في 25 مايو/أيار 2022، سلَّم وزير الخارجية القطري الشيخ محمد بن عبد الرحمن آل ثاني، دعوة أمير قطر الشيخ تميم بن حمد آل ثاني، إلى الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي، لزيارة الدوحة، في ظل التغيرات الإقليمية والدولية التي تشهدها المنطقة.
بعد أقل من 4 أشهر، قرر السيسي مؤخرًا تلبية الدعوة في زيارة رسمية مفاجئة هي الأولى بعد اتفاق المصالحة الذي عقدته مصر وعدة دول خليجية مع قطر العام الماضي، الذي أنهى مقاطعة – بين مصر والإمارات والسعودية والبحرين من جهة وقطر من جهة أخرى – دامت نحو 4 سنوات.
في بداية الأمر، التزمت وسائل الإعلام الرسمية الصمت، فلم يرد تأكيد – حتى قبل ساعات من الزيارة – من السلطات المصرية أو القطرية، واقتصر الأمر على ما نقلته بعض المواقع الصحفية غير التابعة لأي من الدولتين عن مصادر حكومية مصرية وقطرية.
كشفت المصادر أن السيسي سيتوجه إلى قطر هذا الأسبوع، في زيارة رسمية هي الأولى من نوعها للسيسي إلى البلد الخليجي منذ توليه السلطة في 2014، مع الإشارة إلى أن الزيارة ستستمر لمدة يومين، حيث سيلتقي بأمير قطر الشيخ تميم بن حمد آل ثاني لبحث عدد من القضايا الإقليمية والدولية.
يأتي هذا التقارب بين الطرفين وسط دفء العلاقات الدبلوماسية بين الدوحة والقاهرة بعد استعادة العلاقات بالكامل عام 2021، لكنه يأتي مصحوبًا أيضًا بالعديد من علامات الاستفهام عن السر وراء التقارب المتبادل بين الدولتين وتوقيت زيارة السيسي والهدف منها وطبيعة التحالفات الجديدة في المنطقة.
ما وراء زيارة السيسي
الأهداف المعلنة للزيارة بحسب ما نشرته وكالة الأنباء القطرية، تتمثل في التأكيد على الحرص المتبادل والإرادة المشتركة للدولتين على تطوير العلاقات وتعزيزها نحو آفاق أرحب بمختلف المجالات، والتأسيس لمرحلة جديدة في مسار العلاقات الثنائية بين القاهرة والدوحة والارتقاء بها إلى مستوى العلاقة المثمرة.
فمن حيث التوقيت، تكتسب هذه الزيارة أهمية خاصة، لأنها تستبق انطلاق القمة العربية التي تستضيفها الجزائر في نوفمبر/ تشرين الثاني المقبل، وتأتي قبل أسابيع قليلة من اجتماعات الدورة الـ77 للجمعية العامة للأمم المتحدة، كما تتزامن مع تحديات وتطورات إقليمية متسارعة تشهدها منطقة الشرق الأوسط.
ووسط غياب تام لتفاصيل القضايا التي سيناقشها الطرفان، تحدث البعض عن كون الملف الليبي على رأس الملفات، فقد ذكر الكاتب الصحفي المصري المتخصص في الملف الليبي علاء فاروق، أن الزيارة ستتناول أيضًا مناقشة القضايا محل الاهتمام المشترك بين البلدين، وفي مقدمتها الأزمة الليبية، خاصة مع توجه قطر نحو التوسط بين الفرقاء الليبيين لإنهاء تصاعد الصراع بين جيشي الشرق والغرب.
ما قدمته قطر حتى الآن من تعهدات ووعود استثمارية لمشاريع كبرى لا يمكن مقارنته بما عرضته الرياض وأبو ظبي، اللتان دعمتا مصر سياسيًا واقتصاديًا
يؤكد ذلك تحرك سياسي تقوده الدوحة، فقبل يومين من زيارة السيسي المرتقبة، استقبلت العاصمة القطرية طرفي الصراع السياسي في البلاد، حيث حط رئيس مجلس النواب الليبي عقيلة صالح رحاله هناك لإجراء مباحثات مع المسؤولين القطريين، بعد يومين فقط من زيارة مماثلة أجراها خصمه السياسي عبد الحميد الدبيبة الذي يقود حكومة الوحدة الوطنية في طرابس.
ومن المتوقع أن يسفر التقارب المصري القطري الأخير عن نتائج إيجابية فيما يتعلق بالملف الليبي، ويرى محللون أنه سيصب في خانة دعم الاستقرار أمنيًا وسياسيًا باعتباره أحد الخلافات الكبيرة بين القاهرة والدوحة وأنقرة.
من الناحية الاقتصادية، تأتي هذه الزيارة في وقت تواجه فيه مصر أزمة اقتصادية طاحنة، نتجت عن سياسات اقتصادية عشوائية أدت إلى إهدار موارد الدولة، في حين تسعى القاهرة للتعافي من أزمة العملة، مع وجود نحو 350 ألف مصري في قطر، يرسلون مئات ملايين الدولارات في شكل تحويلات مالية إلى بلادهم سنويًا.
ومن المقرر أن تتناول الزيارة ملفات التعاون المشترك بين البلدين في ظل توجه قطر إلى التوسع في الاستثمار بالأصول المصرية خلال الفترة المقبلة، خاصة أن هناك مطالب مقدَّمة من الدوحة بشأن الحصول على حصص إدارة وتشغيل في عدد من الموانئ المصرية بالبحرين الأبيض المتوسط والأحمر، بالإضافة إلى المشروعات المتعلقة بمجال النقل البحري.
انتشرت تقارير في وسائل الإعلام المحلية لبعض الوقت تشير إلى أن الصندوق السيادي القطري يمكن أن يسير على خطى صناديق الثروة السعودية وأبو ظبي، التي استحوذت على أسهم في شركات مصرية رفيعة المستوى، وقال وزير المالية محمد معيط في أعقاب زيارة أمير قطر إلى القاهرة، إن المسؤولين القطريين ناقشوا استثمارات بين 2 و3 مليارات دولار في السوق المحلية في محادثات مع حكومة مدبولي.
مع سعي مصر لإنقاذ اقتصادها في ظل الحرب الدائرة في أوكرانيا، تمكنت القاهرة من تأمين صفقات استثمارية بقيمة 5 مليارات دولار خلال زيارة وزير الخارجية القطري الشيخ محمد بن عبد الرحمن آل ثاني إلى القاهرة في مارس/آذار الماضي، الذي أكد أن العلاقات بين الدوحة والقاهرة تطورت كثيرًا، مشيرًا إلى أن قطر تدعم دور مصر المحوري في استقرار الإقليم.
ووفقًا للبنك الدولي، ارتفع معدل التضخم في مصر إلى 8.8% في فبراير/شباط الماضي، بزيادة تتعدى 2.7 نقطة مئوية عن المتوسط منذ بداية السنة المالية 2021-2022، وتُعزى الزيادة إلى الغزو الروسي لأوكرانيا الذي بدأ في 24 فبراير/شباط، فمصر واحدة من أكثر دول الشرق الأوسط وشمال إفريقيا تضررًا من الحرب الروسية الأوكرانية، فهي أكبر مستورد للقمح في العالم، حيث جاء ما يقرب من 80% من إمداداتها من روسيا وأوكرانيا العام الماضي.
ويبدو أن زيارة السيسي لقطر تأتي في ذات السياق، وهو مواصلة الحصول على المزيد من دعم دول الخليج، التي لطالما غازلها صراحة، في محاولة للخروج من المأزق الاقتصادي، خاصة بعد تراكم الديون الخارجية والداخلية بشكل غير مسبوق، وانخفاض قيمة العملة المحلية بأكثر من 22% مقابل الدولار الأمريكي، وهو ما انعكس سلبًا على حياة المواطنين.
يأتي ذلك في وقت يتساءل فيه الكثيرون في مصر عن حجم الدعم الذي يمكن أن تقدمه قطر للبلاد لتكون قادرة على التنافس مع تحالف طويل وبناء يربط القاهرة بالمملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة.
لكن ما قدمته قطر حتى الآن من تعهدات ووعود استثمارية لمشاريع كبرى لا يمكن مقارنته بما عرضته الرياض وأبو ظبي، اللتان دعمتا مصر سياسيًا واقتصاديًا في وقت تمر فيه البلاد بأزمة مستعرة، وأتاح هذا الدعم للقاهرة فرصة للتغلب على التحديات الخطيرة التي واجهتها الدولة بعد التنكيل لجماعة الإخوان المسلمين التي كانت تدعمها قطر.
ما الذي تغير؟
تدهورت العلاقات بين مصر وقطر عام 2013 عندما أطاح السيسي، كوزير للدفاع آنذاك، بالرئيس المنتخب ديمقراطيًا محمد مرسي، المدعوم من قطر، بعد فترة حكمه القصيرة، وشن حملة على أعضاء جماعة الإخوان المسلمين، وأصبحت الدوحة ملاذًا للإسلاميين المصريين الفارين، واتخذت قناة الجزيرة التليفزيونية المملوكة للدولة موقفًا حازمًا ضد حكومة السيسي.
عام 2017، انضمت مصر إلى المملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة والبحرين في مقاطعة قطر في محاولة لإجبار الدوحة على تغيير سياساتها، وبفرض حظر تجاري واسع النطاق وفرض حظر على الرحلات الجوية المتجهة إلى قطر من مجالها الجوي وحملة إعلامية بسبب مزاعم أنها تدعم الإرهاب، دعوا الدوحة إلى إنهاء العلاقات الوثيقة مع تركيا وإيران والإسلاميين في جميع أنحاء المنطقة.
ورفضت قطر مطالب الدول الأربعة، التي تضمنت إغلاق شبكة الجزيرة الإخبارية وطرد فرقة صغيرة من القوات التركية من أراضيها وقطع العلاقات مع جماعة الإخوان المسلمين، كما نفت مزاعم بأنها تدعم المتطرفين، ووصفتها بأنها لا أساس لها، ودفعت المقاطعة الدولة الغنية بالغاز إلى تحالف أوثق مع تركيا وإيران بينما واصلت الدوحة أيضًا تعزيز العلاقات مع واشنطن.
انتهى الخلاف أخيرًا في يناير/كانون الثاني عام 2021، عندما وقعت قطر إعلانًا مع الدول الأربعة لتطبيع العلاقات في قمة بمنطقة العلا بالسعودية، قلَّصت فجأة أزمة سَّلط كل مقاطعيها أبانها كل أدواتهم الدبلوماسية والاقتصادية وحتى الإعلامية على قطر.
في حين بدت العلاقات الدبلوماسية بين البلدين دافئة، يواصل نظام السيسي قمع الصحافة، بما في ذلك صحفيو قناة الجزيرة
ظهرت العلاقات واختفت بزيارة لوزير خارجية قطر إلى القاهرة في مارس/آذار، وقبلها في فبراير/شباط، حيث تباحث وفدان رسميان قطري ومصري في الكويت، لأول مرة منذ بيان العلا، في آليات مصالحة لم تأت بمطالب جديدة، لكن العراقيل زُللت فيها وكأن التعنت لم يكن.
ووسط جو من التقارب المفاجئ بين البلدين ونبذ الخلافات والتوترات في المنطقة، قد يمهد اللقاء بين السيسي والشيخ تميم في الدوحة الطريق نحو مزيد من تحسن العلاقات بين البلدين وبدء فصل جديد قد يشهد تدفق استثمارات جديدة في مصر.
هذا التقارب بدا أكثر وضوحًا في الوساطة القطرية في أزمة سد النهضة بعد إخفاق لوساطة أخرى إماراتية بسبب موقفها غير الداعم لمصر، بعبارة أخرى، لم تستطع إرضاء القاهرة لإغفالها عن عمد أو عن غير قصد اتفاق ملزم بخصوص الملء والتشغيل يؤمن أمن ومصالح مصر والسودان.
سبق ذلك حالة من الفتور رغم كل ما أُريد للرأي العام أن يرى من ود ودفء واتفاق بين مصر والإمارات، وتعلق هذا الفتور بخصوص سد النهضة والملف الليبي وحتى التطبيع مع “إسرائيل”.
تنافس واضح بين الإمارات وقطر في ملفات دبلوماسية تخص الغرف المغلقة، أفرز في جزء منه غضبًا سوادنيًا شديدًا على أبو ظبي بسبب مواقفها من ثورته الأخيرة وعلاقة يُشار لها بالمكون العسكري للحكم الانتقالي وغيابها عن مؤتمر فرنسا لدعم الفترة الانتقالية، فضلًا عن سحب مبادرتها للمصالحة بين الخرطوم وأديس أبابا في ملفات الحدود وسد النهضة.
قبلها تقارب آخر في بُعد مغاير بين مصر وتركيا سعت له الأخيرة بشكل واضح بعد أزمات استضافتها لجماعة الإخوان المسلمين وشخصيات معارضة ووجودها لفظًا ورمزًا في ليبيا، فقد أجرى الجانبان مشاورات بناءً على طلب القاهرة، إلى جانب اتصالين على مستوى وزيري الخارجية.
في الشهر الماضي، ساعد التقارب المصري القطري في توفيق بالمواقف والجهود اُختير بعناية بقيادة مصرية لوقف استنزاف قطاع غزة المحاصر بهندسة وقف إطلاق النار كُتب على اسم مصر، وساهمت فيه قطر، في أعقاب هجوم دام ثلاثة أيام شنته “إسرائيل”، قتلت خلاله 49 فلسطينيًا بينهم 17 طفلًا.
هل عادت العلاقات إلى طبيعتها؟
منذ الإعلان عن المصالحة الخليجية، تحسنت العلاقات وتبادل كبار المسؤولين الزيارات، وأُسدل الستار على أزمة الخليج التي اندلعت في صيف 2017، ونعَّم الإعلام الموجَّه وجهه وبرَّد نصل لسانه لدى الجميع مع الجميع، وفُتحت الحدود، وتلاشى حد التحريم بين الخصوم كأن لم يكن.
منذ ذلك الحين، التقى الرئيس المصري بالشيخ تميم مرتين، المرة الأولى في نوفمبر/تشرين الثاني، على هامش قمة التغير المناخي في جلاسكو، ومؤخرًا في فبراير/شباط، عندما حضر كلاهما افتتاح دورة الألعاب الأولمبية الشتوية في بكين، وجاءت الصور الفوتوغرافية للاثنين من الأحداث وهما يتصافحان بحرارة كعلامات مبكرة لتجدد العلاقة.
وسط عودة العلاقات الدبلوماسية بين البلدين، يبقى ملف جماعة الإخوان المسلمين الأكثر جدلًا
في 24 يونيو/حزيران الماضي، هبط آل ثاني في القاهرة في وقت متأخر من يوم الجمعة لأول مرة منذ سبع سنوات، واستقبله السيسي في المطار، حيث استقبلا بعضهما البعض بالمصافحة والقبلات على المدرج.
أظهرت الزيارة التي لم يكن من الممكن تصورها قبل بضع سنوات فقط، والترحيب الحار في المطار، التحسن السريع في العلاقات بين البلدين منذ إنهاء أربع دول عربية مقاطعتها للدوحة، بما في ذلك مصر، وأخبر أمير قطر خلالها السيسي أن بلاده حريصة على “تعظيم الاستثمارات القطرية في مصر والاستفادة من الفرص الاستثمارية الهائلة المتاحة”.
بحسب بيان مقتضب للرئاسة المصرية، ركزت المباحثات حينها على العلاقات بين البلدين ومجموعة من الموضوعات الإقليمية والعالمية الأخرى للتعامل مع مختلف الأزمات التي تمر بها دول المنطقة، ولم تذكر الجهات الرسمية تفاصيل أخرى، في حين ذكرت صحيفة “الأهرام” المصرية أن المحادثات تهدف إلى ضمان “التطبيع الكامل” للعلاقات بين البلدين بعد استئناف العلاقات العام الماضي.
ومع ذلك، في حين بدت العلاقات الدبلوماسية بين البلدين دافئة، يواصل نظام السيسي قمع الصحافة، بما في ذلك صحفيو قناة الجزيرة، وليس من الواضح ما إذا كانت قضية صحفيي الجزيرة المسجونين قد أثيرت في اجتماعات كبار المسؤولين الجارية.
في مايو/أيار الماضي، حكمت محكمة مصرية غيابيًا على مقدم برنامج قناة الجزيرة الذي يتخذ من الدوحة مقرًا له، أحمد طه، بالسجن 15 عامًا، بتهمة “نشر أخبار كاذبة” خلال مقابلة مع عبد المنعم أبو الفتوح، المعارض البارز والمرشح الرئاسي السابق عام 2018.
وجددت السلطات المصرية، مطلع الشهر الحاليّ، حبس صحفي الجزيرة مباشر ربيع الشيخ لمدة 45 يومًا، لتتجاوز مدة اعتقاله أكثر من عام حتى اليوم، وهو قرار انتقدته الشبكة الإعلامية التي تتخذ من قطر مقرًا لها، ووصفته بأنه “اعتداء على حرية الصحافة”.
في غضون ذلك، يوجد ثلاثة صحفيين آخرين من قناة الجزيرة خلف القضبان في القاهرة، هم: هشام عبد العزيز وبهاء الدين إبراهيم وأحمد النجدي، وجميعهم محتجزون دون تهمة بناء على اتهامات مماثلة مرتبطة بزعم “نشر معلومات كاذبة”، في حين تعمد الأجهزة الأمنية إلى التجديد الدوري للسجناء، وهو تكتيك يستخدمه النظام غالبًا كل 15 إلى 45 يومًا.
في يونيو/حزيران، قالت منظمة “مراسلون بلا حدود”: “الجريمة الحقيقية للصحفيين الأربع هي عملهم لصالح شبكة الجزيرة الإعلامية”، التي استمرت في مواجهة حملة قمع من السلطات المصرية، ووفقًا للمنظمة، تعد مصر واحدة من أكبر الدول التي تسجن الصحفيين في العالم حيث قضى العديد منهم سنوات في السجن والحبس الانفرادي دون توجيه اتهامات رسمية أو محاكمتهم.
ووسط عودة العلاقات الدبلوماسية بين البلدين، يبقى ملف جماعة الإخوان المسلمين الأكثر جدلًا، فمصر تصنف الجماعة على قوائم الإرهاب، ولطالما طالبت قطر وتركيا بتسليم قياداتها، لكن الأخيرتين تعتبران الجماعة حليفةً لهما على مدار السنين الماضية، ما يشكل حالة جدل في كل تلك العلاقات، وقد تكون هذه القضية التي تعيد العلاقات إلى المربع الأول.