ترجمة وتحرير: نون بوست
في مقابلة أجريت سنة 2019، قدم مراسل بريطاني لشميمة بيغوم خطابًا من وزارة الداخلية يبلغها بإلغاء جنسيتها البريطانية، فأجابت محدقة في الرسالة “لا أعرف ماذا أقول”، وأضافت أن الخبر “مفجع” و”ظالم” بالنسبة لها ولابنها.
ورد الصحفي قائلًا: “إن بيغوم فعلت ذلك بابنها، مما يعني على الأرجح أن قرارها بالسفر إلى سوريا للانضمام إلى تنظيم الدولة قد دفع الحكومة البريطانية لاتخاذ هذا الإجراء. وما كان ينبغي أن يكون شأنًا خاصًّا أصبح قضية وطنية، فلقد أعلنت وزارة الداخلية عن أمر الحرمان على شاشة التلفزيون، بينما ركزت الكاميرا على بيغوم لتوثيق ردها، ولقد كان الوضع مثالاً غير عادي على الطريقة التي تقاوم بها بريطانيا الأشخاص المشتبه في انخراطهم في الإرهاب”.
ونتيجة لذلك، تُركت بيجوم بلا جنسية، على الرغم من ادعاءات الحكومة البريطانية بأنها تستطيع الحصول على الجنسية البنغلاديشية بسبب أصول عائلتها. وكان حرمانها من الجنسية واحدًا من بين العديد من قرارات الإلغاء التي تم اتخاذها في إطار “الحرب على الإرهاب“، فيما لا تزال هناك تساؤلات حول الصلاحيات الاستثنائية التي تتمتع بها وزارة الداخلية لسحب جنسيتها، لا سيما بالنظر إلى ما تم الكشف عنه مؤخرًا والذي يفيد بأن جاسوسًا يعمل لحساب الحكومة الكندية قام بتهريب بيغوم.
وأوضحت قضية بيغوم أن الحرمان من الجنسية ممكن قانونيًا إذا تمكن الفرد من الحصول على جنسية ثانوية، وبالتالي تجنب حالات انعدام الجنسية، كما أوضحت قضيتها أن المواطنة مجرّد امتياز وليست حقًا؛ ويجب منحها للأقليات، وخاصة المسلمين، الذين يواجهون عبء الشبهات التي تلاحقهم.
ويوضح تقرير حديث صادر عن معهد العلاقات العرقية كيف أن الجنسية البريطانية وسلطات الإلغاء تخلق نظامًا من مستويين يؤثر على المسلمين في الغالب، ويُظهر التقرير أن هذا النظام غير المتكافئ يعامل المسلمين بشكل فعال على أنهم “مواطنين من الدرجة الثانية”
سلطات مروعة
يركز التقرير على مخاطر قانون الجنسية والحدود ولا سيما البند 9، الذي أضيف أواخر السنة الماضي، والذي ينص على أنه يمكن تجريد المواطنين البريطانيين من جنسيتهم دون سابق إنذار إذا كان ذلك يخدم مصلحة “الأمن القومي”. ولكن كما يوضح التقرير؛ هناك اتجاه تاريخي تم فيه استخدام الحرمان من الجنسية بشكل إستراتيجي من قبل الدولة للتمييز بين “السكان الأصليين” (اقرأ: البريطانيون البيض) والمجتمعات الملونة.
وعكست المناقشة البرلمانية الحادة السنة الماضية حول البند 9 الشعور العام بأن الحرمان من الجنسية أمر غير أخلاقي وقاسي. وخلال النقاش؛ تساءل نائب حزب العمال، عمران حسين، في إشارة إلى رئيس الوزراء آنذاك بوريس جونسون، قائلا “متى سيأتي من أجلي؟” ردًّا على ذلك، قال جونسون للحسين “انظر إلى مقاعد حزب المحافظين الأمامية اليوم”، مسلطًا الضوء على مشهد التنوع في ضوء سلطات الترحيل المروعة هذه.
إن التهديدات بالحرمان من الجنسية مألوفة للغاية بالنسبة لأولئك الذين تم التهجم عليهم في إطار الوجود المخيف “للحرب على الإرهاب”، وعلى النحو المبيّن في تقرير معهد العلاقات العرقية؛ صدر أكثر من 200 أمر حرمان من الجنسية منذ سنة 2002، لأسباب تتعلق بالأمن القومي بشكل أساسي. وفي سنة 2017 وحده، صدر حوالي 104 أمر من هذا القبيل، أثر أحدها على عامل الإغاثة المسلم توقير شريف، الذي جُرّد من جنسيته وسط مزاعم (نفاها) بأن له صلات غير مباشرة بالقاعدة وأن وجوده في المملكة المتحدة يشكل خطرا على “الأمن القومي”.
وعلى الرغم من أن حرمان الفرد من الجنسية يتعارض مع القانون الدولي، إلا أن حكومة المملكة المتحدة تدعي أنه يمكن إلغاء الجنسية عندما يمكن للفرد المتضرر الحصول على جنسية أخرى من خلال النسب العائلي. بالنسبة لشريف، نظرًا لأن والده من أصل باكستاني، أكدت الحكومة أنه يمكنه المطالبة بالجنسية الباكستانية، على الرغم من أنه لا يجيد التحدث باللغة الأردية بطلاقة.
سؤال عاجل
هناك سؤال مُلح حول الانتماء وما يدعوه المرء بالوطن؛ حيث يمكن القول إن الحرمان من الجنسية يعد بمثابة منفى، فيُجرّد المرء من جميع الحقوق والحماية، في حين أن عائلات المتضررين ربما كانت ذات يوم جزءًا مما يسمى بالإمبراطورية البريطانية العظمى، فإن بريطانيا نفسها هي المكان الوحيد الذي يعتبرونه موطنهم.
ونظرًا لأن الحكومة رفضت تضمين أدلة على مزاعمها ضد شريف، فقد تمت إحالته – إلى جانب عدد لا يحصى من الآخرين – إلى محكمة الاستئناف الخاصة بالهجرة، التي تعمل تحت شعار الديمقراطية الوهمية من خلال استخدامها للأدلة السرية.
وكما حذرت جماعات حقوق الإنسان، فإن البند 9 ليس سوى غيض من فيض، وبغض النظر عن إخطار الفرد بسحب جنسيته، فإن هذا الإجراء القاسي يسعى إلى تجريد الناس من إنسانيتهم.
في الواقع؛ تتلاعب البنية التحتية الأمنية “للحرب على الإرهاب” بالقانون وسلطات المواطنة لتحديد مكان احتجاز الشخص، وما إذا كان يمكن قتل شخص ما من خلال ضربات بطائرات مسيّرة، أو ما إذا كان يمكن تسليمه إلى دولة أخرى.
إن الحجة القائلة بأن المواطنة كانت دائمًا ساحة لعب متكافئة توفر حماية لا حصر لها هي ادعاء يجب علينا التعامل معه بحذر، وكما كشفت فضيحة “ويندرش” في سنة 2017، فإن الجنسية تلخّص إلى أجزاء من الورق، إذا فقدت، يمكن أن تجعل المرء “غير بريطاني”، وبالنسبة للمسلمين البريطانيين الذين يسافرون عبر الحدود، فإن فكرة “امتياز جواز السفر” هي ادعاء هش يمكن دحضه بسرعة كبيرة عندما تحتجزهم شرطة الحدود بموجب أوامر البند السابع.
وتُظهر قضية شريف أن عبء الشبهات يلقي بضلاله بعيدا وله نطاق واسع، ويصبح المسار الذي يربط المرء بالإرهاب أكثر ضبابية في ظل توسعها. وفي حين تدعي حكومة المملكة المتحدة أن الحرمان من الجنسية تُطبّق فقط على مجموعة صغيرة من الأشخاص، أو أن تدابير مثل “الحرمان” تستهدف “جميع أشكال الإرهاب“، فإن الحقيقة واضحة: بالنسبة للمجتمعات التي تعاني من العنصرية، فإن هذا القانون معمول لهم، بينما يوجد قانون آخر من أجل السكان الأصليين”.
المصدر: ميدل إيست آي