يعيش أغلب الموريتانيين أوضاعًا صعبةً، حيث ترتفع نسبة البطالة في بلادهم وتتجاوز 31%، أي أن قرابة ثلث الشعب ليس له مصدر دخل، كما أن 44.2% من الشباب الموريتاني دون سن الخامسة والعشرين من العمر لم يتلقوا تعليمًا أو تكوينًا مهنيًا.
أكثر من ذلك؛ يوجد نحو 600 ألف شخص يعانون الجوع، فيما يعاني طفل من بين كل 5 أطفال من سوء التغذية، في وقت يعد فيه متوسط الدخل السنوي للمواطن الموريتاني من أقل المتوسطات عالميًا ولا يتجاوز 1670 دولارًا لسنة 2020، ما يجعل موريتانيا ضمن الدول الأقل سعادة في العالم.
لا تتوقف مظاهر البؤس والحاجة هنا، إذ نلاحظها أيضًا في انتشار ظاهرة أطفال الشوارع والتسول وفي البنية التحتية للبلاد أيضًا، فأغلب مدن وقرى موريتانيا ما زالت بدائية، حتى العاصمة نواكشوط، تغيب عنها الطرقات السيارة والجسور والمنشآت الحيوية وتحضر البيوت القصديرية البدائية.
أمام هذا الوضع، يعد أغلب الموريتانيين الأيام والشهور في انتظار بدء استغلال حقول الغاز المكتشفة حديثًا في بلادهم، علّها تنقلهم من حالة الفقر والخصاصة التي تميز هذا البلد العربي إلى حالة الغنى والتقدم، خاصة أن الاكتشافات كبيرة وعائداتها المالية وفيرة، لكن السؤال المطروح بقوة الآن: هل يُحسن الموريتانيون استغلال هذه الثروات أم ستكون حكرًا على مجموعة داخلية وخارجية معينة؟
اكتشافات كبرى
بداية سنة 2016، أكدت شركة كوزموس إنيرجي الأمريكية أن الحوض الساحلي الموريتاني يضم احتياطات كبيرة من الغاز، في حقلي سلحفاة آحميم الكبير – أكبر حقل للغاز في غرب إفريقيا – وبير الله، في المقطع الثامن، بالإضافة إلى حقول أخرى تأكدت معالمها في المقاطع المجاورة التي لم تصلها بعد عمليات التنقيب.
سنة 2018، قدمت 3 شركات عملاقة للتنقيب عن النفط والغاز في الحوض الساحلي الموريتاني هي: إبريتش بتروليوم البريطانية وتوتال الفرنسية وشيل الأمريكية، ما يؤكد احتمال مضاعفة الاكتشافات السابقة عدة مرات، خلال السنوات القادمة.
بعد عمليات تنقيب طويلة، تم اكتشاف احتياطات غاز كبيرة في هذا البلد العربي، تقدر بنحو 100 ترليون قدم مكعب، تضعها في المرتبة الثالثة إفريقيا بعد نيجيريا (207 ترليونات قدم مكعب)، والجزائر (159 ترليون قدم مكعب).
يمكن أن تستثمر موريتانيا أيضًا موقعها الجغرافي للنهوض باقتصادها، فهي حلقة وصل بين شمال إفريقيا وغربها وأيضًا بين منطقة الساحل وأوروبا
ساهم قانون المحروقات الجديد في تطوير هذه الاكتشافات، ويهدف القانون إلى تحديث شروط منح تصاريح النفط وتحسين حصة الدولة وتعزيز المؤسسة الوطنية، ويقضي بحصول الشركة الوطنية للمحروقات على 10% من أسهم الشركة طيلة فترة الاستغلال، مع تحمل المشغل ماليًا لذلك، والحفاظ على مستوى مقبول من التزام مشغلي النفط.
من المنتظر أن تبيع موريتانيا أول شحنة غاز نهاية سنة 2023، ويعتبر حقل “بئر الله” الواقع في المياه الموريتانية بالمحيط الأطلسي، من أبرز هذه الاكتشافات إلى جانب حقل “سلحفاة آحميم” وهو مشترك بين موريتانيا والسينغال.
موريتانيا لاتحتاج الى غاز من هذا الانبوب ، بل موريتانيا سوف تساهم بحقن الغاز داخل هذا الانبوب من اجل تصديره الى اوروبا
موريتانيا تحتوي على 100مليار متر مكعب من الغاز الطبيعي #موريتانيا #المغرب #انبوب_الغاز pic.twitter.com/2fj5JDdrCp
— موريتانيه والفخر ليا (@zmy_msr) September 16, 2022
تزيد أهمية الغاز الموريتاني في ظل أزمة الطاقة التي يعيشها العالم مع استمرار الحرب الروسية الأوكرانية وارتفاع أسعار المحروقات في السوق العالمية وحاجة الدولة الغربية لمصادر جديدة للغاز أكثر استقرارًا وأمنًا.
مقومات أخرى للنهوض
لا تمتلك موريتانيا الغاز فقط، فهي تمتلك أيضًا العديد من الثروات الأخرى على رأسها الذهب الذي بدأ استخراجه في البلاد سنة 2005 مع إنشاء شركة مناجم النحاس الموريتانية، وتقدر اللجنة الموريتانية للشفافية في الصناعات الاستخراجية، احتياطي البلاد من الذهب بـ25 مليون أونصة، وتضم البلاد 900 مؤشر للتعدين والمعادن الموثقة.
فضلًا عن الذهب، تمتلك موريتانيا ثروةً هائلةً من الحديد، وتمكنت البلاد من تصدير 12.5 مليون طن من الحديد الخام سنة 2020 ما يمثل زيادة معتبرة مقارنة بمبيعات سنة 2019 وفق المدير العام للشركة الوطنية للصناعة والمناجم في موريتانيا، المختار ولد أجاي، إذ تعتبر موريتانيا من أكبر مصدري خام الحديد في العالم، ويبلغ حجم احتياطات البلاد من هذه المادة 1.5 مليار طن.
السنغال ?? موريتانيا ??
هل يحل غاز موريتانيا والسنغال أزمة الطاقة بأوروبا؟
اكتشافات هائلة وواعدة أسالت لعاب الغرب وأقنعت بريطانيا بفتح سفارة لها في نواكشوط بعد 60 عاما من استقلال موريتانيا، وفتحت شهية شركات النفط والغاز العالمية#الاقتصاد_الافريقي#السنغال #موريتانيا #Senegal pic.twitter.com/jNEb4nKjvp
— AfricanEconomy الإقتصادالأفريقي (@AfricanEconomy1) June 19, 2022
ناهيك بالنحاس الذي تجاوز إنتاجه سنة 2016، 31 ألف طن، ويبلغ احتياطي البلاد من هذا المعدن 28 مليون طن، كما يبلغ احتياطي موريتانيا من الكوارتز 11 مليون طن، ومن الجبس 100 مليون طن، فيما يبلغ احتياطيها من الملح 245 مليون طن، وفق وزير المعادن والطاقة والبترول السابق محمد سالم ولد البشير.
هذا دون الحديث عن الأسماك، إذ تضم مياه موريتانيا الإقليمية نحو 300 نوع من الأسماك، بينها 170 نوعًا قابلًا للتسويق عالميًا، وتعد موريتانيا أكبر مُصدر عربي للأسماك بنحو 44% من إجمالي الصادرات العربية، وتصدر 95% من مجموع إنتاجها من الأسماك للاتحاد الأوروبي، بالإضافة إلى الثروة الحيوانية التي تقدر بأكثر من 22 مليون رأس (إبل وبقر وماعز وضأن).
لا تتوقف مقومات النهوض عند الثروات الباطنية التي تملكها البلاد، إذ تمتلك موريتانيا مقومات أخرى لها أن تنهض بها إن أحسنت استغلالها، أهمها الأمن والاستقرار الاجتماعي الذي يتوافر في هذا البلد العربي.
تعد موريتانيا إحدى أبرز الدول المستقرة اجتماعيًا وأمنيًا في غرب إفريقيا ومنطقة الساحل، بعد سيطرتها على بعض الجماعات المسلحة التي حاولت النشاط فوق أراضيها، ففي الوقت الذي تتزايد فيه العمليات الإرهابية في منطقة الساحل تنعم موريتانيا بالأمن.
تعد القبلية أحد عوائق التقدم في البلاد، فهي المحرك الأساسي للأحداث السياسية والفاعل في الصراعات الدائرة بين الأقطاب السياسية في الوقت الحاضر
أيضًا تعيش موريتانيا في السنوات الأخيرة، استقرارًا سياسيًا يمكن أن يتم استثماره لجلب الاستثمارات الأجنبية وحث رجال الأعمال الأجانب سواء العرب أم الغربيين للعمل هناك والاستفادة من الامتيازات الموجودة في البلاد.
كما يمكن أن تستثمر موريتانيا أيضًا موقعها الجغرافي للنهوض باقتصادها، فهي حلقة وصل بين شمال إفريقيا وغربها وأيضًا بين منطقة الساحل وأوروبا، وهذه ميزة كبيرة يمكن أن تكون عائداتها كبيرة.
عوائق التقدم
يمكن أن تستثمر سلطات موريتانيا هذه المقومات وأن تنهض بالبلاد وتخرج من براثن الفقر والحاجة، وترتقي إلى الدول الصاعدة، خاصة أن عدد أفراد شعبها قليل، ولا يتجاوز على أقصى تقدير 5 ملايين نسمة.
لكن هناك العديد من العوامل التي من شأنها أن تقف عائقًا أمام هذا التقدم المنشود، أهمها تواصل سيطرة القبيلة والعسكر على البلاد، فنحن أمام دولة العسكر والقبلية ذلك أنهما يحددان الدولة الكبرى والصغرى على حدّ سواء، وهما بمثابة العائق أمام تقدم الدولة وتحولها إلى المؤسسية والمدنية ودولة القانون، وبروز ديمقراطية حقيقية، فقد أثرت سلطتهما على مناحي الحياة السياسية والاقتصادية والاجتماعية، ما جعلهما يتغوّلان على مؤسسات الدولة.
تظهر العديد من المؤشرات أن موريتانيا يحكمها العسكر، فقد شهدت البلاد انقلابات عسكرية عديدة وحتى التداول السلمي للسلطة الذي حصل مؤخرًا كان بين عسكريين سبق أن انقلبا على الحكم سنة 2008 ضد الرئيس سيدي محمد ولد الشيخ عبد الله.
“..إنها مفارقة أن تصدر هذه البلاد أهم المعادن المستخرجة من باطن الأرض.. بينما يعيش جزء كبير من أبنائها في فقر مدقع!!
جوني طانيوس – #الجزيرة – نواذيبو شمالي #موريتانيا“
اللهم استرنا بسترك الجميل pic.twitter.com/eAmFiPTweE
— Mohamed Sidi (@ouldsidi) March 18, 2021
فضلًا عن العسكر، تعد القبلية إحدى عوائق التقدم في البلاد، فهي المحرك الأساسي للأحداث السياسية والفاعل في الصراعات الدائرة بين الأقطاب السياسية في الوقت الحاضر، أما الأحزاب فهي الغطاء للدور الخفي والأساسي للقبائل في صناعتها للأحداث.
ساهم ذلك في ضعف السلطة المركزية وعدم قدرة الدولة على خلق مؤسسات قوية، وقد تدعم ذلك في ظل انتشار ظاهرة الفساد في البلاد التي قوضت أسس الديمقراطية ودولة القانون وحدت من جودة الخدمات العمومية وأربكت حياة المواطن.
كما أن إمكانية رجوع الإرهاب إليها مجددًا، مسألة تخيف المستثمرين، خاصة أن العديد من الجماعات الإرهابية تزحف نحو دول أخرى بعيدًا عن مالي والنيجر في ظل تزايد الضربات العسكرية ضدها في تلك الدول.
بالمحصلة، تمتلك موريتانيا إمكانات اقتصادية وبشرية مهمة للنهوض بالبلاد والارتقاء إلى مصاف الدول الغنية والصاعدة لكن بعض العوائق تحول دون ذلك في الوقت الحاليّ، ما يجعل النظام في تحدٍ كبير يأمل العديد من الموريتانيين في التغلب عليه.