ترجمة وتحرير: نون بوست
إن الحرب القصيرة التي اندلعت في سنة 2020 بين أذربيجان وأرمينيا على إقليم ناغورني كاراباخ المتنازع عليه تمثّل جزءًا من صراع قائم منذ ثلاثة عقود تلى انهيار الاتحاد السوفيتي.
بدعم من تركيا، استعادت القوات الأذرية السيطرة على سبع مقاطعات متجاورة احتلها الأرمن منذ الصراع الأول في أوائل التسعينيات، إلى جانب الاستيلاء على جزء من ناغورني كاراباخ، وهي منطقة غالبية سكانها من الأرمن لكن معترف بها دوليًا على أنها جزء من أذربيجان.
في ذلك الوقت، أدت الهدنة التي توسّط فيها الرئيس الروسي فلاديمير بوتين إلى وقف القتال دون توصل أذربيجان الغنية بالطاقة وأرمينيا غير الساحلية إلى اتفاق سلام نهائي، إلى أن اندلعت اشتباكات مميتة على الحدود مرة أخرى في أيلول/ سبتمبر.
ما هي جذور الصراع؟
تقع كل أرمينيا وأذربيجان في منطقة جغرافية تشهد حدودها اضطرابات متقلبة لقرون جراء التقسيم الذي تعرضت له والممارسات الوحشية التي سُلطت عليها من قبل الإمبراطوريات الروسية والعثمانية والفارسية. اندلعت الحرب بين الشعبين في أعقاب انهيار تلك الإمبراطوريات في نهاية الحرب العالمية الأولى، وسعيا إلى تشكيل دولتين مستقلتين دعمت روسيا أرمينيا بينما تلقت أذربيجان عما من تركيا العثمانية في ما يرقى إلى حرب بالوكالة. كانت ناغورني كاراباخ على صفيح ساخن منذ البداية، لأن هذه المنطقة الجبلية ضمت مجتمعًا مختلطًا من الأرمن والأذريين الذي كان يعتبره كلا البلدين عنصرا مركزيا في التاريخ والهوية الوطنية لكلا الشعبين.
كيف أثر تفكك الاتحاد السوفيتي على هذا الصراع؟
بعد بسط الاتحاد السوفيتي سيطرته على كلتا الدولتين الناشئتين في سنة 1921، أشعل الزعيم جوزيف ستالين فتيل النزاع الحالي من خلال تأمين ناغورني كاراباخ لأذربيجان، ثم تقسيمها في سنة 1923 لتصبح منطقة حكم ذاتي تحتل أكثر من 90 بالمائة من الحدود الأرمينية.
اندلعت أعمال العنف الأولى في الصراع الحالي في سنة 1988، بعد أن اتضح أن أيام الإمبراطورية السوفيتية باتت معدودة. بدأت الجمهوريات السوفييتية الضغط من أجل الاستقلال، ومن بينها أرمينيا وأذربيجان مما أضفى بعدا جديدًا لما كان في جوهره صراعًا حدوديًا ذو صبغة إدارية محلية.
صوتت الجمعية الوطنية في ناغورني كاراباخ على حل وضعية الحكم الذاتي والانضمام إلى أرمينيا. وقعت مذابح ضد الأذريين في أرمينيا وضد الأرمن في أذربيجان راح ضحيتها أكثر من 30 ألف شخص في الحرب التي اندلعت في أوائل التسعينيات. وإجمالا، قُتل أكثر من 6 آلاف شخص في الحرب التي استمرت 44 يوما في 2020 وسقط عشرات الضحايا في اشتباكات هذا العام.
كيف ساهم تاريخ أرمينيا في ذلك؟
على الرغم من أن المجتمعات الأرمنية والأذريّة في كاراباخ عاشت معًا بسلام واندماج حتى سنة 1988، يزخر تاريخ أرمينيا بمؤامرات كان هدفها إثارة المشاعر القومية. تركت الإبادة الجماعية المزعومة لسنة 1915، ندوبًا عميقة. بسبب الخوف من تركيا لجأت أرمينيا إلى روسيا للحصول على الدعم العسكري بعد انهيار اتحاد السوفيتي، وأصبح العديد من الأرمن ينظرون إلى الأذربيجانيين على أنهم أتراك بدائيون، متجاهلين التهديد الذين يشكلونه. وفي الواقع، هناك العديد من الاختلافات بين الشعبين من بينها أن الأذريين يتحدثون اللغة التركية ومعظمهم من المسلمين الشيعة، بينما الأتراك في الغالب من السنة.
لماذا تدخّلت تركيا وما هي أهدافها؟
لطالما كانت لتركيا حدود مغلقة مع أرمينيا دون أن تربط بينهما أي علاقات دبلوماسية، ويرجع ذلك جزئيًا إلى نزاع كاراباخ والتوتر الأوسع نطاقا بشأن الإبادة الجماعية للأرمن سنة 1915. (منذ حرب 2020، بدأ الجانبان عملية لتطبيع العلاقات وإعادة فتح حدودهما جزئيًا).
في المقابل، تزوّد أذربيجان تركيا بالغاز الطبيعي والنفط الخام عبر خطوط أنابيب تمتد على 10 أميال (16 كيلومترًا) من الحدود الأذربيجانية الأرمينية و30 ميلًا من منطقة الصراع الأوسع. نتيجة لذلك، تدعم تركيا منذ فترة طويلة أذربيجان في نزاع كاراباخ. اقتصر هذا الدعم حتى وقت قريب على خطابات التأييد، لكن الدعم العسكري التركي بما في ذلك الطائرات المقاتلة من طراز إف-16 والطائرات المسيّرة أثبت أنه حاسم في صراع 2020. نتيجة لذلك، وقّع البلدان اتفاقية دفاع بعد سنة.
جاءت التغييرات في وقت كان يستخدم فيه أردوغان القوة الصارمة للضغط من أجل تحقيق المصالح التركية عبر معظم المساحة العثمانية السابقة، بما في ذلك الوقوف ضد روسيا في سوريا وليبيا، وضد قبرص واليونان وإسرائيل في شرق البحر المتوسط. ورغم عدم توقيعه على اتفاق السلام، إلا أنه يمثل انتصارًا استراتيجيًا للرئيس رجب طيب أردوغان الذي كان قادرًا على اختراق الأراضي الروسية في القوقاز.
ماذا تضمنت الهدنة؟
لقد أعادت بفاعلية سيطرة أذربيجان على معظم الأراضي التي فقدتها في التسعينيات، بينما لم تحدد الوضع النهائي للجيب المتنازع عليه. أرسلت روسيا، عبر قاعدتها العسكرية في أرمينيا، 2000 جندي لحفظ السلام إلى ناغورني كاراباخ. ونص الاتفاق على إنشاء ممر بري تحت إشراف القوات الروسية يمكن من خلاله لسكان ناغورني كاراباخ الوصول إلى أرمينيا.
من المفترض أيضًا أن يُسمح للأفراد في نخجوان الأذرية المحاصرة المتاخمة لأرمينيا وإيران وتركيا بالسفر عبر جنوب أرمينيا إلى بقية أذربيجان. ولم يتم افتتاح الممر بعد حتى أيلول/ سبتمبر 2022. ورغم الجهود الدولية لتعزيز المحادثات، لا يزال اتفاق السلام الكامل بعيد المنال.
ما هو دور روسيا؟
تتمتع روسيا بنفوذ على كلا البلدين بصفتها قوة نووية عظمى مجاورة ذات هيمنة سابقة. كما أن لديها اتفاقية دفاع مع أرمينيا لا تشمل ناغورني كاراباخ. مع ذلك، أنهى اتفاق 2020 حالة شاذة كان فيها الجيب يسمى بالصراع المتجمّد على الأراضي السوفيتية السابقة، حيث لم يكن لروسيا قوات على الأرض قادرة على تحديد النتيجة. الآن، تعتمد أرمينيا أكثر من أي وقت مضى على الضمان النهائي الذي توفره القاعدة الروسية. ومنذ سنة 1994، سمحت ثروة أذربيجان من النفط والغاز بزيادة إنفاقها العسكري بشكل كبير، وذهب الكثير منه إلى شراء الأسلحة من روسيا، التي تسلح كلا الجانبين.
ماذا عن الولايات المتحدة وفرنسا؟
روسيا والولايات المتحدة وفرنسا أعضاء فيما يسمى بمجموعة مينسك للوسطاء التي تحاول منذ عقود التفاوض على تسوية. وكانت الولايات المتحدة تمتلك نفوذًا كبيرًا باعتبارها مضيفة لنسبة كبيرة من الجالية الأرمينية الثرية من ذوي النشاط السياسي، وكذلك بصفتها الداعم الرئيسي لخطوط أنابيب النفط والغاز الأذرية الجديدة التي تحوّط وتنافس شبكة النقل الروسية.
انحسر اهتمام الولايات المتحدة بالمنطقة في السنوات الأخيرة، إذ اتصل وزير الخارجية الأمريكي أنتوني بلينكن بالقادة الأرمن والأذريين في أيلول/ سبتمبر لحثهم على إنهاء العداء. كما أعرب الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون عن تعاطفه مع أرمينيا لكن نفوذه مع أذربيجان يبدو محدودًا. وقد وقّع الاتحاد الأوروبي في تموز/ يوليو اتفاقًا لمضاعفة واردات الغاز الطبيعي من أذربيجان، حيث يسعى الاتحاد لكسر قبضة بوتين على إمدادات الطاقة وسط مواجهات بشأن الغزو الروسي لأوكرانيا.
ما هو وضع الطاقة؟
تبلغ طاقة النقل لخط أنابيب باكو-تبليسي-جيهان 1.2 مليون برميل يوميا. وعادة ما يعمل الخط بنصف هذا المعدل فقط، لكن الإمدادات زادت منذ أيار/ مايو عندما أوقفت بريتيش بتروليوم صادرات النفط عبر خط الأنابيب الغربي، المعروف أيضًا باسم باكو-سوبسا، وتم تحويل الصادرات إلى خط أنابيب باكو-تبليسي-جيهان. أشارت شركة بريتيش بتروليوم إلى عدم توفر ناقلات على البحر الأسود، حيث تعطل الشحن بسبب الحرب الروسية في أوكرانيا.
صدّر خط أنابيب جنوب القوقاز، وهو المحطة الأولى من سلسلة خطوط الأنابيب المعروفة باسم ممر الغاز الجنوبي الذي يربط أذربيجان بأوروبا عبر جورجيا وتركيا، 14.4 مليار متر مكعب من الغاز الطبيعي في الأشهر الثمانية الأولى من سنة 2022، بزيادة 23 بالمئة عن العام السابق. كانت الدول الأوروبية أكبر مشتري الغاز الأذربيجاني في هذه الفترة، وبلغ حجم المشتريات 7.3 مليار متر مكعب. اشترت تركيا 5.4 مليار متر مكعب، واشترت جورجيا 1.7 مليار متر مكعب. وتخطط أذربيجان لمضاعفة الصادرات إلى أوروبا إلى 20 مليار متر مكعب بحلول سنة 2027.
المصدر: بلومبرغ