تتجه الأنظار، بعد غد الأحد، إلى إيطاليا التي تُجرى فيها انتخابات تشريعية يأمل اليمين المتطرف أن يحصد الأغلبية فيها، خاصة بعد فشل حكومة الوحدة الوطنية التي كان يرأسها ماريو دراغي في تحقيق الجزء الأكبر من مطالب وتطلعات الإيطاليين، ما أدّى إلى انهيارها نهاية شهر يوليو/ تموز الماضي.
حظوظ اليمين المتطرف في الفوز
يمتلك اليمين المتطرف، ممثَّلًا في أحزاب “إخوان إيطاليا” و”عصبة الشمال” و”حزب إيطاليا إلى الأمام”، حظوظًا كبيرة للفوز بأغلبية مقاعد البرلمان الإيطالي، وتقدَّر استطلاعات الرأي أن الجمهور الانتخابي لليمين المتطرف يتجاوز 40% من مجموع الناخبين الإيطاليين.
تشير دراسة أجراها مركز أبحاث Cattaneo Institute، بناءً على استطلاعات الرأي التي أُجريت حتى 31 أغسطس/ آب الماضي، إلى حصول اليمين المتطرف على أغلبية مطلقة في كلا المجلسَين، وتتوقع الدراسة حصول الكتلة اليمينية المتطرفة على ما لا يقلّ عن 258 مشرِّعًا من أصل 400 في مجلس النواب، و131 من أصل 200 في مجلس الشيوخ.
وتفيد آخر استطلاعات الرأي إمكانية أن يهيمن “إخوان إيطاليا” اليميني المتطرف على أغلبية المقاعد، ويكون بذلك أكبر حزب منفرد في انتخابات 25 سبتمبر/ أيلول الحالي، حيث يتوقع أن يفوز بـ 25.1% من مقاعد البرلمان، وتقود جيورجيا ميلوني هذا الحزب.
يخشى الأوروبيون أن فوز موليني برئاسة الحكومة سيعيد إحياء الفكر الفاشي في إيطاليا والنازي في ألمانيا، تزامنًا مع الذكرى الـ 100 لوصول موسوليني إلى الحكم.
المفاجأة في هذه الانتخابات ستكون دون شكّ في حزب “إخوان إيطاليا”، الذي نما خلال الأشهر القليلة الماضية بوتيرة سريعة، خاصة بعد رفضه الانضمام إلى الائتلاف الحكومي الواسع بقيادة ماريو دراجي في فبراير/ شباط الماضي.
استغلَّ “إخوان إيطاليا” انضمام حزب “عصبة الشمال” بقيادة ماتيو سالفيني إلى الائتلاف الحكومي السابق، واستحوذ على عدد مهم من أنصاره المتطرفين الذين وجدوا ضالتهم في الخطاب القومي الذي يتبنّاه “إخوان إيطاليا”.
ويُعتبر الحزب الذي تقوده ميلوني، ويعود تأسيسه إلى شهر ديسمبر/كانون الأول 2012، الوريث الرئيسي للحركة الإيطالية الفاشية الجديدة التي كان لها الحركة الاجتماعية الإيطالية (1946-1995) والتحالف الوطني (1995-2009) كممثلَين سياسيَّين رئيسيَّين.
بالنسبة إلى ثاني الأحزاب اليمينية المتطرفة، فهو عصبة الشمال الذي يُعتبَر هو الآخر حزبًا فاشيًّا، رغم محاولات زعيمه ماتيو سالفيني التخلي عن بعض الأفكار المتشددة كالانفصال عن إيطاليا، وتأسّسَ هذا الحزب، الذي كان اسمه الأصلي “عصبة استقلال بادانيا”، عام 1991 كاتحاد لمجموعة من الأحزاب الإقليمية في شمال إيطاليا ووسطها.
المرشحة من الحزب اليمني المتطرف الايطالي لرئاسة وزراء ايطاليا جيورجيا ميلوني تمرغ وجه فرنسا ورئيسها في التراب! pic.twitter.com/sVb7fQHfNT
— Moroccan_elsewhere (@santosbekko) September 14, 2022
أما ثالث الأحزاب المتطرفة فهو حزب “إيطاليا إلى الأمام” الذي يقوده رئيس الوزراء الأسبق سيلفيو برلسكوني، وسبق أن حكم هذا الأخير إيطاليا 3 مرات منذ بداية الألفية الثالثة ولأول مرة في أواسط تسعينيات القرن الماضي
تأسس هذا الحزب عام 2012، مستعيدًا الاسم الأول للحزب الذي أسّسه سيلفيو برلسكوني عند نزوله المعترك السياسي عام 1994، وبعد التفكُّك الذي أصابه عام 2011 عندما اضطر مؤسِّسه الاستقالة من رئاسة الحكومة.
هل تكون ميلوني أول رئيسة حكومة في إيطاليا؟
إذا ما صحّت استطلاعات الرأي هذه، سنكون أمام أول امرأة تترأّس الحكومة الإيطالية، وهي الفاشية جيورجيا ميلوني، والتي أكّدت في ختام الحملة الانتخابية في روما أن “حكومتها ستكون قوية ومتماسكة مع تفويض شعبي وفي السلطة لمدة 5 سنوات”، وفي ذلك إشارة إلى الحكومة السابقة التي لم تستطع الصمود في وجه المشاكل.
وسبق أن صرّحت ميلوني، التي تقتدي كثيرًا بزعيمة اليمين المتطرف في فرنسا مارين لوبان، بأنها تستعدّ لقيادة البلاد، معلنة بذلك خطوة جريئة لتحويل حزبها الصغير إلى قوة رائدة في السياسة الإيطالية، معتمدة في ذلك على شعبيتها المتصاعدة، وتتخذ شعار “الله والوطن والأسرة”.
تتمتع ابنة الخامسة والأربعين سنة بكاريزما خاصة، كما أنها تعرف ما ترغب قاعدة ناخبيها، وهو ما زاد من شعبيتها، حتى أنها استطاعت اختراق أنصار عدة أحزاب أخرى خاصة اليمينية المتطرفة، ودائمًا ما تؤكد أنها ستضع مصالح الأوروبيين في الصدارة.
تصرُّ ميلوني على أن الفاشية هي أيديولوجيا من الماضي ولم تَعُد صالحة في هذا العصر، إلا أنها ما زالت تصرُّ على إبقاء شعار الحزب مماثلًأ لشعار أحزاب اليمين المتطرف في فترة ما بعد الحرب: اللهب ثلاثي الألوان، الذي يُنظَر إليه غالبًا على أنه النار المشتعلة في قبر موسوليني.
عدم تغيير شعار الحزب يؤكّد أن جيورجيا ميلوني ما زالت تحنُّ إلى الماضي الفاشي الذي تربّت عليه، فهي لا تستطيع الهروب من هويتها التي تمثل شبابها، وتؤكد تقارير عديدة أن مرحلة شباب جورجيا متجذّرة في اليمين المتطرف.
I sondaggi favorevoli fanno piacere ma per vincere bisogna prima portare a termine le battaglie. Il 25 settembre #VAIaVOTARE e #VotaFDI. Più ampio sarà il nostro consenso, meno possibilità avranno i nostri avversari di fare inciuci aggirando ancora una volta la volontà popolare. pic.twitter.com/SLPdEnqug4
— Giorgia Meloni ?? ن (@GiorgiaMeloni) September 23, 2022
انضمّت ميلوني، وهي لم تتجاوز الـ 15 سنة، إلى جبهة الشباب، وهي جناح اليافعين في الحركة الاجتماعية الإيطالية (MSI) الفاشية الجديدة، وأصبحت فيما بعد رئيسة الفرع الطلابي لخليفة الحركة، التحالف الوطني.
أصبحت جورجيا ميلوني، سنة 2006، أصغر نائب لرئيس مجلس النواب الإيطالي، وبعدها بسنتَين أصبحت أصغر وزيرة في إيطاليا على الإطلاق، إذ تمَّ تعيينها وزيرة لحقيبة الشباب والرياضة من قبل سيلفيو برلسكوني، وهي في عمر الـ 31 سنة فقط، ودعّمت في تلك الفترة خبرتها السياسية وزادت شعبيتها.
بعد ذلك بـ 4 سنوات، أي سنة 2012، شكّلت حزبها الشخصي، وهو “إخوان إيطاليا”، وشاركت في انتخابات سنة 2018 إلا أنها لم تَفُز إلا بـ 4% من أصوات الناخبين، عكس ما كانت تطمح، إلا أنها اليوم أصبح نظرها منصبًّا نحو رئاسة وزراء البلاد.
الأوروبيون قلقون
صحيح أن قادة اليمين المتطرف أكّدوا في أكثر من مرة نيتهم عدم الانفصال عن الاتحاد الأوروبي، وعدم اتخاذ إجراءات تصعيدية تجاه التكتل القارّي، والتركيز على مشاكل إيطاليا التي تمرُّ بأزمة اقتصادية واجتماعية، إلا أن ذلك لم يطمئن قادة أوروبا.
يخشى قادة أوروبا أن تصل ميلوني إلى السلطة وصديقها النائب في البرلمان الأوروبي سيلفيو برلسكوني، الذي يعدّ صديقًا بارزًا للرئيس الروسي فلاديمير بوتين، وستكون حكومة بقيادة اليمين المتطرف أقل حماسة بكثير لدعم الجهود الأوروبية لمواجهة المدّ الروسي.
أشد ما يخيف الأوروبيين دعوة حزب “إخوان إيطاليا”، الذي يعتبر الأكثر حظًّا في الفوز بالانتخابات المقبلة، إلى مراجعة المعاهدات واعتماد “كونفدرالية دول ذات سيادة” بدل “اتحاد أوروبي”، ويشاطره في هذا عدة شخصيات إيطالية معتبَرة.
كما يخشى الأوروبيون أن فوز موليني برئاسة الحكومة سيعيد إحياء الفكر الفاشي في إيطاليا والنازي في ألمانيا، تزامنًا مع الذكرى الـ 100 لوصول موسوليني إلى الحكم، وتأسيسه أول ديكتاتورية شمولية في أوروبا الغربية.
توجُّه القادة نحو الاعتدال لا يعكس ما يحمله أنصارهم من أفكار، إذ يدافع أنصار اليمين المتطرف في إيطاليا عن “العرق الأبيض” ضد المهاجرين والأفارقة والمسلمين.
يُذكر أن الحركة الفاشية في إيطاليا تأسست سنة 1922 بعد مسيرة لأعضائها إلى روما، ووصول بينيتو موسوليني منتصرًا إلى عاصمة البلاد في ذلك الوقت ميلانو، لكن بعد ذلك بـ 23 سنة علّقت حشود جثة زعيم الفاشية المشوَّهة من الساقَين في محطة وقود في ميلانو، بعد أن جرى إطلاق النار عليه في بحيرة كومو وهو يحاول الفرار مع عشيقته.
من شأن وصول اليمين المتطرف إلى السلطة في إيطاليا أن يمنح نَفَسًا جديدًا لليمين المتطرف في أوروبا، بعد أن شهد تراجعًا إبّان خسارة لوبان الانتخابات الرئاسية الفرنسية، أمام منافسها الرئيس الحالي إيمانويل ماكرون.
في هذه الحالة، بدل مواجهة روسيا والتركيز على دعم أوكرانيا، سيتجه قادة الاتحاد الأوروبي نحو الداخل لتقوية الجبهات الداخلية وعدم السماح لليمين المتطرف بالتمدد ثانية، ففي ذلك خطر عليها وعلى وحدة الاتحاد القارّي الذي يحارب الانقسام.
ماذا عن المهاجرين والمسلمين؟
يحاول قادة اليمين المتطرف الظهور في ثوب المعتدلين فيما يتعلق بقضيتَي المهاجرين والمسلمين، والتركيز أكثر على ملفات التخفيضات الضريبية، وخلق فرص العمل، وإعادة تشغيل المصانع القديمة وتوظيف المزيد من عناصر الشرطة، والدفع باقتصاد إيطاليا نحو الأفضل.
تحالف يمين-يمين متطرف يفوز اليوم بالسويد، ايطاليا ربما تشهد نجاح تحالف مشابه، ماكرون بفرنسا يتجه يمينا لتمرير سياسات تقشفية ورفع سن التقاعد واليمين الانجليزي ينتخب “تاتشر جديدة” ….سياسات يمينية وعداء للاجانب، الفاشية الجديدة تتصاعد باوروبا بالتزامن مع الازمة الاقتصادية.
— saker صقر (@sakerElnour) September 15, 2022
توجُّه القادة نحو الاعتدال لا يعكس ما يحمله أنصارهم من أفكار، إذ يدافع أنصار اليمين المتطرف في إيطاليا عن “العرق الأبيض” ضد المهاجرين والأفارقة والمسلمين، ودائمًا ما يدعون إلى هدم المساجد المبنيّة في بلادهم.
يسعى أنصار اليمين المتطرف إلى الحدّ من الهجرة، خاصة غير النظامية، وإعادة آلاف المهاجرين إلى بلدان الجنوب، ذلك أنهم يرون أن المهاجرين سبب مشاكل بلادهم، وأن في خروجهم حلًّا عاجلًا لهذه المشاكل الاقتصادية والاجتماعية.
لكن بعيدًا عن الاتحاد الأوروبي ومستقبل المهاجرين، ستثبت نتائج الانتخابات القادمة أن الفاشية لم تختفِ من إيطاليا، رغم محاولات قادتها الجدد الظهور في ثوب المعتدلين، فما يقومون به لا يعدو أن يكون سوى تزيُّن وتلوُّن، ذلك أن فكر بينيتو موسوليني ما زال راسخًا عند الآلاف من الإيطاليين.