ترجمة حفصة جودة
تعاني تركيا واليونان من علاقات متوترة غالبًا تتخللها فترات قصيرة من الهدوء، والآن رغم أنهما الآن عضوان في الناتو، فإن العلاقة ما زالت متوترة، كان البلدان متواجهان في الحرب بشأن قبرص، وبينهما مشكلات تاريخية وترّت العلاقة، فكل جانب منهما يتشكك في الآخر بشكل عميق.
ما زالت أثينا موقعًا ساخنًا في السياسة التركية الخارجية والجغرافيا السياسية، وهو تحدٍ ورثته من الإمبراطورية العثمانية، لم يتمكن المنطق الجغرافي السياسي التركي من محو أثينا من قائمة التهديدات الأمنية، رغم تأسيس علاقة جيرة جيدة مع اليونان من آن لآخر.
ورغم أن عدد النزاعات بين البلدين يتضمن قائمة طويلة، فإن قضية قبرص وبحر إيجة تهيمن على القائمة، بينما تنتظر القضايا الأخرى تسويتها.
قضايا يمكن حلها
هذه القضايا تتضمن عسكرة جزر بحر إيجة وقبرص وتوسيع المياه الإقليمية وتطبيق معاهدة لوزان ورفض خطة سلام كوفي عنان بعد إجراء استفتاء في قبرص والتحكم في الملاحة الجوية الدولية من خلال منطقة معلومات الطيران “FIR” والمناطق الاقتصادية الحصرية “EEZ” في شرق المتوسط وخرق اتفاقية اللاجئين وتوسيع قاعدة الناتو من طرف واحد وتطبيق حماية من الجانبين لحقوق الأقليات الدينية وسياسات التسليح.
ورغم أن القائمة طويلة، فإن معظمها – إن لم تكن كلها – قابلة للحل أو من السهل إدارتها، تضم المشكلات بعض الملامح اللافتة للنظر لكنها جميعًا ثنائية الجانب بين تركيا واليونان.
هذه القضايا يمكن حلها سريعًا استنادًا إلى حوار صحي وإرادة سياسية قوية وعلاقة دبلوماسية مباشرة بين أنقرة وأثينا دون الحاجة إلى طرف ثالث سواء مراقب أم دولة أم مؤسسة.
في الماضي، كانت اليونان لتحاول حل الخلافات مع تركيا عبر قنوات دبلوماسية، لكنها مؤخرًا حاولت معالجة تلك القضايا عبر واشنطن أو “إسرائيل” أو القاهرة أو أوروبا
بالطبع، السمة المحددة لتلك المشكلات على القائمة، هي أن كلا البلدين سيستفيد من حلها وكلاهما سيعاني من المأزق المستمر، مرت العلاقات التركية مع اليونان – كأحد جيرانها من أعضاء الناتو – بفترات جيدة وأخرى سيئة وتوترات وصلت في بعض الأحيان إلى حافة الحرب حتى بداية الألفية.
منذ ذلك الحين بدأ عصر جديد، ففي بداية 2010 شكل الجانبان مجلسًا وزاريًا مشتركًا وكانت زيارة الرئيس التركي رجب طيب أردوغان لليونان في 2017 أعلى مستوى من التواصل بين الجارتين منذ 1952 عندما انضما إلى الناتو، ومع ذلك لم يسفر ذلك عن عصر سلمي جديد، بدلًا من ذلك عادت التوترات.
عندما وصل الرئيس الأمريكي السابق دونالد ترامب إلى السلطة، كان هناك تحول بارز في السياسة الخارجية الأمريكية لصالح اليونان، إضافة إلى ذلك، بدأت اليونان في اتخاذ خطوات حقيقية تتعلق بحقول الهيدروكربون في شرق البحر المتوسط، وكانت أنقرة تعاني من مشكلات مع مصر و”إسرائيل” استفادت منها أثينا.
بدأت روسيا واليونان تطوير علاقة وطيدة، وفي النهاية وافقت اليونان على اتباع سياسة تأمين سياسات الطاقة في شرق البحر المتوسط التي تبدو خسارة لها ولتركيا، في الماضي، كانت اليونان لتحاول حل الخلافات مع تركيا عبر قنوات دبلوماسية، لكنها مؤخرًا حاولت معالجة تلك القضايا عبر واشنطن أو “إسرائيل” أو القاهرة أو أوروبا، ولم يساعد ذلك في تهدئة التوترات بل أتى بنتيجة عكسية.
محادثات مباشرة
في النهاية، يمكن لتركيا واليونان حل مشاكلها معًا من خلال المحادثات المباشرة، فطالما أن اليونان تحاول إدارة خلافاتها مع أبرز جيرانها من خلال عواصم أخرى، فإن التوترات ستزداد في التصاعد.
ستحاول أثينا كسب مميزات بالاعتماد على “إسرائيل” ومصر في شرق البحر المتوسط، وعلى الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي في بحر إيجة، ومع ذلك من المنصف أن نقول إن هذه الإستراتيجية أتت بنتائج عكسية تمامًا، فالمنهجية التي تنقل المشاكل إلى عواصم أخرى لا تعمق الخلافات فقط، بل إنها تعزز من حدة الانقسامات والتعقيدات.
أصبح اكتشاف طبقات الهيدروكربون شرق المتوسط ونقل الغاز مصدران لتوتر غير ضروري كان من الممكن تجنبه بالتعاون بين تركيا واليونان
فبينما كانت مشكلة قبرص قضية بين اليونان وتركيا، أصبحت قضية للاتحاد الأوروبي عندما انضمت قبرص للاتحاد الأوروبي رغم أنها لم تحقق متطلبات عضوية الاتحاد الأوروبي (لا نزاعات حدودية وفقًا لمعايير كوبنهاغن ومدريد للاتحاد الأوروبي).
أصبح اكتشاف طبقات الهيدروكربون شرق المتوسط ونقل الغاز مصدران لتوتر غير ضروري كان من الممكن تجنبه بالتعاون بين تركيا واليونان، خاصة بعد الغزو الروسي لأوكرانيا، فقد أصبح مؤكدًا أن التعاون شرق المتوسط سيكون مربحًا لجميع الأطراف.
في أثناء الموجة الجديدة للهجرة عامي 2015-2016 التي بدأت بتدخل روسيا في الحرب بسوريا، تعاملت أثينا مع قضية اللاجئين من جانبها فقط واتبعت ممارسات غير إنسانية، وعندما رأى الاتحاد الأوروبي أن المشكلة تخرج عن السيطرة، تجاوز منهج اليونان أحادي الجانب ووافق على الحل مع أنقرة.
تهديدات أمنية
في الصيف القادم سيكون هناك انتخابات في تركيا واليونان إذا سارت الأمور وفق المخطط لها، ومع ذلك فالاقتراع ليس السبب الوحيد للتوتر بين البلدين ولن يمنع حل هذه المشكلات.
من صالح كلا البدلين حل العديد من المشكلات: من عسكرة جزر بحر إيجة إلى مشكلة قبرص واستخدام مصادر الغاز في شرق المتوسط والمضايقات العسكرية.
ورغم أن الانتخابات أبلغت عن تصاعد في الأشهر الأخيرة، فإنها ليست السبب الحقيقي للمشكلات الحاليّة، لأن المشكلات التركية اليونانية ليست استفزازية بما فيه الكفاية للفوز في انتخابات أو فعالة بما فيه الكفاية لخفض التضخم الذي يعد مشكلة أساسية في الأجندة الانتخابية لكلا البلدين.
كيف يمكنهما البدء في حل المشكلات؟ في البداية تحتاج اليونان إلى خفض توقعاتها العالية، وإذا لم يحدث ذلك ستستمر تركيا في الرد بالمثل.
هذه الدائرة المفرغة تجعل من المستحيل تسوية أي نزاع، فاليونان تغرق في الديون وما زالت تواصل تسليح نفسها بما يتجاوز قدراتها، ترى تركيا أن تسليح جزر بحر إيجة – بعضها على مسافة قريبة من تركيا – تصرف عدواني واستفزازي.
انخرطت اليونان في أعمال متطرفة ثم تراجعت عنها في بداية القرن الـ 20 ثم عام 1974 في قبرص، تستحوذ على تركيا مؤخرًا أيضًا سياسات شعبية، تجعل من الصعب على البلاد اتخاذ إجراء للوصول إلى تسوية مع اليونان.
قد يفسر ذلك أن تركيا لا تحتاج – نظرًا لكل التحديات الجغرافية السياسية الأخرى – إلى تحد آخر مع أثينا، فالحرب الأهلية السورية التي تشكل مأساة إنسانية تمثل مصدرًا بارزًا للهجرة العشوائية والعديد من التهديدات الأمنية على طول الحدود التركية، والعراق يواصل تصدير التهديدات الأمنية لتركيا وكذلك إيران.
ما زالت الخلافات الدبلوماسية مستمرة بين مصر وتركيا، وفي الشمال تمثل روسيا تهديدًا بالفعل عند البحر الأسود، لذا لا تحتاج تركيا إلى أن يصبح بحر إيجة – آخر المناطق المستقرة – نقطة صراع أيضًا
وما لم تحقق أرمينيا سلامًا دائمًا مع أذربيجان، فإن حدودها ستظل مغلقة مع تركيا، وكما ذكرنا سابقًا، هناك توترات تتعلق باستخراج ونقل مصادر الهيدروكربون في شرق المتوسط.
رغم استعادة أنقرة علاقتها مع “إسرائيل” فما زالت بحاجة إلى تعيين سفراء، وما زالت الخلافات الدبلوماسية مستمرة بين مصر وتركيا، وفي الشمال تمثل روسيا تهديدًا بالفعل عند البحر الأسود، لذا لا تحتاج تركيا إلى أن يصبح بحر إيجة – آخر المناطق المستقرة – نقطة صراع أيضًا.
خيارات صعبة
إذا أرادت أوروبا تحقيق الاستقرار الجغرافي السياسي في جناحها الجنوبي الشرقي، وإذا أرادت واشنطن خلق منطقة آمنة في البحر الأسود، وإذا كان بحر إيجة يرغب في مواجهة التهديد الروسي، فعليهم جميعًا أن يضعوا سياستهم في الاعتبار.
الأكثر من ذلك، في الماضي حافظت أمريكا والاتحاد الأوروبي على توازن جغرافي سياسي معتدل أكثر من اليوم، حيث يبدو أنهما تخليا على أي ادعاء بالتوازن بين تركيا واليونان.
في سياق الغزو الروسي لأوكرانيا، وفي مواجهة الأزمات المنبثقة، فإن السؤال الذي نحتاج إلى إجابته الآن من أوروبا والناتو: إلى أي مدى نحتاج إلى استقرار أمني وجغرافي سياسي في المنطقة الجنوب شرقية؟ بمعنى آخر، ما الذي ستخسره أوروبا والناتو إذا لم تكن تركيا مصدرًا للأمن والاستقرار جنوب شرق أوروبا؟ لذلك، تحتاج جميع الأطراف إلى اتخاذ خيارات صعبة.
المصدر: ميدل إيست آي