اتفق حزب التجمع اليمني للإصلاح (الإخوان المسلمون) والحوثيون (جماعة أنصار الله) على ثلاث قضايا رئيسية أولاها: التأكيد على بناء الدولة اليمنية القائمة على العدل والمساواة والحرية، والقضية الثانية: التعهد بمحاربة الفساد أينما وجد في مؤسسات الدولة، وخلص الطرفان في هذا الاتفاق الشفاهي إلى القضية الثالثة التي أثارت لغطًا وجدلاً وتأويلات وهي: تنفيذ مخرجات الحوار الوطني واتفاق السلم والشركة.
وتعهد الطرفان أيضًا على إنهاء كافة أسباب التوتر ومعالجة تداعيات الفترة الماضية .. اللقاء الذي تم في محافظة صعدة وجمع زعيم الحوثيين السيد “عبد الملك الحوثي” وقيادات إصلاحية عليا، فاجأ الكثيرين ومن بينهم قواعد الإصلاح نفسه التي تتهم قياداتها بأنها لم تحسن إدارة الخلاف مع الحوثيين منذ البداية، لكن هل فعلاً سيصمد هذا التقارب أو هذا الاتفاق؟ هل تم هذا الاتفاق مراعاة لمصالح البلاد أم بناء على ترتيب إقليمي؟ من الخاسر الأكبر من هذا التقارب الحوثي الإصلاحي؟ وأين موقع الرئيس اليمني “عبد ربه منصور هادي: بعد أن اختربت عليه وعلى قوى محلية وإقليمية الطبخة؟
الحوارات واللقاءات والاتفاقات بين حزب الإصلاح والحوثيين ليست جديدة فقد جلس الطرفان على أكثر من طاولة حوار رفقة قوى سياسية أخرى، وجلسوا أيضًا في ساحات ثورية ليس فيها طاولات ولا كراسي، لكن ربما كان لكل تلك اللقاءات نتائج عكسية حيث تحول حزب الإصلاح بتوصية أطراف خارجية إلى عدو يجب اجتثاثه وعقبة كأداة يجب تدميرها بجنازير الدبابات المنهوبة من معسكرات الدولة، لكن سيطرة الحوثيين على العاصمة صنعاء في 21 سبتمبر الماضي كشف سوءات كثير من القوى السياسية المحلية والأطراف الإقليمية التي كانت تراهن على احتضان اليمن لتجربة الثورة المضادة في مصر وتجربة الإقصاء والتطهير المذهبي في العراق وتجربة الاحتراب العبثي الجاري الآن في سوريا، لكن بعد مرور أكثر من شهرين من فرض الحوثيين لواقع سياسي وميداني جديد وغرقهم في بحر من الصراع والقتال مع قوى وقبائل في محافظة البيضاء والجوف وإب ومحافظات أخرى تتحفز لقتالهم وصدهم، وفي المقابل التزام حزب الإصلاح بالعمل وفق أدوات العمل السياسي السلمية واحتفاظه بكل قدراته الخيِرة والشِريرة، كل ذلك وضع الحوثيين وغيرهم أمام حقيقة أن اليمن عصي على التطويع والحكم بقوة السلاح وأن قوة الحكمة أسلم طريق.
التقارب بين الحوثيين والإصلاحيين يأتي في وقت قُتل فيه الآلاف من جماعة الحوثي في المناطق التي تزحف إليها لبسط السيطرة، وهناك طلبات للرئاسة اليمنية بتجنيد عشرات الآلاف من المقاتلين في محافظة مأرب والحديدة ليكونوا ضمن المؤسسة العسكرية والأمنية أسوة بمن تم استيعابهم من الحوثيين، كذلك يشعر الحوثيون بأن الهدف من التحالف مع حزب المؤتمر الشعبي العام قد تحقق وحان الوقت للبحث عن أدوات جديدة في العمل السياسي تمكنهم من الحفاظ على ما أنجز بقوة السلاح، خاصة وأن حزب المؤتمر الشعبي تحول الآن إلى عبء ثقيل على الحوثيين بسبب المواقف الانتقامية للرئيس المخلوع “علي عبد الله صالح”، حيث جعل الحزب يترنح ويمكنه أن يتشظى بين لحظة وأخرى إلى حزبين أو أحزاب، كذلك شعر الحوثيون بأن هناك تململاً شعبيًا من نزعتهم التسلطية التي طغت بشكل كبير على النزعة الثورية التي حاولوا تسويقها منذ القرار الرئاسي المجنون برفع أسعار المشتقات النفطية، كل هذه المعطيات ربما جعلتهم يفضلون خيار التقارب مع الإصلاحيين الذين لايزالون يرفعون شعار الدولة المدنية الضامنة لحقوق الجميع.
صمود هذا الاتفاق الشفاهي الإصلاحي الحوثي وتطوره إلى حوار وتواصل مستمر لبناء الثقة وطي صفة الماضي ستكون له نتائج إيجابية على مستقبل اليمن خاصة وأن الطرفين قوتان مؤثرتان سياسيًا وميدانيًا لأن حالة سكون قواعد حزب الإصلاح لا يعني الاستسلام للأمر الواقع، لكن الخاسرين من هذا التقارب كثر أولهم الرئيس المخلوع “علي عبد الله صالح” لأنه اعتاد على اللعب بالمتناقضات وضرب القوى ببعضها وهي مهارة شريرة أتقنها منذ اعتلائه سدة حكم البلد نهاية سبعينات القرن الماضي ورغم ترحيب حزبه بهذا التقارب إلا أن رغبة رؤية حزب الإصلاح ضعيفًا أو منهارًا وقادته في السجون كانت هدف صالح من تحالفه مع الحوثيين، أما الخاسر الثاني فهو الرئيس الحالي “عبد ربه منصور هادي” الذي ستتزايد عليه الضغوط بسبب سياساته المرتعشة غير القادرة على تخطي أزمات البلاد خاصة بعد أن ساد انطباع بأن هادي حاول الحفاظ على الكرسي بخلق حالة عدائية بين الحوثيين والإصلاح، أما الطرف الإقليمي الذي ربما لن يعجبه هذه التقارب فهو الذي دفع الأموال لتعزيز حظ سيطرة الثورة المضادة على مفاصل الدولة والتهيئة لعودة الابن ليسترد سلطة الأب.
هناك معلومات تقول إن التقارب الحوثي الإصلاحي تم بمباركة السعودية وإيران وإن الترتيب يجري حاليًا لإطلاق مبادرة خليجية جديدة تقودها عمان لإكمال مسيرة عملية الانتقال السياسي السلس وإيجاد إجابة توافقية على مسألة شرعية الرئيس عبدربه منصور هادي بالإعلان عن مجلس رئاسي جديد من خمسة أشخاص يرأسه هادي وإعادة النظر في عدد الأقاليم وحل كل القضايا انطلاقًا من رؤية كلية لا تهمش أحدًا، ووفق هذه المعلومات ربما يصبح الاتفاق بين الحوثيين والإصلاحيين حجر أساس في طريق المصالحة والتعايش الذي أصبح حلم اليمنيين بعد أن ضاقوا ذرعًا بحروب الطوائف ونتائجها المدمرة، والجميع يتوق إلى رؤية تجليات الحكمة اليمنية واقعًا معيشيًا لا يستجيب للمؤامرات الإقليمية التي تسعى لجعل اليمن ساحة حروب بالوكالة.
المصدر: بوابة الشرق