ما إن تم إعلان خبر وفاة ملكة بريطانيا إليزابيث الثانية، الخميس الماضي، حتى توالت برقيات التعزية والتعاطف من جميع دول العالم، لكن ما يشد الانتباه تلك البرقيات الصادرة عن دول إفريقية عدة عانت الويلات جراء الاحتلال البريطاني لها بقيادة إليزابيث الثانية.
جنوب إفريقيا.. حتى البيض الأوروبيين لم يَسلموا
في الوقت الذي اختار فيه القادة الإشادة والثناء بملكة بريطانيا، تذكر العديد من الأفارقة، خاصة في المستعمرات البريطانية السابقة، الماضي الأليم والأحداث المأساوية وعمليات السلب والقمع التي ميزت تاريخ المستعمر البريطاني.
يتذكر الجنوب إفريقيون مآسٍ كثيرة تأبى أن تمحى من ذاكرتهم، ما دفع حزب “مقاتلون من أجل الحرية الاقتصادية” المعارض إلى القول “لا نحزن على وفاة الملكة إليزابيث لأنها تذكرنا بفترة مأساوية للغاية في تاريخ بلدنا وإفريقيا”.
وأضاف الحزب “بريطانيا العظمى، تحت إشراف العائلة المالكة، سيطرت بشكل دائم على الإقليم في عام 1806، منذ تلك اللحظة، لم يعرف سكان هذا البلد السلام مطلقًا، خلال فترة حكمها التي دامت سبعين عامًا، لم تعترف الملكة مطلقًا بالفظائع التي ارتكبتها عائلتها ضد الشعوب الأصلية التي غزتها بريطانيا في جميع أنحاء العالم”.
في ثورة التحرير فقط التي استمرت 8 سنوات لقي ما لا يقل عن 10 آلاف شخص مصرعهم في واحدة من أكثر حركات التحرر دموية في عهد الإمبراطورية البريطانية
خلال الاستعمار البريطاني لجنوب إفريقيا الذي بدأ رسميًا سنة 1815، عانى السود (سكان البلاد الأصليون)، كثيرًا من المعاملة القاسية، خاصة بعد تشجيع بريطانيا انتقال المستوطنين إلى المنطقة لتطوير الزراعة والصناعة والتجارة هناك.
حتى البيض من أصل غير بريطاني (البوير)، نالوا نصيبهم من سوء المعاملة، ذلك أن المستوطنين البريطانيين كان لديهم حسّ بالتفوق العرقي، وكانوا يرون أن على الجميع أن يكونوا أقل منهم مكانةً وقدرًا وثروةً، وإن كانوا أوروبيين مثلهم.
من جرائم الاستعمار البريطاني نتذكر قيام القوات البريطانية في المنطقة بقيادة الفيلدمارشال رُبرتس، بإحراق قرى البوير ومصادرة المحاصيل التي تقع في طريقهم خلال حرب البوير، حتى أصبح السكان دون مأوى، وراح نتيجة هذه العمليات مئات القتلى.
وفي يوليو/تموز 1900، أمر الفيلدمارشال رُبرتس قواته باعتقال 2500 من النساء والأطفال ونقلهم كرهائن إلى معسكر اعتقال أقيم في منطقة الترانسفال في جنوب إفريقيا، كما أمر الجنرال سير أرتشيبلد هنتر في أكتوبر/تشرين الأول من نفس السنة بإحراق مدينة بوتهافيل.
لم تتوقف الجرائم هنا، فقد أمر اللورد كتشنر قيادة القوات البريطانية في جنوب إفريقيا بإحراق بلدات عدة من بينها: ريتز وأرميلو وباريز وليندلي وكارولاينا، بدعوى أن بعض البوير لم يقروا بالهزيمة، ما أدى إلى سقوط مئات القتلى.
إندبندنت:
في كينيا وحتى داخل أجزاء من المملكة المتحدة؛ احتفظ الناس بالغضب من جرائم بريطانيا الاستعمارية التي لم يكن هناك اعتذار أو تعويض أو تكفير عنها، واستذكروا فترات الاغتصاب الوحشي والقتل والسرقة والتدمير التي لحقت بالبلاد والقارة الأوسع، من خلال أعمال عدائية كانتفاضة ماو ماو.
— ياسر الزعاترة (@YZaatreh) September 13, 2022
فضلًا عن ذلك، اعتمد نظام الاستعمار البريطاني، إقامة معسكرات اعتقال في جنوب إفريقيا، للتنكيل بسكان البلاد الأصليين والأوربيين من غير البريطانيين، وسجلت تلك المعسكرات عمليات إجرامية كبرى بحق المعتقلين، بمن فيهم الأطفال والنساء.
خلال حرب البوير الثانية (1899-1902)، اعتقل البريطانيون نحو سدس سكان البوير – معظمهم من النساء والأطفال – واحتجزوهم في معسكرات مكتظة، مع القليل من الطعام، وفي عام واحد توفي 10% من مجموع سكان البوير في المخيمات، بما في ذلك 22000 طفل.
كينيا.. تعذيب ومعسكرات اعتقال
جرائم المستعمر البريطاني وصلت كينيا أيضًا، فالدولة التي نالت استقلالها عن الإمبراطورية التي لا تغيب عنها الشمس سنة 1963، شهدت جرائم كبرى في حق شعبها، إذ تميزت فترة الاستعمار البريطاني لكينيا بانتهاكات مروعة من العساكر البريطانيين ضد سكان البلاد.
ففي ثورة التحرير فقط التي استمرت 8 سنوات لقي ما لا يقل عن 10 آلاف شخص مصرعهم في واحدة من أكثر حركات التحرر دموية في عهد الإمبراطورية البريطانية، بما فيهم القائد في حركة “ماو ماو” ديدان كيماثي، كما تعرض الآلاف لصنوف عديدة من التعذيب والتنكيل والسجن.
ذنب هؤلاء أنهم طالبوا باستقلال بلادهم، فما كان مصيرهم إلا القتل الممنهج والوحشي على يد القوات البريطانية، وإلى الآن لم يعتذر النظام البريطاني عن هذه المجازر رغم موافقة الحكومة سنة 2013 على تعويض خمسة آلاف كيني عانوا من تجاوزات خلال انتفاضة ماو ماو، في صفقة قيمتها نحو 23 مليون دولار.
كما هو الحال في جنوب إفريقيا أقامت بريطانيا معسكرات اعتقال في كينيا، وأُجبر ما يقرب من 1.5 مليون شخص على البقاء في معسكرات الاعتقال حيث تعرضوا للتعذيب والاغتصاب وانتهاكات أخرى، وأظهرت تقارير في وقت لاحق أن البريطانيين بذلوا جهودًا كبيرةً لتدمير وإخفاء السجلات الرسمية لحملات القمع الوحشية التي ارتكبوها.
لا همّ للبريطانيين إلا إعلاء العرق البريطاني الأبيض وإخضاع الشعوب والسيطرة على ثروات بلدانهم وتطوير دولتهم
من جرائم الاستعمار أيضًا، تحويل جزء كبير من المعتقلين في المعسكرات ونزلاء السجون والمرضى داخل المستشفيات العقلية، إلى فئران تجارب لدراسة عقل الأفارقة وتحويلهم إلى مجرد أدوات لإحكام سيطرته على القارة السمراء.
إلى جانب ذلك، استولى البريطانيون على الأراضي الخصبة بقوة السلاح وخصصوها للبريطانيين البيض، وبعد الاستقلال باع هؤلاء المستوطنون هذه الأراضي إلى الحكومة الكينية مقابل المال، التي باعتها بدورها إلى مشترين جدد بعيدًا عن أصحابها الحقيقيين، وهو السبب في تواصل الخلافات على الأراضي في كينيا إلى اليوم.
ياحليلهم بعض الناس بمجرد أن هلكت #إليزابيث_الثانية نسوا كل جرائم #بريطانيا في العالم
وكأن #إليزابيث_الثانية خالتهم .#بريطانيا_العظمى
— خالد إبراهيم العباس (@kbas1234) September 10, 2022
فضلًا عن الاستيلاء على الأراضي الخصبة وحرمان سكان البلاد الأصليين من خيراتها، استولى البريطانيون على ثروات البلاد الباطنية كالذهب والألماس، ما أدى إلى تفقير البلاد وتهميش الجزء الأكبر من السكان.
نيجيريا.. قتل مروع ونهب للتراث
لم تترك بريطانيا دولةً إفريقيةً إلا وتفننت بإهانة شعبها وإذلاله، من ذلك نيجيريا التي مارست فيها بريطانيا أنواعًا عدة من التعذيب بحق سكان البلاد، قصد السيطرة عليهم ونهب ثروات بلادهم، حتى بعد الاستقلال تورطت بريطانيا في الحرب الأهلية التي عرفتها نيجيريا.
موّلت بريطانيا النظام القمعي النيجري نهاية ستينيات القرن الماضي في حربه ضد سكان المنطقة الشرقية الساعين للاستقلال، إذ تدفقت الذخيرة والأسلحة والفرق السرية لحكومة لاغوس وأدى ذلك إلى مقتل مئات آلاف المدنيين أغلبهم من الأطفال.
كما نهبت بريطانيا الاستعمارية تراث البلاد مثل الأعمال البرونزية التي تعتبر من بين أفضل الأعمال الفنية التي أُنتجت في القارة الإفريقية – وهي أعمال فنية مصنوعة من البرونز والنحاس الأصفر والعاج صُنعت بدقة لتزين القصر الملكي للأوبا أوفونراموين نوجبيسي في مملكة بنين – وتم نهبها في عهد الاستعمار وإلى الآن تطالب نيجيريا باستعادتها.
يعود تاريخ العديد من هذه المنحوتات إلى القرن الثالث عشر، فيما يعود جزء مهم منها إلى القرنين الخامس عشر والسادس عشر، صنعها شعب إيدو وقد زينت – قبل نهبها – القصر الملكي بمملكة بنين.
رغم ادعائهم محاربة تجارة العبيد، فقد أشرف البريطانيون على هذه التجارة بأنفسهم وتمكن التجار وأصحاب المزارع من امتلاك ثروات هائلة بفضل العبيد، ثروات مولت حياة البذخ التي كانوا يعيشونها، من شراء المنازل الفخمة إلى اقتناء المجموعات الفنية القيمة.
هذا جزء بسيط من جرائم بريطانيا الكثيرة في حق الأفارقة التي ارتكبت أغلبها بمباركة العائلة الحاكمة بما فيهم الملكة إليزابيث الثانية، التي ترحل اليوم بدون كلمة اعتذار واحدة أو حتى مراجعة لإرثها وإرث بلادها الدامي في بقع ممتدة من العالم.