ترجمة وتحرير: نون بوست
عندما اندلعت الاحتجاجات ضد الرئيس السوري بشار الأسد في سنة 2011، لم يكن سامر الكردي، لاعب كرة القدم في نادي الكرامة الحمصي، يعلم أنه سيخسر مسيرته المهنية. غادر الكردي نادي الكرامة لينضم إلى التظاهرات التي ترفع الشعارات المطالبة بالكرامة، وانضم إليه حارس مرمى النادي عبد الباسط الساروت مع حشود المتظاهرين التي اجتاحت شوارع حمص.
تخلى العشرات من لاعبي كرة القدم عن ولعهم بعشب الملاعب وخرجوا إلى الشوارع للتعبير عن غضبهم من الممارسات القمعية العنيفة المسلطة ضد المتظاهرين من قبل قوات الأسد، لتنجرف البلاد إلى حرب أهلية طاحنة دمرت حياة سكان حمص وغيرها من محافظات سوريا.
تسببت الغارات التي شنتها السلطات السورية وحلفاءها في نزوح الملايين في شمال البلاد، بمن فيهم كردي وساروت الذي قُتل في سنة 2018. ولا يزال الكردي يتذكر كيف طال الدمار ملاعب كرة القدم التي أحبها، حيث استخدمت القوات الموالية للأسد الدبابات وقاذفات الصواريخ لاستهداف المناطق التي تسيطر عليها المعارضة.
لم يُسمح لسوريا باستضافة مباريات دولية في تلك الملاعب على مدار العقد الماضي بسبب الحرب. لكن هذا الواقع قد يتغير بعد أن أعلن الاتحاد الدولي لكرة القدم (الفيفا) مؤخرًا أنه سيجري “تقييمًا أمنيًا” جديدًا للوضع في سوريا مما أثار جدلا بين الناشطين والرياضيين السابقين.
الفيفا يرسل وفدا رغم العقوبات
في وقت سابق من الشهر الجاري، صرح الاتحاد الدولي لكرة القدم في بيان أنه يعتزم إرسال وفد مشترك مع الاتحاد الآسيوي لكرة القدم إلى العاصمة السورية دمشق لبحث إمكانية إقامة مباريات ودية دولية في البلاد.
تأتي هذه الخطوة عقب اجتماع قبل أسبوعين بين رئيس الفيفا جياني إنفانتينو ورئيس الاتحاد السوري لكرة القدم صلاح الدين رمضان في الدوحة، حيث ناقشا تطوير البنية التحتية لكرة القدم في الدولة التي مزقتها الحرب، وذلك على الرغم من استمرار تعرض الحكومة السورية ومسؤوليها لعقوبات غربية واسعة النطاق لتورطهم في انتهاكات حقوق الإنسان ضد المدنيين، بمن فيهم الرياضيون.
صرحت الشبكة السورية لحقوق الإنسان ومقرها فرنسا لموقع ميدل إيست آي بأنه: “من آذار/ مارس 2011 إلى أيلول/سبتمبر 2022، قُتل 199 رياضيًا مدنيًا، بينهم طفلان، على يد القوات الموالية للأسد”. وأضافت “تم اعتقال ما لا يقل عن 497 رياضيا في الفترة نفسها بينهم 11 طفلا وخمس سيدات. وهناك حوالي 207 رياضيين محتجزين ومختفين قسرًا”.
لم ترد الفيفا بشكل مباشر على تساؤلات ميدل إيست آي حول ما إذا كانت خطته تنتهك العقوبات الغربية، وما إذا كان سيحقق في مصير اللاعبين المفقودين. وقالت هذه الهيئة الرياضية إنها “ستبلّغ عن أي تحديثات أخرى في الوقت المناسب”
من جهته، أشار بيتر ستانو، المتحدث الرئيسي للشؤون الخارجية والسياسة الأمنية في المفوضية الأوروبية، إلى أن “عقوبات الاتحاد الأوروبي التي لا تزال سارية تستهدف نظام الأسد وأنصاره بهدف منعهم من تلقي المساعدات المالية والاعتراف السياسي. وتعتبر عقوبات الاتحاد الأوروبي ملزمةً لمواطني الاتحاد الأوروبي والشركات الأوروبية”.
وأضاف ستانو أن “تنظيم الفعاليات الرياضية غير محظور، طالما أن العائدات المالية لن تذهب إلى حكومة الأسد أو الأفراد الذين فُرضت عليهم عقوبات من قبل الاتحاد الأوروبي”. وتجدر الإشارة إلى أن وزارة الخزانة الأمريكية، التي فرضت أيضًا عقوبات على دمشق، لم ترد على طلب التعليق.
“مسألة مثيرة للجدل”
صرح صحفي رياضي في دمشق لموقع “ميدل إيست آي” بأن هذا الاقتراح سيكون له نتائج ملموسة وسيساعد في تبييض صورة سوريا والفيفا من خلال دعم بلد مزقته الحرب. وأضاف: “النوادي الرياضية السورية بحاجة إلى دعم مالي … لتحسين ملاعبها، لتكون قادرة على تحقيق اكتفائها الذاتي ودفع رواتب لاعبيها”.
أكدت هذه الهيئة الرياضية الدولية أنها تهدف من خلال الوفد الذي سترسله إلى بعث رسالة “أمل” للشعب السوري. لكن بالنسبة إلى فضل عبد الغني، رئيس ومؤسس الشبكة السورية لحقوق الإنسان، من الأفضل أن تلتقي الإدارة بأسر لاعبي كرة القدم المحتجزين: “بإمكان الفيفا الضغط على السلطات السورية للإفراج عن لاعبي كرة القدم المحتجزين ومنع اعتقال الرياضيين بسبب توجهاتهم السياسية. الأمن السوري يسيطر على لاعبي كرة القدم، ويسمح فقط للموالين للأسد بأن يكونوا من بين الفرق الرياضية”.
ستكون زيارة الوفد المشترك الأولى من نوعها في سوريا منذ سنة 2012. ولا يزال المنتخب الوطني ينافس في المباريات الدولية لكنه غير قادر على استضافة المباريات على أرضه. وينظر النقاد إلى إلغاء الحظر على أنه محاولةٌ من قبل حكومة الأسد لإعادة تأهيل نفسها بعد سنوات من العزلة والعقوبات.
قالت هبة زيادين، باحثة أولى في شؤون سوريا في “هيومن رايتس ووتش”، إن “هذه خطوة إشكالية بشكل لا يصدق من جانب الفيفا لأنها ترسل رسالة، بصوت عال وواضح، مفادها أنها تعتبر سوريا آمنة بما فيه الكفاية، وهي فكرة لا يزال يدحضها كل هجوم عشوائي وكل حالة جديدة من الاعتقال والاختفاء القسري”. وتابعت “خطط الفيفا لدعم الاتحاد السوري لكرة القدم في إعادة تهيئة البنية التحتية لكرة القدم تتجاهل أيضًا البحث الذي أجري حول تورط الحكومة السورية في استخدام المساعدات الإنسانية وأموال إعادة الإعمار لتمويل انتهاكات حقوق الإنسان”.
“انتهاك القيم الإنسانية”
بالنسبة لعبد الكريم الحلبي، ناشط نازح ولاعب كرة قدم سابق في نادي “الاتحاد الحلبي”، فإن الأمر لا يتعلق بخرق العقوبات الدولية، بل بانتهاك القيم الإنسانية” مشيرا إلى أن “الفيفا تعرف أن القوات الموالية للأسد استخدمت ملعب الحمدانية وملعب حلب لقصف الأطفال في أحياء حلب الشرقية، ومع ذلك فهي تريد الآن إصلاح هذه الملاعب”. وحسب ناشطين محليين، استخدمت القوات الحكومية السورية ملعب العباسيين في دمشق لقصف أحياء في الغوطة الشرقية.
أوضح الكردي أن “ملعب الباسل في حي بابا عمر بحمص كان ثكنة دبابات، في حين تحوّل ملعب البلدية المجاور لفرع الأمن العسكري في حمص إلى مركز احتجاز”. في المقابل، أفادت وسائل إعلام محلية بأن الملاعب الواقعة على الساحل السوري تحولت من مراكز احتجاز إلى مزارع للأغنام.
قال الحلبي إن “الفيفا يريد المصالحة مع النظام السوري الذي قتل واعتقل لاعبي كرة القدم وسجنهم ودمر ملاعبهم”. وأورد الكردي أن “دمشق تستخدم كل الوسائل لإنهاء عزلتها السياسية بما في ذلك كرة القدم رغم فشلها في معالجة مشاكلها بما في ذلك مسألة التعامل مع لاعبي كرة القدم”.
وتحدث الحلبي عن قيام السلطات الرياضية بطرد لاعب كرة القدم السابق فراس الخطيب بزعم مخالفته قيمها. التقى الخطيب الأسد في سنة 2017 عندما عاد إلى المنتخب السوري بعد مغادرة نادي الكرامة في 2012 وقضى سنوات في المنفى. وصرح الكردي بأن “الاتحاد السوري لكرة القدم هو مجرد وجه سياسي للأسد وخطة الفيفا تمثل خيانة للاعبي كرة القدم الذين اعتقلوا وقُتلوا واللاعبين الآخرين الذين تصدوا للظلم”.
المصدر: ميدل إيست آي