ترجمة وتحرير: نون بوست
في وقت متأخر من الليل قبل دقائق من انتهاء ولاية ميشيل باشليت كمفوضة سامية للأمم المتحدة لحقوق الإنسان، أصدر مكتبها تقريرًا عن أهوال شينجيانغ في الصين. وكان من المفاجئ أن يصدر هذا التقرير الذي تأخر كثيرًا ولاقى معارضة شديدة من الحزب الشيوعي الصيني. فلطالما أخّرت الأمم المتحدة التصرف رغم التقارير العديدة عن الفظائع المرتكبة في شينجيانغ، كما سبق أن تعرض المؤتمر الصحفي الذي عقدته باشليت بعد زيارتها للمنطقة لانتقادات شديدة بسبب انحيازها للجانب الصيني.
لا تقدم نتائج هذا التقرير أي جديد للقراء الذين يتابعون الأحداث في الإقليم منذ سنة 2017، وقد تضمّن سلسلة من الشهادات من معتقلين سابقين في معسكرات اعتقال شينجيانغ التي يعد أغلبية نزلائها من أقلية الأويغور المسلمة. وتؤكد النتائج التي توصلت إليها أن السجناء تعرضوا للتعذيب بالضرب، ومعاناة النساء من “الإنفاذ القسري لسياسات تنظيم الأسرة” (بما في ذلك عمليات التعقيم)، إلى جانب استغلال نزلاء المعسكرات في أعمال السخرة، حيث كانوا فعليًا مستعبدين من قبل برامج العمل التي تديرها الدولة.
إن هذه الاتهامات معروفة وسبق الإبلاغ عنها لسنوات عديدة. ومع أن التقرير لم يستخدم هذا المصطلح بشكل واضح، إلا أنه اعترف بأفعال بكين على أنها إبادة جماعية حسب الهيئات التشريعية في العديد من البلدان بما في ذلك البرلمانات البريطانية والفرنسية والأوروبية والكندية.
أجبر الناشطون في جميع أنحاء العالم الشركات على شرح سلاسل التوريد وعمليات التوظيف في شينجيانغ، كما تم فحص مصادر المواد الخام، وبالأخص القطن، لمعرفة ما إذا كانت مبنية على العبودية التي تديرها الدولة.
يأتي التقرير ليؤكد هذه التصريحات إلى حد ما، لكنه لا يستخدم كلمة “إبادة جماعية” في أي موضع. وحتى اقتراح المصطلح يتم تجنبه لصالح الأوصاف الأخرى، بينما تم تقليل التقارير الخاصة بالتعقيم القسري على وجه الخصوص وهو ما اعتبره الكثيرون فرصة ضائعة بل وربما هدفا في حد ذاته.
يزخر التقرير بالمصطلحات القانونية التي قد يكون بعضها ضروريًا في ظل الهياكل القانونية الشائكة للأمم المتحدة، مثل قو إن الحزب الشيوعي الصيني “ربما” ارتكب جرائم ضد الإنسانية، وذلك قد يرجع إلى أن مكتب مفوض الأمم المتحدة السامي لحقوق الإنسان، يعمل وفقًا للاعتقاد بأنه لا يمكن اتخاذ قرار نهائي بدون إجراء قانوني في المحكمة الجنائية الدولية على سبيل المثال. لكن بعضها بالتأكيد يختلف، فالتقرير مليء بالعبارات المصممة لتفادي تحميل المسؤولية من أي نوع. ينتشر في التقرير الشكاوى من أن الأدلة متقطعة وغير حاسمة، بما في ذلك موضعان يشير فيهما التقرير إلى أن الأدلة المجزأة “تجعل من الصعب” اتخاذ قرار حاسم.
ظهور هذا التقرير معجزة في حد ذاته. لقد أراد الحزب الشيوعي الصيني قمعه، ولكن ها هو يخرج إلى العالم
وقد يكون عدم تعاون الصين الرسمي مع المفوضية السامية لحقوق الإنسان مسؤولًا جزئيا عن ذلك، لكنه أيضًا نتيجة حملات الضغط المستمرة من الدبلوماسيين والمسؤولين الصينيين المصممة لمنع التقرير من رؤية النور، أو التخفيف من وطأته في حالة ظهوره ببيانات غامضة عن الحقيقة والتملّص من الالتزام بإعلان حقائق قاطعة.
صدر تقرير حديث عن الوضع القانوني للمعاملة التي يلقاها الأويغور في شينجيانغ والذي نشره معهد نيولاينز – التي أكون مدير المبادرات الخاصة فيها – وقد توصل إلى أنه بموجب أحكام اتفاقية الإبادة الجماعية لسنة 1948 تتحمل الصين “مسؤولية الدولة” عن ارتكاب الإبادة الجماعية ضد الأويغور وأن سياسات الصين تظهر “نية لتدمير” الأقلية.
لقد توصلنا إلى أن الصين، بناءً على بند تلو الآخر من التعريف، قامت عن علم وعن عمد بأعمال إبادة جماعية ونفذت سياسات تدعمها. قتلت الصين أعضاء في الجماعة، وتسببت في ضرر جسدي وعقلي لأفرادها، كما فرضت تدابير تهدف إلى منع الولادات، و نقلت بالقوة أطفال الأويغور إلى مجموعة أخرى، وشرّعت سياسات تهدف إلى “التدمير المادي” لهذه الأقلية. وهي حملة مستمرة، ولاشك أن الأمم المتحدة تعرف أن هذه هي الحقيقة.
اعتمد تقرير المفوضة السامية على سنوات من العمل شملت رحلات إلى شينجيانغ، ولم يكن بالإمكان أن تفلت الأدلة من مؤلفيه. وكان بإمكانهم الاعتراف بما حدث ولكنهم اختاروا بوضوح عدم القيام بذلك. كان بإمكان هذا التقرير أن يُمثّل لحظة فارقة للأمم المتحدة للاعتراف رسميًا وبإجماع عالمي متزايد وواسع النطاق على أن معاملة الصين للأويغور ترقى إلى مستوى الإبادة الجماعية – بموجب اتفاقية الإبادة الجماعية – ولكنه بدلاً من ذلك أصبح لحظة اختارت فيها الأمم المتحدة التخلي عن القضية حتى أثناء محاولتها الشجاعة لإدانة الصين بعد خمس سنوات من بدء الأحداث.
كل هذا جدير بالملاحظة، وكذلك العملية التي اجتازها التقرير نفسه، وما تشير إليه العقبات والتنازلات التي مر بها حول التأثير الصيني الزاحف على المؤسسات الدولية، التي يجب أن يكون الكثير منها – في الأوقات العادية – مستعدًا وقادرًا على التنديد بالانتهاكات مثل تلك التي ارتكبت في شينجيانغ بمفردات مناسبة.
بعد أن صدر التقرير أخيرًا، وصفت الصين الوضع برمته بأنه “مهزلة” ونتاج مؤامرة شارك فيها الحلفاء الغربيون. وهذا الادعاء لا أساس له من الصحة، وإذا كان هناك مؤامرة فهي الحملة التي شنتها الدولة الصينية ووكلاءها حول العالم لتضليل مسؤولي الأمم المتحدة وإرباكهم، ومحاولاتهم منع باشليت وفريقها من زيارة شينجيانغ حتى يظل التقرير حبيس الأدراج في الأمم المتحدة.
كانت هذه حملة مستمرة شعرت بها مجموعة متنوّعة من المؤسسات الدولية، تطلب تنفيذها التنظيم واستعراضا للقوة، وهذا ما يجب أن نكون حذرين منه في السنوات والعقود القادمة. سيتكرر الأمر مرة أخرى، وهو ما يجب أن يفهمه القادة في الغرب لأنهم سيضطرون بالتأكيد إلى مواجهته على المدى القصير.
في فترة الوباء وما بعدها، أظهر العالم استعداده لملاحظة الجرائم الصينية في شينجيانغ والرد عليها
يعمل الدبلوماسيون الصينيون بقوة وبثقة في قاعات الأمم المتحدة مما يعيق عمل مجلس الأمن ووكالات الأمم المتحدة الفردية بما في ذلك المؤسسات التابعة مثل منظمة الصحة العالمية، التي وجدت نفسها خلال جائحة كوفيد-19 مرتبطة بشكل دائم برواية بكين الرسمية، ذلك أن الصين هي ثاني أكبر مساهم وطني في أموال الأمم المتحدة بعد الولايات المتحدة. وهي بالتأكيد تجني مقابلا من هذه الأموال.
للمسؤولين الصينيين تأثير كبير على وكالات الأمم المتحدة. منذ سنة 2007، كان الوكيل العام لقسم الشؤون الاقتصادية والاجتماعية التابع للأمم المتحدة دائمًا مواطنًا صينيًا ما يمنح بكين موقعا متميزا للترويج لمبادرة الحزام والطريق الصينية على أنها مبادرة للتنمية الدولية – ليس توسعا اقتصاديا صينيا.
سعى نفس المسؤولين بنجاح إلى تقليل قدرة ممثلي الأويغور على مخاطبة الأمم المتحدة، بما في ذلك منع دولكون عيسى، رئيس مؤتمر الأويغور العالمي، من المشاركة في المنتدى الدائم للأمم المتحدة المعني بقضايا السكان الأصليين.
مع نجاح الضغط على مسؤولي الأمم المتحدة مثل باشليت لثنيهم عن التصرف أثناء توليهم مناصبهم، من غير المستغرب ظهور هذه المواقف. وهو أمر شائن يجب ألا تكون لدى أي دولة القدرة على المطالبة به. لكن موظفي الأمم المتحدة ليسوا في وضع يسمح لهم بالتغلب على الصين، وهم حتى الآن غير مستعدين حتى أمام جمهورهم المحلي ومؤسساتهم الخاصة، للذهاب إلى حد تشريع وتسمية المعاملة الصينية للأويغور بما هي عليه – إبادة جماعية – أو اقتراح وبذل الجهود للرد على ذلك.
إلى حد ما، ظهور هذا التقرير معجزة في حد ذاته. لقد أراد الحزب الشيوعي الصيني قمعه، ولكن ها هو يخرج إلى العالم. مع ذلك، لا تتطابق استنتاجات التقرير مع حجم الجرائم. في فترة الوباء وما بعدها، أظهر العالم استعداده لملاحظة الجرائم الصينية في شينجيانغ والرد عليها. لذلك لا يمكننا الاحتفال بضعف الأمم المتحدة حتى إن توصلت هيئاتها، في ظروف خاصة جدا، إلى القيام بأقل قدر من العمل الصحيح.
المصدر: فورين بوليسي