على مدار السنوات العشرة الماضية، لم تسلم المدارس والمؤسسات التعليمية في سوريا من القصف والعمليات العسكرية التي قادتها قوات نظام الأسد والمليشيات الداعمة له، ما أدى إلى حرمان مئات آلاف الطلبة من حقهم في الحصول على التعليم نتيجة استمرار الحرب وما رافقها من موجات نزوح وهجرة داخلية وخارجية.
في اليوم العالمي لحماية التعليم من الهجمات، يستعرض “نون بوست” في هذا التقرير دور أطراف النزاع السوري وعلى رأسهم نظام الأسد وروسيا وإيران في تدمير البنية التحتية لقطاع التعليم في سوريا، من خلال تدمير المدارس واستخدامها كمراكز اعتقال واستجواب للطلاب، وفي أحيان أخرى كثكنات عسكرية.
اعتقال واستجواب
قبيل اندلاع الثورة السورية بأسابيع قليلة، وتحديدًا في شهر فبراير/شباط من العام 2011، اعتقلت الأجهزة الأمنية التابعة لنظام الأسد، عشرات الطلاب والمعلمين من صفوفهم التعليمية في مدرسة الأربعين بمحافظة درعا جنوب سوريا، بتهمة كتابة عبارات مناهضة لرأس نظام الأسد على جدران المدرسة، في أول انتهاكات النظام للمدارس.
تعرض الأطفال آنذاك لأشد أساليب التعذيب في أثناء التحقيقات على يد الأجهزة الأمنية، ما تسبب باستشهاد عدد منهم من محافظة درعا، وهي الحادثة التي دفعت الأهالي إلى المطالبة بأبنائهم في تظاهرات شعبية لاقت انتشارًا واسعًا في المحافظة.
وعلى خلفية الاحتجاجات الواسعة بدأت الأجهزة الأمنية وأذرعها بتحويل المدارس إلى مراكز لاستجواب الطلاب عن مواقفهم السياسية ومواقف ذويهم وأهاليهم وأقاربهم في حال كانوا على صلة بالحراك الشعبي المناهض لنظام الأسد، بهدف اعتقالهم كون المظاهرات الشعبية بدأت تنتقل من محافظة إلى أخرى.
ومع توسع رقعة الاحتجاجات بين المحافظات، توقفت الحياة المدنية، ولم يعد بإمكان الطلاب الذهاب إلى مدارسهم نتيجة حملات الاعتقال الكبيرة التي نفذتها الأجهزة الأمنية واللجان الشعبية “الشبيحة”، حيث أرسل نظام الأسد مئات العناصر الأمنية والشبيحة المدججين بالسلاح الخفيف لإنشاء حواجز على الطرقات الرئيسية، للقبض على المتظاهرين والمشتبه بهم على الطرقات في أثناء تنقلهم، ولتسهيل العملية اتخذت الأجهزة الأمنية التابعة لنظام الأسد المدارس والمباني التعليمية نقاط تمركز ومبيت لعناصر الحواجز.
واستخدمت المدارس كساحات لتجميع المعتقلين قبل ترحيلهم إلى سجون الأفرع الأمنية، كحال مدرسة محمد صبري مريم في بلدة النشابية بالغوطة الشرقية حيث كانت نقطة تمركز لعناصر المخابرات الجوية الذين تواجدوا داخل المدرسة كأنها نقطة عسكرية، فعند اعتقال المدنيين على الحاجز، كانوا يحتجزونهم في المدرسة قبل ترحيلهم، بحسب ما أوضح الصحفي منتصر أبو زيد.
وقال أبو زيد خلال حديثه لـ”نون بوست”: “اعتقلت الأجهزة الأمنية طالبين من الصف الحادي عشر في المدرسة لمدة أسبوعين، بالإضافة إلى معلم مادة الرياضيات بعدما وشت به إحدى الطالبات، حيث اقتادتهم لاحقًا إلى الأفرع الأمنية، لذلك أصبحت المدرسة رمزًا للخوف والرعب لدى الأهالي والطلاب على حد سواء”.
وأضاف “بعد سيطرة نظام الأسد على بلدة العبادة بالغوطة الشرقية مطلع عام 2013، أعد التليفزيون السوري الرسمي تقريرًا داخل مدرسة عبد الله الخطيب والجنود يتنقلون داخلها كأنها نقطة عسكرية، ولاحقًا بعد تحرير الغوطة الشرقية من النظام، قصفت قوات النظام معظم المدارس وحولتها إلى كتل من الدمار”.
مدارس أم نقاط عسكرية؟
يعد العام الدراسي 2010 /2011 العام الأخير الذي أكمله الطلاب بين الاعتقال والخطف والاستجواب لينتقل جحيم نظام الأسد إلى الاستهداف المدفعي والمروحي المباشر للمدارس والمراكز التعليمية في المحافظات السورية، التي خرجت أجزاء منها عن سيطرة النظام، لا سيما في درعا وريف دمشق وحلب وحمص وحماة وإدلب، بينما تحول العديد منها إلى ثكنات عسكرية وحواجز أمنية تابعة للنظام.
في هذا الخصوص، قال المعلم، محمد عبد الرزاق، يقيم في ريف حلب شمال سوريا، خلال حديثه لـ”نون بوست”: “مدفعية نظام الأسد والطيران الحربي والمروحي الروسي دمرا آلاف المدارس والمباني السكنية ضمن الأحياء والمدن الخارجة عن سيطرة نظام الأسد، ففي أحياء مدينة حلب وقعت العديد من المجازر في المدارس والمؤسسات التعليمية جراء قصفها بشكل مباشر من الطيران”.
ويضيف “القصف الهستيري الذي اتبعه الطيران الروسي والسوري على المدارس، دفع الأهالي إلى ترك منازلهم المجاورة للمدارس والبحث عن أماكن أخرى لأنها أصبحت مناطق مستهدفة وغير آمنة، كون الطيران المربعات الأمنية التي تحتوي على مؤسسات حكومية، إلى منطقة مدمرة بالكامل جراء قصفها بشكل متعمد، حيث تسبب القصف بوفاة مئات الطلبة بمناطق سوريا متفرقة”.
وتابع “تكرار القصف دفع الكوادر التعليمية إلى افتتاح مدارس في بعض المنازل، ومع ذلك كانت طائرات نظام الأسد تستهدفها كونها تحتوي على تجمعات للطلاب، لا سيما عند حصول الطيار على إحداثيات المكان”.
وقال شادي الحسن، متطوع في الدفاع المدني السوري: “يهدف نظام الأسد ومن خلفه روسيا إلى تدمير البنية التحتية للتعليم والقضاء على مستقبل الطلاب في المناطق الخارجة عن سيطرتهم في مختلف المحافظات السورية، من خلال حرمانهم من التعليم وتهجيرهم إلى المخيمات والحدود التي لا يوجد فيها شيء من مقومات الحياة”.
وأضاف “رغم اتفاق وقف إطلاق النار المؤقت الذي دخل حيز التنفيذ في مارس/آذار 2020، فإن الهجمات لم تتوقف بشكل نهائي، وإنما تراجعت حدتها نسبيًا، حيث استجاب الدفاع المدني السوري لأكثر من 138 هجومًا شنته قوات النظام وحليفها الروسي على مدارس ومنشآت تعليمية في شمال غرب سوريا، وكانت الهجمات موزعة على 89 هجومًا في عام 2019، و40 هجومًا في 2020، وأكثر من 7 هجمات في عام 2021، وهجومًا واحدًا في عام 2022 الحاليّ”.
أكثر من 1600 مدرسة خارج الخدمة في سوريا
تعتبر قوات الحلف السوري الإيراني الروسي مسؤولة عما لا يقل عن 86% من حصيلة اعتداء على مراكز حيوية مدنية في سوريا منذ 2011، فلم يقتصر الاعتداء عليها بالقصف لأكثر من مرة، بل امتد أيضًا إلى تحويلها – كما أسلفنا – إلى ثكنات عسكرية ومراكز اعتقال واستجواب، ما يجعلها أيضًا عرضة لهجوم أطراف النزاع الأخرى، ما حرم المدنيين من تلك المراكز، خصوصًا المراكز الحيوية التعليمية.
ووثقت الشبكة السورية لحقوق الإنسان تعرض ما لا يقل عن 1601 مدرسة في سوريا لاعتداءات من أطراف النزاع والقوى المسيطرة التي لديها حضور عسكري على الأراضي السورية، منذ مارس/آذار 2011 حتى يونيو/حزيران 2022.
تعد قوات نظام الأسد وروسيا أكثر الجهات المسؤولة عن تدمير المدارس والمنشآت التعليمية، فقد تسببت قوات نظام الأسد بتدمير نحو 1199 مدرسة ومنشأة تعليمية، بينما دمرت القوات الروسية نحو 221 منشأة تعليمية في سوريا، أما تنظيم داعش فقد دمر نحو 25 مدرسة، و3 مدارس دمرتها هيئة تحرير الشام، بينما تسببت جميع فصائل المعارضة بتدمير 35 منشأة تعليمية، و13 مدرسة أخرى على يد قوات سوريا الديمقراطية ونحو 25 مدرسة من قوات التحالف الدولي وجهات أخرى 80 مدرسة، بحسب ما أوضحت مديرة قسم التقارير في الشبكة السورية لحقوق الإنسان، سمية الحداد.
وقالت خلال حديثها لـ”نون بوست”: اعتدت جميع أطراف النزاع والقوى المسيطرة في سوريا على المدارس، وبشكل رئيس قوات الحلف السوري الروسي بمجموع بلغ 1420 مدرسة أي ما يقارب ما نسبته 89% من الحصيلة الإجمالية للمدارس التي تم الاعتداء عليها منذ مارس/آذار 2011، إضافة إلى تحويل عشرات المدارس إلى ثكنات عسكرية بعد سيطرة نظام الأسد عليها”.
وتسببت الاعتداءات المتكررة على المنشآت التعليمية في سوريا منذ العام 2011، بحرمان قرابة 2.4 مليون طفل داخل سوريا من التعليم، بحسب إحصاءات منظمة اليونسيف، بسبب إغلاق المراكز التعليمية نتيجة تعرضها للقصف المتكرر، وإحجام الأهالي عن إرسال أبنائهم إلى المدرسة، مع تصاعد ظاهرة عمالة الأطفال وانتشار الفقر والعوز والتشرد.
ورغم استعادة نظام الأسد للعديد من المناطق التي كانت تخضع لسيطرة المعارضة، وتعرض معظم المدارس للتدمير من النظام، فإن جهود إعادة إعمار البنية التحتية للمدارس غير حقيقية، لأن معظم المدارس تحولت إلى ثكنات عسكرية أو مراكز لتصنيع وترويج المخدرات، فضلًا عن تعرضها للنهب والسرقة على يد الميليشيات، بينما يبقى مصير ملايين الأطفال السوريين مجهولًا في ظل عدم حصولهم على حقهم الأساسي في التعليم.