شهد الأسبوع الماضي تصاعد الحديث عن الوضع الصحي المتأزّم للمرشد الأعلى الإيراني علي خامنئي، بعد أن ألغى سلسلة لقاءات رسمية مع العديد من المؤسسات في إيران، والتي كان أبرزها اجتماعه مع أعضاء مجلس خبراء القيادة الأحد الماضي، إذ أشارت العديد من المصادر في الداخل الإيراني إلى أن خامنئي بدأ يعاني من مضاعفات سرطان البروستاتا، حيث أجرى مؤخرًا عملية انسداد في الأمعاء.
ورغم استقرار وضعه الصحي في الوقت الراهن، وهو ما برز خلال مشاركته في مراسيم أربعين الحسين في طهران، التي نظّمها عدد من الطلبة في جامعة طهران، إلا أن طبيبه الخاص علي رضا مراندي، أشار إلى أنه ما زال تحت المراقبة.
تأتي الظروف المرافقة للوضع الصحي الذي يمرّ به خامنئي في وقت صعب تعيشه إيران اليوم، فإلى جانب تعثُّر المحادثات النووية مع الولايات المتحدة في التوصل إلى اتفاق نووي جديد، تتعرض شرعية النظام السياسي لمزيد من التآكُل، خصوصًا بعد تصاعد حدّة التظاهرات في طهران ومدن أخرى، على خلفية وفاة المواطنة مهسا أميني، بعد تعرضها للضرب والتعذيب من قبل شرطة الأخلاق بسبب مخالفتها لشروط ارتداء الحجاب.
ومن المتوقع أن يواجه الرئيس الإيراني، إبراهيم رئيسي، موجة انتقادات حادة من قبل المجتمع الدولي، خصوصًا أنه سيشارك الأسبوع الجاري في اجتماعات الجمعية العامة للأمم المتحدة في نيويورك.
وإلى جانب التداعيات التي يمكن أن تفرضها وفاة خامنئي في أي لحظة، فإن الخشية تزداد يومًا بعد آخر، بسبب حالة عدم اليقين التي تمرّ بها إيران، إذ لم تتضح حتى اللحظة ملامح المشهد القادم في إيران، ومن هو المرشح الأوفر حظًّا لخلافة خامنئي.
حيث إن الظروف التي تمرّ بها إيران اليوم، تختلف عن الظروف التي ترافقت مع وفاة الخميني، مؤسِّس الجمهورية الإسلامية، سواء على مستوى التحديات الداخلية أو الخارجية، أم على مستوى شرعية النظام السياسي.
فمن المتوقع أن تكون هناك تقاليد سياسية ستلعب دورها في حالة خلوّ منصب المرشد، فإيران كغيرها من الدول التي تحكمها أنظمة استبدادية، سيؤدي فيها القائد والنخبة السياسية دورًا مهمًّا في عملية الانتقال، خصوصًا أن هناك تداخلًا بين مؤسسات النظام، من حيث العلاقة الزبائنية ووحدة المصير، حيث تلعب اليوم مؤسسات مهمة، وهي مكتب المرشد الأعلى والحرس الثوري والمؤسسات الاقتصادية والدينية، دورًا كبيرًا في تهيئة الأرضية الملائمة للمرشد القادم، حتى لو توفي خامنئي دون أن يحدد بديلًا له.
هل مجتبى مرشح للخلافة؟
مجتبى خامنئي هو الابن الثاني للمرشد الأعلى الإيراني علي خامنئي، وهو شخصية غامضة ترتبط بعلاقات قوية داخل مكتب المرشد والحرس الثوري، وبصورة أدقّ يمارس مجتبى اليوم الدور ذاته الذي كان يمارسه أحمد الخميني، نجل الخميني، ونظرًا إلى محورية الدور الذي يؤدّيه اليوم، أصبح مجتبى حلقة الوصل بين كل مؤسسات النظام الإيراني وخامنئي، بل إن دوره تعدّى مسألة كونه ابن المرشد، ليمارس دور الحارس على إرث والده السياسي.
إلى جانب حصول مجتبى على التعليم الديني في قُم، وتحديدًا على يد رجل الدين المتشدد آية الله محمد تقي مصباح يزدي، فإنه شارك في الحرب العراقية الإيرانية، وهناك تعرّف إلى العديد من الشخصيات النافذة في الأجهزة الأمنية الإيرانية، وفي مقدّمتهم حسين طائب، رئيس جهاز استخبارات الحرس الثوري، إلى جانب قيادات حالية في الحرس، وبعد انتهاء الحرب عاد إلى طهران.
كان التحول الأبرز في حياة مجتبى هو تعيين خامنئي كمرشد أعلى للدولة بعد وفاة الخميني، هذا التحول فرضَ عليه التأقلم مع الوضع الجديد، خصوصًا في موضع إكمال التعليم الديني، حيث رغم أن بعض وسائل الإعلام الإيرانية، وتحديدًا المقرَّبة من التيار المحافظ، تطلق عليه اليوم وصف “آية الله”، إلا أنه من حيث الواقع لم يتجاوز حتى اللحظة مرتبة “الحجة”، كما تحفّظ العديد من رجال الدين في قُم على منحه صلاحية إصدار الفتوى، ما يجعل الطريق نحو كرسي الخلافة بالنسبة إليه طويلًا بعض الشيء.
ورغم أن مجتبى حاول موازنة تأخُّره في الدرجة الدينية عبر ممارسة دور سياسي فاعل، وتحديدًا في إخماد تظاهرات عام 1999 الطلابية، ودوره في هندسة فوز الرئيس الإيراني الأسبق محمود أحمدي نجاد بولاية ثانية عام 2009، فإنه أثناء وجوده في مكتب والده تمكّن من امتلاك موارد مالية كبيرة، حيث عاقبت الولايات المتحدة مجتبى لاحقًا بموجب الأمر التنفيذي المرقّم 13867 عام 2019، وذلك بسبب “تمثيله المرشد الأعلى بصفة رسمية، رغم عدم انتخابه أو تعيينه في أي منصب حكومي”.
الأهم من ذلك، كشفت وزارة الخزانة الأمريكية أن المرشد الأعلى “فوّض جزءًا من مسؤولياته القيادية إلى ابنه مجتبى”، وأنه يعمل عن كثب مع قائد الحرس الثوري، ما يمنحه نفوذًا أمنيًّا محليًّا ودوليًّا.
يمكن القول إن رفض خامنئي حتى اللحظة تعيين خليفة له، يأتي في سياق ترك الأمور تذهب إلى تعيين مجلس قيادة مؤقت في حالة وفاته أو عجزه.
وفي هذا السياق، دفع صعود إبراهيم رئيسي كرئيس للجمهورية عام 2021، العديد من المراقبين إلى اعتباره خليفة طبيعيًّا للمرشد الأعلى، حيث جاء هذا الاعتقاد بسبب موقع رئيسي في النظام الإيراني، كرجل دين لديه خبرة في رئاسة فرعَين للدولة الإيرانية -القضاء والرئاسة-، ويمكن القول إن رئيسي هو الشخص الأكثر تأهيلًا -من حيث السيرة الذاتية- لخلافة المرشد الأعلى، ومع ذلك، فإن الرئاسة الإيرانية تقليديًّا هي المكتب الذي يوازن بين السلطات، وأن تجربة أسلافه، لا سيما تجربة حسن روحاني الذي اعتبره بعض المراقبين في وقت ما منافسًا رئيسيًّا لخلافة خامنئي، ترك المنصب بالنهاية، ولم يعد له تأثير واضح في الداخل الإيراني.
وإلى جانب كل من رئيسي ومجتبى، تُطرَح أسماء أخرى لخلافة خامنئي، أبرزهم صادق لاريجاني رئيس السلطة القضائية السابق، إلى جانب حسن الخميني، نجل الخميني، بالإضافة إلى حسن روحاني ومحمد خاتمي، إلا أن جميع هذه الأسماء لا تحظى بحيّز كبير من العلاقات القوية مع باقي مؤسسات النظام، كما أن أغلبها شخصيات محسوبة على التيار الإصلاحي، ما قد يجعلها خارج دائرة المنافسة بشكل كبير.
وبالتالي، يمكن القول إن الاسم الذي يمكن أن ينافس مجتبى على خلافة خامنئي هو رئيسي بصورة كبيرة، ولكن طبيعة المفاضلة بينهما ستكون خاضعة لمتغيرات عديدة، أبرزها تأييد خامنئي لأي منهما، إلى جانب طبيعة علاقة كل منهما بالحرس الثوري، ورغم أن الواقع الإيراني يشهد اليوم تضخيمًا لصورة مجتبى على حساب رئيسي، وتحديدًا على مستوى وسائل الإعلام، إلا أن التحدي الأبرز يكمن في مدى قدرة خامنئي المضيّ قدمًا نحو عملية التوريث، وتعيين مجتبى خلفًا له.
إجمالًا، يمكن القول إن رفض خامنئي حتى اللحظة تعيين خليفة له، يأتي في سياق ترك الأمور تذهب إلى تعيين مجلس قيادة مؤقت في حالة وفاته أو عجزه، ومن ثم المراهنة على العلاقات الوثيقة التي نسجها مجتبى مع باقي مراكز القوى في إيران، وتحديدًا الحرس الثوري.
إذ يخشى خامنئي من مسألة توريث مجتبى بالوقت الحالي، خشية أن يتمّ تفسير خطوته على أنها تمثّل انقلابًا على مبادئ الثورة الإسلامية ورؤية الخميني، الذي كبح جماح ابنه أحمد الذي كان يتطلع إلى شغل مكانه، وترك الأمور تذهب لمجلس خبراء القيادة.
والأكثر من ذلك، قد تؤدي خطوة خامنئي إلى ضرب شرعية النظام السياسي، الذي أصبح اليوم يواجه أزمة شرعية تتصاعد يومًا بعد الآخر، وقد تتصاعد بصورة أكبر بعد وفاة خامنئي بأية لحظة.