ترجمة حفصة جودة
في وقت سابق من هذا الشهر، توفيت مهسا أميني – 22 عامًا – في ظروف غامضة بعد أن اعتقلتها شرطة الأخلاق الإيرانية لارتدائها الحجاب – الذي أصبح مفروضًا على النساء في إيران منذ ثورة 1979 – بشكل غير مناسب.
منذ وفاة أميني، خرج الآلاف في الشوارع للانضمام إلى مظاهرات تقودها النساء ضد قمع النظام الإيراني الذكوري وتحكمه في حياتهن وأجسادهن، في الشوارع وعلى وسائل التواصل الاجتماعي، كان المتظاهرون ومناصروهم الدوليون يهتفون “النساء، الحياة، الحرية”.
ردًا على مقاومتهم الشجاعة، تعامل النظام الإيراني بعنف مع المتظاهرين، وعطل الوصول إلى الإنترنت ونشر شرطة مكافحة الشغب في الشوارع، ما تسبب في مقتل العشرات.
كأكاديمية تركز على العدالة بين الجنسين في منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا، فقد سُئلت كثيرًا عن رأيي في الموقف، لكنني لا أعلق فورًا لأنني أدرك جيدًا كيف يتم اختيار أخبار مقاومة النساء المسلمات ونشرها بطريقة مبسطة تعزز من الأجندات التدخلية والمعادية للإسلام والإمبريالية الضارة، بدلًا من تقديم الدعم الهادف والتضامن.
يجب أن تُوضع الاحتجاجات الأخيرة في سياقها ضمن النضال الأوسع لحقوق النساء والأقليات في إيران، وضمن التاريخ الأوسع للمقاومة الشعبية لسياسات النظام القمعية.
تحدثت وسائل الإعلام الدولية عن شجاعة المتظاهرين والعواقب الوخيمة التي تسببت بها الحكومة الإيرانية، وبينما نشأ عن ذلك دعم عالمي للمتظاهرين، إلا أنه خلّد أيضًا لسردية المنقذ المنافقة المعروفة من الغرب
يجب أن تُفهم أيضًا في سياق نضال النساء من أجل العدالة والحرية من أشكال القمع المتداخلة في كل مكان، بما يفسح المجال لتضامن نسوي عالمي شامل وتحرري حقًا.
سردية المنقذ المنافقة
منذ بداية الاحتجاجات، تحدثت وسائل الإعلام الدولية عن شجاعة المتظاهرين والعواقب الوخيمة التي تسببت بها الحكومة الإيرانية، وبينما نشأ عن ذلك دعم عالمي للمتظاهرين، إلا أنه خلّد أيضًا لسردية المنقذ المنافقة المعروفة من الغرب، الذي يدّعي دعمه للنساء والأشخاص نفسهم الذين تسببت سياساته وتدخلاته الوحشية في ضرر كبير لهم.
على سبيل المثال، قال جاك تابر من سي إن إن، إن فرض المزيد من العقوبات على إيران – تلك العقوبات التي كان لها تأثير ضار بشكل خاص على النساء – ليس كافيًا، ودعا قادة الغرب إلى القيام بالمزيد وأن يعلنوا بكل وضوح وصراحة وقوفهم بجانب نساء إيران.
ورغم أنه لم يفصل الأمر، كان واضحًا أنه يحدث قادة الغرب الذين لهم تاريخ مدمر يخدم أهدافهم الخاصة بغزو الدول المسلمة مثل العراق وأفغانستان بدعوى تعزيز حقوق النساء، بينما في الوقت نفسه يقيدون حقوق النساء المسلمات والأقليات في الغرب.
من غير المثير للدهشة أن تركز وسائل الإعلام بشدة على قضية الحجاب، خاصة رفض النساء له، بنشر صور ومقاطع فيديو لنساء يقصصن شعرهن ويحرقن حجابهن احتجاجًا على الوضع، لم يُذكر ذلك فعليًا بما يعنيه في سياق الاحتجاج ضد النظام الذي يُعرّف نفسه أساسًا بأنه يقوم على الشريعة الإسلامية.
فبعيدًا عن سياقها، صُورت هذه الأفعال الرمزية على أنها احتجاج على الإسلام والقيود الدينية التي يستطيع الغرب من خلال عقوباته وتدخلاته أن يمحيها وينقذ الإيرانيين منها.
لا شك في شجاعة المتظاهرين في إيران، فقد دفع الكثيرون ثمنًا غاليًا لذلك، لكن تركيز وسائل الإعلام على الحجاب بدلًا من مقاومة النساء الجريئة لنظام قمعي وكفاحهن المستمر من أجل حقهن في الاستقلال الجسدي، هو تركيز مخل ويأتي بنتائج عكسية.
إن اختزال الحركة الاحتجاجية في مسألة خلع الحجاب بدلًا من استكشافها كنضال من أجل الاختيار والحرية من جميع أشكال القمع خاصة على أساس النوع والدين والعرق وسردية وسائل الإعلام السائدة يساهمان في خداع النساء الإيرانيات ويصوران أنهن جميعًا يطالبن بشيء واحد فقط: الحرية من الحجاب.
تأجيج الإسلاموفوبيا
هذا التركيز يبعدنا عن سيطرة أجهزة النظام المتعددة على النساء والأقليات المضطهدة الأخرى، ويركز على منظور ضيق عن الحجاب فقط، بما لا يترك مجالًا لمشاركة أعمق في أشكال القمع والتهميش المتقاطعة التي يواجهها الناس في إيران، خاصة في منطقتها الكردية بما في ذلك الوضع الاجتماعي والاقتصادي البائس الناتج عن العقوبات الغربية.
إن التركيز على الحجاب يصور القضية أيضًا كأنها أمر يحدث هناك فقط، وهو ينبني على فهم مختزل دائم للإسلام (في تلك القضية، كدين يُفرض بالقوة من النظام ومؤسساته) كأنه أصل لقمع النساء في إيران، ما بدوره يعزز الإسلاموفوبيا ويضر المجتمعات المسلمة في الخارج.
تتعرض أجساد النساء للسيطرة والتسيس لخدمة مشروعات الدولة، لكن تقارير الإعلام الانتقائية تسمح بالحديث عن واحدة وتتجاهل الأخرى والعلاقة بينهما
يتجاهل ذلك الطبيعة التعددية للإسلام ويخفي شهادات تاريخية غنية متنوعة لنساء في إيران وفي سياقات مسلمة أخرى تؤسس لمطالبتهن بحقهن والعدالة داخل إطار إسلامي، يعرفه الكثيرين بالنسوية الإسلامية.
ورغم أن الإسلام عامل بارز في تحليل السياسات الإيرانية، فإنه ضروري أيضًا لوضع الأحداث الجارية داخل نطاق فهم أوسع لتقاطع النوع والقومية.
تتعرض النساء في جميع أنحاء العالم إلى استغلال الحكومات مع اختلاف الشكل والمدى، سواء كانت إسلامية أم غيرها، لتجسيد قيم وهويات وطنية محددة، لكن تركيز وسائل الإعلام على الحجاب يخفي حقيقة أن آلية السلطة في إيران لا تختلف كثيرًا عن السلطة التي تحظر الحجاب في فرنسا على سبيل المثال.
وبينما تظهر صورة النساء الإيرانيات كرمز للتقوى، فإن النساء الفرنسيات يظهرن كرمز للعلمانية، وفي كلتا الحالتين، تتعرض أجساد النساء للسيطرة والتسيس لخدمة مشروعات الدولة، لكن تقارير الإعلام الانتقائية تسمح بالحديث عن واحدة وتتجاهل الأخرى والعلاقة بينهما.
إن تحويل التركيز عن قضية خلع الحجاب إلى التساؤل بشأن الاختيار والاستقلال الجسدي والحرية من القمع، ينقل السردية بعيدًا عن الاختزال والثنائية الخطيرة المتمثلة في “الغرب ضد الإسلام”.
إنها تسمح بتقدير كامل لمطالب المحتجين الذي يكافحون ضد النظام القمعي الأبوي، والمزيد من الفهم لهيكلية السلطة التي تسببت مرة أخرى في مثل هذه الاحتجاجات المناهضة للحكومة واسعة النطاق.
وأخيرًا، فهي تفتح الباب أمام احتمالات المزيد من أشكال التضامن النسوي العالمي الفعال، الذي يمكّن النساء والأقليات في إيران من نشر أصواتهم، وهو أمر لا يمكن بسهولة اختياره لخدمة السرديات المختزلة التي تدعم الإسلاموفوبيا والسياسات التدخلية.
المصدر: ميدل إيست آي