وصلت عمليات التسوية التي يجريها نظام الأسد، إلى مختلف المناطق التي استعاد السيطرة عليها ضمن العمليات العسكرية الموسعة التي نفذتها قواته ومليشياته بغطاء جوي روسي مكثف خلال العامين 2019/ 2020، على مناطق المعارضة في محافظات حماة وإدلب وحلب شمال غرب سوريا.
وفي أحدث التسويات، افتتحت قوات نظام الأسد مركزًا للتسوية في مدينة خان شيخون بريف إدلب الجنوبي، الإثنين 5 سبتمبر/أيلول الحاليّ، الذي يعد الأول من نوعه في محافظة إدلب، وذلك استكمالًا لسياسية التسويات التي ينتهجها نظام الأسد منذ سنوات، بهدف “تسوية” أوضاع السوريين الذين عادوا إلى المناطق التي تسيطر عليها حكومته، محيط طريق الـM5، بحسب ادعاءات وسائل الإعلام الموالية.
وحضر افتتاح المركز شخصيات أمنية وعسكرية، في مقدمتها اللواء حسام لوقا مدير إدارة المخابرات العامة الذي يدير ملف “المصالحات” في عموم البلاد، واللواء ميلاد جديد رئيس اللجنة الأمنية في إدلب، وأحمد جاسم النجار أمين فرع البعث، وثائر سلهب محافظ إدلب المعين من النظام، إلى جانب شخصيات عشائرية من أبناء المنطقة.
تسهيلات ووعود خلبية
قدمت حكومة نظام الأسد العديد من التسهيلات الخلبية التي سرعان ما تنتهي فاعليتها، للراغبين في تسوية أوضاعهم الأمنية وفقًا لإستراتيجية تتبعها الأجهزة الأمنية التابعة لنظام الأسد في مختلف المناطق السورية التي افتتح فيها مراكز تسوية سابقًا، بغية تكريس التسويات وتفعيل دورها في عودة الحياة المدنية الطبيعية التي يسعى نظام الأسد جاهدًا إلى ترويجها للمجتمع الدولي.
محافظ إدلب في حكومة نظام الأسد، ثائر سلهب، قال: “التسوية تشمل الفارين من الخدمة الإلزامية ويتم إعطاؤهم مهلة شهر للالتحاق بوحدتهم بعد الحصول على بطاقة التسوية، المتخلفون عن الخدمتين الإلزامية والاحتياطية يمنحون مدة 6 أشهر لتسوية أوضاعهم، بينما لا يترتب على المنشقين أي مساءلة بعد التسوية”.
وأضاف خلال حديثه لراديو شام إف إم “المركز يُعنى بتسوية أوضاع المدنيين المطلوبين المقيمين داخل سوريا وخارجها من أبناء المحافظة في حال العودة، إضافةً إلى العائلات الموجودة في الشمال، حيث يدخلون إلى مناطق سيطرة الدولة السورية مع أغراضهم دون التعرض لأي مساءلة أو رسوم”.
ومع ذلك لا تفلح تلك التسهيلات في إقناع الأهالي على إجراء التسوية من مناطق خارجة عن سيطرة نظام الأسد، وإنما يتركز الإقبال على السوريين المقيمين ضمن مناطق سيطرته، ما يعني أن عمليات التسوية التي تشمل المناطق الخارجة عن سيطرة نظام الأسد، هي عملية دعائية ترويجية تهدف إلى استجرار الأهالي ولفت أنظار المجتمع الدولي، بحسب ما يرى الصحفي عز الدين زكور.
وقال الصحفي من إدلب خلال حديثه لـ”نون بوست”: “الأهالي في إدلب ومعظمهم من النازحين والمهجرين، لا يثقون بمبادرات النظام وروسيا في التسوية، رغم أنهم يعيشون ظروفًا مأساوية ومجرد بقائهم في المخيمات وترك منازلهم في مناطق نظام الأسد يدل على أنه لا ثقة في الوعود والتسهيلات التي يتم الترويج لها”.
مضيفًا “لا يمكن أن يصالح الأهالي نظام الأسد لأنه هجر ودمر وقتل الكثير من السوريين، إضافة إلى أنه لا يوجد حتى الآن أي ضمانات حقيقية ونظام الأسد غير مستعد للتنازل عن العقلية الهمجية التي تنتقم من السوريين ولا تريد حتى أن تتصالح مع الشعب المنتفض ضد العصابة المستبدة، ودائمًا ما يسعى نظام الأسد إلى استغلال التسويات إعلاميًا، لكنه سيفشل لأن الواقع يبرهن الحقيقة كما في درعا”.
ما مدى استجابة الأهالي للتسوية؟
بدأت المؤسسات الأمنية والمدنية التابعة لنظام الأسد في مدينة خان شيخون، خلال الأسابيع الماضية التحضير جيدًا لافتتاح مركز التسوية، بهدف ترويج أهمية التسوية ودورها في إعادة الحياة المدنية للمنطقة التي تتزاحم فيها الميليشيات، حيث استقطبت شخصيات عشائرية من المناطق الواقعة في ريف إدلب الشرقي والجنوبي بين سكة الحجاز وطريق الـM5، بهدف حث الناس على العودة.
وعمل وجهاء العشائر بتوجيهات من الأجهزة الأمنية على ترويج التسوية لدفع الناس إلى إجرائها وترويج المصالحة مع العائلات المقيمة في مناطق سيطرة المعارضة شمال غرب سوريا من خلال إخبارهم عن فاعلية التسهيلات، وفعليًا استطاعت العشائر تسهيل دخول عدد من العائلات من ممرات التهريب، بحسب مصادر محلية.
تحدثت وسائل إعلام موالية لنظام الأسد عن عودة 20 عائلة مكونة من 90 شخصًا إلى مناطق سيطرة حكومة النظام في إدلب من مناطق المعارضة السورية، عبر معبر التايهة، مقدمةً العديد من التسهيلات للمواطنين الراغبين في العودة إلى منازلهم حسب ادعاءاتهم.
ورغم أن الضمانات التي يقدمها نظام الأسد للأهالي خلبية وغير حقيقية لا تضمن للأهالي استقرارهم في ظل انتشار الميليشيات والعصابات، فإن العديد من الدوافع الواقعية تفرض نفسها على الأهالي وتجبرهم على العودة إلى مناطق نظام الأسد ذلك بغية استعادة ممتلكاتهم والعودة إلى أعمالهم، التي فقدوها بسبب الهجرة والنزوح.
وتعتبر المنطقة التي سيعود إليها الأهالي مناطق زراعية يعمل معظم سكانها في الزراعة وتربية الماشية، وفقدانها زاد من معاناتهم في ظل الظروف المعيشية السيئة التي ترزح تحتها آلاف العائلات السورية شمال غرب سوريا، وغياب سبل الحل الحقيقي ومستقبل المنطقة المجهول، وليس طمعًا بالمعيشة في مناطق نظام الأسد التي تشهد أحوالًا معيشية سيئة.
الباحث في مركز جسور للدراسات، وائل علوان، أكد خلال حديثه لـ”نون بوست”: “استجابة الأهالي لدعوات النظام هي من الأسر سواء في تركيا أم المناطق المحررة، وهي أسر لم ينخرط أبناؤها بالثورة وهم خرجوا هربًا من الفقر والحرب والفوضى الأمنية، أما المطلوبون والمنخرطون لا يطمئنون لأنه لا توجد أي ضمانات لما يدعيه نظام الأسد ودرعا خير مثال على ذلك سواء لمن بقي أم لمن عاد”.
عبر التسوية.. ترويج للمصالحات
حاول نظام الأسد ترويج عودة اللاجئين والنازحين إلى مناطقه، حيث يجري التسويات الداخلية، بمعنى أن هناك استقرارًا وطمأنينةً، حيث عملت اللجان الأمنية طيلة الأسابيع القليلة الماضية، على ترويج التسوية التي تهدف بطابعها إلى توسعة نطاقها للمصالحة مع نظام الأسد، فقد لعبت العشائر والعائلات في مناطق نظام الأسد دورًا مهمًا في تلميع التسويات والمصالحات.
وقال علوان: “يجب أن نفرق بين التسويات والمصالحات، فالأولى تستفيد منها الميليشيات الرديفة وعلى وجه الخصوص الميليشيات المحسوبة على إيران، التي ترتكب انتهاكات متكررة كما حصل بمحافظة دير الزور، حيث يعمل النظام على تسوية أوضاع مرتكبي الانتهاكات ويمنحهم مهلة للالتحاق بصفوفه، حيث تعتبر جزءًا من إدارة وتدوير نظام الأسد للقوى الأمنية”.
وأضاف “المصالحات، تختلف بطابعها كونها تتم بالوساطة الروسية، وتستهدف المناطق الخارجة عن سيطرة نظام الأسد بشكل إعلاني، كما هو الحال في محافظة درعا التي استهدفت المناطق الخاضعة لسيطرة المعارضة منتصف العام 2018، التي لا تزال تعاني من انفلات أمني دائم حتى الآن، لذلك يعمل نظام الأسد على ترويج المصالحات عبر التسوية الداخلية”.
وعن هدف نظام الأسد من التسويات والمصالحات غير الحقيقية أوضح أن نظام الأسد يريد أن يظهر دائمًا للمجتمع الدولي برعاية روسيا أنه مستجيب للعملية السياسية والمبادرة في التسوية وإجراء المصالحة.
بينما يربط آخرون تزامن افتتاح مركز التسوية في إدلب مع تصريحات وزير الخارجية التركي مولود جاووش أوغلو، التي تطرقت إلى علاقة تركيا بنظام الأسد، بما في ذلك حديثه عن ضرورة المصالحة بين النظام والمعارضة السورية، والمساعي الروسية المتواصلة لإعادة العلاقات مع تركيا، إلى جانب الضغوط المستمرة على اللاجئين السوريين في تركيا.
إلا أن الباحث وائل علوان ينفي خلال حديثه لـ”نون بوست” ارتباط مراكز التسوية بالعلاقات التركية مع نظام الأسد، كون مشروع التسوية قائم منذ عام 2018، برعاية روسيا، بينما يرجح افتتاح مركز جديد في معبر كسب بريف اللاذقية بهدف تسوية أوضاع اللاجئين العائدين من تركيا بشكل مباشر.
ويسعى نظام الأسد ومن خلفه روسيا إلى تلميع المناطق التي سيطروا عليها وتصوير عودة الناس بشكل طبيعي، كونها تمنحهم الشرعية لكل الهجمات الإرهابية ضد الشعب السوري، فعودة الناس إلى مناطق نظام الأسد تعني أنها راضية ومطمئنة، بينما لا تزال أجهزة نظام الأسد الأمنية تلاحق العائدين وتعتقلهم.