أعادت حادثة مقتل المواطنة الإيرانية الكردية، مهسا أميني، على يد شرطة الأخلاق الإيرانية الأسبوع الماضي، الحديث مرة أخرى عن قضية الحجاب في إيران، وهي قضية عادةً ما تُثار مع كل حدث يشهده الداخل الإيراني مؤخرًا، الذي بدأ يستشعر حاجاته الاجتماعية مع دخول الثورة في إيران عقدها الثالث.
ممّا لا شك فيه أن قضية الحجاب هي إحدى أبرز القضايا التي حرص المرشد الأعلى للثورة الإسلامية الخميني على معالجتها بحساسية كبيرة، بل كان حريصًا على عدم إثارة هذه القضية في الفضاء العام، لما لذلك من تداعيات خطيرة على الجمهورية الوليدة.
إذ حرص الخميني على معالجة موضوعة الحجاب في إطار التشريعات والقوانين، واعتماد النهج المتدرِّج في فرض الحجاب الإجباري، وحرصَ على إدخال العديد من المواد القانونية في قانون العقوبات الإسلامي، والتي عالجت هذه القضية، تحديدًا المادة 638 التي نصّت على فرض غرامة مالية قيمتها 20 دولارًا، إلى جانب عقوبة تصل إلى حد 74 جلدة، ورغم بقاء قضية الحجاب كقضية ثانوية في الداخل الإيراني، بسبب ظروف ما بعد الثورة، إلا أنها أصبحت قضية مؤرقة للنظام في مرحلة ما بعد الخميني.
فالتداخُل الكبير بين السياسي والاجتماعي، وحرص المرشد الأعلى الإيراني علي خامنئي على التقليل من شأن هذه القضية، جعل المرأة الإيرانية أحد أبرز معارضي هذا النظام، بل إن إصرارها المستمر على إعادة تشكيل دور النظام في موضوع الحجاب، وتحديدًا منذ عام 2017، وما شهده ميدان طهران من حادثة، مثّلَ آنذاك تحديًا كبيرًا لسلطة خامنئي، عندما اعتلت ويدا موحدي منصة في شارع “انقلاب/ الثورة”، وخلعت حجابها وعلّقته على عصا بيدها.
والأكثر من ذلك، بدأت شعارات رفض الحجاب تمتزج مع شعارات “الموت للديكتاتور” التي رفعها العديد من المواطنين الإيرانيين الذين تظاهروا في شوارع وجامعات في طهران وتبريز وكرمان وأصفهان، احتجاجًا على طريقة تعامل السلطات الإيرانية مع أميني.
ومن ثم هذا ما أشار بدوره إلى حجم التفاوت الكبير بين ما يريده النظام وما يريده الشارع، وبالشكل الذي قد يُعيد رسم العلاقة بين الطرفَين خلال الفترة المقبلة، حيث من المتوقع أن يتجاوز النظام هذه الحادثة، لما يمتلكه من خبرة كبيرة في التعامل مع الظاهرة الاحتجاجية الملازمة للشارع الإيراني، إلا أنه من جهة أخرى سيخسر المزيد من شرعيته التي بدأت بالتآكُل يومًا بعد آخر.
أين يقف النظام؟
في مقابلة الرئيس الإيراني إبراهيم رئيسي الأخيرة مع قناة “سي بي إس” الأمريكية في برنامج “60 دقيقة”، على هامش مشاركته في اجتماعات الجمعية العامة للأمم المتحدة، قالت مقدمة البرنامج ليزلي ستال: “قيل لي كيف أرتدي ملابسي، وألا أجلس قبله، وألا أقاطعه”، وأضافت: “إن هذا التمييز الذي تعامَل به رئيسي معي، يعطي تصورًا واضحًا عن واقع المرأة في إيران”، وهي انطباعات أكّدها رئيسي في كلمته أمام الجمعية العامة، عندما طالب المجتمع الدولي بمعالجة واقع المرأة في بلدان أخرى، قبل الحديث عن واقع المرأة في إيران.
من وجهة نظر القائمين على النظام، فإن الحجاب الإجباري هو أحد الأعمدة الأيديولوجية الثلاثة للثيوقراطية الإيرانية، إلى جانب خطابات “الموت لأمريكا” و”الموت لإسرائيل”، إذ لم تكن حالة أميني فريدة، بل هناك ما يقرب من 1000 امرأة إيرانية تقضي أحكامًا متفاوتة بالسجن بسبب رفضهنّ ارتداء الحجاب.
فقضية الحجاب ليست سوى مثال واحد على التمييز الهيكلي بين الجنسَين في إيران، وهي حالة ظهرت للعيان العام الماضي، عندما عادة حركة طالبان للحكم في أفغانستان، حيث إن أول ما فعله الإسلاميون هناك بعد توليهم السلطة، هو إخضاع المرأة باسم الدين.
إذا كان سيناريو الثورة على الشاه بعيدًا بالوقت الحاضر، فإن إصرار النظام على الحل الأمني سيجعله سيناريوًا مطروحًا في المرحلة المقبلة.
وفي هذا السياق، يعكس الحجاب الإجباري أيضًا أيديولوجية مشوَّهة، مفادها أن الرجال متوحشون لا يمكن السيطرة عليهم في وجود النساء غير المحجبات، على حد تعبير خامنئي عندما قال: “إذا أردنا منع مجتمعنا من الانغماس في الفساد والاضطراب، يجب أن نبقي النساء محجبات”.
تعبير خامنئي جاء ردًّا على سؤال وُجِّه إليه حول الحجاب الإجباري، حيث أضاف أن “الإسلام أغلق الباب في طريق من شأنه أن يجذب النساء نحو هذا الانحراف”، وهو تعبير يعكس الأيديولوجيا ذاتها التي تلوم ضحايا الاعتداء الجنسي من الإناث لارتدائهنّ ملابس غير محتشمة.
في كتابه “حول الاستبداد”، يشير المؤرخ تيموثي سنايدر إلى أهمية مقاومة رموز التعصب، قائلًا: “قد تعرض عليك يومًا ما فرصة لعرض رموز الولاء، تأكّد من أن هذه الرموز تشمل مواطنيك بدلًا من استبعادهم”، وفي إيران فإن الحجاب الإجباري ليس ثقافة اجتماعية، بل هو الرمز الأبرز لنظام الفصل العنصري بين الجنسَين، ويتمّ فرضه بوحشية.
حيث يشهد التاريخ الإيراني على العديد من الإيرانيات اللاتي قاومن هذه الأيديولوجيا لعقود، وهذه المقاومة هي من جعلت شعارات الحركة الاحتجاجية الحالية تتمثل بثلاثية “المرأة، الحياة، الحرية”، وهي نقيض لأيديولوجيا النظام التي ترفع ثلاثية “إخضاع النساء، الاستشهاد، التشدُّد”.
إن إصرار النظام الإيراني على عدم التفاعل مع هذه القضية، سيجعل الأحقاد الاجتماعية تتراكم يومًا بعد آخر، وإذا كان سيناريو الثورة على الشاه بعيدًا بالوقت الحاضر، فإن إصرار النظام على الحل الأمني سيجعله سيناريوًا مطروحًا في المرحلة المقبلة.
فحتى خامنئي الذي التقى مع القادة والجنود الإيرانيين القدماء المشاركين في الحرب العراقية الإيرانية في ثمانينيات القرن الماضي، صباح يوم الأربعاء، تجنّب الحديث عن الحركة الاحتجاجية التي تجتاح الشارع، وهو ما يدلِّل على عدم وجود نيّة حقيقية لدى النظام الإيراني في معالجة المظالم الاجتماعية، وحصر الحركة الاحتجاجية في دائرة المؤامرة الكونية التي تحيط بالثورة الإيرانية وقِيَمها.