في 14 يوليو/تموز 2015، كُتبت خاتمة مشوار المفاوضات النووية بين إيران والغرب بتوقيع الطرفين على اتفاق تاريخي يُلجم النشاطات النووية الإيرانية مقابل رفع العقوبات عن طهران، ذهب كثيرون إلى تسميته “اتفاق القرن”، لينهي فصول صراع مشتعل استمرت أكثر من 10 سنوات، لكن بعد أقل من 3 سنوات، انسحب الرئيس الأمريكي السابق دونالد ترامب من الاتفاق بشكل أحادي وفرض عقوبات قاسية ضد إيران.
نحو تكرار لحظة مثل هذه، تتسارع الخُطى الدبلوماسية خلف الكواليس لتوطد الرباط بين مثلث أضلاعه: إيران والولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي، قبل فوات الأوان، فهل وصلت الأمور إلى خواتيمها وبات التوصل إلى صفقة جديدة مسألة وقت فقط، أم أن فرص التوقيع على اتفاق جديد تبقى منخفضة بسبب قضايا خلافية عالقة؟ وهل عدم تتويج المفاوضات باتفاق كامل يحول دون مزيد من الجولات التفاوضية؟
تطورات بطيئة بمفعول سريع
في يوليو/تموز الماضي قدَّم مسؤول السياسة الخارجية للاتحاد الأوروبي جوزيب بوريل مقترحًا عُرف بـ”مشروع الاتحاد الأوروبي”، وقال إنه “ليس مثاليًا لكنه أفضل الممكن من أجل إحياء الاتفاق النووي”، ويتضمن رفع بعض العقوبات عن عدد من المؤسسات والشركات الاقتصادية التابعة للحرس الثوري الإيراني، كما يتضمن تعهدًا من إدارة الرئيس جو بايدن باحترام الاتفاق.
اصطدم مقترح بوريل بخلافات أمريكية إيرانية مستعصية على أي توافق إلى الآن، وتتمثل في نطاق العقوبات التي تدعو طهران إلى رفعها، والضمانات القانونية لبقاء الصفقة النووية بعد عام 2024، أي بعد نهاية ولاية بايدن، ورفع الحرس الثوري من قائمة الإرهاب الأمريكية، وهي مسألة تتضارب التصريحات الأمريكية بشأن ما إذا كانت شرطًا أم قضية مطروحة للنقاش.
16 شهرًا من المحادثات غير المباشرة بين طهران وواشنطن في فيينا، وهو وقت كان كافيًا لكي تقطع إيران شوطًا طويلاً في تسريع أنشطتها النووية بشكل حاد، إذ تجاوزت نسبة تخصيب اليورانيوم داخل منشآتها النووية 60%، وتقول إيران إنها قادرة على تخصيبه بنسبة 90%، وهي النسبة اللازمة لتصنيع القنبلة النووية.
في مايو/أيار الماضي، شككت الوكالة في سلامة برنامج إيران النووي، وقالت إن مخزون اليورانيوم المخصب لدى إيران تجاوز الحد المسموح به بموجب الاتفاق النووي بأكثر من 18 مرة، وكشف التقرير أن إيران تمتلك 43 كيلوغرامًا من اليورانيوم المخصب بنسبة 60%، وهو تطور نووي لافت، ذلك أن 42 كيلوغرامًا من اليورانيوم المخصب بنسبة 90% كافية لإنتاج قنبلة نووية، وقبيل انطلاق محادثات فيينا بـ72 ساعة، أعلنت طهران تشغيل مئات من أجهزة الطرد المركزي الجديدة والأكثر تطورًا من الجيلين الأول والسادس.
في الشهر التالي لعرض المقترح الأوروبي، أعاد الاستئناف المفاجئ لمحادثات إحياء الاتفاق النووي في جولته بالعاصمة النمساوية فيينا بصيص أمل بعد أن بدا كأن المحادثات وصلت إلى طريق مسدود في مارس/آذار الماضي، لكن الإعلان لأول مرة عن مسودة تسوية أوروبية أدى إلى شعور بالتفاؤل في إمكانية التوصل إلى تفاهم لإحياء الاتفاق.
في أغسطس/آب الماضي، أعرب منسق السياسية الخارجية للاتحاد الأوروبي جوزيف بوريل عن أمله في إحياء الاتفاق بشأن البرنامج النووي الإيراني، وطرح التكتل الأوروبي ما وُصف بأنه “نص نهائي” للاتفاق بين أطراف المفاوضات التي عادت إلى عواصمها للتفاوض، لكن الصفقة التي قيل إنها في متناول اليد هي رهن قرار سياسي منوط بخلافات أمريكية وإيرانية.
الجانب الأمريكي لم يتأخر في إعلان موافقته على المقترحات الأوروبية، ففي حسابات إدارة الرئيس الأمريكي جو بايدن “لا مجال لخسارة مزيد من الوقت” قبل انتخابات التجديد النصفي للكونغرس في نوفمبر/تشرين الثاني المقبل، ومن المهم تحقيق إنجاز في السياسية الخارجية من قبيل التوصل لتوقيع إيران على العودة إلى الامتثال لاتفاق نووي.
رغم أن تفاصيل الاتفاق الجديد كانت سرية، فإن فرص إحياء الاتفاق النووي حينها بدت أكبر من أي وقت مضى، وطغت لغة التفاؤل بين الفرقاء على ردودهم الرسمية، ردود جاء آخرها على لسان بوريل الذي وصف المرحلة بـ”الحرجة والحاسمة”، مجددًا دعوته لطهران بالرد سريعًا على مقترحات واشنطن.
ممثل الطرف الأوروبي أضاف أن العالم على بعد ملليمتر أخير لطي الملف النووي بشكل نهائي، مسافة أكدها البيت الأبيض على لسان منسق العلاقات الإستراتيجية جون كيربي الذي قال إن المتفاوضين توصلوا لاتفاق أفضل مما كانوا عليه قبل أسبوعين، إلا أن كيربي ربط نجاح ذلك بمنع طهران من امتلاك القدرة على صنع أسلحة نووية.
رغم ذلك، صدرت عن دبلوماسيين إيرانيين تصريحات تشي بقبول نسبي للمقترحات الأوروبية التي جاءت أفضل بكثير من المسودات السابقة حسب توصيفهم، لكنها لا تخلو رغم ذلك من تحفظات إيرانية، ليس أقلها أنها لا تستسيغ وصف نص الاتفاق بـ”النهائي”، وتعتبر ذلك أسلوبًا من أساليب الضغط عليها للموافقة على ما فيه.
الرد الإيراني أعاد فتح قضية تحقيقات الوكالة الدولية للطاقة الذرية التي اعتقدت الولايات المتحدة ومجموعة الدول الأوروبية الثلاثة (المملكة المتحدة وفرنسا وألمانيا) أنه تم حلها بالفعل
بعد أيام من الأخذ والرد، تسلمت إيران الرد الأمريكي على ملاحظاتها بشأن المسودة الأوروبية للاتفاق، وكان العالم ينتظر ردها الرسمي بشكل خاص، لكن الناطق باسم الخارجية ناصر كنعاني أكد أن رد بلاده على مقترحات واشنطن سيتم بعد الانتهاء من اجتماعات الخبراء الإيرانيين للتحقق من التفاصيل كافة، منتقدًا في الوقت ذاته الطرف الأمريكي الذي تخضع إدارته للضغوط الإسرائيلية على حد تعبيره.
تحت مجهر الدراسة تفحصت إيران المقترح الأوروبي، وأعلنت على لسان المتحدث باسم الخارجية ناصر كنعاني أنها ردت “بشكل بنَّاء” على المقترحات الأمريكية المتعلقة بإحياء الاتفاق، وجاء الرد الإيراني عقب حديث البيت الأبيض عن أن الاتفاق النووي مع إيران أصبح أقرب من أي وقت مضى بعد تخلي إيران عن بعض المطالب دون إبداء مزيد من التفاصيل.
حديث البيت الأبيض جاء بعد ساعات من تصريح وزير الخارجية الإيراني حسين أمير عبد اللهيان خلال زيارته روسيا نهاية أغسطس/آب الماضي، أكَّد فيه حاجة بلاده إلى ما وصفها بضمانات أقوى من واشنطن في نص التفاهم المقترح من الاتحاد الأوروبي بهدف إحياء الاتفاق مع القوى الكبرى بشأن برنامجها النووي.
هذه الضمانات ليست إلا جزءًا من القضايا العالقة، لكن خلفها هدف لطالما سعت إليه إيران، وهو إغلاق الوكالة الدولية للطاقة الذرية ملف التحقيقات بشأن 3 منشآت نووية غير معلنة يُشتبه بأنها شهدت أنشطة غير مصرح بها.
تقرير للوكالة أُرسل إلى الدول الأعضاء تحدَّث عن العثور على آثار لمواد نووية، وأظهر أن إيران بدأت في تخصيب اليورانيوم بمواقع إيرانية ذُكر أن أحدها في تورقوزآباد قرب العاصمة طهران، أما الآخر فيوجد قرب مدينة أصفهان، والثالث في وسط البلاد دون أن يُعرف بالضبط أو بشكل تقريبي موقعه.
تثير القضية توترًا بين طهران والغرب، وتطالب الوكالة الدولية للطاقة الذرية ودول أخرى من إيران تفسير سبب وجود تلك الآثار، لكن إيران تنفي اتهامات الوكالة الدولية للطاقة الذرية، وتقول إنها “مسيَّسة وتعتمد على تقارير استخباراتية أجنبية وأولها إسرائيل”.
ترد المتحدثة باسم البيت الأبيض كارين جان بيير أنه ينبغي ألا يكون هناك ربط بين إحياء الاتفاق النووي الإيراني والتحقق مما إذا كانت طهران قد أوفت بالتزاماتها بموجب معاهدة حظر انتشار الأسلحة النووية، مشيرة إلى أن الموقف الأمريكي واضح بشأن موضوع تحقيق الوكالة الدولية للطاقة الذرية في الأنشطة النووية الإيرانية، وأكدت أن هذا الأمر ليس موضع مساومة أو ورقة ضغط سياسية.
وبحسب ما نقل موقع أكسيوس الإخباري عن مسؤول أوروبي رفيع مشارك بشكل مباشر في المحادثات مع إيران، فإن الرد الإيراني أعاد فتح قضية تحقيقات الوكالة الدولية للطاقة الذرية التي اعتقدت الولايات المتحدة ومجموعة الدول الأوروبية الثلاثة (المملكة المتحدة وفرنسا وألمانيا) أنه تم حلها بالفعل، مرجحًا أن تتبادل واشنطن وطهران المزيد من الردود المكتوبة قبل توقيع اتفاق نووي.
جاءت هذه التطورات والمباحثات وسط مؤشرات على فجوات لم تتمكن مواقف الطرفين من سدها خلال الأسبوعين الماضيين رغم ما حققاه من تقدم في الفترة الأخيرة، وهو أمر أكدته الخارجية الأمريكية في الحديث عن مطالب إيرانية إضافية لا يمكن تلبيتها، ليبدو المشهد متجهًا إلى عودة جديدة لطاولة المفاوضات.
عقبات في طريق المفاوضات
بعد التفاؤل الغربي بقرب التوصل إلى اتفاق جديد، تَمثَّلت سلسلة الردود المتبادلة بين طهران وواشنطن في عدم الرضا الأمريكي على مقترحات إيران الأخيرة لحل المسائل العالقة، فبعد أن تلقت واشنطن رد إيران على مسودة الاتفاق، أعربت على لسان المتحدث باسم وزير خارجيتها أن التعليقات الإيرانية على الرد الأمريكي “غير بناءة”، مشيرًا إلى أن واشنطن تلقت إجابة طهران عبر الاتحاد الأوروبي، وأنه سيتم الرد عبر نفس الوسيط.
حتى قبل الإعلان عن الرد الأمريكي المنتظر، رأى مراقبون أن احتمال إحياء الاتفاق النووي هذا العام بات محدودًا، فالرئيس الأمريكي – بحسب ما تقول الخارجية الأمريكية – لا يوقع اتفاقًا لا يراعي مصلحة الأمن القومي الأمريكي، ما يحد من احتمال العودة للالتزام بهذا الاتفاق.
تصر طهران على ضرورة رفع جميع العقوبات بما فيها تلك التي أُعيد فرضها في عهد الرئيس السابق دونالد ترامب، لكن يبقى الجدل عن مدى تخفيف العقوبات المتاح لإيران إذا وقعت على اتفاق جديد ضمن الملفات المعقدة
بدت محاولة إنعاش الاتفاق النووي أمام طريق مسدود، فطهران اتهمت الجانب الأمريكي بتأخير المفاوضات لرفضه المستمر معالجة الخطوط الحمراء وفق تعبيرها، وقال مستشار الوفد الإيراني إن الأمريكيين يرون أن الرد البناء هو القبول بالشروط الأمريكية، لكن إيران ترى أن الاتفاق يجب أن يكون متوازنًا ومضمونًا.
تقول إيران إن الكرة بملعب الولايات المتحدة لتبدي نضجًا وتتصرف بمسؤولية، وترد واشنطن بأنه قريبًا جدًا سيتضح ما إذا كانت إيران مستعدة للشيء نفسه، أمَّا الاتحاد الأوروبي فيؤكد أن الجميع لديه إرادة لبلوغ الاتفاق لكن الإرادة وحدها لا تكفي، فثمة بعض العقبات التي قد تحول دون إبرام الصفقة المرتقبة.
أمَّا المسائل العالقة التي شكلت ما يمكن وصفه بالعقبات الرئيسية لتوقيع الاتفاق، فأولها إصرار طهران على ضمانات أمريكية بعدم الانسحاب من الاتفاق مستقبلًا لضمان عدم تكرار سيناريو عام 2018، وهو طلب اعتبره مسؤولون أمريكيون “شبه مستحيل” نظرًا لعدم إمكانية ضمان تقييد أي رئيس مستقبلي مع الأخذ في الاعتبار أن الرئيس السابق دونالد ترامب ألمح إلى السعي إلى الرئاسة مجددًا.
كذلك تصر طهران على ضرورة رفع جميع العقوبات بما في تلك التي أُعيد فرضها في عهد الرئيس السابق دونالد ترامب، لكن يبقى الجدل عن مدى تخفيف العقوبات المتاح لإيران إذا وقعت على اتفاق جديد ضمن الملفات المعقدة، فواشنطن تطلب تعليق جزء من العقوبات وإبقاء جزء آخر، وتصر على توسيع الاتفاق ليشمل برنامج إيران الصاروخي ونفوذها الإقليمي وتهديدها الاستقرار في المنطقة.
شكَّل الحرس الثوري الإيراني أيضًا نقطة مهمة في المفاوضات إذ تطالب طهران واشنطن برفع الحرس الثوري من القائمة الأمريكية لمنظمات الإرهاب الخارجية، وهو ما يرفضه الجانب الأمريكي، لكن إيران تنازلت جزئيًا عن طرح هذا الطلب مؤخرًا لمنح الدبلوماسية فرصة.
بيد أن مساعي تل أبيب للظفر بضمانات أمريكية يقول رئيس وزرائها يائيير لابيد إنها تحققت بعد الإبقاء على اسم الحرس الثوري ضمن قائمة الإرهاب، إضافة إلى تأجيل رفع العقوبات على طهران حتى المرحلة الثالثة من الصفقة النووية في حال التوصل إليها.
يُضاف إلى هذه التحديات، موقف الكونغرس المتعنت ضد الاتفاق، فقد وجَّه نواب ديمقراطيون وجمهوريون رسالة ضغط جديدة إلى إدارة بايدن تحذره من مغبة التقارب مع إيران، وأعربوا عن مخاوفهم العميقة من توقيع اتفاق مع طهران، بل حذروا من مخاطر التقليل من فاعلية العقوبات القاسية المفروضة عليها.
لم يكتف النواب بالتحذير من أي تسوية مع إيران، بل ذهبوا إلى التأكيد على أهمية إبقاء الحرس الثوري على قائمة التنظيمات الإرهابية للحيلولة دون تطوير قدرات طهران النووية.
وطالب نواب الكونغرس بإطلاعهم على نص كامل لأي اقتراح، مبدين قلقهم بشأن محتواه، وضرورة التشاور مع الكونغرس قبل الدخول مرة أخرى في أي صفقة، وفي وقت يواجه بايدن انتقادات كثيرة، يجادل بأن رغم أوجه القصور التي تحتويها الصفقة، فإنها أفضل من ترك برنامج إيران دون قيود.
تدرك طهران هذا جيدًا، ولعل هذا ما يجعلها تتمسك بدبلوماسية النفس الطويل لتحقيق الحد الأقصى من المكاسب قبل التوقيع على أي اتفاق، ففي حين تقدم تنازلًا عن شرط سابق تفرض شرطًا جديدًا، ويتبين ذلك من تنازلها عن مطلب شطب الحرس الثوري من قائمة المنظمات الإرهابية مقابل تخلي الوكالة الدولية للطاقة الذرية عن التحقيق الذي تجريه في منشآتها النووية.
يُضاف إلى ذلك، رغبة إيران في اتفاق طويل الأمد، ولا يبدو فيما يُقرأ من أصداء أنها قد تحصل على ضمانات تمنع أي انقلاب عليه من أي إدارة أمريكية لاحقة، ولئن كان الوسيط الأوروبي شديد التفاؤل بحسم سلسلة المفاوضات الطويلة هذه، فإن النص الذي أعدَّه يضع إيران على مفترق طرق.
صفقة كاملة أم لا صفقة؟
خطوة للإمام مقابل خطوتين للوراء، يبدو أن هذا هو الموقف الذي بات يفرض نفسه على مفاوضات إحياء الاتفاق النووي الإيراني الجارية بفيينا، فبحسب ما نقلت مجلة “بوليتيكو” عن مسؤول في الإدارة الأمريكية، فإن المقترحات الإيرانية على الرد الأمريكي بشأن مسودة الاتفاق تمثل خطوة للوراء.
تصريح عززه تصريح آخر لأحد الدبلوماسيين الأوروبيين الذي وصف الرد الإيراني بـ”السلبي وغير العقلاني”، بينما نقلت المجلة عن شخص آخر قالت إنه على دارية بالموضوع، أن الرد الإيراني لا يبدو جيدًا على الإطلاق.
يأتي هذا في الوقت الذي أكدت فيه الخارجية الإيرانية استعداد طهران لعقد اجتماع وزراء خارجية الدول المشاركة في المفاوضات الأسبوع المقبل لإعلان الاتفاق النهائي، ويرجَّح مستشار الوفد الإيراني المفاوض محمد ميرندي احتمالية التوصل إلى اتفاق سريع في حال اتخذت الولايات المتحدة قرارًا صائبًا، ففي المرحلة الحاليّة، تدرس واشنطن الرد الإيراني بعناية، وتسعى طهران لدفع تحقيقات الولاية عنها، أما الاتفاق النووي فقد دخل مرحلة مراوحة جديدة رهن الأخذ والرد.
كلما طال أمد المحادثات دون تحقيق انفراجة، زاد تقدم البرنامج النووي الإيراني واقتربت الولايات المتحدة من الانتخابات الرئاسية، ما يجعل الاتفاق أقل فائدة لكلا الجانبين
ومن شأن الاتفاق – إن تم إحياؤه – أن يحد مؤقتًا من قدرات طهران النووية، ويمدد “وقت الاختراق” إلى ستة أشهر على الأقل مقابل تخفيف العقوبات، الأمر الذي من شأنه أن يفرج عن مليارات الدولارات من الأصول الإيرانية المجمدة بالإضافة إلى عائدات النفط والغاز.
بعد فترة وجيزة من التنفيذ الكامل، يمكن لإيران أن تضيف نحو مليون برميل من النفط يوميًا إلى السوق، وهو ما سيحل جزئيًا على الأقل محل الخسارة الوشيكة للتدفقات الروسية المنقولة بحرًا إلى أوروبا ويدفع أسعار الطاقة العالمية للانخفاض.
سيشمل الاتفاق أيضًا نظام مراقبة صارم للتحقق من أن إيران تفي بالتزاماتها، لكن القيود النووية المادية ستنتهي بعد عدد محدود من السنوات، علاوة على ذلك، لن تشمل الصفقة أي أنشطة عسكرية إيرانية غير نووية مثل دعم وكلاء الإرهاب.
يجادل النقاد داخل الولايات المتحدة (جميع الجمهوريين تقريبًا وبعض الديمقراطيين البارزين) وفي “إسرائيل” بأن سلوك إيران يُظهر أنه لا يمكن الوثوق بالامتثال لالتزاماتها، ويزعمون أن انتهاء صلاحية الاتفاق تعني أن الصفقة ستؤخر تطوير إيران النووي لكن لن تمنعها، في حين أن تخفيف العقوبات سيعزز تصميم النظام وقدرته على القيام بأنشطة عدوانية ضد الولايات المتحدة وحلفائها.
كمسألة سياسية، تميل إدارة بايدن إلى التوصل إلى حل وسط رغم أوجه القصور، معتقدة أن البدائل – إما السماح لإيران بأن تصبح دولة نووية وإما الذهاب إلى الحرب لمنع حدوث ذلك – أكثر خطورة بكثير حتى من صفقة غير كاملة.
في المقابل، ترجِّح مجموعة يوريجا الاستشارية أن احتمالية “إحياء الاتفاق النووي” تبلغ 45% أو أقل من ذلك بكثير، لأن التطورات تستند بشكل أساسي إلى تبادل رسائل علنية، ففي حين تبحث طهران عن ضمانات أقوى لإحياء الاتفاق التاريخي، ويقول رئيسها إبراهيم رئيسي إنه لا يمكن لأحد في العالم أن يفرض إرادته على بلاده، يخشى الغرب أن تطور طهران أسلحة نووية، ومن المتوقع استمرار العقبات والتجاذبات بين الطرفين.
في الوقت نفسه، لكل من واشنطن وطهران مصلحة في الإبقاء على قنوات الدبلوماسية قائمة لعدم وجود خيارات أفضل حتى لو لم تكن لديهما نية لإبرام الاتفاق، فبالنسبة للولايات المتحدة، فإن التركيز المستمر على خطط العمل المشتركة يرجئ تحولاً مُكلفًا نحو زيادة الضغط على طهران، وبالنسبة لبايدن، فإن التخلي العلني عن المفاوضات سيكون بمثابة الاعتراف بالهزيمة في مهمة في السياسة الخارجية والضغط عليه لتنفيذ عقوبات عهد ترامب.
أمَّا بالنسبة لإيران، قد يؤدي الانسحاب من المباحثات إلى فرض عقوبات دولية أكبر وإضعاف الاقتصاد، وزيادة خطر أن يؤدي استمرار التقدم النووي إلى نشوب صراع عسكري، في حين أن استمرار الدبلوماسية حتى لو كانت بلا طائل يقيها واقتصادها مزيدًا من الضغوط الدولية، ويمنحها غطاءً لمواصلة تقدمها النووي.
تكمن المشكلة في أنه كلما طال أمد المحادثات دون تحقيق انفراجة، زاد تقدم البرنامج النووي الإيراني واقتربت الولايات المتحدة من الانتخابات الرئاسية، ما يجعل الاتفاق أقل فائدة لكلا الجانبين، فإيران تعرف أن أي رئيس جمهوري سوف يسحب الولايات المتحدة على الفور من الصفقة، ويعيد فرض العقوبات.
رغم ما يعنيه إحياء الاتفاق للطرفان، يبدو أن الإعلان النهائي عن نجاح أو فشل الجهود المتواصل لإحياء الاتفاقية النووية سيتأخر إلى وقت لاحق بسبب الخلافات التي ما زالت عالقة بين الطرفين، وهكذا، في حين أن أيًا من الجانبين ليس على وشك إنهاء المحادثات، فإن مصير الصفقة لا يزال غير مؤكد إلى حد كبير.