“الولايات المتحدة الآن في طريقها لمعاملة عائلة الأسد كما عاملنا بابلو إسكوبار” بهذه العبارة علق المبعوث الأمريكي السابق إلى سوريا جويل ريبورن على ما صرح به النائب في مجلس النواب الأمريكي فرينش هيل الذي قال إن مجلس النواب الأمريكي “أقر مشروع قانون تعطيل وتفكيك إنتاج المخدرات والاتجار بها والشبكات المرتبطة بنظام بشار الأسد في سوريا”.
أضاف هيل في تغريدات له إثر إقرار المشروع “إذا لم نعمل مع شركائنا في التفكير لإعاقة تجارة المخدرات أولًا واستبدالها بنظام عمل من المؤسسات التي تخدم الشعب السوري، فإن الأسد سيضيف لقب “ملك المخدرات” إلى مكانته العالمية المعترف بها كرائد قتل جماعي”.
وبعد أن حوّل سوريا، التي يشار إليها في وسائل الإعلام المحلية وفي المناهج الدراسية كـ”مهد الحضارات”، إلى “مملكة المخدرات”، بات بشار الأسد نفسه يوصف في وسائل الإعلام الدولية بأوصاف من قبيل “إسكوبار السوري” و”ملك الكبتاغون” و”امبراطور المخدرات”.
تحطيم شبكات المخدرات
في نهاية العام الماضي، قدّم النائبان فرينش هيل من الحزب الجمهوري، وبرندان بويل من الحزب الديمقراطي، مشروعًا جديدًا في مجلس النواب بالكونغرس، يطلُب من الإدارة الأمريكية تطوير إستراتيجية مشتركة بين الوكالات الفيدرالية، لتعطيل وتفكيك إنتاج المخدرات في سوريا والاتجار بها والشبكات التابعة المرتبطة بنظام بشار الأسد.
وأكد النائبان هيل وبويل، في بيان أنه “يجب على حكومة الولايات المتحدة أن تفعل كل ما في وسعها، لتعطيل المستوى الصناعي لإنتاج المخدرات في سوريا”.
حينها لفت النائبان إلى أنه منذ عام 2018، تحوّلت سوريا، بفعل إنتاج المخدرات والاتجار بها إلى “دولة مخدرات لتمويل جرائمها ضد الإنسانية”، وأضافا أنه “من المهم أن نوقف هذا الاتجار ومصدر التمويل غير المشروع، وإذا فشلنا في القيام بذلك، فسيستمر النظام السوري في حربه على معارضيه، ويوفّر شريان الحياة للجماعات المتطرفة، ما يُشكل تهديدًا أكبر من أي وقت مضى، على “إسرائيل” والشركاء الآخرين”.
وفي يوليو/تموز من العام الحاليّ، أقرّت لجنة العلاقات الخارجية في مجلس النواب الأمريكي، مشروع القانون الذي قدّمه النائبان الأمريكيان، والبارحة أعلن النائب فرينش هيل أن مجلس النواب الأمريكي أقر مشروع القانون الذي يطلب من الحكومة الأمريكية ممثلة بأجهزتها الأمنية وضع إستراتيجيات لمواجهة وتفكيك شبكات الاتجار بالمواد المخدرات المرتبطة بنظام بشار الأسد في سوريا.
ويتضمن مشروع القرار المعنون بـ”H.R. 6265″ ستة بنود أساسية وفقًا للورقة المنشورة على موقع النائب فرينش هيل، وهي:
– رسم إستراتيجية لاستهداف وتعطيل وتحطيم الشبكات التي تدعم بشكل مباشر أو غير مباشر البنية التحتية للمخدرات لنظام الأسد، لا سيما من خلال الدعم الدبلوماسي والاستخباراتي، فضلًا عن بناء قدرات مكافحة المخدرات للبلدان الشريكة من خلال المساعدة والتدريب لخدمات إنفاذ القانون في دول غير سوريا تستقبل أو تمر عبرها كميات كبيرة من الكبتاغون.
– يطالب مشروع القرار باستخدام التشريعات القانونية، بما في ذلك قانون قيصر للعام 2019 لاستهداف الأفراد والكيانات المرتبطة بشكل مباشر أو غير مباشر بالبنية التحتية للمخدرات لنظام الأسد.
– استخدام الارتباطات الدبلوماسية الدولية المرتبطة بحملة الضغط الاقتصادي ضد نظام الأسد لاستهداف البنية التحتية للمخدرات.
– رسم إستراتيجية للاستفادة من المؤسسات المتعددة الأطراف والتعاون مع الشركاء الدوليين لتعطيل البنية التحتية للمخدرات في نظام الأسد.
– وضع إستراتيجية لتعبئة حملة اتصالات عامة لزيادة الوعي بمدى ارتباط نظام الأسد بتجارة المخدرات غير المشروعة.
– الدعوة إلى تحديد البلدان التي تتلقى أو تعبر عبر أراضيها شحنات كبيرة من الكبتاغون، وتقييم قدرة مكافحة المخدرات في هذه البلدان على اعتراض أو تعطيل تهريب الكبتاغون، بما في ذلك تقييم المساعدة وبرامج التدريب الأمريكية الحاليّة لبناء هذه القدرة في مثل هذه البلدان.
مملكة المخدرات
في سياق ذي صلة، بعث نواب أمريكيون في لجنة العلاقات الخارجية بمجلس الشيوخ الأمريكي رسالة إلى وزير الخارجية أنتوني بلينكن، للتعبير عن قلقهم من تقرير صادر عن الوزارة فشل في معالجة دور نظام الأسد في تهريب مخدر “الكبتاغون”، وكان ذلك في يوليو/تموز من هذا العام.
وطالبت الرسالة، التي أرسلها رئيس لجنة العلاقات الخارجية بمجلس الشيوخ، السيناتور مايكل ماكول، والسيناتور الأمريكي جيم ريش، بتقديم تفاصيل عن القيمة الصافية المقدّرة ومصادر الدخل المعروفة لرئيس النظام بشار الأسد وأفراد أسرته، وبشكل خاص تحديد الدخل المقدّر الذي توفره تجارة “الكبتاغون” للنظام السوري، وتفاصيل دوره فيها.
وقال النائبان في الرسالة: “شعرنا بخيبة أمل لأن التقرير الأخير لوزارة الخارجية بشأن صافي الثروة المقدرة ومصادر الدخل لرئيس النظام بشار الأسد، فشل في تفسير دور كبير لنظام الأسد في تهريب الكبتاغون في الشرق الأوسط”، وأشار المشرعان إلى أن القيمة المحتملة لتهريب “الكبتاغون”، في العام 2021، اقتربت من 6 مليارات دولار، مضيفين أن ذلك “مصدر مهم محتمل للدخل غير المشروع لنظام الأسد، بالإضافة إلى تأجيج جرائم النظام المستمرة ضد الشعب السوري، وتهديد الاستقرار الإقليمي”.
يشار إلى أن الكونغرس استبعد نسخة القانون النهائية من مشروع قانون تتبع ثروة بشار الأسد، وكانت النسخة النهائية تضم بندًا يتعلق بمتابعة تجارة وإنتاج المخدرات في سوريا، اقترحه النائب عن الحزب الجمهوري فرينش هيل، بعدها أعرب هيل عن “خيبة أمله من عدم اعتماد التعديل الذي تقدم به”، وصوت عليه في البداية لتضمينه في القانون، قبل أنّ يستبعد من صيغة الموازنة الدفاعية النهائية.
يذكر أن عدّة صحف عالمية ذكرت أن سوريا بقيادة الأسد أصبحت دولة مخدرات، فهذه صحيفة لوموند الفرنسية ذكرت في تقرير لها عن تاريخ استحواذ النظام السوري على تصنيع وتجارة المخدرات منذ تدخّل حافظ الأسد في الحرب الأهلية اللبنانية 1976، وركّز التقرير على اهتمام نظام بشار الأسد بتصنيع وتجارة حبوب الكبتاغون بشكل خاص عن بين بقية أنواع المخدرات، مشيرًا إلى أن “بشار الأسد طوّر الإنتاج الصناعي لمادة “الكبتاغون” في سوريا، بهدف الالتفاف على العقوبات الدولية وترسيخ شبكات الولاء له”.
أما صحيفة “دير شبيغل” الألمانية، فقد ذكرت أن المحققين “وصلوا إلى قناعة مفادها أن جميع صفقات المخدرات في سوريا تتم بحماية نظام الأسد”، مشيرة إلى أن المحققين عثروا على أدلة تشير إلى حصول الفرقة الرابعة التي يرأسها ماهر الأسد شقيق بشار على أموال من خلال شحنات المخدرات.
بدورها قالت مجلة إيكونوميست البريطانية: “سوريا تحولت إلى دولة مخدرات تشكل أقراص الكبتاغون صادرها الرئيسي، حيث أصبح الكبتاغون نعمة لرئيس النظام بشار الأسد”، وأضافت الصحيفة أن سوريا أصبحت أكبر مروّج في العالم لاستخدام الكبتاغون، وأضاف التقرير أنه مع انهيار الاقتصاد الرسمي تحت وطأة الحرب التي يشنها النظام على الشعب السوري والعقوبات والحكم القمعي لعائلة الأسد، أصبحت المخدرات الصادر الرئيسي لسوريا ومصدر العملة الصعبة فيها.
كما أوردت صحيفة “نيويورك تايمز” تقريرًا سلّطت فيه الضوء على أنشطة تصنيع وتجارة المخدرات في مناطق سيطرة النظام في سوريا، وكشفت فيه عن تورّط مقربين من رئيس النظام بشار الأسد في عمليات صناعة حبوب الكبتاغون المخدرة والاتّجار بها، وأوضحت الصحيفة أن صناعة المخدرات “التي يديرها شركاء أقوياء وأقارب الرئيس بشار الأسد، نمت على أنقاض الحرب التي دمرت سوريا على مدار 10 سنوات”.
ليس الأول
في إطار متصل، وبين أروقة صنع القرار الأمريكي، صدرت عدّة قرارات ضد النظام السوري وذلك بعد مرورها على مجلس النواب والشيوخ أهمها قانون قيصر الذي وقعه الرئيس الأمريكي السابق دونالد ترامب أواخر 2019، وساهم قانون قيصر بضرب خناق قاس على نظام الأسد، كما فرض هذا المشروع عقوبات على المصانع السورية المتعلقة بالبنى التحتية والصيانة العسكرية وقطاع الطاقة، ويلوح بفرض عقوبات على روسيا وإيران لدعمها الأسد، وأتى هذه القرار ثمرة لجهود بعض المنظمات السورية العاملة في أمريكا أهمها مجموعة العمل للطوارئ في سوريا وهي منظمة غير حكومية سورية أمريكية.
وفرض القانون عقوبات على كل من يدعم النظام السوري، ويشمل أي جهة تقدم أي شكل من أشكال الدعم المادي والتقني أو توقع صفقات مع نظام الأسد، كما يخول هذا البند معاقبة الأشخاص المتعاقدين عسكريًا مع النظام والمليشيات المساندة له، كما فرض عقوبات على أي شخص يقدم بضائع أو خدمات تسهل على النظام استمرار سيطرته أو توسعها على إنتاج سوريا الداخلي من الغاز الطبيعي أو المشتقات النفطية، بالإضافة إلى أي من يقدّم البضائع والخدمات للطيران السوري، التي تشمل قطع غيار أو طائرات خصوصًا العسكرية منها.
لا يمكن كبح خطر بشار الأسد ومملكة مخدراته التي باتت تغرق العالم، دون اتخاذ إجراءات صارمة على مستوى الدول، أما العبارات والبيانات الشاجبة لن تؤثر على مصدر رزق هذا النظام الذي بات مرتاحًا للأمر خاصة أن أحدًا لم يقف بوجهه ويردعه.