في تصريح سابق، قال الرئيس الرواندي، بول كاغامي، إن بلاده بدأت شراكة استراتيجية مع دولة قطر، لتكون رواندا وجهة للسياحة ولسياحة المؤتمرات، مشيرًا في هذا السياق إلى مكانة بلاده الجغرافية والاقتصادية، ما يجعلها تشكّل جزءًا من اقتصاد العالم.
أوضح كاغامي مضيفًا: “سعت رواندا لهذه الشراكة مع دولة قطر، والتي تشمل أيضًا توسيع خطوط الطيران وإعادة بناء المطار وفق أحدث المعايير الدولية، لتصبح رواندا نقطة اتصال بين أفريقيا والعالم”، مؤكدًا أن الدوحة وقفت مع كيغالي في هذا المشروع، وأن الجانبَين وقّعا اتفاقية بذلك، معرّبًا عن سروره بما تمَّ الاتفاق عليه في هذا الإطار.
صفقة قيمتها 1.5 مليار دولار
كشف موقع “أفريكا إنتلجنس” الاستخباراتي -المتخصص في التسريبات- مؤخرًا، أن قطر توصّلت إلى اتفاق مع أول شركائها في عملية توسعة مطار العاصمة الرواندية كيغالي، بصفقة قيمتها 1.5 مليار دولار.
وتابع أن اختيار قطر لشريكها في هذا المشروع كان ضمن شروط صارمة، في مقدمتها الجودة والسرعة في البناء لتسليم المطار بالوقت المطلوب، لافتًا إلى أنه سيتم الإفصاح عن اسم الشركة التي اتفقت معها قطر للمشاركة في عمليات توسعة مطار كيغالي خلال المرحلة المقبلة، بعد الانتهاء من تفاصيل بسيطة متبقية في إطار الصفقة قبل إعلانها بشكل نهائي.
بشكل عام، تمثّل الاستثمارات القطرية في أفريقيا دفعة قوية للدبلوماسية القطرية، التي تنوّع حضور دولة قطر في القارة السمراء بعدّة أدوات واستراتيجيات، من بينها التوسُّط لحلّ الأزمات والصراعات في القارة، إلى جانب إقامة الشراكات وتعزيز التعاون والاستثمارات، خاصة بعد الجولات المتعددة التي قام بها أمير قطر، الشيخ تميم بن حمد آل ثاني، في السنوات الماضية.
4 جولات أفريقية لأمير قطر
يعدّ أمير قطر القائد الخليجي الوحيد الذي أجرى 4 جولات في أفريقيا حتى الآن، الجولة الأولى أجراها في أبريل/ نيسان 2017، وشملت 3 من كبريات الدول الأفريقية، هي إثيوبيا وكينيا وجنوب أفريقيا، هدفت إلى تعزيز العلاقات الدبلوماسية مع هذه الدول المؤثِّرة أفريقيًّا، فضلًا عن الأهداف الاقتصادية الأخرى المتمثلة في تنويع الاستثمارات والخيارات الاقتصادية، لا سيما في هذه الدول الصاعدة التي تتمتّع بمقومات جيدة في الزراعة والصناعة والطاقة والبنية التحتية والسياحة.
جولة أمير قطر التي أجراها في أبريل/ نيسان 2017، أي قبل شهرَين فقط من اندلاع الأزمة الخليجية، لعبت دورًا ملحوظًا في اتخاذ الاتحاد الأفريقي قرارًا موحّدًا بالحياد تجاه الأزمة، لعمق تأثير تلك الدول الثلاث في المنظومة الأفريقية، فإثيوبيا تحتضنُ مقرّ الاتحاد الأفريقي، وكينيا تحظى بحضور قوي في الاتحاد والمنظمات التابعة له، كما تتمتّع جنوب أفريقيا بثقل هائل في الاتحاد لمكانتها السياسية واقتصادها القوي.
لذلك رفضت كل القوى المؤثرة في اتحاد القارة السمراء الانضمام إلى السعودية والإمارات والبحرين ومصر في حصار قطر وقطع العلاقات الدبلوماسية معها، عدا دول قليلة التأثير مثل تشاد وموريتانيا، حيث اختارتا قطع العلاقات مع قطر استجابة لإغراءات السعودية والإمارات، لكنّ تشاد سرعان ما أعادت علاقتها مع الدوحة بعد أقل من عام، بعدما تبيّن لها خطأ انضمامها إلى رباعية الحصار.
لم تتوقف جولات أمير قطر في إثيوبيا وكينيا وجنوب أفريقيا، فبعد أشهر قليلة نفّذ جولة أخرى خصّصها لدول غرب القارة، وشملت 6 دول دفعة واحدة، هي السنغال ومالي وغانا وبوركينا فاسو وغينيا وساحل العاج.
وضمن الانفتاح القطري المتواصل على القارة السمراء، قام الشيخ تميم بجولة ثالثة استهدفت جمهوريتَي رواندا ونيجيريا، في الفترة بين 21 و23 أبريل/ نيسان 2019، في ظل سباق دولي على الاستثمار في هذه القارة، للاستفادة من مواردها الطبيعية أو دخول أسواقها الواعدة، فضلًا عن أهمية القارة ككتلة في الملفات والقضايا الدولية، منها التصويت في الجمعية العامة للأمم المتحدة.
كما حظيت رواندا بزيارة ثالثة لأمير قطر في يونيو/ حزيران من العام الحالي، ضمن جولة شملت الجزائر ومصر، وبالمقابل استقبل الشيخ تميم الرئيس الرواندي، بول كاغامي، مرات عديدة في الدوحة، كان آخرها في فبراير/ شباط الماضي.
مستوى متطوِّر من العلاقات بين قطر ورواندا
تعكس تلك الزيارات المتكررة المستوى المتطور الذي بلغته العلاقات القطرية الرواندية، خاصة إذا وضعنا في الاعتبار حجم الاستثمارات والاتفاقيات التي وقّعها البلدان، ومن أهمها:
ـ استحواذ قطر على 60% من مطار بوجيسيرا، وشراؤها حصة 49% من شركة الطيران الرواندية.
فبعد اكتمال المطار الجديد، سيضمّ محطة ركاب تغطي مساحة 30 ألف متر، و22 عدّادًا إلكترونيًّا لتسجيل الوصول، و10 بوابات و6 جسور لركاب الطائرة، حيث تسعى رواندا من خلال المطار الجديد تسجيل حضورها دوليًّا في مختلف المجالات، ومنها السياحة والفعاليات، حيث حجزت لنفسها مرتبة متقدمة في معدل استقطاب المؤتمرات والفعاليات (بعد جنوب أفريقيا مباشرة).
يُذكر أن عدد السياح إلى رواندا قبل جائحة كورونا وصل إلى مليون و634 ألف سائح عام 2019، ومن المتوقع أن يتضاعف هذا الرقم خلال السنوات الخمس المقبلة، حسب موقع “أطلس بيانات العالم”.
ـ كما وقّع مركز قطر للمال، أحد المراكز المالية والتجارية الرائدة في المنطقة، ووكالة “رواندا فاينانس ليمتد”، مذكرة تفاهم لإطلاق مبادرات مشتركة تساهم في تعزيز نمو أعمال مركز قطر للمال ومركز كيجالي المالي الدولي وتوسعهما دوليًّا.
ـ وشهد العام الماضي إطلاق كل من جهاز قطر للاستثمار ومجلس الضمان الاجتماعي صندوق استثماري جديد في العاصمة كيغالي، تحت مسمّى صندوق فيرونغا الأفريقي، حيث سيتم ضخّ 250 مليون دولار لإطلاق مشاريع جديدة تخصّ شتى القطاعات، وفي مختلف دول القارة السمراء، ما سيساهم في الدفع بعجلة النمو الاقتصادي في أفريقيا إلى الأمام خلال المرحلة المقبلة، حيث تمَّ اختيار مبنى مركز كيغالي المالي الدولي ليكون المقرّ الرئيسي للصندوق الاستثماري القطري، على أن يتمَّ توجيه أعماله لمجموعة من العواصم الأفريقية.
ـ شركة حصاد القطرية الرائدة في الاستثمار في القطاع الغذائي، وقّعت أيضًا مذكرة تفاهم مع حكومة دولة رواندا، ممثلة في مجلس التنمية الرواندي، وتهدف هذه المذكرة إلى فتح فرص التعاون بين الجانبَين، ودراسة الفرص الاستثمارية في المجال الزراعي والغذائي.
ـ أما آخر الاتفاقيات التي تمَّ توقيعها بين البلدَين، فهي مذكرة تفاهم للتعاون الدفاعي، تهدف إلى تأسيس إطار تعاوني في مجال الدفاع والأمن، بالإضافة إلى تقوية وتعزيز علاقات الصداقة القائمة والتضامن بين البلدَين.
تعويل رواندي على صفقة المطار وشركة الطيران لتعزيز السياحة
سجّلت رواندا إيرادات بلغت 438 مليون دولار أمريكي عام 2017، ويؤشر معدل نمو السياحة لصعوده بمقدار 5% كل عام خلال الأعوام الـ 10 الماضية، لذا تطمح رواندا بعد إنشاء المطار الجديد أن تقفز عائدات السياحة لتصل إلى 800 مليون دولار خلال عام 2024.
وقد دخلت رواندا في تكتُّل ثلاثي مع كينيا وأوغندا، أطلقت بموجبه الدول الثلاثة تأشيرة سياحية موحّدة تحت اسم “تأشيرة شرق أفريقيا“، تتيح لحاملها التجوال بين الدول الثلاثة مقابل 100 دولار أمريكي صالحة لمدة 90 يومًا، على أن تتمَّ معالجة الطلب إلكترونيًّا عن طريق الموقع المخصص للخدمة، أو بزيارة أي موقع إلكتروني من مواقع الهجرة والجوازات للدول الثلاثة.
ولبيان أهمية السياحة للمجتمع المحلي في رواندا، أكّدت مسؤولة حكومية أن ما نسبته 10% من عائدات السياحة تدعم بشكل مباشر مشاريع في المجتمع المحلي، حيث ساهمت السياحة في بناء المدارس وتحسين التعليم وتعبيد الطرق وافتتاح المشافي والمراكز الصحية.
بالعودة إلى اتفاقية تملُّك الخطوط القطرية لـ 49% من أسهم “رواندا إير”، فإن الأخيرة ستكون موعودة بفرصة ذهبية لتوسيع شبكتها بعد دخول القطرية شريكًا ومموّلًا، فيمكن للشركة الرواندية أن تتوسّع وتنافس شركات الطيران الرائدة في القارة السمراء، مثل الخطوط الإثيوبية ومصر للطيران وخطوط جنوب أفريقيا.
ففي الوقت الحالي، تعاني الرواندية من نقص الأسطول وقلة الوجهات التي تطير إليها، إذ تمتلك أسطولًا صغيرًا من 12 طائرة فقط، من ضمنها طائرتان من طراز “إيرباص A330″، و6 طائرات من طراز “بوينغ 737″، وتسيّر رواندا للطيران رحلات إلى 27 وجهة في أفريقيا وآسيا وأوروبا والشرق الأوسط.
بينما تمتلك القطرية أسطولًا ضخمًا من 250 طائرة حديثة، وتسيّر رحلات إلى أكثر من 160 وجهة عالمية، وتعتزم إطلاق وجهات جديدة العام الجاري، كما أنها حائزة على جائزة أفضل شركة طيران في العالم، خلال حفل توزيع جوائز “سكاي تراكس” العالمية عام 2019.
وحصدت الناقلة الوطنية لدولة قطر جائزة أفضل شركة طيران بالشرق الأوسط، وجائزة أفضل درجة رجال أعمال في العالم، وجائزة أفضل مقعد على درجة رجال الأعمال عن مقاعد “كيو سويت”.
إذًا، رغم حداثة العلاقات بين دولة قطر وجمهورية رواندا، إلا أن ما ذكرناه أعلاه من اتفاقيات -بدأ تنفيذها على أرض الواقع- يؤكد أن هناك طموحًا كبيرًا وعزمًا على تعزيز العلاقات بين الدوحة وكيغالي، بدعم قوي من قادة البلدَين على أعلى مستوى.
تحقّق الاتفاقيات الأخيرة بين قطر ورواندا فوائد كبيرة للبلدَين، اقتصاديًّا كما أوضحنا، وسياسيًّا تمثّل الصفقات والزيارات المتبادلة بين أمير قطر والرئيس الرواندي نجاحًا سياسيًّا متصاعدًا للدوحة، التي حاولت الدول الأربعة من قبل عزلها عن المجتمع الدولي والإقليمي.
إلا أنها رغم ذلك نجحت في مدّ جسور الصلة نحو العالم، وبالأخص القارة السمراء التي حظيت بـ 4 جولات لأمير قطر في ظرف 5 أعوام، بالتركيز على رواندا التي يرجّح أن تصبح بوابة الدوحة لتوسيع استثماراتها في شرق أفريقيا، حيث استحوذ جهاز قطر للاستثمار مؤخرًا على فندق كراون بلازا في كينيا المجاورة، ضمن صفقة تقدَّر بحوالي 38.8 مليون دولار (4.6 مليارات شيلينغ كيني).
وبالنسبة إلى رواندا، تعزز الاتفاقيات من مكانة الرئيس كاغامي وصورته داخل البلاد، لتأكيد قدرته على جذب الاستثمارات وبناء شراكات مع دول مؤثرة اقتصاديًّا مثل قطر.