تسابق السوريون أفرادًا ومؤسسات على نعي الشيخ الراحل يوسف القرضاوي الذي توفي في العاصمة القطرية الدوحة، عن عمر ناهز الـ 96 عامًا، وقد امتلأت صفحات الكثير من السوريين والنشطاء والصحفيين على وسائل التواصل الاجتماعي بعبارات رثاء الشيخ الذي وقف معهم منذ اللحظة الأولى لانتفاضتهم ضد حكم نظام بشار الأسد، بالإضافة إلى تأييده لثورات التحرر العربي الأخرى في تونس ومصر وليبيا واليمن.
كانت مواقف الشيخ القرضاوي واضحة من الثورة السورية، فقد دعا إلى تأييدها ودعمها بالكلمة والمال والسلاح، حيث استقبل في مكتبه بالدوحة الكثير من النشطاء السوريين وحضر اللقاءات والمؤتمرات الداعمة لانتفاضة الشعب، ولطالما أفرد خطبًا كاملةً للحديث عن أوضاع الناس في سوريا ومقدار الظلم الذي يعانون منه، ومن أجل ذلك شن النظام السوري حملةً إعلاميةً كبيرةً ضده متهمًا إياه بأنه “شيخ الفتنة” في الوقت الذي كان مشايخ النظام السوري يباركون عمليات جيش الأسد التي تنكل بالسوريين واصفين إياها بـ”الجهاد”.
لا حياد
في أول خطبة له بعد انطلاقة الثورة السورية، قال يوسف القرضاوي: “اليوم وصل قطار الثورة إلى محطة كان لا بد أن يصل إليها وهي محطة سوريا، ولا يمكن أن تنفصل سوريا عن تاريخ الأمة العربية”، وأكمل القرضاوي في خطبته “قال بعضهم: إن سوريا بمنأى عن هذه الثورات، وكيف تكون بمنأى عن هذه الثورات؟! أليست جزءًا من الأمة؟! أليست جزءًا من سنن الله؟! ألا تجري عليها قوانين الله في الكون والمجتمعات؟! سوريا مثل غيرها بل هي أولى من غيرها بهذه الثورات”.
توالت المواقف والكلمات الداعمة للثورة السورية من القرضاوي، ففي أحد البرامج التليفزيونية وجه المذيع سؤاله إلى الشيخ يوسف القرضاوي قائلًا: ألا يوجد موقف حياد من المسألة السورية سواء عند العلماء أم الشعب؟ ليرد القرضاوي: لا حياد هناك صراع بين الحق والباطل وبين العدل والظلم وبين الشعب والطغاة، ولا بد للإنسان أن يحدد موقفه”، ودعا القرضاوي حينها علماء سوريا الصامتين للوقوف في صف الشعب وترك بشار الأسد، وفي خطبة له قال: “أريد أن أقول لإخواننا السوريين، ثورتكم ثورة حقيقية ثورة عاتية تريد أن تنتزع حكمًا من أسرة واحدة، تريد أن تنتزع جمهورية كبيرة تحكمها وحدها”.
وكان القرضاوي من الشيوخ الذين أباحوا قتال النظام بعد أن استفحل إجرامه ضد شعبه، واشتهر أيضًا بأنه دعا للجهاد في سوريا للتخلص من إجرام عائلة الأسد، فقال في إحدى فتاويه: “من استطاع أن يذهب إلى هناك ليقاتل فليفعل، ومن استطاع أن يرسل إليهم سلاحًا فليفعل، وأنه فرض على الدول العربية إرسال السلاح إلى الشعب السوري، ولا يكفي أن تبعث مبعوثًا.. ماذا يفعل المبعوث المسكين؟!”.
لم تكن دعوات القرضاوي للجهاد وقتال النظام إلا بعد أن وجه دعواته مرارًا وتكرارًا لجيش النظام بالكف عن قتل الناس والانحياز إلى طرف الشعب، يذكر أنه دعا أفراد جيش الأسد إلى الانضمام للجيش الحر والوقوف في وجه الظالمين المفسدين، وبعد أن خرج السوريون في مظاهرات تدعو المجتمع الدولي للتدخل لحمايتهم، أصدر القرضاوي فتوى قال فيها إن من حق السوريين الطلب من دول أجنبية وبدعم من الأمم المتحدة التدخل في بلادهم في حالة فشل الدول العربية في وقف حمام الدم.
كما حذر من الطائفية التي يحيكها النظام وإيران، وفي خضم الحديث بين أوساط الثورة السورية عن العلويين قال القرضاوي: “ليس كل العلويين مع هذه الأسرة العلوية الحاكمة، فكثير منهم مظلومون ويناصرون أهل السنة ومع سوريا كدولة، لكن فقط هناك عدة أشخاص معروفين بأسمائهم يريدون أن يحكموا بلدًا كبيرًا، وهذا لا يجوز، بل انتهى هذا الأمر، انتهى حكم الفرد، انتهى مبارك والقذافي وزين العابدين وعلي عبد الله صالح، انتهى عهد حكم الأفراد الجمهوريين ولا بد أن تعود هذه الجمهوريات إلى أهلها، ومنها سوريا التي لا بد أن تعود إلى أهلها”.
بعد مواقفه الكثيرة المساندة للثورة، شن النظام على الشيخ القرضاوي هجومًا كاسحًا وأطلق عليه لقب “شيخ الفتنة” وسلّط عليه ألسنة خطبائه على المنابر وفي الفضائيات، وأعلنت مواقع مقربة من الأسد أن محكمة الإرهاب التابعة للنظام السوري قضت بإعدام رئيس الاتحاد العالمي لعلماء المسلمين الشيخ الدكتور يوسف القرضاوي بسبب ما قالت إنه “التحريض الطائفي للتفرقة بين السوريين وتمويل العمليات الإرهابية المسلحة التي راح ضحيتها آلاف الأبرياء من المدنيين والعسكريين”.
كما شن القرضاوي هجومًا لاذعًا على الحزب الذي شارك بمعارك النظام وقتل السوريين، حيث وصف الشيخ الراحل زعيم حزب الله اللبناني حسن نصر الله بـ”نصر الطاغوت” كما وصف حزبه بـ”حزب الشيطان” بسبب تدخلهما عسكريًا في سوريا الى جانب الرئيس بشار الأسد، وأردف القرضاوي قائلًا: “الآن عرفنا ماذا يريد الإيرانيون، يريدون المجازر المستمرة والمدبرة لقتل أهل السنة”.
واعترف القرضاوي بأنه كان مخطئًا عندما ساند في وقت سابق الشيخ حسن نصر الله، قائلًا: “دافعت عمن يسمى حسن نصر الله وحزبه حزب الطاغوت وحزب الشيطان، ووقفت أمام مشايخ السعودية أدافع عنهم ويبدو أن مشايخ السعودية كانوا أنضج مني” يقصد موقفهم من حزب الله.
السوريون ينعون الشيخ
نعى السوريون الشيخ يوسف القرضاوي وأصدرت الكثير من الهيئات بيانات تعزية، فأصدر الائتلاف السوري لقوى الثورة والمعارضة بيانًا قال فيه إن الراحل وقف داعمًا لقضايا الشعوب المظلومة، وحيّا الائتلاف مواقف الشيخ القرضاوي التي كانت داعمة للثورة السورية.
بدوره، قال المجلس الإسلامي السوري في بيان أصدره لنعي الراحل القرضاوي: “كان رحمه الله علامةً موسوعيًا ومفكرًا إسلاميًا كتب في شتى العلوم الشرعية وأثرى بكتبه الكثيرة المكتبة الإسلامية التي أفاد منها أجيالًا كثيرةً من المسلمين في مشارق الأرض ومغاربها، وكان لفضيلته رحمه الله مواقف مشرفة في الصدع بالحق ومناصرة المظلومين وتبني قضايا الأمة في كتاباته وخطبه ومحاضراته وبرامجه وظهوره الإعلامي المتنوع، وكان له الدور البارز في تأسيس المنظمات الإسلامية ومنها الاتحاد العالمي لعلماء المسلمين”.
#بيان تعزية #المجلس_الإسلامي_السوري بفقيد الأمة العلامة الدكتور #يوسف_القرضاوي رحمه الله
للاطلاع: https://t.co/wuPp7tiATv pic.twitter.com/2gBnLU8or4
— المجلس الإسلامي السوري (@syrian_ic) September 26, 2022
أما على صعيد الشخصيات، قال الشيخ السوري الدكتور عبد الكريم بكار: “فقدت أمة الإسلام اليوم إمامًا من أعظم أئمتها في العصر الحديث هو حجة الإسلام، وأستاذ الفقهاء والدعاة العلامة الشيخ يوسف القرضاوي، خالص العزاء لأسرته الكريمة وطلابه ومحبيه”.
فقدت أمة الإسلام اليوم إماماً من أعظم أئمتها في العصر الحديث هو حجة الإسلام، وأستاذ الفقهاء والدعاة العلامة الشيخ يوسف القرضاوي.
اللهم ارفع مقامه في الصديقين، واجزه عن هذه الأمة بوافر الأجر والثواب.
خالص العزاء لأسرته الكريمة وطلابه ومحبيه.
وإنا لله وإنا إليه راجعون.— د. عبد الكريم بكار (@Drbakkar) September 26, 2022
أما الصحفي أحمد موفق زيدان، ققال: “الشيخ القرضاوي لم يمنعه الحق أن يتراجع قبل حياته، في كشف عوار الطائفيين في إيران. سيذكره الربيع العربي ونذكره في سوريا داعمًا لإخوانه. ويكفيه الغيظ الذي خلّفه في صدور الطائفيين، عظم الله أجر أهلك وأحبابك وجعل جنة الفردوس منزلك”.
رحيل علاّمة الأمة الشيخ #يوسف_القرضاوي ٩٦عاماً قضاها في العلم والدعوة،لم يمنعه الحق أن يتراجع قبل حياته؛فيكشف عوار الطائفيين في #إيران.سيذكره الربيع العربي،ونذكره في #سوريا داعماً لإخوانه.ويكفيه الغيظ
الذي خلّفه في صدور الطائفيين
عظم الله أجر أهلك وأحبابك
وجعل جنة الفردوس منزلك pic.twitter.com/TnivHVvbJJ— د ـ أحمد موفق زيدان (@Ahmadmuaffaq) September 26, 2022
وقد تداول ناشطون سوريون مقطعًا قديمًا يعود إلى بدايات الثورة السورية من إحدى خطب الشيخ القرضاوي يوجه فيه التحية لحارس الثورة عبد الباسط الساروت الذي قتل في معارك ريف حماة ضد النظام عام 2019.
يوسف القرضاوي عن حارس المرمى وحارس الثورة السورية عبد الباسط الساروت pic.twitter.com/P0ruNjfIIp
— Ivar (@ivarmm) September 26, 2022
بكل حزن يتذكر السوريون الشيخ يوسف القرضاوي الذي كان داعمًا كبيرًا لهم يوم أن توارت الكثير من العمائم، ووقف ضد النظام في وقت كان بعض الشيوخ يهرولون إلى قصور النظام ويفتون له بقتل السوريين، وبهذا يكون القرضاوي قد جمع إلى جانب علمه الكبير وإنتاجه الفكري والشرعي الغزير كلمة الحق أما الحكام المستبدين في دول العرب.