ترجمة وتحرير: نون بوست
من المفترض أن تكون هذه أيام شي جين بينغ الأخيرة في قيادة الصين. وعلى مدى عقود، استبدل الحزب الشيوعي الصيني قيادته العليا بانتظام – وهو نظام لطالما كان حاسمًا لنجاح الأمة. وبعد 10 سنوات في السلطة، من المقرر أن يتنحى شي ليفسح المجال لفريق جديد بتوجيه مستقبل البلاد. ولكن عندما يجتمع كبار قيادات الدولة في بكين يوم 16 تشرين الأول/أكتوبر لحضور المؤتمر العشرين للحزب، من المتوقع أن يكسر شي القاعدة بتمديد ولايته لمدة خمس سنوات أخرى على الأقل.
مع أن التخلي عن هذا العرف كان موضع نقاش لسنوات، إلا أن هذه الأخبار قد تعيد إثارة مخاوف بعض المسؤولين في واشنطن بعد أن حوّل شي الصين من شريك محتمل للولايات المتحدة إلى خصمها الاستراتيجي الرئيسي. يبدو أن الزعيم الصيني مصمم على الاستفادة من الثروة التي اكتسبتها بلاده مؤخرًا لتحدي الهيمنة الاقتصادية الأمريكية وريادتها التكنولوجية، وهيمنتها العسكرية، وحتى افتراضاتها حول النظام العالمي الذي يشكل أساس القوة الأمريكية. ومن شبه المؤكد أن خمس سنوات أخرى من حكم شي تعني خمس سنوات أخرى من منافسة القوى العظمى، وحتى المواجهة المباشرة.
هذا ما هو متفق عليه، لكن ربما ينبغي لواشنطن أن تكون ممتنة لأن حكم شي ما زال قائما. لا شك أن زعيم الصين ينوي حتمًا دحر النفوذ الأمريكي العالمي، لكنه قد لا يبذل كل مافي وسعه لتحسين جاهزية بلاده لتحقيق هذا الهدف. مع ذلك، تشير النتائج الفعلية لسياساته إلى أنه ساهم في إضعاف الصين كمنافس للولايات المتحدة وليس تقوية دفاعاتها. وهذا يعني أنه كلما طالت مدة بقاء شي في سدة الحكم، باتت الصين أقل قدرة على المنافسة.
يعكس تراجع مؤشرات البلاد نقاط ضعف شي في كل جانب من جوانب السياسة تقريبًا. لقد تباطأ الاقتصاد بشكل كبير، وتخلت القيادة عن تحقيق هدف النمو الذي كان في السابق مسألة مقدسة. كما أدت السياسة الخارجية العدوانية التي ينتهجها شي إلى عزل معظم القوى الكبرى في العالم، وإثارة رعب جيران الصين في آسيا، ناهيك عن أن العديد من المبادرات الحكومية رفيعة المستوى للرئيس الصيني شابها التبذير وسوء الإدارة. ونتيجة لذلك، لم يعد صعود الصين الذي وصفه شي بأنه حتمي مؤكدًا في ظل حكمه.
لهذه الرواية البديلة تداعيات خطيرة على السياسة الخارجية والداخلية الأمريكية. ردا على عدوانية شي، يشعر صانعو السياسة في واشنطن بأنهم مضطرون لمنافسة الصين على كل الجبهات: الدبلوماسية والاقتصادية والتكنولوجية والعسكرية والأيديولوجية. يقف هذا التفكير وراء مشروع قانون أشباه الموصلات الذي تم توقيعه مؤخرًا، وصُمم لضمان استمرار إتقان أمريكا لصناعة أشباه الموصلات في مواجهة طموحات الصين في مجال التكنولوجيا الفائقة.
اتبع الرئيس جو بايدن نفس الاستراتيجية لسنة 2021 لبناء عالم أفضل، وهو برنامج لتهيئة البنية التحتية يهدف إلى التنافس مع مبادرة الحزام والطريق الصينية وعلى النفوذ في العالم النامي. استندت هذه السياسات إلى فرضية أن قدرات الصين تواكب طموحات شي، لكن الكثير من الأدلة تشير الآن إلى أن أهداف شي تفوق قدرة البلاد على تحقيقها.
أقنعت أجندة شي الديمقراطيات في العالم بإحكام روابطها مع الولايات المتحدة ومع بعضها البعض من أجل مواجهة التهديد الذي يشكله على أنظمتها.
يبدو أن تنامي أطماع شي كان من حسن حظ واشنطن. في ظل الاضطرابات الحزبية والاجتماعية الذي شغلت الولايات المتحدة في السنوات الخمس الماضية، ربما أصبحت القوة العالمية الأمريكية أكثر ضعفًا من أي وقت مضى منذ الحرب العالمية الثانية. كان بإمكان شي الاستفادة من هذه الفوضى لتوسيع النفوذ الصيني على حساب الولايات المتحدة. بدلاً من ذلك، كان لتحركاته تأثير معاكس إذ لم يساهم في إبقاء الولايات المتحدة في اللعبة فحسب، بل في تعزيز مكانتها العالمية أيضا. يمكن القول إن شبكة التحالفات الأمريكية العالمية التي تعرضت لضغوط شديدة، أصبحت الآن أقوى مما كانت عليه منذ سنوات – ويرجع ذلك جزئيًا إلى سياسات شي.
لا تزال الصين في عهد شي تشكل تهديدًا باعتبارها الدولة الوحيدة التي لديها النية والموارد لتقويض النظام العالمي الذي تقوده الولايات المتحدة. مع ذلك، تُظهر إخفاقات أجندة شي أن الافتراض السائد بأن صعود الصين لا يمكن إيقافه مثل التراجع الأمريكي هو افتراض تبسيطي. يريد شي أن يذكره التاريخ باعتباره الرجل الذي قلب السلام الأمريكي، لكن يمكن أن ينتهي به الأمر ليكون الشخص الذي يحافظ عليه.
عندما وصل شي جين بينغ إلى السلطة في سنة 2012، توقع معظم الخبراء الصينيين أنه سيتبع المسار الناجح للغاية الذي وضعه “القائد الأعلى” دينغ شياو بينغ في الثمانينيات – الذي ينص على تحرير الإصلاحات الاقتصادية والتكامل مع الاقتصاد العالمي وتعزيز الشراكة مع الولايات المتحدة. عمل شي سابقًا مسؤولًا في بعض المناطق الصينية الأكثر حيوية من الناحية الاقتصادية، لذلك كان لديه تجربة طويلة من العمل على مبدأ دينغ المركزي القائم على “الإصلاح والانفتاح”. قبل وقت قصير من أن يصبح الزعيم الجديد للبلاد، كان لديه تفاعلات مكثفة مع نائب الرئيس آنذاك جو بايدن، مما ترك انطباعًا بأن شي يولي قيمة كبيرة لتعزيز علاقة الصين مع واشنطن.
لكن مع اتضاح معالم أجندته السياسية الخارجية، ثبُت أن تلك الافتراضات المبكرة خاطئة. لقد انحرف شي بشدة عن سياسات أسلافه وكان له توجهات أيديولوجية قومية شرسة ومهووس بالسيطرة السياسية. وعلى هذا النحو، تمكن من تغيير مسار الصين بشكل راديكالي وغير متوقع.
أحدث شي تغييرات عميقة في صلب السياسة الخارجية للصين بالكامل. ومن الواضح أنه يعتقد أن لحظة تولي الصين مكانة أقوى دولة في العالم قد حانت. بدلاً من معاملة واشنطن كشريك، يعتبر شي الولايات المتحدة أخطر خصم للصين. وبدلاً من دمج الصين في النظام العالمي الذي تقوده الولايات المتحدة، يروج شي لرؤيته الخاصة البديلة التي تعتبر الصين مركز الكون وأكثر ودية تجاه الأنظمة الاستبدادية. والجدير بالذكر أن الزعيم الصيني أقام صداقة جديدة مع الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، الذي يبدو أن شي يعتقد أنه يمكن أن يكون حليفه في جهوده لدحر القوة الأمريكية.
كلما أصبحت الصين أكثر عدائية بشكل علني للنظام الدولي الحالي، أضحت التحالفات الأمريكية أقوى. لقد أقنعت أجندة شي الديمقراطيات في العالم بإحكام روابطها مع الولايات المتحدة ومع بعضها البعض من أجل مواجهة التهديد الذي يشكله على أنظمتها.
يُنظر إلى الصين بشكل أكثر إيجابية إلى حد ما في أجزاء من العالم النامي، لاسيما أن سياسة بكين الخارجية تركز بشكل متزايد على كسب التأييد فيما يسمى بـ “الجنوب العالمي”
في بادئ الأمر، كان القادة الأوروبيون غير مرتاحين لسياسة واشنطن الأكثر صرامة بشأن الصين، وأصروا على “استقلالهم الاستراتيجي”. أدى هذا الاختلاف إلى بعض الخلاف داخل التحالف الأطلسي، لكن دعم شي لبوتين في أعقاب الغزو الروسي لأوكرانيا ساهم في رأب هذا الصدع. في قمة افتراضية في نيسان/ أبريل، تهدف ظاهريًا إلى تعزيز التعاون بين الصين وأوروبا، انتقد قادة الاتحاد الأوروبي موقف شي المؤيد لروسيا، وحذروه من تقديم المعونة لجهود بوتين الحربية.
في حزيران/ يونيو، شارك قادة من حلفاء واشنطن الأربعة الرئيسيين في المحيط الهادئ – اليابان وكوريا الجنوبية وأستراليا ونيوزيلندا – في قمة الناتو لأول مرة لمناقشة التهديد الصيني. مثّل ذلك علامةً على إمكانية وجود تحالف أكثر تنسيقًا أو اتحادًا متكاملًا يجمع القوى الديمقراطية في أوروبا وآسيا. علاوة على ذلك، أصبحت الهند – التي عادة ما تكون حذرة من التورط في منافسة القوى العظمى – أكثر نشاطًا في الرباعية “وهي شراكة أمنية تشمل أيضًا أستراليا واليابان والولايات المتحدة”. وهذا يشير إلى أن الهند ترى المجموعة على أنها ملاذ محتمل لها ضد بكين، التي تثير تحركاتها قلق القادة الهنود مما دفعهم للضغط على المطالبات الإقليمية على طول الحدود المتنازع عليها بين البلدين.
يبدو أن شي لا يلقي بالًا لنتائج أفعاله. في منتصف أيلول/ سبتمبر، في أول رحلة دبلوماسية دولية له منذ بدء جائحة فيروس كورونا، اختار شي مقابلة بوتين مبديًا ازدرائه تجاه الولايات المتحدة وحلفائها الأوروبيين. كما مضى قدمًا في سياسته غير الدبلوماسية، التي تحولت في بعض الأحيان إلى تهديدات ومطالب كان ينقلها موظفوه. وفي اجتماع مع نظيره الأسترالي في تموز/ يوليو، ألقى وزير الخارجية الصيني وانغ يي باللوم في توتر العلاقات بين البلدين على “أقوال وأفعال كانبيرا غير المسؤولة” مشيرا إلى أنه يمكن تحسين تلك العلاقات – إذا تجنبت أستراليا “أن يتم السيطرة عليها من طرف ثالث” – أي الولايات المتحدة – وفقًا لملخص صيني رسمي للمحادثة.
بعد ذلك بفترة وجيزة، هددت وزارة الخارجية الصينية الولايات المتحدة بشكل مباشر بأنها “ستدفع ثمن” زيارة رئيسة مجلس النواب نانسي بيلوسي إلى تايوان التي اعتبرتها بكين انتهاكًا لسيادتها ذلك أن “حكومة بكين تعتبر تايوان جزءًا من الصين”. بعد بضعة أيام، حذّر مسؤول صيني كبير السفير الإسرائيلي في بكين من السماح للولايات المتحدة بالتأثير على نهج إسرائيل تجاه الصين، مع ادعاء أخرق بأن اليهود والصينيين يشتركون في مظلمة مشتركة كضحايا للغرب.
نتيجة لكل هذا، تدهورت صورة الصين بشدة في جميع أنحاء العالم، وذلك وفقًا لدراسة استقصائية حديثة أجراها مركز بيو للأبحاث شملت 19 دولة معظمها من الديمقراطيات الرئيسية. كان أداء شي نفسه سيئًا أيضًا، حيث أعرب المشاركون في الاستقصاء في العديد من البلدان عن القليل من الثقة أو عدم ثقتهم في أن الزعيم الصيني “سيفعل الصواب” في الشؤون الدولية.
مع أن البرامج الصناعية لا تزال في مرحلة مبكرة جدًا لإصدار حكم نهائي عليها، وهناك بعض علامات التقدم، إلا أن النتائج حتى الآن ليست مشجعة بشكل عام.
يُنظر إلى الصين بشكل أكثر إيجابية إلى حد ما في أجزاء من العالم النامي، لاسيما أن سياسة بكين الخارجية تركز بشكل متزايد على كسب التأييد فيما يسمى بـ “الجنوب العالمي”. لكن حتى في تلك الدول، كانت خطوات شي متعثرة. لقد فشلت الصين في حشد الدول الصغيرة في جنوب المحيط الهادئ في اتفاق أمني واقتصادي، ويرجع ذلك جزئيًا إلى عجرفة بكين. قال هنري بونا، الأمين العام لمنتدى جزر المحيط الهادئ، وهي منظمة سياسية إقليمية، في إفادة صحفية في تموز/ يوليو، إن القادة المحليين رفضوا المبادرة لأن المسؤولين الصينيين قدموا لهم نسخًا أولية من وثائق الاتفاقية دون تشاور، موضحا “إذا كان أي شخص يعرف ما نريد وما نحتاجه وما هي أولوياتنا، فلن يكون ذلك أحدًا غيرنا”.
وفي الحقيقة، وضع شي ليس أفضل حالًا في الداخل، لا سيما مع الاقتصاد الصيني حيث تباطأ النمو بشكل كبير في عهده. في بداية فترة ولايته سنة 2012، نما الاقتصاد بنسبة 7.8 في المئة لكن صندوق النقد الدولي يتوقع توسعًا ضئيلًا هذه السنة بنسبة 3.3 في المئة. ربما كان الانخفاض في معدل النمو أمرًا لا مفر منه مع تطور الاقتصاد، لكن سياسات شي جعلت الأمور أسوأ على الأرجح.
كان مفتاح الازدهار الاقتصادي الصيني طويل الأمد التقليل من تدخل الدولة في الاقتصاد والانفتاح على التجارة والاستثمار في الخارج مما سمح للمؤسسات الخاصة بالازدهار. عكس شي ذلك إلى حد ما – بما يكفي لإضعاف بعض القطاعات الأكثر حيوية في الاقتصاد وتحويل رأس المال والمواهب إلى جهود مهدرة، مثل قائمة البرامج الصناعية التي تقودها الدولة.
لعل العلامة الأكثر وضوحًا على هذا التحول العبء التنظيمي المكثف الجديد المفروض على الشركات الخاصة. وبعضها حسن النية – على سبيل المثال، ضمان حصول عمال توصيل الطعام على تأمين أفضل – ولكن تم تقديم هذه الإجراءات جميعًا بشكل عشوائي مما حد من توسع بعض أهم الشركات في البلاد. عانت صناعة التعليم الخاص التي كانت مزدهرة في السابق، والتي قدمت دروسًا بعد المدرسة للأطفال الذي يطمحون في الالتحاق بالكلية، من تسريح العمال وخسائر مالية فادحة بعد مرسوم يمنع هذه الشركات من جني الأموال من تدريس مواد المناهج الأساسية لمعظم الطلاب. عانت إحدى شركات التكنولوجيا البارزة “دي دي تشوكينغ” من الكثير من المضايقات من تحقيقات الأمن الإلكتروني والقيود المفروضة على عملياتها لدرجة أن سعر سهمها انخفض بأكثر من 80 في المئة منذ طرحها الأولي قبل سنة.
بدلاً من دعم النمو الاقتصادي الجديد، قام قطاع التكنولوجيا ككل بتقليص حجم الموظفين وتسريحهم، وقد صعب ذلك على خريجي الجامعات الجدد العثور على وظائف: في تموز/ يوليو، وصلت بطالة الشباب إلى أعلى مستوى لها على الإطلاق بنسبة 20 في المئة تقريبًا “على الرغم من تحسنها بشكل طفيف في آب/ أغسطس”.
تبدو دوافع شي أيديولوجية في جزء منها وسياسية بحتة في الجزء الآخر. ويبدو أنه يخشى من اكتساب الشركات الكبرى، وخاصة قطاع التكنولوجيا، النفوذ والثروة الكافية بحيث تشكل تحديًا للحكم الشيوعي. قال مسؤولو الحزب بوضوح إنهم يريدون سيطرة أكبر على إدارة الشركات الخاصة، وتحدث شي نفسه عن “الحاجة إلى منع التوسع والنمو غير المنظم لرؤوس الأموال”. يفضل شي بدلاً من ذلك الجهود التي تقودها الدولة التي يمكنه إدارتها بسهولة أكبر. قدمت الحكومة استثمارات سخية وإعانات وإعفاءات ضريبية لدعم الصناعات التي يفضلها بيروقراطيو شي في القطاعات التي يريدون أن تهيمن عليها الصين، بما في ذلك السيارات الكهربائية وأشباه الموصلات والذكاء الاصطناعي.
مع أن هذه البرامج الصناعية لا تزال في مرحلة مبكرة جدًا لإصدار حكم نهائي عليها، وهناك بعض علامات التقدم، إلا أن النتائج حتى الآن ليست مشجعة بشكل عام. وقد أشار سكوت كينيدي، كبير المستشارين في مركز الدراسات الاستراتيجية والدولية، في مقال أخير إلى أنه على الرغم من الدعم الحكومي الهائل “لا يوجد تقريبا قطاع تكون فيه الصين الرائدة في مجال التكنولوجيا”
أدى الإغلاق المتكرر في الصين للمدن الرئيسية والمناطق الصناعية إلى خنق قطاع السفر والإنتاج والتجارة.
واحدة من أبرز هذه المهام التي تقودها الدولة تطوير صناعة أشباه الموصلات المتقدمة بما يكفي لجعل الدولة معتمدة على نفسها، لكنها هي الأخرى ابتليَت بالفساد. حتى الآن، لم تحقق سوى تقدمًا بطيئا للغاية في مواكبة عمالقة الصناعة في الولايات المتحدة، ولم تقترب من الحد من اعتماد الاقتصاد الصيني على الرقائق أجنبية الصنع.
كما أن عدم ثقة شي الواضحة في إصلاحات السوق الحرة أدى إلى تفاقم أخطر نقاط ضعف الاقتصاد: نموذج النمو المعطل. لطالما حذر صناع السياسة والاقتصاديون الصينيون في مختلف أنحاء العالم من أن نمو الصين يعتمد بشكل كبير على الاستثمار الذي غالبًا ما يكون مدفوعًا بالديون والفائض – مما يؤدي إلى إهدار الموارد على الشقق والمصانع والبنية التحتية غير الضرورية.
واصل شي ممارسة ضخ الائتمان في الاقتصاد كلما تباطأ دون التركيز على الهدف الأسمى للحزب، وهو يعاني بسبب ذلك اليوم. لقد ارتفع الدين بشكل حاد خلال فترة حكم شي من أقل من ضعف الناتج القومي في سنة 2012 إلى حوالي ثلاثة أضعاف اليوم.
وتظهر العواقب في قطاع العقارات المتضخم والحيوي. أدت محاولة الحكومة لكبح جماح المطورين المثقلين بالديون إلى اندلاع أزمة السنة الماضية لدى أحد عمالقة الصناعة، مجموعة “إيفرغراند”، ومنذ ذلك الحين تفاقمت مشاكل القطاع. وفي ظل تخلف شركات التطوير العقاري عن السداد، وانخفاض مبيعات العقارات، وتراجع أسعارها، وتراجع أعمال البناء الجديدة، فإن عدم استقرار القطاع يمثل خطرًا على البنوك في البلاد التي تتعمق في الإقراض المرتبط بالعقارات، فضلاً عن ثروة الطبقة الوسطى في البلاد.
وفي مؤشر ملحوظ على تراجع ثقة الجمهور، انخرطت العائلات في جميع أنحاء البلاد مؤخرًا في “إضراب الرهن العقاري” – من خلال تعليق المدفوعات على الشقق غير المكتملة خوفًا من أن شركات البناء التي تعاني من ضائقة مالية لن تكملها أبدًا
زاد شي الطين بلة من خلال فرض ضوابط صارمة على الأوبئة. ومما لا شك فيه أن أكبر إنجاز في فترة ولاية شي هو الحد من تفشي جائحة كوفيد-19 في الصين وتجنب أزمة الصحة العامة التي عانى منها سكان العالم. لكن تفويض شي بضرورة إبقاء حالات الإصابة بكوفيد عند الصفر أو قريبة من الصفر أصبح عبئًا لا يطاق على الأمة. فقد أدى الإغلاق المتكرر للمدن الرئيسية والمناطق الصناعية إلى خنق قطاع السفر والإنتاج والتجارة. وقد كانت الشركات الصغرى، والمطاعم المجاورة، والصالونات، والمتاجر التي توفر فرص عمل حضرية مهمة، الأكثر تضررا.
ستكون الإستراتيجية الصحيحة ضمان عدم تصاعد التوترات إلى صراع، مع الاستفادة من أخطاء شي لتعزيز القوة الأمريكية
في خضم ضغوط الحجر الصحي والبطالة، وصل السخط المحلي إلى مستوى مرتفع بشكل غير عادي. واجهت الحكومة مقاومة واسعة في فرض إغلاق كوفيد لمدة شهرين في شنغهاي في وقت سابق من هذه السنة. وقام السكان المحتجزون في منازلهم بقرع الأواني والمقالي وصرخوا خارج نوافذهم احتجاجًا على القيود القاسية.
في بكين، حيث لا يزال يتعين على السكان الاستظهار باختبار سلبي لكورونا مؤخرًا من أجل ركوب مترو الأنفاق أو تناول الطعام في مطعم، أصبحت مراكز الاختبار أهدافًا للتخريب، وفي بعض الحالات تم تشويهها بكتابات على الجدران تقول “أعطني الحرية أو أعطني الموت”. ولا تقتصر أسباب الاستياء العام على عمليات الإغلاق. ففي تموز/ يوليو، احتشد مئات المتظاهرين من جميع أنحاء البلاد في مدينة تشنغتشو وسط البلاد بعد تجميد ودائعهم المصرفية بسبب فضيحة مالية محلية.
يبدو أن المزاج الغاضب قد طغى على الجهود المبذولة لفرض رقابة على الانتقادات المنشورة على منصات التواصل الاجتماعي الصينية. وجاء في إعلان حديث على موقع “ويبو”، النسخة الصينية من “تويتر”، أن “الناس ليسوا سعداء، مناصبكم الحكومية آمنة ولكن الناس في الحضيض يكافحون للبقاء على قيد الحياة”.
إن الدليل على تزايد الاستياء من حكومة شي هو أمر غير مؤكد بالطبع. ففي بيئة خالية من حرية التعبير والصحافة، من المستحيل قياس ما يفكر فيه الجمهور الصيني حقًا بشأن شي جين بينغ. ولكن استعداد المواطنين العاديين للمخاطرة بالانتقام من خلال إظهارهم للتحدي – في تشنغتشو قامت عصابات مجهولة بالاعتداء على المتظاهرين بتواطؤ واضح من السلطات المحلية – يعد مقياسا لمدى استياء الناس من الوضع الراهن للصين.
من غير المرجح أن تعرقل أي من هذه المشاكل الدبلوماسية أو الاقتصادية أو الاجتماعية سعي شي لولاية ثالثة لكنها قد تجعل حكمه غير متوقع. وكلما تلاشت ثروات الصين، أصبح شي مهددا أكثر – على عكس صديقه بوتين. لقد تحوّل شي نحو القومية لإضفاء الشرعية على قبضته على السلطة. ومن هنا تصاعد خطاب بكين بشأن قضايا مثل تايوان، والدعاية المستمرة ضد الولايات المتحدة من قبل وزارة الخارجية ووسائل الإعلام الحكومية. لذلك يحتاج شي إلى أعداء في الخارج لصرف انتباه الجمهور عن إخفاقاته في الداخل.
بالنسبة لواشنطن، فإن استمرار حكم شي ينطوي على مخاطر ويمثل فرصا في الوقت نفسه. وستكون الإستراتيجية الصحيحة ضمان عدم تصاعد التوترات إلى صراع، مع الاستفادة من أخطاء شي لتعزيز القوة الأمريكية. وهذا النهج ينطوي على توازن دقيق محفوف بمخاطر احتمال نشوب حرب. ولكن إذا تمكنت واشنطن من إدارة الموقف بشكل جيد، فقد تجني الولايات المتحدة فوائد حكم شي وتجعل الصين تتحمل التكاليف.
المصدر: الأتلانتك