ترجمة حفصة جودة
تسببت الحرب الأوكرانية في طفرة نفطية، جعلت الدول الشرق أوسطية الغنية بالنفط ثريةً مرة أخرى بشكل استثنائي، لكن الخبراء يحذرون من أنها قد تكون آخر طفرة بهذا الشكل.
ارتفعت أسعار الطاقة بسبب الحرب، ما انتشل دول الخليج التي كانت تعاني من ركود اقتصادي قرابة العقد، من أزمتها، فقد اتجهت إلى خفض الإنفاق وحدث عجز في الميزانية مع تقلص الاقتصاد، لكن غزو روسيا لجارتها أوكرانيا رفع سعر النفط الخام لأعلى سعر له منذ 8 سنوات.
دخلت دول الخليج في طفرة نفطية خلال السبعينيات والثمانينيات ثم مرة أخرى أول الألفينيات، لكن تغير سلوكيات استهلاك الطاقة يعني أنه لن يمكن الحفاظ على مثل هذه الدورة، وتحتاج دول الخليج أن تستعد لذلك.
تقول كارين يونغ كبيرة الباحثين في مركز كولومبيا لسياسة النفط العالمية “هذه بالتأكيد بداية انتهاء الثروة النفطية بمستواها الحاليّ”، تعمل الدول الغربية على التحول نحو الطاقة المتجددة، الأمر الذي يبدو حاجة ملحة اليوم أكثر من أي وقت مضى، لأن الحرب الأوكرانية عطّلت بشكل أساسي قنوات الإمدادات الرئيسية لأوروبا من النفط والغاز الطبيعي.
تضيف كارين “طفرة اليوم مختلفة، فهي أكبر من مجرد أزمة نفط، إنها تحول كبير في كيفية تلبية الاحتياجات العالمية من الطاقة”.
التركيز على الاستثمار في تحويل الطاقة أمر ضروري مع إسراع العديد من دول العالم نحو التحول إلى الطاقة المتجددة
وفقًا لصندوق النقد الدولي، فمن المتوقع أن يجني مصدرو الطاقة في الشرق الأوسط عائدات تصل إلى 1.3 تريليون دولار خلال 4 سنوات كنتيجة للطفرة الحاليّة، لكن الخبراء يحذرونهم من إضاعة هذه الأرباح، قائلين إن دول الخليج بحاجة إلى حماية نفسها من تقلبات أسعار النفط باستخدام تلك الأرباح لتوظيف اقتصادها بعيدًا عن اعتمادها على الثروة النفطية.
خلال الطفرات السابقة، أنفقت دول الخليج ثروتها بإسراف على استثمارات فاشلة وأبنية لا طائل منها وشراء أسلحة وتوزيع الأموال على المواطنين، تبع هذه الطفرات سقوط في أسعار النفط، بينما واصلت تلك الدول اعتمادها على الهيدروكربونات لتحقيق عائد.
تقول إلين والد، باحثة غير مقيمة بالمجلس الأطلسي في العاصمة واشنطن: “في كثير من الأحيان يبدأ بناء المشروعات ثم تُهمل عندما تنفد أموال النفط، لأن لديهم الكثير لينفقونه، ولا يوجد الكثير من الإشراف وبالطبع هناك الكثير من الفساد”.
وفقًا لعمر العبيدلي، مدير الأبحاث بمركز “دراسات” الفكري ومقره البحرين، فهناك تركيز تقليدي كبير على زيادة التوظيف في القطاع العام، ورفع مرتبات القطاع العام من خلال الزيادات والعلاوات.
شدد تقرير البنك الدولي في مايو/أيار 2022، على ضرورة استثمار الثروة التي جنتها دول الخليج بعد الجائحة وبعد الحرب الأوكرانية في التحول الاقتصادي والبيئي، فالتركيز على الاستثمار في تحويل الطاقة أمر ضروري مع إسراع العديد من دول العالم نحو التحول إلى الطاقة المتجددة.
حذرت الإمارات العربية المتحدة – إحدى أكبر الدول المصدرة للنفط عالميًا – من أن التحول السريع بعيدًا عن الهيدروكربونات قد يسبب أزمة اقتصادية
يبدو أن دول الخليج تعمل على تنويع اقتصادها، فمنذ الطفرة النفطية الأخيرة التي انتهت في 2014، فرضت 4 من 6 دول خليجية ضريبة القيمة المضافة، ولجأت الإمارات لأبعد من ذلك حين بدأت في فرض الضرائب على دخل الشركات، لكن أيًا من دول الخليج لم تفرض ضرائب على الدخل.
تستثمر السعودية في القطاعات غير النفطية مثل السياحة، لكن الخبراء يتشككون في قدرة هذا القطاع على تعويض عائدات النفط، فمع الأسعار الحاليّة للنفط، تجني المملكة مليارات الدولارات يوميًا.
تراجعت دول الخليج عن مفهوم التخلي عن الهيدروكربونات كمصدر أساسي للطاقة مع اتجاه الدول الواعية بيئيًا نحو المصادر البديلة، حيث قالوا إن النفط كان وسيكون مهمًا للاقتصاد العالمي.
يقول الخبراء إنه من مصلحة مصدري النفط أن يروجوا لتلك الرواية، لكن دول النفط أشارت إلى ارتفاع الطلب على النفط الخام تزامنًا مع رفع إجراءات كوفيد-19 حول العالم، فقد قالت وكالة الطاقة الدولية ومقرها باريس الأسبوع الماضي إن الطلب على النفط سيزداد بشكل حاد العام المقبل بسبب استئناف العمل في الصين والسفر العالمي.
حذرت الإمارات العربية المتحدة – إحدى أكبر الدول المصدرة للنفط عالميًا – من أن التحول السريع بعيدًا عن الهيدروكربونات قد يسبب أزمة اقتصادية.
تدرك دول الخليج أنه حتى مع استمرار الطلب على النفط، فإن مثل هذه التقلبات في السعر لن تحدث مرة أخرى بنفس الدرجة والوتيرة
قال سلطان الجابر المبعوث الخاص للإمارات للتغير المناخي: “السياسات التي تهدف إلى التحول عن الهيدروكربونات قريبًا، لكن دون بدائل مناسبة قابلة للتطبيق، ستكون مدمرة، فهي ستقوض أمن الطاقة وتهدد الاستقرار الاقتصادي، وتترك القليل من الدخل للاستثمار في تحول الطاقة”.
تقول يونج إنه حتى لو ابتعدت الاقتصادات عن النفط كمصدر للطاقة، فإنه سيستمر الطلب على المنتجات القائمة على النفط مثل البتروكيماويات والمواد اللازمة لصناعة البلاستيك.
ومع ذلك، يقول الخبراء إن دول الخليج تدرك أنه حتى مع استمرار الطلب على النفط، فإن مثل هذه التقلبات في السعر لن تحدث مرة أخرى بنفس الدرجة والوتيرة.
يقول العبيدلي: “هناك شعور ملموس بأن هذه الطفرة هي الأخيرة بهذا الشكل، وربما تمثل آخر ارتفاع دائم في أسعار النفط، ترى الحكومات والشعوب أنه لا بد من استغلال تلك الفرصة على أكمل وجه، بدلًا من تبديدها باتخاذ قرارات قصيرة النظر”.
المصدر: سي إن إن