن طريقها إلى أوروبا من ابن عمه ووعده أنه في حال وصل إلى هولندا سيعمل فورًا ويردها إليه في أقرب وقت.
وهنا لا بد من الحديث عن مجموعة “مغامرون بلا حدود” شاغلة طالبي اللجوء ومؤرقة المهربين الذين باتت أعمالهم على المحك لأن هناك من يزاحمهم في هذا الطريق، تأسست هذه المجموعة في الشهر الرابع من عام 2020 على يد شبان سوريين لمساعدة الراغبين بالذهاب إلى أوروبا من دون مهربين، وخلال شهور باتت مجموعتهم على فيسبوك تضم أكثر من مئة ألف شخص وقناتهم على تليغرام يتابعها ما يقرب من 30 ألفًا.
تحاول هذه المجموعة تنظيم أمر الشباب الذين يريدون الخروج من تركيا ورسم خطوط الطرقات بشكل آمن بالإضافة إلى تنظيم أعداد المجموعات التي تسير على الطرقات من تركيا ثم إلى اليونان وبقية الطريق، وفي حديث صحفي قال عماد وهو أحد مؤسسي المجموعة: “الفكرة انطلقت من تجربتي الشخصية، إذ بدأت رحلتي إلى أوروبا بمعزل عن استغلال المهربين، وأضفت نقاط الاستدلال على الطريق باستخدام خرائط غوغل. خلال الرحلة توجه تفكيري إلى كيفية الوصول ورسم الطريق وحفظه ليستفيد غيري من ذلك، وكانت لدي رغبة بنشر الفكرة وتحرير السوريين من رحمة المهربين الذين يتعاملون مع الناس كبضاعة رخيصة، وغايتهم الأساسية الحصول على المال على حساب حياة الناس وكرامتهم”.
دخلنا إلى هذه المجموعات لنجد الكثير من النصائح للشباب الراغبين بالخروج إلى أوروبا، حيث تحوي المنشورات فيها على أمور التنظيم ونقاط الدلالة على الطرقات بالإضافة إلى الحاجيات التي يجب على كل شخص أن يحملها معه في هذه الرحلة.
أما عن آلية العمل، بداية يتم تقسيم أعضاء المجموعة الذين يريدون الخروج إلى مجموعات، كل مجموعة في رحلة وكل رحلة 7 أشخاص فقط كحد أقصى لـ”أسباب أمنية” وفق المنشور الخاص بـ”مغامرون بلا حدود”، ويضاف كل 7 أشخاص إلى مجموعة واتس آب لدعمهم وتزويدهم بالنقاط والتوجيهات في أثناء مشيهم على الطريق وكل ذلك بمساعدة مشرفين متطوعين.
تدعو “مغامرون بلا حدود” المجموعات بالتقيد بالتوجيهات بشكل حرفي حال أراد الشخص الوصول بأمان، لكن مع كل التوجيهات تنبه هذه المجموعة أن الأشخاص في المجموعات معرضون للخطر لأن الطرقات غير مضمونة، هم فقط يزودون المجموعة بالنقاط والإشارات الدالة وبعدها غير مسؤولين عما يحصل، كذلك فإن المجموعة تحاول أن تعطي التعليمات بخصوص الاتصالات والأكل والمشرب وكيفية النوم وأماكنه وأوقاته لكي لا يصاب أحد بأذى كما يقولون.
اللاجئون ورقة بين تركيا وأوروبا
لطالما أرق اللاجئون والمهاجرون الدول الأوروبية خاصة بعد تلك الموجة في 2015، واليوم يعيد طالبو اللجوء في أوروبا التذكير بتلك الأيام، ما جعل بعض الحكومات الأوروبية تتعجل باتخاذ إجراءات جديدة والتنصل من الاتفاقيات السابقة خاصة في ظل ما يضرب القارة من أزمات الطاقة والاقتصاد وتبعات الحرب الروسية الأوكرانية التي أثرت بشكل واضح على ملامح أوروبا ككل.
فاليونان مثلًا بدأت مجموعة من الإجراءات الجديدة للحد من تدفق طالبي اللجوء، فقال وزير حماية المواطن اليوناني تاكيس ثيودوريك أكوس، إن بلاده “تعتزم بناء 140 كيلومترًا إضافيًا إلى الجدار الفاصل مع تركيا والبالغ طوله حاليًّا 40 كيلومترًا، بهدف الحد من الهجرة غير النظامية”.
وأضاف الوزير أن بلاده تعتزم تمديد الجدار الفاصل مع تركيا ليبلغ طوله 180 كيلومترًا، مشيرًا إلى أن حكومته ستكلف 250 شرطيًا جديدًا على الحدود بهدف تكثيف الدوريات الأمنية ونقاط المراقبة على الجدار.
قبل ذلك صرح وزير الهجرة اليوناني نوتيس ميتاراشي أن “حرس الحدود اليوناني أوقف أكثر من 154 ألف مهاجر غير نظامي عند حدوده البرية والبحرية منذ بداية العام”، لافتًا إلى أن نحو 50 ألف شخص حاولوا عبور الحدود التركية اليونانية في أغسطس/آب فقط.
من جانبها قررت هولندا تعليق العمل مؤقتًا باتفاق استقبال طالبي اللجوء من تركيا حتى نهاية 2023، وقالت وزارة العدل والأمن الهولندي، إن البلاد لن تستقبل بعد الآن طالبي اللجوء بموجب الاتفاق التركي الأوروبي الموقع عام 2016 بشأن اللاجئين حتى نهاية 2023، وأضاف البيان “حكومة أمستردام ما زالت تعتبر هذه الاتفاقيات مهمة وستبدأ في تنفيذها مرة أخرى اعتبارًا من عام 2024، لكن في الوضع الحاليّ غير قادرة على ذلك”.
يذكر أن تركيا والاتحاد الأوروبي توصلا إلى اتفاق في 18 مارس/آذار 2016، يهدف إلى مكافحة الهجرة غير الشرعية وتهريب البشر، فتستقبل تركيا بموجب الاتفاق المهاجرين الواصلين إلى جزر يونانية ممن تأكد انطلاقهم من تركيا، وضمن بنود الاتفاق، يتم اتخاذ الإجراءات اللازمة من أجل إعادة المهاجرين غير السوريين إلى بلدانهم، بينما يجري إيواء السوريين المعادين في مخيمات ضمن تركيا، وإرسال لاجئ سوري مسجل لديها إلى بلدان الاتحاد الأوروبي مقابل كل سوري معاد إليها.
هذه التصريحات والإجراءات الأوروبية الجديدة تدفعنا للتساءل أكثر عن مصير الاتفاق التركي الأوروبي وهل يمكن العمل على إعادة صياغته أو إلغائه وما دور تركيا في كل ذلك، يجيبنا عن هذه الأسئلة الباحث في العلاقات الدولية محمود علوش قائلًا: “اتفاقية المهاجرين لا تزال تُشكل أرضية أساسية بين تركيا والاتحاد الأوروبي فيما يتعلق بالتعامل مع قضية الهجرة غير القانونية. لم يلتزم الأوروبيون بكل بنود الاتفاقية لا سيما إعفاء الأتراك من التأشيرة وهذه مسألة مهمة لأنقرة”.
ويشير علوش إلى أن “الظروف الصعبة التي تمر بها أوروبا بعد الحرب الروسية الأوكرانية والمخاوف من موجات هجرة جديدة من الشرق الأوسط نحو أوروبا، تجعل استمرارية هذه الاتفاقية وربما تطويرها حاجة ملحة للدول الأوروبية”، مضيفًا “لا تزال تركيا تُبدي التزامًا بتعهداتها في الاتفاقية، وسيجد أردوغان في الظروف الراهنة فرصة لزيادة الضغط على الأوروبيين من أجل الحصول على مزايا أخرى لا سيما في مسألة التأشيرة أو زيادة الدعم المالي المخصص اللاجئين”.
أما عن العام الانتخابي في تركيا وعلاقة ذلك برحيل اللاجئين من تركيا باتجاه أوروبا وما إذا كان ذلك يتم عبر التسهيلات التركية يقول علوش: “الوجود الكبير للمهاجرين في تركيا يُشكل عبئًا كبيرًا على حكومة أردوغان وهناك صعود متزايد في النزعة العدائية تجاه المهاجرين تغذيها السياسة الداخلية المستقطبة على نحو كبير، مع اقتراب الانتخابات، يُريد أردوغان تخفيف هذا العبء عبر عدة مسارات، فمن جانب، يسعى لإعادة جزء كبير من اللاجئين السوريين إلى بلادهم، ومن جانب آخر، يضغط على الأوروبيين لتطبيق بنود اتفاقية المهاجرين والحصول على دعم مالي إضافي”.
ويعيد علوش الحديث عن المستشارة الألمانية السابقة أنجيلا ميركل التي لعبت دورًا كبيرًا في إبرام اتفاقية المهاجرين مع تركيا، وبحسب ما قاله الباحث في العلاقات الدولية فإن ميركل “استطاعت إدارة العلاقات المضطربة مع أنقرة في السنوات الماضية، وحقيقة أن أوروبا تفتقد الآن إلى شخصية مشابهة يُمكنها فهم الأتراك بشكل أفضل، تفرض المزيد من التحديات على علاقات الجانبين في الفترة المقبلة”.