ترجمة حفصة جودة
تهب السعودية ودول الخليج الأخرى المتدفقة بعائدات النفط، لإنقاذ جيرانها الغارقين في الأزمات مثل مصر وباكستان وتركيا، بما يضاعف الأداة الدبلوماسية التي يستخدمونها منذ وقت طويل لبسط نفوذهم في المنطقة.
تعهدت السعودية وقطر والإمارات بتقديم أكثر من 22 مليار دولار لمصر هذا العام، إذ تسعى البلاد لتجنب التخلف عن دفع ديونها، كما وعد الثلاثي الغني بالنفط بأكثر من 10 مليارات دولار في أغسطس/آب دعمًا لباكستان حيث ضاعفت الفيضانات المدمرة من الأزمة الاقتصادية في البلاد.
أما تركيا التي تواجه أعلى معدل تضخم في العالم الآن فقد تلقت تعهدات باستثمار المليارات ومساعدات في النقد الأجنبي من منافسها السابق: الإمارات.
تمثل هذه المساعدات نقطة تحول عما كان عليه الوضع منذ سنوات، عندما انخفضت أسعار النفط لتجبر دول الخليج على إعادة التفكير في دعمهم المادي للدول المتعثرة في المنطقة، كما تعكس تحولًا سياسيًا جغرافيًا في الشرق الأوسط، تحفزه الآثار المتتابعة للحرب الروسية في أوكرانيا.
من المتوقع أن تجلب أسعار النفط العالية عائدًا إضافيًا قدره 1.3 تريليون دولار خلال الأربع سنوات القادمة لمصدرّي الطاقة في الشرق الأوسط وشمال إفريقيا وفقًا لصندوق النقد الدولي.
يقول ديفيد باتر محلل المنطقة في مؤسسة “Chatham House” بالمملكة المتحدة: “لديهم فائض هائل، ولن يكون صعبًا عليهم تخصيص بعض تلك الأموال لحلفائهم المحتاجين في المنطقة”.
تتزامن هذه المكاسب غير المتوقعة لمنتجي النفط مع فترة ضغط تاريخية للدول ذات الدخل المنخفض، فقد تسببت الحرب الأوكرانية بالفعل في رفع أسعار الطاقة والغذاء وزيادة التضخم عالميًا، ما أدى إلى ارتفاع تكلفة الاقتراض وقوة الدولار الأمريكي منذ أجيال.
توجهت مصر وباكستان وتونس إلى صندوق النقد الدولي للاقتراض، ومن المتوقع أن تتبعهم دول أخرى، يقول باتريك كوران كبير الاقتصاديين في شركة “Tellimer” للأبحاث: “الدول الضعيفة بالفعل بسبب زيادة الديون بطئية البناء تواجه صدمة شديدة لم نرها منذ فترة طويلة، والآن عليهم أن يسارعوا لإيجاد طرق بديلة لتلبية احتياجاتهم المالية”.
وفقًا لجهاد أزعور مدير قسم الشرق الأوسط ووسط آسيا بصندوق النقد الدولي فإن التعهدات المالية لدول الخليج تملأ الفجوة بين ما تحتاجه الدول وما يمكن أن يقدمه صندوق النقد الدولي.
ساعدت حزمة من أموال الخليج باكستان على تأمين 4 مليارات دولار من قرض صندوق النقد الدولي الشهر الماضي، وستكون حاسمة لقرض مصر الذي ما زال التفاوض عليه مستمرًا.
ساعد دعم الخليج – إضافة إلى الإعفاء الصيني من الديون وبرامج صندوق النقد الدولي – في عودة المستثمرين إلى الأسواق المنهارة.
هذا الدعم المادي – الذي يأتي من بعض الخصوم السابقين – يمثل نقطة تحول في العلاقات المعقدة بين دول الشرق الأوسط
ارتفعت قيمة الروبية الباكستانية بمقدار 10% في أغسطس/آب مقابل الدولار بعد أن سجلت أسوأ خسارة لها خلال 50 عامًا منذ شهر، كما ارتدت السندات الدولارية في مصر، فقد انخفض عائد السندات الدولارية المستحقة عام 2024 بنسبة 10% وفقًا لـ”Tradeweb” عن 16% في أواخر يوليو/تموز عندما بلغت مخاوف البلاد من التخلف عن دفع ديونها ذروتها.
لمصر أهمية اقتصادية وسياسية جغرافية، حيث إنها تتحكم في قناة السويس، ولديها واحد من أكبر الجيوش في العالم العربي.
تقول ياسمين فاروق، باحثة غير مقيمة في مؤسسة كارنيغي للسلام الدولي: “تقدم السعودية المساعدات لمصر لأنها تعتقد أن استقراراها ونجاة نظامها مهم لها، الأمر ذاته بالنسبة للإمارات وقطر، إنهم بحاجة إلى دعم مصر في السياسة الخارجية”.
يمنح مصدرو النفط أموالهم بسخاء لجيرانهم الفقراء في المنطقة منذ الستينيات، فقد احتفلت الكويت باستقلالها الجديد عن المملكة المتحدة بتأسيس ما أسمته أول صندوق تنمية في المنطقة، ومع نمو ثروة النفط في الخليج، ازدادت المساعدات لدول مثل مصر في شكل منح للميزانية وشحنات نفط وودائع في بنوكها المركزية.
ومؤخرًا، وجهت دول الخليج مساعداتها للدول من خلال الاستثمارات التي تقوم بها صناديق ثروتها السيادية الهائلة، فقد اشترى صندوق الثروة السيادية في أبو ظبي مؤخرًا شركة أدوية تركية وحصل على أسهم في شركات أسمدة مصرية، وواحدة من أكبر بنوك وشركات الشحن في البلاد.
أودعت دول الخليج كذلك نحو 28 مليار دولار في خزائن بنك مصر المركزي، وفقًا لبيانات البنك، هذا التمويل ساعد في سد الفجوة التي خلفها المستثمرون الأجانب الذين سحبوا مليارات الدولارات من الأصول المصرية بعد بداية الحرب الأوكرانية.
قال وزير المالية القطري علي بن أحمد الكواري الشهر الماضي إن المنطقة تقدم فرصًا عظيمةً، ويجب أن يكون الفوز للطرفين.
تقول كارين يونج كبيرة الباحثين في جامعة كولومبيا ومؤلفة كتاب “The Economic Statecraft of the Gulf Arab States”: “الاختلاف الآن يتعلق بشراء الأصول، الذي لا علاقة له بالإنقاذ”.
هذا الدعم المادي – الذي يأتي من بعض الخصوم السابقين – يمثل نقطة تحول في العلاقات المعقدة بين دول الشرق الأوسط.
في 2017، شنت السعودية والإمارات ومصر حصارًا على قطر – انتهى العام الماضي – بسبب دعمها المزعوم للجماعات الإسلامية في المنطقة، في ذلك الوقت اقتربت الدوحة من تركيا التي تدعم الجانب المعارض للإمارات في الصراع الليبي.
في إشارة إلى دور المساعدات في تغيير العلاقات، التقى الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي بالأمير القطري الشيخ تميم بن حمد آل ثاني في الدوحة في أول زيارة له منذ انتهاء الحصار.
تستخدم السعودية وبقية دول الخليج المساعدات أيضًا لتعزيز المزيد من أشكال “الإسلام المعتدل” الذي يحتضنونه الآن، وفقًا لما قاله حسين حقاني سفير باكستاني سابق وزميل في معهد هيدسون ذو الميول المحافظة في واشنطن.
يقول حسين: “بعض هذه الاستثمارات لا تقدم أكبر عائد، فلماذا يستثمرون بها؟ إنهم ينتزعون بذلك إمكانية تليين نهجهم الإسلامي وعلاقته ببقية العالم”.
المصدر: وول ستريت جورنال