ترجمة وتحرير: نون بوست
يبدو أن جهود تركيا لإضافة عمق إستراتيجي لعلاقاتها مع آسيا الوسطى تواجه عقبة بسيطة، وذلك وسط جدل حول استخدام قيرغيزستان للطائرات المقاتلة المسيّرة التركية في الاشتباكات الحدودية مع طاجيكستان، ويُعتقد أن طائرات بيرقدار تي بي 2 دون طيار التي حصلت عليها قيرغيزستان العام الماضي تغير قواعد اللعبة في الاشتباكات المستمرة مع طاجيكستان حول المناطق الحدودية المتنازع عليها، والتي أودت بحياة ما يقارب 100 شخص منذ منتصف أيلول/سبتمبر.
وتعجّ وسائل التواصل الاجتماعي بمزاعم حول استخدام قيرغيزستان للطائرات التركية المسيّرة، مصحوبة بصور يُزعم أنها تعود لمعدات عسكرية طاجيكية مدمرة؛ حيث أفاد موقع “كريم نيوز” أن الطائرات المسيرة أصابت دبابة طاجيكية من طراز تي-72، بينما زعم آخرون أن هذه الطائرات قد ساعدت قرغيزستان على استعادة السيطرة على خمس قرى. وسارع مستخدمو موقع تويتر الأتراك إلى التباهي بأن الطائرات التركية المسيرة أصبحت الآن “تصنع التاريخ” في قيرغيزستان كما فعلت في أوكرانيا ومرتفعات قره باغ.
ووفقًا لوسائل الإعلام الطاجيكية؛ استخدمت القوات القرغيزية أسلحة ثقيلة، بما في ذلك طائرات هليكوبتر وطائرات مسيّرة من طراز بيرقدار، لقصف المستوطنات والمدارس والمساجد. وتقدر طاجيكستان بأن عدد القتلى بلغ 41 شخصًا، بينما تفيد قيرغيزستان بأن 59 شخصا قد قتلوا وأصيب 139 آخرون، وتضرر 613 منزلًا.
ولطالما تكررت جولات القتال في المنطقة الحدودية المتنازع عليها بين البلدين منذ استقلالهما بعد انهيار الاتحاد السوفيتي قبل ثلاثة عقود، لكن هذه المرة، لاحظ المراقبون أن طائرات بيرقدار تطغى على التفوق العسكري لطاجيكستان؛ حيث يمكن لمثل هذه النتيجة أن تضيف زخما إلى سمعة بيرقدار في السوق العالمية، ولكنها ستضيف عاملًا شائكًا لعلاقات تركيا مع جمهوريات آسيا الوسطى.
وتلقت قيرغيزستان الطائرات المسيّرة في كانون الأول/ ديسمبر 2021. وفي 13 أيلول/سبتمبر، أي قبل يوم من اندلاع الاشتباكات؛ افتتح رئيس قيرغيزستان سدير جاباروف قاعدة جديدة تم بناؤها للطائرات المسيّرة، وتخضع لسيطرة حرس الحدود. وفي شباط/فبراير 2021؛ توصلت قيرغيزستان أيضا إلى اتفاق مع روسيا لشراء أنظمة الدفاع الجوي إس-300 وطائرات أورلان-10 المسيّرة. وردًّا على ذلك، تحركت طاجيكستان أيضا للحصول على طائرات بيرقدار المسيّرة من تركيا.
في أبريل / نيسان؛ بعد جولة أخرى من الاشتباكات الدامية على الحدود الطاجيكية القرغيزية، قال وزير خارجية قيرغيزستان جينبيك كولوبييف في البرلمان إن التقارير التي تفيد بأن تركيا تزوّد طاجيكستان بطائرات مسيّرة صحيحة. وأضاف أن قيرغيزستان طلبت من تركيا “توخي الحذر بشأن هذه المسألة لأن المشاكل بين جمهورية قيرغيزستان وجمهورية طاجيكستان لم تحل بعد. فكانت إجابتهم بأنه ما بينهم هو عمل”.
وفي وقت سابق من نيسان/أبريل، وقع وزير الدفاع في طاجيكستان شير علي ميرزو ونظيره التركي، خلوصي أكار، اتفاقية الإطار العسكري في أنقرة؛ حيث قال أكار في ذلك الوقت إن تركيا مستعدة لتقديم المساعدة لطاجيكستان في أمن الحدود ومكافحة الإرهاب. وأثناء وجوده في تركيا، زار ميرزو مصنع تصنيع طائرات بيرقدار والتقى بمديري بايكار، الشركة المنتجة للطائرات المسيّرة والمملوكة لعائلة صهر أردوغان الأصغر؛ حيث نشرت السفارة التركية في طاجيكستان صورًا لهذه الزيارة.
في أيار/مايو، صرّحت لجنة الأمن القومي في قيرغيزستان بأن لديها “معلومات موثوقة” تفيد بأن طاجيكستان لم تبرم أي صفقة مع شركة بايكار أو أي شركة تركية لتصنيع الطائرات المسيّرة؛ ونتيجة لذلك لم يتم التحقق من تقارير استحواذها على طائرات مسيّرة من طراز بيرقدار. وقد يُعزى عدم توقيع بايكار لاتفاق مع طاجيكستان بعد إلى مخاوف تركيا من إغضاب قرغيزستان.
وأصبحت تركمانستان أول جمهورية في آسيا الوسطى تحصل على الطائرات المسيّرة تي بي 2 في كانون/ديسمبر 2020، كما تجري أوزبكستان وكازاخستان الآن محادثات مع بايكار لتحذو حذوها بعد قيرغيزستان.
توسع سوق الطائرات المسيّرة التركية في آسيا الوسطى يمكن أن يعمق النفوذ العسكري الإستراتيجي لتركيا في منطقة تعتبرها روسيا ساحتها الخلفية ويزعج موسكو
ووسط العلاقات المشحونة مع الغرب؛ كان الرئيس التركي رجب طيب أردوغان يتطلع بشكل متزايد إلى الشرق في السنوات الأخيرة، وأشار إلى أن تركيا ترغب في الانضمام إلى منظمة شنغهاي للتعاون، التي تهيمن عليها روسيا والصين، وتسعى إلى تعزيز النفوذ التركي في آسيا الوسطى، بالاعتماد على الروابط العرقية واللغوية مع الدول التركية في المنطقة.
وبالتالي؛ فإن كيفية تأثير بيع طائرات بيرقدار على تلك الجهود هو سؤال وثيق الصلة، إذ أن أنقرة في عجلة من أمرها لبيع الطائرات المسيّرة من طراز تي بي 2، ويبدو أنها لا تهتم كثيرًا بالعواقب.
وفي سياق النهج ذاته؛ قال تحليل أجرته وكالة أنباء الأناضول التي تديرها الدولة، إن “نقاط التوتر مثل الاشتباكات الحدودية بين قيرغيزستان وطاجيكستان، وعداء العناصر المتطرفة في القوات المسلحة الأرمينية للوضع الراهن الجديد في مرتفعات قره باغ وحكومة باشينيان، والتهديدات الناشئة عن أفغانستان بعد انسحاب الولايات المتحدة والعديد من المخاطر الإقليمية الأخرى، تكشف أن هناك مساحة نشاط واسعة مخصّصة للطائرات المسيّرة المسلحة التركية”.
في تشرين الثاني/نوفمبر 2021؛ قادت تركيا عمليّة إنشاء منظمة الدول التركية مع أذربيجان وكازاخستان وقيرغيزستان وأوزبكستان، تتويجًا لمختلف مبادرات التعاون منذ التسعينيات. في المقابل؛ لم تكن طاجيكستان جزءا من المجموعة لأن سكانها يتحدثون الفارسية في الغالب.
وانحاز الأمين العام لمنظمة الدول التركية علانية إلى جانب قيرغيزستان بعد التصعيد الأخير، مما أثار احتجاجات من طاجيكستان، وهذا الوضع يلقي بظلاله على حياد تركيا المعلن تجاه جمهوريات آسيا الوسطى.
ووفقا لكريم هاس، الأكاديمي التركي المقيم في موسكو والمتخصص في الشؤون الأوراسية، فإن ظهور الطائرات التركية المسيّرة لأول مرة في الاشتباكات الحدودية المتكررة بين قيرغيزستان وطاجيكستان يضيف بُعدًا جديدًا للصراع؛ حيث قال هاس لـ”المونيتور” إن توسع سوق الطائرات المسيّرة التركية في آسيا الوسطى يمكن أن يعمق النفوذ العسكري الإستراتيجي لتركيا في منطقة تعتبرها روسيا ساحتها الخلفية ويزعج موسكو، على الرغم من أن أي تحرك مضاد ليس مرجحًا في الوقت الحالي، نظرًا إلى المشاكل الروسية المتزايدة في أوكرانيا.
ويعتقد هاس أن الطائرات المسيّرة من طراز تي بي 2 قد قلبت الموازين لصالح قيرغيزستان بعد أن تمتعت طاجيكستان بتفوق عسكري نسبي لسنوات، قائلًا: “لطالما كانت قيرغيزستان تعاني من خسائر فادحة في الاشتباكات الحدودية السابقة، لكن طاجيكستان تتكبد خسائر فادحة هذه المرة”، مشددًا على أن استخدام طائرات بيرقدار قد أكد فكرة وقوف تركيا إلى جانب قيرغيزستان.
يمكن لمبيعات الطائرات المسيّرة إلى مناطق الصراع أن تعزز روابط تركيا مع أطراف معينة ولكنها تضر بعلاقاتها مع الآخرين
علاوة على ذلك؛ حذر الباحث من أن مبيعات الطائرات المسيّرة قد تسبب ضررًا أكبر من الفوائد لتركيا في نهاية المطاف؛ حيث قال: “إن الوضع الحالي قد يضر بعلاقات تركيا مع طاجيكستان أو يشجع طاجيكستان على الحصول على طائرات مسيّرة من تركيا أو إيران أو روسيا لاستعادة التوازن مع قيرغيزستان. ولو جاءت الطائرات المسيّرة من إيران، فقد يؤدي ذلك إلى توسيع نفوذ طهران، ولو باعت تركيا طائرات مسيّرة إلى طاجيكستان أيضًا، فقد تواجه ردود فعل من طرف قيرغيزستان”.
وأضاف هاس أنه: “نتيجة لذلك، فإن تجارة الطائرات المسيّرة لا يمكن أن تُرضي كلا الجانبين، إذ تخاطر تركيا بالإضرار بعلاقاتها من أجل تحقيق أرباح ببضع مئات الملايين من الدولارات لدائرة أردوغان المقربة”.
ووفقًا لهاس، فإن استخدام الطائرات المسيّرة يطيل الاشتباكات ويتسبب في حصيلة أكبر من الضحايا، مما يقوّض إمكانيّة إيجاد تسوية دبلوماسية للنزاع الحدودي بين قيرغيزستان وطاجيكستان، وأضاف في هذا الشأن: “يضر هذا الوضع بدوره بكفاءة منظمة معاهدة الأمن الجماعي ومنظمة شنغهاي للتعاون، التي انطلقت في عام 1996 بهدف حل النزاعات الإقليمية”، مشيرًا إلى أن قيرغيزستان وطاجيكستان عضوان في كلا المجموعتين.
وتابع قائلًا: “الزخم السلبي الذي تضيفه الطائرات المسيّرة إلى الاشتباكات يمثّل مصدر إزعاج ليس فقط لموسكو بل لبكين أيضًا”.
وفي سياق متصل،؛ اضطرت تركيا إلى نقل سفارتها في إثيوبيا إلى كينيا في وقت سابق من هذا العام بعد مواجهة التهديدات بسبب استخدام الحكومة الإثيوبية لطائرات مسيّرة طراز تي بي 2 ضد متمردي تيغراي.
باختصار؛ يمكن لمبيعات الطائرات المسيّرة إلى مناطق الصراع أن تعزز روابط تركيا مع أطراف معينة ولكنها تضر بعلاقاتها مع الآخرين. ووصول مثل هذا الجدل إلى آسيا الوسطى يمثّل نقطة سلبيّة بالنسبة لممر النقل الذي يحلم أردوغان بربطه بآسيا الوسطى على أساس المصالحة المحتملة بين أذربيجان وأرمينيا.
المصدر: المونيتور