ترجمة حفصة جودة
بينما تُنسى قضية الفلسطينيين في سوريا في أي نقاش عن أزمة اللاجئين، فإنه رحلة تهجيرهم تقدم فرصة للتفكر في نظام الحدود الأوروبي وعنف الحرب السورية واستمرار الاستعمار الاستيطاني الإسرائيلي.
في نهاية العام الماضي، جاء في نشرة الأخبار أن قاربًا من تركيا يتجه إلى إيطاليا غرق في بحر إيجة قرب الساحل اليوناني، ما تسبب في مقتل 18 شخصًا، كنت مصدومًا عندما علمت من مديري السابق أن شابة تُدعى روند العايدي كانت على متن القارب ومن بين 8 فلسطينيين من سوريا تأكد موتهم.
كانت روند تحاول الوصول إلى والديها وأشقائها الأربع في ألمانيا، بعد رفض طلب لم الشمل الذي قدمته لأنها بلغت 18 عامًا، في 2017 زرت مع زميلي منزل روند المؤقت في الأردن كجزء من تقرير كنا نعدّه لمنظمة مجتمع مدني فلسطينية، يهدف إلى رفع الوعي بشأن مأزق أسرتها.
عاش نحو نصف مليون لاجئ فلسطيني في سوريا قبل ثورة 2011 واندلاع الحرب، فبعد التطهير العرقي للفلسطينيين عام 1948 الذي أدى إلى تأسيس دولة الاحتلال الإسرائيلي، فرّ 100 ألف فلسطيني إلى سوريا وكانوا مندمجين بشكل عام في الفئة العاملة.
عندما دُمر منزل روند في اليرموك – مخيم في دمشق يستضيف جزءًا كبيرًا من المجتمع الفلسطيني في البلاد – بقصف جوي من الجيش السوري، فرّت روند مع أمها وشقيقتها إلى الأردن.
لم يتمكن والدها محمد من الانضمام إليهن وبقي في مخيم اليرموك، وفي أثناء الحرب السورية عمل محمد كسائق سيارة إسعاف لمنظمة الهلال الأحمر الفلسطيني في سوريا، عندما التقيته في 2017 حكى قصصًا مروعةً عن الصراع، فالجوع أصبح سلاحًا للحرب بعد أن فرض النظام السوري حصارًا على المخيم بينما كان يحارب الفصائل المسلحة بما في ذلك داعش، فقد محمد 50 كيلوغرامًا من وزنه بسبب الجوع ولجأ إلى أكل العشب.
إنها مأساة
خاف محمد من استهداف داعش له بسبب عمله المجتمعي في المخيم، ففر من اليرموك محاولًا الوصول إلى تركيا، لكن في طريقه إلى ذلك اعتقل وعُذب في إدلب على يد أفراد من الجيش السوري الحر الذي اتهمه بأنه أحد أفراد داعش.
بعد وصول محمد أخيرًا إلى ألمانيا وطلبه اللجوء، لم تنته المحنة، فبقية الأسرة في الأردن بانتظار عملية لم الشمل، كان محمد يخشى على مصير ابنته الكبرى روند، فقد قال في 2017: “لا أستطيع النوم ولا الأكل لأنني أخشى أن ألمانيا لن تضمها في طلب لم الشمل، وإذا حدث ذلك فعلًا فستكون مأساة”.
في ديسمبر/كانون الأول 2021 تجسدت أسوأ مخاوفه، عندما تقدم محمد للم الشمل كانت روند ما زالت ضمن معدل العمر المقبول، لكن عند الموافقة كانت قد تجاوزت الـ18 عامًا وهكذا رُفض طلبه، ما منعها من السفر مع أمها وأشقائها إلى ألمانيا.
بعد سنوات من العيش وحدها في بلد غريب، كانت روند تحاول بكل يأس الانضمام لأسرتها، ما دفعها في النهاية إلى المخاطرة بركوب رحلة القارب، عندما علم محمد بمصير ابنته قال: “استيقظت على تلك الأخبار المروعة بأن ابنتي لفظت آخر أنفاسها في البحر، أتمنى لو كنت أستطيع أن احتضنها بشدة، كان بإمكان السلطات أن تنقذ حياتها بمنحها حق الانضمام إلينا”.
تحملت الدول المجاورة لسوريا عبء أزمة اللاجئين، بينما ظلت حدود فلسطين مغلقة تحت الحكم الاستعماري الاستيطاني الإسرائيلي
تُلام سياسة إقصاء من هم فوق الـ18 من إجراءات لم الشمل في ألمانيا – وهي سياسة شائعة في أوروبا – على موت روند، يجب أن تُلغى مثل هذه السياسات.
ما زاد الطين بلة، محاكمة السلطات اليونانية لـ3 لاجئين سوريين وافقوا على قيادة القارب، كان المهربون عادة ما يؤدون تلك المهمة، لكن تزايد عسكرة أوروبا للحدود وتجريم الهجرة أدى إلى قيام اللاجئين الضعفاء بتلك المهمة.
في تلك القضية، حُكم على كل رجل بأكثر من 100 سنة من السجن، وهو إجراء وحشي لا علاقة له بتحقيق العدالة.
حدود مغلقة
بعد 2011، تحملت الدول المجاورة لسوريا عبء أزمة اللاجئين، بينما ظلت حدود فلسطين مغلقة تحت الحكم الاستعماري الاستيطاني الإسرائيلي، استنادًا إلى عمل المؤرخين جوني منصور وإيلان بابا يمكننا أن نفترض ما كان سيحدث لو سمحت “إسرائيل” للمجتمع الفلسطيني على الحدود باستيعاب اللاجئين الفلسطينيين الفارين من سوريا.
كما اقترحا، فإن الاستيعاب لن يكون فقط للأشخاص من نفس الجنسية والخلفية العرقية والدينية والثقافية، لكنه في بعض الحالات يشمل الأقارب المقربين، لكن “إسرائيل” تعارض قبول لاجئين من سوريا ناهيك بعودة الفلسطينيين.
سلطت الاستجابة العالمية للغزو الروسي لأوكرانيا وأزمة اللاجئين الناشئة عن ذلك، الضوء على كيفية تأثير العرق في توجه الدول الغربية تجاه اللاجئين غير البيض، فالاختلافات الصارخة بين الأذرع المفتوحة أمام اللاجئين البيض من أوكرانيا الذين ترى الديمقراطيات الليبرالية الحرة أنهم يشبهونهم، والقيود المفروضة على اللاجئين القادمين من دول مستعمرة سابقًا، يسلط الضوء على المنطق العنصري.
في الوقت نفسه، دعت “إسرائيل” موخرًا اللاجئين الأوكرانيين اليهود إلى الحصول على المواطنة ليصبحوا مستعمرين على الأرض المسروقة من الفلسطينيين، بينما يستمر رفض حق عودة أكثر من 5 ملايين لاجئ فلسطيني إلى بلادهم وسط مخاوف إسرائيلية من التحول الديموغرافي.
من المهم أيضًا أن نفكر في سياسات أوروبا التقييدية تجاه اللاجئين، فرغم ثروة أوروبا الضخمة، فإنها تأخذ جزءًا صغيرًا فقط من لاجئي العالم، وهذه الثروة جمعتها بشكل أساسي من نهبها الأراضي التي استعمرتها.
كتب فرانتز فانون قائلًا: “أوروبا حرفيًا صنيعة العالم الثالث” فالحجج التي تصور اللاجئين بأنهم يسرقون مزايا الدول الليبرالية الثرية، تنكر تاريخ التوسع الإمبريالي الأوروبي.
بالتركيز على قضية بريطانيا، تقول الأكاديمية نادين العناني إن الهجرة غير النظامية لاستعادة ما نهبه الاستعمار شكل من أشكال مقاومة الاستعمار، وما زالت العديد من الدول الأوروبية تجني أرباحًا من تجارة السلاح العالمية التي تغذي الحروب التي ينتج عنها أزمة اللاجئين.
كانت روند واحدة فقط من بين كثيرين يموتون في “قوارب الموت” التي تعبر البحر الأبيض المتوسط، وبدلًا من مناشدة الخير الليبرالي من أجل اللاجئين الضعفاء، يجب أن نركز على مطالبات العدالة الإصلاحية للماضي الاستعماري الذي ما زال يطارد حاضرنا.
المصدر: ميدل إيست آي