ترجمة حفصة جودة
في مستشفى الرشيد الخاص لإعادة التأهيل التي تقع على أطراف العاصمة الأردنية عمّان، كان مكبر الصوت ينادي الممرضين لاستقبال مريض جديد، بعد عدة دقائق اندفعت ممرضة مرتبكة إلى غرفة الاجتماعات وهي تقول: “إنه مريض جديد”، مشيرة إلى أنه حاول الهرب من المستشفى في أثناء نوبة ذهانية.
تقول الممرضة آلاء المهاوش – 29 عامًا – إن المريض – 22 عامًا – مصاب باضطراب عقلي مرتبط بتعاطي العديد من المخدرات من بينها الميث والكبتاغون وهما من المنشطات شديدة الإدمان المنتشرة الآن على نطاق واسع في الأردن.
خلال العقد الماضي، واجه الأردن أسوأ أزمة تعاطي مخدرات، فقد أمسكت المملكة بحلقة من تجارة المخدرات المزدهرة بين لبنان وسوريا ودول الخليج، كشفت الأرقام الرسمية ارتفاع الجرائم المرتبطة بالمخدرات من 2041 جريمة فقط في 2005 إلى 20055 جريمة في 2020.
أصبحت جرائم المخدرات الآن النوع الأكثر شيوعًا بين الجرائم المرتكبة في الأردن وفقًا لدراسة حديثة من وزارة العدل الأردنية.
قال مصطفى الحياري – عقيد أردني ومدير الإعلام العسكري -: “مع ارتفاع نسبة تهريب المخدرات، لن يصبح الأردن فقط مجرد طريق انتقالي، بل وجهة للمخدرات التي تستهدف المجتمع الأردني”.
استجابة لذلك، كثفت إدارة مكافحة المخدرات من جهودها لقمع تهريب المخدرات وجميع الأنشطة التهريبية، في إحدى الحملات الشهر الماضي، استحوذ عملاء إدارة مكافحة المخدرات على نحو 500 كيلوغرام من الحشيش وملياري حبة مخدرة.
قبل 5 سنوات كان نوع المرضى مختلفًا، كان المرضى يتعاطون نوعًا واحدًا أو اثنين على الأكثر من المخدرات، أما الآن فإنهم يجربون 3 و4 أنواع مختلفة في المرة الواحدة
وفي أحدث الحملات يوم 8 سبتمبر/أيلول، قبض العملاء على تاجر مخدرات مشتبه به وبحوذته 60 ألف حبة مخدرة، تقول المهاوش التي عالجت مرضى من دول الخليج أيضًا إن الجناح المسؤولة عنه أصبح شبه ممتلئ.
وأضافت أنه من بين مرضاها هذا العام، لاحظت ارتفاعًا في تعاطي الكبتاغون والميث بالإضافة إلى زيادة تعاطي بعض الأدوية الطبية مثل بريجابلين وليركا اللذين يُستخدامان عادة لعلاج الألم والقلق.
تقول المهاوش، إن أصعب جزء في عملها عندما يصاب المرضى بالاضطرابات العقلية، مشيرة إلى الهلاوس والأوهام المرعبة التي يعاني منها المرضى نتيجة التعاطي الكثيف للمنشطات القوية مثل الكبتاغون والميث.
تضيف المهاوش “هناك المزيد من المخدرات المنتشرة الآن، قبل 5 سنوات كان نوع المرضى مختلفًا، كان المرضى يتعاطون نوعًا واحدًا أو اثنين على الأكثر من المخدرات، أما الآن فإنهم يجربون 3 و4 أنواع مختلفة في المرة الواحدة”.
الكبتاغون والميث ومخدرات أخرى
ينتشر تعاطي المخدرات بين الشباب الأردني مع زيادة الضغوط الاجتماعية والاقتصادية التي تفتح المجال أما تعاطي المزيد من المخدرات التي يسهل الوصول إليها.
تعافى كل من أحمد وخالد – 21 عامًا – من إدمان المخدرات مؤخرًا، بدأ زميلا الدراسة تعاطي المخدرات في الوقت نفسه، وهما يعيشان في أحد أحياء شرق عمّان منخفضة الدخل.
ينتشر تعاطي الكبتاغون بين الطلاب في الأردن للتعامل مع الضغوط الأكاديمية وضغوط الحياة الأخرى
يقول أحمد: “بدأت بتعاطي الحشيش بعمر الـ14، كنت أرى والدي يتعاطاه فبدأت بتجربته، كما أصر أحد أقاربي أن أجرب مرة، كنت أشعر بالفضول تجاهه، بعد 5 دقائق بدأت أشعر بالانتشاء”.
اتجه الشابان لتجربة المزيد من المخدرات التي كان يتعاطاها الكثير من الشباب في مثل عمرهم، مثل الميث، كان من السهل الوصول إلى المخدرات مثل الكبتاغون والحشيش والأدوية الموصوفة.
في المركز الوطني لعلاج الإدمان وإعادة التأهيل، وهو منشأة عامة تديرها إدارة مكافحة المخدرات، يتراوح عمر غالبية المرضى بين 20 و26 عامًا، وجميعهم من الرجال وفقًا لما قاله يزن برماوي مدير المركز.
يقول برماوي إن المركز مجاني بالكامل ويحافظ على سرية المرضى، يتعاطى معظم المرضى في المركز الحشيش والكبتاغون، لكنهم في الغالب يخلطونهما معًا، يضيف برماوي “في البداية يجربون الحشيش، ثم يتجهون إلى المخدرات الصلبة مثل الكبتاغون أو غيره”.
ينتشر تعاطي الكبتاغون بين الطلاب في الأردن للتعامل مع الضغوط الأكاديمية وضغوط الحياة الأخرى، يبدأ الكثير من الطلاب بتعاطي دواء “أمفيتامين” شديد الإدمان للبقاء مستيقظين من أجل الدراسة لساعات طويلة، وذلك وفقًا لدراسة نُشرت عام 2021 عن تعاطي الكبتاغون بين طلاب الجامعات في الأردن.
يقول أحمد إنه في ذروة إدمانه، كانت المخدرات تعزله عن الناس، ويضيف “لم أكن أحب أن أرى الناس أو أتحدث إليهم، فقدت صحتي وفقدت كل من كان بجانبي وفقدت حتى إيماني”.
لكن رغم تجربته المؤلمة في إدمان المخدرات، يقول أحمد إن تعاطي المخدرات شائع للغاية بين أقرانه، وهز خالد رأسه موافقًا على كلامه، يضيف أحمد “تعاطي المخدرات شائع حتى بين الأطفال، لقد بدأنا بتدخين السجائر عنما كان عمرنا 10 سنوات”.
وصمة عار
يقول عبد الله حناتله مدير مركز المساعدة على التغيير لتمكين المجتمع “Forearms of Change Centre to Enable the Community” وهو منظمة غير حكومية أردنية تقدم برامج توعية ودعم نفسي للذين يعانون من إدمان المخدرات: “في ثقافتنا، هناك الكثير من الوصم تجاه الأشخاص الذين يتعاطون المخدرات”.
يضيف حناتله “وصمة العار هي الحاجز الرئيسي في عملنا”، مشيرًا إلى أن وصمة العار تجاه متعاطيي المخدرات متعددة ومتجذرة بين المجتمع الأردني المحافظ، وكذلك بسبب قانون تجريم المخدرات الذي يصنف مدمني المخدرات كمجرمين.
في الأردن، حيازة كمية صغيرة من المخدرات تعد جريمة، وقد يواجه المدعى عليه عقوبة السجن حتى لو كانت حيازة للمرة الأولى، يقول حناتله: “تعاقب الحكومة والمجتمع متعاطيي المخدرات”.
يشير حناتله إلى انتشار الخوف من الكيانات الحكومية مما يثني مدمني المخدرات عن طلب العلاج، ويقول إن البلاد تحتاج إلى طريقة لخفض الضرر، مشيرًا إلى نظام يركز على الصحة العامة واستخدام آمن وناجح للمخدرات بدلًا من العقاب.
النساء يتجهن إلى العلاج من الإدمان في المستشفيات العامة أو الخاصة لتجنب الوصم بكونهن مرضى في مركز مدمني المخدرات
يقول جمال عناني، المدير السابق للمركز الموطني لإعادة التأهيل من الإدمان: “لا يوجد بروتوكول واضح للتعامل مع مدمني المخدرات، إن الناس يشككون حتى في وجود مشكلة مخدرات بالأردن”.
يضيف عناني أن انتشار الوصم تجاه المدمنين منع إجراء الدراسات والمسح لأن الكثير من العائلات ترفض الإبلاغ عن إدمان أبنائهم، ما يجعل مدى تعاطي المخدرات في الأردن غير واضح.
يقول عناني: “لا يبلغنا الناس ولا يأتون للعلاج لأنه سيجلب لهم العار ولعائلاتهم”، أما بالنسبة للنساء اللاتي يعانين من الإدمان فالوصمة مضاعفة، فقد أشار إلى أن النساء يتجهن إلى العلاج من الإدمان في المستشفيات العامة أو الخاصة لتجنب الوصم بكونهن مرضى في مركز مدمني المخدرات.
يطالب عناني بتمكين المجتمع المدني لمعالجة إدمان المخدرات وتغيير الحوار المتمركز حول العقاب إلى آخر متمركز حول العلاج، ويضيف “إذا أردنا التغيير فنحن بحاجة إلى منهجية تعاونية متعددة القطاعات، ودليل أو بروتوكول موحد لتتبعه كل المنظمات”.
أمر محزن
تتنهد مهاوش قائلة: “إنه لأمر محزن، فهي صغيرة في السن، وقد رأيت كيف أثرت بها المخدرات”، تصف مهاوش إحدى المريضات – 20 عامًا – تعاني من إدمان الهيروين وتُعالج في المصحة منذ 6 أشهر.
بعد انتهاء العلاج، تقول مهاوش إنها لا تعلم لمن ستعود مريضتها، فرضيعها مع أسرتها الآن، ولا تعلم إذا كانت ستراه مرة أخرى أم لا، أما زوجها فتركها، لقد خسرت أسرتها.
المصدر: ميدل إيست آي