ترجمة وتحرير: نون بوست
على هامش مشاركته في اجتماعات الدورة 77 للجمعية العامة للأمم المتحدة، دعا الرئيس التركي رجب طيب أردوغان المجتمع الدولي إلى الاعتراف رسميًا بجمهورية شمال قبرص التركية في أقرب وقت ممكن. وحتى الآن، تعد تركيا الدولة الوحيدة التي اعترفت بجمهورية شمال قبرص مع ورود شائعات في الآونة الأخيرة بشأن إمكانية سير روسيا على خطاها والاعتراف بجمهورية شمال قبرص التركية.
ما هي فرص شمال قبرص في الحصول على الاعتراف الدولي؟
يقر أردوغان بأن الاعتراف الدولي هو الطريق الوحيدة لحل النزاع القبرصي المجمد منذ سنة 1974، نافيًا إمكانية النظر في سبل أخرى.
في سنة 2020 وعقب تسوية النزاع في كاراباخ، أدى أردوغان زيارة إلى شمال قبرص حيث أجرى محادثات مع قيادة الجمهورية غير المعترف بها من قبل المجتمع الدولي. أما الآن، يسير أصدقاء تركيا المخلصون على خطاها ويظهر ذلك في عقد اجتماعات مع قيادة جمهورية شمال قبرص التركية والتفكير في إقامة علاقات دبلوماسية معها.
يعود تاريخ المواجهة بين أوروبا وتركيا في جزيرة قبرص إلى سبعينيات القرن الماضي بعد ما يقارب نصف قرن من الاستعمار الإنجليزي، الذي تعتبر قبرص سنة 1960 تاريخ انتهائه. وبموجب الاتفاقيات الموقعة، مُنحت المملكة المتحدة واليونان وتركيا صفة الضامن لـ “استقلال وسلامة أراضي وأمن” الجزيرة.
رغم عدم تجاوز القبارصة الأتراك 18 بالمئة من إجمالي سكان الجزيرة في البداية، لم يشكّل ذلك عائقًا أمام تقلدهم مناصب هامة في الحكومة والمشاركة بنشاط في الحياة السياسية. ومع مرور الوقت، أثار هذا الوضع استياء القبارصة اليونانيين ما دفعهم لإجراء بعض التعديلات على الدستور من بينها اقتراح الانضمام إلى اليونان، وهي فكرة اكتسبت شعبية كبيرة.
في الخامس عشر من تموز/ يوليو سنة 1974، نُظّمت محاولة انقلاب في قبرص دعمها المجلس العسكري اليوناني أو ما يُعرف بنظام “العقيد الأسود”، أطيح خلالها بالرئيس القبرصي مكاريوس الثالث. عقب ذلك، تولّت تركيا مهمّة حماية أنصارها. ونتيجة انتشار القوات التركية في الجزيرة سنة 1974، قُسّمت قبرص إلى جزئين، شمال موالي لتركيا وجنوب تابع لليونان. ومنذ ذلك الحين، يعيش القبارصة الأتراك في دولة نصّبت نفسها بنفسها معترف بها فقط من طرف تركيا.
أُجبِرت الجالية اليونانية على مغادرة منتجع فاروشا القبرصي الواقع في مدينة فاماغوستا التي كانت تعتبر معلما سياحيًا شهيرًا قبل انتشار القوات التركية.
فشلت جميع المحاولات التي بذلها المجتمع الدولي لحلّ القضية القبرصية، التي يعود تاريخها إلى ما يقارب نصف قرن. وفقًا للقرار عدد 550 الصادر عن مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة لسنة 1984، يُمنع القيام بأي محاولة لتعمير أجزاء من فاروشا بأشخاص لم يسبق لهم العيش فيها.
نظمت الأمم المتحدة السنة الماضية محادثات بين الأطراف المتنازعة. لكن وفقا للأمين العام للأم المتحدة أنطونيو غوتيريش لم يتم التوصل إلى اتفاق. واستنادًا إلى خطابات أردوغان من غير المرجح الوصول إلى اتفاق كون أنقرة تستبعد جميع العروض المطروحة متمسكة بالاعتراف بشمال نيقوسيا. ولا يفوّت الرئيس التركي فرصةً للتأكيد على ضرورة الاعتراف بجمهورية شمال قبرص التركية بحجة أن “الأمة المنفصلة” التي تعيش هناك في حاجة إلى دولتها الخاصة.
يواصل الرئيس التركي الضغط على المجتمع الدولي من أجل الاعتراف بشمال قبرص وقد تمكن من حشد بعض المؤيدين على غرار الرئيس الأذربيجاني إلهام علييف
حيال هذا الشأن، يقول أردوغان: “نعلق آمالا كبيرة على تسوية مسألة قبرص بطريقة عادلة ونهائيا. نحن في تعاون مستمر مع جمهورية شمال قبرص التركية لبلوغ هذا الهدف. هناك دولتان مختلفتان في هذه الجزيرة وعلى الجميع تقبّل هذه الحقيقة. هذه الطريقة الوحيدة القادرة على حل المشاكل القائمة في قبرص. يتمتع القبارصة الأتراك بحقوق سيادية متساوية وبناء عليه، ينبغي قبول وضعهم الدولي”.
ناشد أردوغان المجتمع الدولي لوقف فرض العقوبات ضد القبارصة الأتراك ورفع جميع أشكال الحظر بشكل نهائي. من جهتها، تُقيّم أوروبا تصريحات الرئيس التركي بحذر. وإلى جانب الولايات المتحدة، تعتبر أوروبا الاتصالات التي تجمع بين أردوغان وقيادة جمهورية شمال قبرص التركية غير قانونية وغير مقبولة، لكن تركيا لم تعر ذلك أي اهتمام.
يواصل الرئيس التركي الضغط على المجتمع الدولي من أجل الاعتراف بشمال قبرص وقد تمكن من حشد بعض المؤيدين على غرار الرئيس الأذربيجاني إلهام علييف الذي اجتمع مع رئيس جمهورية شمال قبرص التركية إرسين تاتار الشهر الماضي على هامش ألعاب التضامن الإسلامي التي نظمت في مدينة قونيا.
مؤخرا، أجرى وزير خارجية جمهورية شمال قبرص التركية تحسين أرطغرل أوغلو محادثات مع نظيره الباكستاني بيلاوالا بوتو زرداري في نيويورك. وقد تُمنح قبرص الشمالية صفة المراقب في مؤتمر القمة السنوي لمجلس التعاون للدول الناطقة بالتركية المقرر عقده في تشرين الثاني/ نوفمبر من هذه السنة في سمرقند.
تندرج روسيا في قائمة الدول التي من المحتمل أن تعترف باستقلال جمهورية شمال قبرص التركية، وقد زاد هذا الاحتمال بعد أن كشفت قناة “سي إن إن تورك” التلفزيونية قبل بضعة أيام نقلا عن مصادرها عن إمكانية انطلاق الرحلات الجوية المباشرة من روسيا إلى شمال قبرص في تشرين الثاني/ نوفمبر، وهي معلومة أكدها أردوغان بعد تطرقه إلى هذه المسألة مع الرئيس الروسي فلاديمير بوتين في أحد اجتماعاتهما.
وفي وقت لاحق، قال الرئيس القبرصي التركي إن إحدى شركات الطيران الروسية الخاصة تقدمت بالفعل بطلب لتنظيم رحلات نحو شمال قبرص. ورغم نفي السفارة الروسية في نيقوسيا هذه الشائعات غير أن الأخبار أثارت ضجة إعلامية، مما يعني الاعتراف الفعلي بجمهورية شمال قبرص التركية من قبل الجانب الروسي.
يرى المستشرق أليكسي أوبرازتسوف أن قلة فقط من الناس يبدون اهتماما بموقف الغرب بشأن بهذه المسألة، مشيرًا إلى أن أنقرة تستند في ضغطها على أحد المبادئ الأساسية للقانون الدولي وهي إرادة الشعب وحق الدول في تقرير مصيرها
عُقد هذا النوع من المحادثات بين الجانب الروسي والتركي على خلفية التقارب الكبير الملحوظ بين موسكو وأنقرة بعد انطلاق تنفيذ العملية العسكرية الروسية في أوكرانيا. وعلى الرغم من المواجهة بين الناتو الذي تعتبر تركيا أحد أعضائه، وبين موسكو رفضت تركيا الوقوف إلى جانب الولايات المتحدة وفرض عقوبات ضد روسيا بينما رحّبت بتعزيز التعاون التجاري الثنائي متجاهلةً تهديدات الدول الغربية من بينها الولايات المتحدة بأن تشملها العقوبات.
وتجدر الإشارة إلى أن جميع الركاب الذين وصلوا إلى أراضي جمهورية شمال قبرص التركية عبر الجزء الشمالي من نقطة التفتيش في نيقوسيا معرضون لخطر إدراجهم في قوائم عقوبات الاتحاد الأوروبي.
يرى المستشرق أليكسي أوبرازتسوف أن قلة فقط من الناس يبدون اهتماما بموقف الغرب بشأن بهذه المسألة، مشيرًا إلى أن أنقرة تستند في ضغطها على أحد المبادئ الأساسية للقانون الدولي وهي إرادة الشعب وحق الدول في تقرير مصيرها.
ويضيف أوبرازتسوف أنه “من المستحيل توحيد قبرص لأن ذلك يتعارض مع رغبات 40 بالمئة من السكان الذين لا يريدون العيش مع اليونانيين بعد الآن. رد فعل تركيا الهادف لحماية “إخوانها” مقبول. وبالنظر إلى فشل الجانبين في الوصول إلى حل وسط، قُسّمت الجزيرة. وعليه، لا يمكن الوقوف ضد إرادة الناس. لهذا السبب، ساعدت تركيا إخوانها”.
مع ذلك، لا يستبعد الخبير إمكانية اعتراف موسكو بشمال قبرص، شريطة اتخاذ خطوة مماثلة من الجانب التركي، أي اعتراف تركيا بشبه جزيرة القرم كجزء من روسيا، لكن أنقرة لا تبدي استعدادا للقيام بذلك حاليًا. وتابع أوبرازتسوف أن المسألة حسابية بحتة، من الممكن افتراضيًا اعتراف تركيا بشبه جزيرة القرم مقابل اعتراف روسيا بجمهورية شمال قبرص. بهذه الطريقة، ستخلق الدولتان سابقة في السياسة العالمية نجهل طريقة تفاعل الاتحاد الأوروبي معها.
وحسب أوبرازتسوف، يبقى التعاون مع الغرب بالنسبة لتركيا من بين الأولويات لكن ذلك لا يمنعها من الوفاء بالتزاماتها مشيرًا إلى أن الجيش التركي، ثاني أكبر جيش في الناتو والأكثر تجهيزًا، يعد “القبضة الحديدية” الوحيدة في الجنوب ولا توجد قوة عسكرية أخرى مماثلة له في المنطقة. وعليه، فإن تساوي درجة اعتماد الناتو على تركيا واعتماد تركيا عليه، تعطي أردوغان حرية التصرف.
مع الخلافات القائمة بين أردوغان والغرب، من المستبعد تقديم أنقرة تنازلات بشأن القضية القبرصية لا سيما في ظل كشف البيانات الأولية عن وجود احتياطيات ضخمة من الغاز والنفط في شرق البحر المتوسط، التي تعد محور اهتمام جميع الأطراف المتناحرة وعلى رأسهم تركيا التي وعد رئيسها الناخبين بتغطية بلاده جميع احتياجاتها من الطاقة بشكل مستقل بحلول سنة 2023.
المصدر: نيوز ري