أشعل إعلان حركة المقاومة الإسلامية “حماس” عزمها إعادة التطبيع مع النظام السوري غضبًا سوريًا عارمًا، ويعتبر السوريون تطبيع العلاقة مع النظام انقطاع الشعرة التي كانت تربطهم بها، خاصة أن شريحة كبيرة من السوريين كانوا يعتبرونها رأس حربة في الدفاع عن فلسطين ولا يتوانون عن دعمها منذ تأسيسها، لكن الحركة اليوم ضربت بمشاعر الشعب السوري ودمائه عرض الحائط كما كتب أحد الناشطين على موقع “تويتر”.
في هذا الإطار يقول الدكتور صالح النعامي الكاتب والباحث الفلسطيني: “قرار حماس إعادة العلاقة مع نظام الطاغية الصغير بشار الأسد خطيئة أخلاقية يعكس خلل الأولويات الإستراتيجية وتخبط سياسي لدى الحركة”، مشيرًا إلى أن “هذا القرار لا يتعارض فقط مع سقف توقعات الأمة من الحركة بل لا يعبر أيضًا عن موقف قواعد الحركة والأغلبية الساحقة من نخبها”.
موقف رمادي
قبل قيام الثورة السورية عام 2011 كانت حركة حماس تتخذ من سوريًا مقرًا لعملها وكان يقيم في دمشق العديد من القيادات والنشطاء الحركيين، لكن ما إن تفجرت الانتفاضة الشعبية حتى باتت الحركة تحت ضغط كبير للخروج من البلاد دون إبداء رأي واضح فيما يحصل في البلاد، فبدأت الحركة بإخلاء مقراتها رويدًا رويدا وإرسال نشطائها إما إلى قطاع غزة وإما إلى قطر وتركيا.
غادر خالد مشعل رئيس المكتب السياسي للحركة آنذاك من دمشق وهو ما اعتبر إعلانًا نهائيًا لخروج حماس من البلاد، لكن بقي بعض نشطاء الحركة الذين انخرطوا في الحراك الثوري السوري بعيدًا عن اسم حركتهم، وبقيت حماس تتخذ من الصمت موقفًا لها تجاه ما يحصل، عدا عن بعض التصريحات الفردية والتصرفات التي كانت تفسر في البداية على أنها داعمة لحراك الشعب الثوري.
على سبيل المثال في فعالية للحركة في ديسمبر/كانون الأول من عام 2012، رفع خالد مشعل علم الثورة السورية ولوح به وهو ما اعتبر موقفًا إيجابيًا من انتفاضة الشعب السوري، لكن حماس سرعان ما أوضحت الموقف وقالت إن الأمر تم عن طريق الخطأ، بعد هذا الموقف هاجم إعلام النظام السوري شخص خالد مشعل ونعته بأنه “خائن وجاحد” كما وصفه بالـ”مشرد”.
وكان الموقف الأبرز من حركة حماس تجاه الثورة السورية من إسماعيل هنية في فبراير/شباط عام 2012 الذي حيا الشعب السوري البطل الذي يسعى نحو الحرية والديمقراطية، وقال هنية خلال كلمة ألقاها في الجامع الأزهر بالقاهرة، مخاطبًا المحتجين في سوريا: “إذ أحييكم وأحيي كل شعوب الربيع العربي بل الشتاء الإسلامي، فأنا أحيي شعب سوريا البطل، الذي يسعى نحو الحرية والديمقراطية والإصلاح”.
نتيجة لمواقف حماس القليلة تلك، نفى بشار الأسد رئيس النظام السوري عام 2015 وجود علاقة مع حماس، مؤكدًا أن الأحداث الأخيرة في مخيم اليرموك أثبتت أن جزءًا من حماس يدعم “جبهة النصرة”، قائلًا إنهم “يعملون مع النصرة كجزء من هذه المجموعة، ولهذا السبب فإن قيادة حماس الموجودة في قطر الآن تدعو إلى مساعدة فصيلها بعد أن هاجم “داعش” “النصرة” وفصيل حماس”.
ويعرف السوريون أن النشطاء الحمساويين الذين انحازوا للثورة السورية وبقوا في سوريا وحوصروا في مخيم اليرموك ومناطق أخرى شكلوا كتائب أكناف بيت المقدس التي قاتلت مع الجيش الحر، لكن حركة حماس لطالما نفت علاقتها بهم أو دعمها لهم.
بعد القطيعة بين حماس ونظام الأسد، كشف محمود الزهار عضو المكتب السياسي لحركة حماس النقاب عن جهود بُذلت بالسابق وتبذل حاليًّا لعودة العلاقات بين الحركة والنظام، مشددًا على “أنه لا بد من ترتيب العلاقات مع كل من وقف ويقف مع فلسطين ويعادي الاحتلال الإسرائيلي”، وأوضح الزهار أن “من مصلحة المقاومة أن تكون هناك علاقات جيدة مع جميع الدول التي تعادي “إسرائيل” ولديها موقف واضح وصريح من الاحتلال مثل الجمهورية السورية والجمهورية اللبنانية والجمهورية الإيرانية الإسلامية”.
وأضاف الزهار “بشار الأسد وقبل الأزمة فتح لنا كل الدنيا، لقد كنا نتحرك في سوريا كما لو كنا نتحرك في فلسطين وفجأة انهارت العلاقة على خلفية الأزمة السورية، وأعتقد أنه كان الأولى أن لا نتركه وأنْ لا ندخل معه أو ضده في مجريات الأزمة”، تصريحات الزهار أثارت جدلًا واسعًا في الأوساط السورية والفلسطينية حيث اعتبرت أنها تفتح الباب لتطبيع العلاقات بين الحركة والأسد.
في عام 2021 وبعد معركة “سيف القدس” التي أطلقتها حركة حماس ضد “إسرائيل”، ثمَّن القيادي الحمساوي أسامة حمدان، موقف بشار الأسد، لمساندته ودعمه للمقاومة الفلسطينية، وقال حمدان: “موقف الأسد الداعم للمقاومة ليس غريبًا ولا مفاجئًا، ومن يُحَيِّنا بتحية نَرُدَّ بخير منها”، مؤكدًا “من الطبيعي أن تعود العلاقات بدمشق إلى وضعها السابق”، جاء هذا التصريح بعد ما نقل عن رئيس النظام السوري قوله: “أبواب سوريا مفتوحة لكل فصائل المقاومة بغض النظر عن تسمياتها”، موجهًا تحيته إلى مقاومي كتائب القسام.
تسارع الخطوات
هذا العام شهد تسارعًا في وتيرة تقارب حماس باتجاه الأسد، فقد قالت وكالة رويترز عن مصادر في “حماس” إن الحركة والنظام السوري يستعدان لفتح صفحة جديدة واستعادة العلاقات بعد قطيعة استمرت 10 أعوام.
تقرير رويترز أكده القيادي في حماس خليل الحية، الذي قال: “مؤسسات الحركة أقرّت استعادة العلاقة مع دمشق”، مبينًا أن نقاشات داخلية وخارجية جرت على مستوى حماس من أجل حسم الموضوع.
أخيرًا قطعت “حماس” الشك باليقين عبر إصدارها بيانًا أكدت فيه تطبيع العلاقات مع النظام السوري، وذلك بعد قطيعة استمرت لأكثر من عشر سنوات بين الجانبين، وقال البيان إن الحركة تؤكد “مُضيّها في بناء وتطوير علاقات راسخة مع النظام السوري، في إطار قرارها باستئناف علاقتها معه، خدمةً لأمتنا وقضاياها العادلة، وفي القلب منها قضية فلسطين”، وأضاف البيان أن قرار حماس جاء بناءً “على إستراتيجيتها الثابتة، وحرصها على تطوير وتعزيز علاقاتها مع أمتها، ومحيطها العربي والإسلامي، وكل الداعمين لقضيتنا ومقاومتنا”.
وأعرب البيان عن تقدير الحركة للنظام السوري، وتطلعها إلى استعادة النظام دوره ومكانته في الأمتين العربية والإسلامية، مشيرًا إلى أن الحركة تدعم كل الجهود المخلصة من أجل استقرار وسلامة سوريا، وازدهارها وتقدمها.
مفاصلة وقطيعة
إثر بيان الحركة، أصدر المجلس الإسلامي السوري أكبر مرجعية دينية للمعارضة السورية، إدانته الواضحة لقرار حركة حماس، وقال بيان المجلس: “فقد أعلنت حركة حماس مضيها في قرار إعادة علاقاتها مع النظام المجرم في سوريا، غير آبهة بنصائح علماء الأمة ولا بمشاعر ملايين السوريين الذين عذبهم وهجرهم وقتل ذويهم هذا النظام المجرم، وإن المجلس الإسلامي السوري إذ يستنكر هذه الخطوة ويدينها بأشد عبارات الإدانة”.
وأضاف البيان شديد اللهجة “الحركة بعد مضيها في التطبيع مع عصابة الإجرام وارتمائها في أحضان إيران قد انحرفت بوصلتها عن القدس وفلسطين، وخذلت أبناء الأمة خصوصًا في الشام والعراق واليمن، تلك البلاد التي عاثت فيها ملالي إيران وعصاباتها الطائفية فسادًا وقتلًا وتدميرًا”.
وأقر المجلس الإسلامي بقطع لقاءاته مع الحركة من خلال إعلانه أنه رفض لقاء قياديين من حماس، مشيرًا إلى أنه “رفض الطلب المقدم له مؤخّرًا من قيادة الحركة للاجتماع به، ويرى المجلس ألا فائدة من اللقاء الذي دعت إليه الحركة بعد اتخاذ قرارها، وعلى الحركة أن تتحمل مسؤوليتها وحدها في مساندة مشروع الملالي الذي يعادي شعوب المنطقة بأسرها، وستجد الحركة باب المجلس مفتوحًا عندما تصحح مسارها”.
بيان المجلس الإسلامي أتى بعد أن اجتمع بالحركة لمحاولة ثنيها عن إعادة علاقتها مع النظام، لكن ذلك الأمر لم يفلح، ما جعل المجلس يهدد بمفاصلة مع الحركة في حال طبعت علاقاتها مع الأسد.
من جانبه انتقد الائتلاف الوطني لقوى الثورة والمعارضة السورية، اعتزام حركة حماس الفلسطينية استئناف العلاقات مع نظام الأسد بعد انقطاع 10 أعوام، معتبرًا ذلك إن حصل يمثل “استخفافًا بأرواح السوريين والفلسطينيين الذين قتلهم هذا النظام وحلفاؤه طيلة السنوات السابقة”، وأضاف الائتلاف “إذا وضعت حركة حماس يدها بيد النظام، ستخسر جمهور الأمة ولن تربح نظام الأسد الذي يضمر لها ولكل الفلسطينيين حقدًا دفينًا، بدا واضحًا عبر سنوات الثورة، من خلال القتل والتهجير والاعتقال والمجازر، وآخرها ما كشفته مجزرة التضامن”.
لكن ومع كل محاولات تقارب حركة حماس مع النظام السوري، فإن الأخير لم يعر تلك المحاولات أي اهتمام، كشفت مصادر فلسطينية أن النظام السوري لا يتجاوب حتى الآن مع محاولات من وسطاء لتقريب وجهات النظر بينه وبين “حركة المقاومة الإسلامية حماس”، التي قررت استئناف علاقاتها مع النظام بعد عشر سنوات من المقاطعة، بسبب موقفها الداعم للثورة السورية.
يذكر أن البيان الأخير الذي أصدرته حركة حماس جاء بعد زيارة إسماعيل هنية القيادي في الحركة إلى العاصمة الروسية موسكو ولقائه بالمسؤولين الروس، وتقول المصادر إن العلاقة مع النظام السوري كانت على أجندة الزيارة، كما يشار إلى أن الأمين العام لحزب الله اللبناني ذكر أنه “يهتم شخصيًا” بتسوية العلاقة بين حركة حماس ونظام الأسد، وأضاف “تسوية العلاقة بين حماس وسوريا أنا شخصيًا مهتم بها لأنه واضح لنا إلى أين يذهب الصراع”، معتبرًا أن “المسار في هذا الصدد إيجابي”.
أثارت خطوات حماس غضبًا شعبيًا سوريًا، خاصة أن النظام السوري الذي شرد وقتل عشرات الآلاف من السوريين هو من دمر بيوت الفلسطينين في سوريا وقتل منهم الآلاف أيضًا، حيث وثقت مجموعة العمل من أجل فلسطينيي سوريا منذ مارس/آذار 2011 مقتل 4116 ضحية من فلسطينيي سوريا منهم 493 امرأةً و252 طفلًا، ووثقت 1797 معتقلًا فلسطينيًا في سجون سوريا منهم 110 نساء و49 طفلًا فلسطينيًا، و333 مفقودًا من بينهم 40 فلسطينية وعدد من الأطفال.
ويومًا بعد آخر يتحول غضب السوريين من تقارب حماس مع النظام الذي قتلهم إلى مقاطعة نهائية، وصلت هذه القطيعة إلى المكونات الرسمية التي تمثل الثورة السورية مثل الائتلاف المعارض والمجلس الإسلامي السوري، فيما بات الناشطون السوريون على وسائل التواصل الاجتماعي يعلنون قطيعة لا رجعة فيها مع الحركة التي اصطفت إلى جانب الأسد ولم تهتم لدماء السوريين.
وفي هذا الإطار قال السياسي السوري زهير سالم: “أجمل ما في سورة “الكافرون” أنها بعد أن أكدت المفاصلة، أعلنت إدارة الظهر “لكم دينكم ولي دين” وبعد أن تردت قيادة حركة حماس القائمة في قرارها، لا هي منا ولا نحن منها. وترداد الكلام من اللدد واللجاجة، نعرف لفلسطين حقها، ونحمل رايتها، وندير الظهر لقوم أسندوا للباطل ظهورهم، كأنهم وقد هانوا ما كانوا”.