ترجمة حفصة جودة
تراجع العديد من مسلمي بريطانيا إلى المواطنة من “الدرجة الثانية” نتيجة سلطات التجريد من الجنسية التي قدمتها الحكومة البريطانية منذ عام 2002، وفقًا لتقرير جديد أصدرته المؤسسة الفكرية للمساواة بين الأعراق.
أصدر معهد العلاقات العرقية “Institute of Race Relations” تقريرًا بعنوان “المواطنة: من حق إلى امتياز”، في أعقاب التوسع في بعض السلطات المثيرة للجدل التي تُستخدم على نطاق واسع ضد المواطنين البريطانيين الذين سافروا إلى سوريا – تبعًا لقانون الجنسية والحدود – للسماح بنزع الجنسية عن أحدهم دون إشعاره في بعض الظروف.
مُرر القانون الجديد في أبريل/نيسان بعد أشهر من احتجاج نشطاء حقوق الإنسان والمعارضة في مجلس اللوردات، تسمح الفقرة التاسعة من القانون لوزير الداخلية بنزع الجنسية عن أي شخص دون إخطاره إذا لم يكن من الممكن القيام بذلك بشكل عملي، بسبب الأمن القومي أو الاعتبارات الدبلوماسية أو أي سبب آخر.
في السابق، كان نزع الجنسية عن مواطنين بريطانيين يتطلب إرسال خطاب بالإنذار المسبق، ويملك هؤلاء المواطنون الحق في تحدي القرار عن طريق الاستئناف، يقول النقاد إن عدم إخطار الأشخاص يمنعهم من ممارسة حقوقهم.
نجح عدد من الأشخاص في تحدي استخدام الحكومة لتلك السلطات، ففي مايو/أيار 2021، عاد رجل إلى المملكة المتحدة بعد سنوات من الحبس في الخارج بعد أن اعترفت الحكومة بأنها أخطأت في تقييم حصوله على الجنسية البنغلاديشية.
نزع الجنسية مجرد مظهر واحد لإجراءات تستهدف المجتمعات المسلمة في بريطانيا وخارجها خلال العقدين الماضيين
رغم أنه من غير القانوني وفقًا للقانون الدولي أن تترك أحدهم بلا جنسية، فإن الحكومة البريطانية تستخدم تلك السلطة ضد الأشخاص مزدوجي الجنسية وضد أشخاص آخرين تدعي أنهم يستحقون جنسية دولة أخرى.
يقول فرانسس ويبر نائب رئيس معهد العلاقات العرقية ومؤلف التقرير: “الرسالة التي ترسلها تشريعات الحرمان من الجنسية منذ عام 2002 وتطبيقها بشكل كبير ضد مسلمي بريطانيا ذوي الثقافة الجنوب آسيوية، إنه رغم جوازات سفركم، فإنكم لن تكونوا مواطنين حقيقيين أبدًا مثل السكان الأصليين”.
“فبينما يستطيع المواطن الأصلي البريطاني الذي لا يملك أي جنسية أخرى ارتكاب أشنع الجرائم دون الخوف من انتهاك حقه بالبقاء في بريطانيا، لا يمكن لنحو 6 ملايين مواطن بريطاني لديهم جنسية أخرى من الشعور بهذه الثقة بديمومة جنسيتهم البريطانية”.
استشهد التقرير بالتغطية الإعلامية العنصرية وبيانات السياسيين وبرنامج المنع الحكومي المناهض للإرهاب، ووصف نزع الجنسية بأنه مجرد مظهر واحد لإجراءات تستهدف المجتمعات المسلمة في بريطانيا وخارجها خلال العقدين الماضيين، الأمر الذي ساعد في تحويل مسلمي بريطانيا في المملكة المتحدة إلى “مجتمع مشبوه”.
يصف التقرير معايير نزع الجنسية بـ”الغامضة وغير المحددة”، ويحذر من مخاطر استخدامها لأغراض سياسية، ويسلط الضوء على حالة شميمة بيغوم.
سافرت بيغوم إلى المناطق الخاضعة لسيطرة الدولة الإسلامية “داعش” في سوريا بعمر 15 عامًا في 2015، ونُزعت جنسيتها في فبراير/شباط 2019 على أساس أنها تمثل تهديدًا للأمن القومي بعد أن احتُجزت في معسكر تابع للأكراد شمال شرق سوريا مخصص لعائلات مقاتلي داعش.
لم تسمح الحكومة البريطانية بنزع جنسية أي مواطن لمدة 30 عامًا، لكن بعد ذلك كان هناك على الأقل 217 حالة نزع جنسية، منهم 104 حالات في 2017 عقب سقوط داعش في سوريا
اتضح الشهر الماضي أن السلطات البريطانية ساعدت في التستر على دور عميل استخبارات كندي ساعد في تهريب بيغوم إلى سوريا، يقول ويبر: “يطرح هذا الأمر سؤالًا: هل كان سحب جنسية بيغوم لتحويل الانتباه عن إعطاء الأولوية للوكالات الغربية لجمع المعلومات الاستخبارية على حماية الفتيات المعرضات لخطر الاتجار بهن؟”.
مقارنة “ويندرش”
يشير التقرير إلى أنه قبل عام 2003، لم تسمح الحكومة البريطانية بنزع جنسية أي مواطن لمدة 30 عامًا، لكن بعد ذلك كان هناك على الأقل 217 حالة نزع جنسية، منهم 104 حالات في 2017 عقب سقوط داعش في سوريا.
أشار تقرير حصري لميدل إيست آي في ديسمبر/كانون الأول 2017 إلى استخدام سلطة نزع الجنسية ضد أصحاب الجنسية البريطانية في سوريا، بما في ذلك استهداف عمال الإغاثة.
يقول ويبر: “هذه التغييرات على قانون الجنسية التي خلقت درجات للمواطنة، تستهدف مسلمي بريطانيا ذوي الثقافة الجنوب آسيوية والشرق أوسطية، مثل هذه الانقسامات بمثابة تذكير دائم لمواطني الأقلية العرقية بأن يراقبوا خطواتهم، كما يعزز الرسائل العنصرية بعدم استحقاق تلك المجموعات العرقية للجنسية البريطانية”.
قارن ويبر بين الوضع الحاليّ وفضيحة ويندرش التي ظهرت عام 2018 عندما كشف صحفيون بريطانيون قصصًا عن اعتقال مقيمين شرعيين من جزر الكاريبي بالخطأ في حملة الداخلية لاستهداف مهاجرين غير شرعيين مشتبه بهم.
قال خبراء الأمم المتحدة إن استخدام الحكومة البريطانية لسلطة نزع الجنسية تمييزي وغير قانوني بسبب تأثيره غير المناسب على المجتمعات المسلمة ومجتمعات المهاجرين
فقد الآلاف وظائفهم ومنازلهم وحق الحصول على رعاية طبية مجانية، بعضهم لأنهم وصلوا أطفالًا ولم يتمكنوا من استخراج الأوراق التي تثبت حقهم في الإقامة بالمملكة المتحدة، كما اعتقل الكثير منهم ورُحلّ العشرات.
يقوم منطق الترحيل على سلطة حرمان البعض من جنسيتهم والتخلص منهم بغض النظر عن الروابط العائلية ومدة إقامتهم في البلاد، وهو نفس المنطق الذي حرم جيل ويندرش من سبل معيشته ومنازله وفي بعض الأحيان حريته وموطنه.
قبل أن يصبح قانونًا، تعرض مشروع قانون الجنسية والحدود إلى انتقاد شديد من جماعات حقوق الإنسان والمهن القانونية واللجنة المشتركة لحقوق الإنسان في البرلمان البريطاني.
في بداية هذا العام، انتقدت الأمم المتحدة مشروع القانون أيضًا، فقد قال خبراء الأمم المتحدة إن استخدام الحكومة البريطانية لسلطة نزع الجنسية تمييزي وغير قانوني بسبب تأثيره غير المناسب على المجتمعات المسلمة ومجتمعات المهاجرين.
قال المتحدث باسم الداخلية إن قرار نزع الجنسية يُتخذ بعد اعتبارات دقيقة وحقائق تتفق مع القانون الدولي، وأضاف أن هذه السلطة تُستخدم ضد الأشخاص شديدي الخطورة مثل الإرهابيين والمتطرفين والمجرمين الخطرين المنظمين.
وقال أيضًا: “لن نعتذر عن القيام بما هو ضروري لحماية المملكة المتحدة من هؤلاء الذين يشكلون خطرًا على أمننا”.
المصدر: ميدل إيست آي