ترجمة وتحرير: نون بوست
يمكن أن تتسبب نقاط التحول المناخية – “نقاط اللاعودة” التي تجاوزتها المكونات الرئيسية لمناخ الأرض الذي بدأ في التغير بشكل لا رجوع فيه – في انخفاض درجات الحرارة أقل بكثير مما كان يعتقد العلماء سابقًا، مع احتمال الوصول إلى بعض نقاط التحول بالفعل، فوفقًا لدراسة جديدة؛ هناك العديد من نقاط التحول المحتملة أكثر مما حدده العلماء سابقًا.
في علم المناخ؛ تُعرَّف نقطة التحول على أنها ارتفاع في درجة الحرارة العالمية في الماضي؛ حيث يبدأ نظام مناخي محلي، أو “عنصر التحول” – مثل غابات الأمازون المطيرة أو الغطاء الجليدي في غرينلاند – في التراجع بشكل لا رجعة فيه. وبمجرد الوصول إلى نقطة التحول؛ سيختبر عنصر التحول تأثيرات جامحة تقضي عليه إلى الأبد، حتى لو تراجعت درجات الحرارة العالمية إلى ما دون نقطة التحول.
ظهرت فكرة نقاط التحول المناخية لأول مرة في ورقة بحثية نُشرت في سنة 2008 في مجلة وقائع مجلة الأكاديمية الوطنية للعلوم في الولايات المتحدة الأمريكية؛ عندما حدد الباحثون تسعة عناصر رئيسية يمكن أن تؤدي إلى هذه المرحلة بسبب تغير المناخ الذي يعد الإنسان المسبب الرئيسي فيه. في الدراسة الجديدة – التي نُشرت في 9 أيلول/سبتمبر في مجلة ساينس – أعاد فريق من الباحثين تقييم البيانات من أكثر من 200 بحث حول موضوع نقاط التحول المنشورة منذ سنة 2008. ووجدوا أن هناك الآن 16 نقطة تحول رئيسية، كلها تقريبًا منها يمكن أن تصل إلى نقطة اللاعودة إذا استمر الاحتباس الحراري بعد 2.7 درجة فهرنهايت (1.5 درجة مئوية) أعلى من مستويات ما قبل الصناعة.
في هذا السياق؛ صرح مؤلفو الدراسة في بيان لهم أن الأرض قد ارتفعت درجة حرارتها بالفعل بأكثر من درجتين فهرنهايت (1.1 درجة مئوية) فوق مستويات ما قبل الصناعة، وإذا استمرت اتجاهات الاحترار الحالية، فهي في طريقها للوصول إلى ما بين 3.6 و 5.4 فهرنهايت (2 و 3 درجة مئوية) فوق مستويات ما قبل الصناعة.
وقال المؤلف المشارك للدراسة يوهان روكستروم، مدير معهد بوتسدام لأبحاث تأثير المناخ في ألمانيا، في بيان: “هذا يضع الأرض في طريقها لعبور نقاط تحول خطيرة متعددة ستكون تداعياتها كارثية على الناس في جميع أنحاء العالم”.
عندما أجرى الباحثون إعادة التقييم؛ قاموا بإلغاء نقطتين من نقاط التحول التسع الأصلية بسبب عدم كفاية الأدلة – ولكن بعد ذلك، حددوا تسع نقاط جديدة تم التغاضي عنها سابقًا، مما رفع الطاقة إلى 16، حسبما أفادوا في الدراسة.
من جانبه؛ صرح المؤلف المشارك تيم لينتون، مدير معهد النظم العالمية في جامعة إكستر في المملكة المتحدة والمؤلف الرئيسي للورقة البحثية الأصلية لسنة 2008، في بيان: “منذ أن قمت بتقييم نقاط التحول المناخية لأول مرة في سنة 2008، نمت القائمة وزاد تقييمنا للمخاطر التي تشكلها بشكل كبير”.
في الدراسة الجديدة، احتسب الباحثون درجة الحرارة الدقيقة التي من المحتمل أن يتجاوز عندها كل عنصر تحول نقطة اللاعودة وكشف تحليلهم أن خمسة عناصر تحول – الصفائح الجليدية في جرينلاند، وغرب أنتاركتيكا، والجليد الدائم في القطب الشمالي، الشعاب المرجانية الاستوائية؛ وتيار المحيط الرئيسي في بحر لابرادور – في “منطقة الخطر”، مما يعني أنهم يقتربون بسرعة من نقاط التحول الخاصة بهم.
اثنتان من نقاط التحول في منطقة الخطر هذه، وهما الصفائح الجليدية في جرينلاند وغرب أنتاركتيكا، تجاوزتا بالفعل أدنى نقطة تحول محتملة عند 1.4 فهرنهايت (0.8 درجة مئوية) و1.8 فهرنهايت (1 درجة مئوية) في فترات ما قبل الثورة الصناعية على التوالي، مما يشير إلى أن هذين النظامين قد يكون من الممكن إنقاذهما بالفعل؛ كما كتب الباحثون.
ويتم سرد نقاط التحول الـ 11 الأخرى على أنها “متوقعة” أو “محتملة” إذا استمر درجات الاحترار بتجاوز 2.7 درجة فهرنهايت.
وأشارت التقديرات السابقة؛ مثل تقرير التقييم السادس الصادر عن الهيئة الحكومية الدولية المعنية بتغير المناخ، الذي نُشر في ثلاثة أجزاء في سنتي 2021 و2022، إلى أنه لن يتم الوصول إلى معظم نقاط التحول الرئيسية إلا إذا تجازوت درجة حرارة الأرض 3.6 فهرنهايت، مما يمنح البشرية مزيدًا من الوقت لإعداد إستراتيجيات التخفيف والتكيف. لكن وفقًا للدراسة الجديدة؛ قد تكون نقاط التحول تلك أقرب مما كان متوقعًا.
أحد التفسيرات لهذا الجدول الزمني المتسارع هو أن الباحثين يفهمون الآن بشكل كامل الترابط بين نقاط التحول؛ حيث تُظهر النماذج المناخية الأفضل الآن أن سقوط نقطة تحول قد يزيد من احتمالية سقوط نقطة أخرى. فعلى سبيل المثال، إذا ذابت التربة الصقيعية في القطب الشمالي بسبب ارتفاع درجات الحرارة، فسوف تطلق المزيد من الكربون في الغلاف الجوي، وسيؤدي هذا إلى زيادة درجات الحرارة السطحية على اليابسة وفي المحيطات، وبالتالي تسريع ذوبان الصفائح الجليدية الرئيسية وإجهاد الشعاب المرجانية. بعبارة أخرى؛ نقاط التحول مرصوفة مثل قطع الدومينو، وبمجرد سقوط أحدها يمكن للقطع الأخرى أن تتبعها بسرعة.
لذلك؛ حذر الباحثون من ضرورة الحد بشكل كبير من انبعاثات غازات الاحتباس الحراري على الفور قبل أن يبدأ هذا التفاعل المتسلسل الذي لا رجعة فيه؛ حيث قال روكستروم: “للحفاظ على ظروف ملائمة للعيش على الأرض وحماية الناس من الظواهر القاسية المتزايدة وتمكين المجتمعات المستقرة؛ يجب علينا بذل كل ما في وسعنا لمنع تجاوز نقاط التحول، فكل عُشر درجة له أهميته”.
لكنها لن تكون مهمة سهلة؛ حيث قال الباحثون في البيان إنه للحصول على فرصة بنسبة 50 في المائة فقط للحد من ظاهرة الاحتباس الحراري إلى 2.7 درجة فهرنهايت؛ يجب خفض انبعاثات غازات الاحتباس الحراري إلى النصف بحلول سنة 2030 والوصول إلى صفر انبعاثات بحلول عام 2050.
ونظرًا للتقدم الضئيل في مكافحة تغير المناخ، فقد يبدو هذا الهدف غير قابل للتحقيق. في الواقع؛ يبدو أننا لا نتقدم في بعض النواحي؛ ففي حزيران/ يونيو الماضي؛ قيّد حكم المحكمة العليا الأمريكية بشدة من قدرة الحكومة الفيدرالية على تنظيم انبعاثات غازات الاحتباس الحراري.
ومع ذلك؛ يرى القائمون على الدراسة أنه لا يزال من الممكن تحقيق مثل هذه التغييرات الجذرية من خلال نوع مختلف من نقطة التحول: نقطة تحول اجتماعية، فقد قال العلماء في البيان إن هذه المستويات النظرية في الرأي العام ستجبر، بمجرد إقرارها، الحكومات والشركات الكبرى على اتخاذ إجراءات مناخية صارمة، ولكن المشكلة الوحيدة هي أنه يجب تحقيق نقطة التحول الاجتماعي هذه قبل تجاوز نقاط التحول المناخية بوقت طويل؛ وإلا فسيكون الأمر خطوة غير كافية ومتأخرة للغاية.
المصدر: مجلة لايف ساينس