أعادت حركة المقاومة الإسلامية “حماس” وضع ملف الغاز والممرّ البحري لقطاع غزة الساحلي على الطاولة من جديد، بعد أن أعلنت عن تحركات جديدة لها وللفصائل الفلسطينية خلال الفترة المقبلة لانتزاع الحقوق الفلسطينية في هذين الملفَّين.
ويبدو أن تحريك الفصائل للمياه الراكدة في ملف حقول الغاز الطبيعي في البحر الأبيض المتوسط قبالة شاطئ غزة، جاء في ظل التهافت العالمي على الغاز، كنتيجة للحرب الروسية الأوكرانية وما تعيشه أوروبا من أزمة في هذا الملف.
وكانت باكورة التحريك في هذا الملف بفعالية بحرية أُقيمت في ميناء غزة، شهدت حضورًا فصائليًّا بارزًا، فضلًا عن مسيَّرات من طراز “شهاب” الانتحارية التي تمتلكها المقاومة، إذ حلّقت في أجواء المدينة، فيما اُعتبر أنه رسائل بالنار توجّهها الفصائل للاحتلال.
وإلى جانب ذلك، أقامت الفصائل لافتات في مناطق محورية في قلب قطاع غزة تحت عنوان “غازنا حقنا”، في إشارة تعزز من نواياها تحريك هذا الملف خلال الفترة المقبلة، بما لا يقتصر على مجرد مطالبات سياسية أو إعلامية.
ويربط فلسطينيًّا بما يجري حاليًّا الزيارة التي قام بها رئيس حركة حماس ووفد حركته إلى العاصمة الروسية موسكو، فضلًا عن التنسيق الذي يجري مع دول المحور، الذي يضمّ إيران وحزب الله وسوريا والحوثيين وبعض الجماعات في العراق.
وبحسب مصادر قيادية فلسطينية تحدّثت لـ”نون بوست”، فضّلت عدم ذكر هويتها، فإن الفصائل تمتلك خطة عمل شاملة في ملف الممرّ البحري والغاز، ستسعى لتنفيذها خلال الفترة المقبلة بالتعاون مع بعض الحلفاء في المنطقة.
ولم توضّح المصادر طبيعة هذه الخطة التي سيتم تنفيذها، إلا أنها اكتفت بالإشارة إلى أنها تسير في 3 مسارات، أولها المسار السياسي عبر الوسطاء، والمسار الشعبي عبر الفعاليات والأنشطة الشعبية، والمسار العسكري كحلٍّ مطروح إذا لم يستجب الاحتلال لهذه المطالب.
أبرز حقول الغاز الفلسطينية
نصت اتفاقية أوسلو على حرية الملاحة في البحر المتوسط قبالة شواطئ غزة حتى 20 ميلًا بحريًّا، وتعود أولى بدايات اكتشافات الغاز إلى العام 1999، حينما تمكّنت السلطة من اكتشاف أول حقل بوساطة شركات أجنبية، حيث تمَّ اكتشاف نحو 30 مليار قدم من الغاز الطبيعي، تدرّ أرباحًا بحسب الخبراء تقدَّر بنحو مليارَي دولار، إلا أن هذا المشروع سرعان ما توقف في أعقاب الانتفاضة الفلسطينية الثانية عام 2000.
ومع سيطرة الاحتلال على المياه الإقليمية الفلسطينية حُرمَ الفلسطينيون من المشروع، فيما سعى الإسرائيليون لعقد اتفاقيات مع دول مطلّة على المتوسط، مثل اليونان وقبرص، إذ شكّل الاتفاق الذي وُقّع في العاصمة اليونانية أثينا، بين كل من اليونان وقبرص والاحتلال لمدّ خط أنابيب شرق المتوسط “إيست ميد” لتزويد أوروبا بالغاز، حلقة جديدة في مسلسل السرقة الإسرائيلية المتواصلة للثروات الفلسطينية.
ولا يبعد الحقل مسافة 36 كيلومترًا من شاطئ غزة، إذ شرعت شركة “بريتش غاز” البريطانية ببنائه عام 2000، بموجب عقد حصري منحته السلطة الفلسطينية عام 1999 لها ولاتحاد المقاولين (CCC)، للتنقيب عن الغاز في بحر غزة لمدة 15 عامًا.
تعكس الاتفاقية أن السلطة جزء من المشهد المتعلق بغاز غزة، دون أن يتمّ الكشف عن كثير من التفاصيل المتعلقة بهذا الملف.
وحينها بدأت الشركتان عمليات البحث والتنقيب عن الغاز في بحر غزة، حتى تمّ اكتشاف حقلَين، الأول حقل غزة البرّي الذي يقع كليًّا ضمن المياه الإقليمية الفلسطينية قبالة المدينة، وقدِّر مخزونه بنحو 30 مليار متر مكعب، أما الثاني فهو “حقل غزة الحدودي” ويقع على المنطقة الحدودية بين غزة والاحتلال، ويقدَّر مخزونه بـ 3 مليارات متر مكعب.
وحينها بلغت تكلفة المشروع حوالي 2 مليار دولار أميركي، على مدار 15 عامًا، حيث أُعطي لصندوق الاستثمار الفلسطيني 10% من المشروع، فيما حصلت “بريتش غاز” البريطانية على 60%، واتحاد المقاولين الفلسطينيين 30%.
وفي عام 2014 تبيّن وجود حقل جديد للغاز في بحر غزة يبعد مسافة 200 إلى 300 متر من شاطئ القطاع، وبقيَ هذا الحقل دون أي استثمار اللهم إلا محاولة يتيمة أقدمت عليها الحكومة في غزة، دون أن تتمكّن من استخراج الغاز أو الاستفادة من الحقل.
سرقة إسرائيلية واتفاقيات مجحفة
في 15 يونيو/ حزيران الماضي، وقّعت “إسرائيل” ومصر والاتحاد الأوروبي اتفاقية لتزويد التكتل بالغاز الطبيعي، وهو ما جرى وصفه فلسطينيًّا بالسرقة، بالنظر لاستغلال الأطراف سياسة الأمر الواقع القائمة في ظل سيطرة الاحتلال.
وينصّ الاتفاق على تحديد فترة زمنية تستمر لمدة 3 سنوات وتمدَّد تلقائيًّا لمدة عامَين آخرَين، لتزويد الاتحاد الأوروبي بالغاز الإسرائيلي الطبيعي، في ظل الانفكاك الأوروبي عن الغاز الطبيعي الروسي جرّاء الحرب الدائرة رحاها في أوكرانيا.
ووفق الاتفاق، ستبدأ “إسرائيل” تصدير الغاز الطبيعي إلى أوروبا عبر محطات التسييل في مصر، التي بدورها تنقله إلى أوروبا، حيث يمتلك الاحتلال السيطرة على 8 حقول للغاز، هي حقل تمار 1 وتمار 2 غرب حيفا، وحقل لفياثيان 1 و2 غرب يافا، وحقل سارة وميرا غرب نتانيا، وحقل ماري قرب غزة، وحقل شمن قرب أسدود، وحقل كاريش غرب حيفا.
ويستورد الفلسطينيون ما نسبته 93% من احتياجاتهم من الطاقة الكهربائية من الاحتلال بمعدل 850 ميغاواطًا للضفة الغربية، و120 ميغاواطًا لقطاع غزة، في الوقت الذي وقّعت فيه مصر والسلطة، بتاريخ 21 فبراير/ شباط 2021، على مذكرة تفاهم بشأن تطوير حقل الغاز الطبيعي قبالة ساحل غزة.
وتمَّ التوقيع ما بين الأطراف الشريكة في حقل غاز غزة، متمثلة في صندوق الاستثمار الفلسطيني والشركة المصرية القابضة للغازات الطبيعية “إيجاس” وشركة اتحاد المقاولين (CCC)، على مذكرة التفاهم التي بحسب ما كُشف منها فقط، أنها تقضي بالتعاون من أجل تطوير حقل غاز غزة والبنية التحتية اللازمة، بما يوفّر احتياجات فلسطين من الغاز الطبيعي.
وتعكس هذه الاتفاقية أن السلطة جزء من المشهد المتعلق بغاز غزة، دون أن يتمَّ الكشف عن كثير من التفاصيل المتعلقة بهذا الملف، إذ لطالما دعت الفصائل والمؤسسات إلى الإفصاح عن خفايا الملف.
علام تراهن حماس؟
يبدو أن حركة حماس تراهن في خياراتها على تطورات الإقليم الدائرة حاليًّا، في ظل حضور ملف الغاز عالميًّا إلى الواجهة وحاجة الدول لاستخراجه، جرّاء الأزمة مع روسيا واقتراب فصل الشتاء وارتفاع الطلب عليه خلال هذه الفترة.
وإلى جانب ذلك، تحضر المفاوضات اللبنانية الدائرة بوساطة أمريكية مع الاحتلال من أجل ترسيم الحدود البحرية إلى الواجهة، وهو ما يعزز من خيارات حماس في طرح هذا الملف على الطاولة والمطالبة بحلول للفلسطينيين.
ويبدو أن الحركة تستعدّ لاتّباع سياسات قائمة على المشاغلة في البحر، كتسيير الطائرات دون طيّار قرب منصات الغاز، أو حتى محاولة استهدافها بالصواريخ في مرحلة متقدمة للمطالبة بحقّ الفلسطينيين في الغاز والممرّ البحري.
يخشى الاحتلال أن يؤدّي فتح هذا الملف إلى إمكانية التأثير على نشاطاته في بحر غزة، خصوصًا مع امتلاك حركة حماس لوحدة من الضفادع البشرية.
إلى جانب إمكانية تحريك قوارب صغيرة داخل المياه الفلسطينية للمطالبة بالحقّ في الممرّ البحري، أو تنظيم أنشطة بحرية دولية على غرار سفن كسر الحصار التي وصل بعضها إلى القطاع قبل سنوات.
ومع هذا الأمر يبدو أن الحركة تريد استغلال علاقتها بروسيا لتنشيط هذا الملف على مختلف الصعد، بما يقودها لإحداث اختراق حقيقي في هذا السياق، بعيدًا عن حالة المراوحة أو المماطلة الإسرائيلية الحاصلة منذ عقود.
وبالتالي، يعكس ما يحصل حاليًّا أن حماس والفصائل الحليفة لها في القطاع ماضية في هذا الملف، ضمن سياق “قواعد الاشتباك” التي تتبنّاها المقاومة الفلسطينية في السنوات الأخيرة مع الاحتلال.
ويخشى الاحتلال أن يؤدي فتح هذا الملف إلى إمكانية التأثير على نشاطاته في بحر غزة، خصوصًا مع امتلاك حركة حماس لوحدة من الضفادع البشرية وبعض الأسلحة والمسيَّرات القادرة على ضرب الوحدات العسكرية البحرية والأهداف المختلفة في البحر المتوسط.