أثار الأمر الملكي الذي أصدره العاهل السعودي الملك سلمان بن عبد العزيز، الثلاثاء 27 سبتمبر/أيلول 2022، بتعيين ولي العهد الأمير محمد بن سلمان رئيسًا لمجلس الوزراء، حالة من الجدل، كونه قرارًا استثنائيًا في وقت تعاني فيه المنطقة من سيولة سياسية غير مسبوقة.
ووفق وكالة الأنباء السعودية الرسمية فإن قرار تعيين ولي العهد رئيسًا للوزراء هو “استثناء من حكم المادة (السادسة والخمسين) من النظام الأساسي للحكم، ومن الأحكام ذات الصلة الواردة في نظام مجلس الوزراء”، كما تضمنت الأوامر تعيين الأمير خالد بن سلمان بن عبد العزيز وزيرًا للدفاع، وكان الأمير خالد يشغل منصب نائب وزير الدفاع.
لم يكن ابن سلمان الحالة الأولى التي يتقلد فيها ولي العهد منصب رئاسة الحكومة، فقد سبقه إليها الملك فيصل بن عبد العزيز عام 1959 حين كان وليًا للعهد، فقد عينه شقيقه الملك سعود في هذا المنصب، ثم الملك فهد بن عبد العزيز الذي عينه شقيقه الملك خالد رئيسًا للوزراء.
البعض حاول الربط بين هذا القرار والوضع الصحي للعاهل السعودي خاصة في الآونة الأخيرة حيث أُدخل المستشفى مرتين هذا العام، آخرها مايو/آيار الماضي، ومكث هناك قرابة الأسبوع، غير أن آخرين يرون أن لا علاقة له بذلك، وهو ما فتح باب التكهنات بشأن دلالات هذه الخطوة التي ربما لا تغير كثيرًا من معطيات الواقع الذي يهيمن عليه فعليًا ابن سلمان منذ أن أصبح وليًا للعهد عام 2017.
تحصيل حاصل.. ولكن
يرى البعض أن تعيين ابن سلمان رئيسًا للوزراء تحصيل حاصل، فهي خطوة لن تغير كثيرًا في قواعد اللعبة ميدانيًا، فمنذ الإطاحة بابن عمه محمد بن نايف، وزير الداخلية وولي العهد الأسبق عام 2017، هيمن الأمير الشاب على معظم جنبات الحكم في المملكة، وصار الحاكم الفعلي للبلاد.
كل المؤشرات والتحركات والسياسات والمواقف التي اتخذتها السعودية خلال السنوات الخمسة الماضية تؤكد أن الملك سلمان بعيد تمامًا عن سدة الحكم وأن منصبه شرفي في المقام الأول بحكم السن والوضع الصحي، فيما يسيطر نجله الأكبر على المشهد بصورة شبه كاملة، وهو الواقع الذي لا يحتاج إلى برهان.
القرار يهدف كذلك إلى ترسيخ وضعية ابن سلمان كـ”ملك قادم” للسعودية، في رسالة واضحة لهيئة البيعة المعنية باختيار الملك وولي عهده
صحيفة “فاينانشال تايمز” في تعليقها على هذه الخطوة وصفتها بأنها تعكس الموقع الفعلي لابن سلمان في الحكم، إذ تعزز دوره كحاكم فعلي للمملكة، حتى إن كان سلمان على رأس الدولة رسميًا، فيما نقلت عن الخبير السياسي السعودي، علي الشهابي، المقرب من دوائر الحكم في السعودية، قوله إن هذا الأمر الملكي “يحول الواقع الفعلي إلى وضع قانوني ويزيل بعض الارتباك المرتبط بالبروتوكول، حيث إن رتبة الأمير السابقة كانت نائب رئيس الوزراء وكان يتعامل بالفعل مع رؤساء الحكومات ورؤساء الدول”.
ورغم أن ابن سلمان هو الحاكم الفعلي للبلاد، فإن منصبه كنائب لرئيس الوزراء أفقده بعض النفوذ وفق القانون والبروتوكول المعمول به لدى بعض الدول، سواء من حيث رسمية الحضور أم مراسم الاستقبال، وعليه فإن التعديل الأخير ربما يُعيد إليه الجزء الغائب عنه طيلة السنوات الخمسة الماضية.
تمهيد الأجواء لانتقال سلس للسلطة
آخرون قرأوا تلك الخطوة في إطار استباق العاهل السعودي الأمر نحو تمهيد الطريق لنجله لخلافته في حكم المملكة، وتهيئة الأجواء لانتقال سلس وتدريجي للسلطة من الملك إلى ولي العهد، كأنها الخطوة التي تسبق الإعلان النهائي لانتقال السلطة كاملة، في محاولة لتجنب أي خلافات جدلية قد تنشأ بعد رحيل الملك، مع التذكير أنه قد خرجت تسريبات في 2017 تشير إلى احتمالية تنازل سلمان عن الحكم لولده.
القرار يهدف كذلك إلى ترسيخ وضعية ابن سلمان كـ”ملك قادم” للسعودية، في رسالة واضحة لهيئة البيعة المعنية باختيار الملك وولي عهده، المشكلة من أبناء وأحفاد المؤسس الملك عبد العزيز آل سعود، بما يغلق الباب بشكل ما أمام أي خلافات بينية أو تباين في وجهات النظر بشأن اسم وهوية خليفة سلمان، كما حدث في مرات سابقة.
وكانت وكالة “رويترز” قد نقلت في 2018 عن ثلاثة مصادر قريبة من البلاط الملكي قولها إنّ هناك توجهًا من بعض أفراد الأسرة الحاكمة لمنع ابن سلمان من أن يصبح ملكًا بعد وفاة والده، مؤكدة أن عشرات الأمراء وأبناء العمومة يخططون لحصول تغيير في خط الخلافة على رأس الهرم.
قرار العاهل السعودي جاء تحت ضغط واضح من الأمير الشاب الذي يسارع الخطى لترسيخ أركان حكمه وتهيئة الأجواء تمامًا للتعامل معه وفق منصبه الجديد، بما يغلق الباب أمام كل المحاولات التي تهدد وصوله للحكم
ويتفق مع هذا الرأي مدير مؤسسة بدائل الشرق الأوسط، حسن منيمنة، الذي يرى أن تلك الخطوة “قد تدخل في إطار تحضير الأجواء لانتقال سلس للسلطة، أو فقط لتثبيت ما هو ثابت”، مضيفًا في تصريحاته لموقع قناة الحرة “القرار مركز في السعودية بيد ولي العهد وهو صاحب القرار الفعلي، إضافة لقب رئيس الوزراء له لا يقدم ولا يؤخر”، على حد تعبيره.
وفي السياق ذاته يصف مراقبون الأمر كأنه محاولة لإجراء تعديل في نظام الحكم بالسعودية، من نظام ملكي إلى ملكي دستوري، بما يجنب البلاد الكثير من الانتقادات الخارجية والداخلية على حد سواء، حيث تدشين مجلس أعلى للسلطة يضم تحت لوائه العائلة الحاكمة والأمراء ذوي صلة القرابة الأولى للأسرة بجانب أمراء العشائر الكبرى، يليه مجلس آخر أدنى يضم ممثلين عن الشعب في محاولة لخلق نظام مشابه لنظام الحكم في بريطانيا.
من الواضح أن قرار العاهل السعودي بتعيين نجله رئيسًا للوزراء جاء تحت ضغط واضح من الأمير الشاب الذي يسارع الخطى لترسيخ أركان حكمه وإمساكه بتلابيب المشهد كافة وتهيئة الأجواء تمامًا للتعامل معه وفق منصبه الجديد، بما يغلق الباب أمام المحاولات التي تهدد وصوله للحكم، وهي المحاولات التي نجح ابن سلمان في وأدها خلال السنوات الماضية، لكن رغم ذلك ما زال خطرها قائمًا في ظل حالة الفوضى التي تشهدها المنطقة والخريطة الدولية برمتها.