ترجمة وتحرير: نون بوست
طب الروائح من العلاجات الشائعة التي باتت تستقطب الكثيرين بفضل خصائصه العديدة، أهمها عدم الشعور بألم أثناء الجلسات العلاجية. وتكشف أوليسيا توكاريفا، وهي أخصائية ومؤلفة وتقدم دورات تدريبية في العلاج بالروائح، عن مدى فاعلية هذا الطب.
ورغم تزايد الاهتمام بطب الروائح في العالم ورواج العلاج بالأعشاب الطبية، أي بالمستخلصات النباتية، إلا أن الجهات المعنية لا تزال تتخذ موقفا متحفظا للغاية بشأن استخدام الزيوت العطرية للأغراض الطبية.
لكن، لماذا؟
يعزى هذا الحذر على ما يبدو إلى غياب المعلومات الموثوقة بشأن طريقة الاستخلاص نفسها ومعايير اختيار الزيوت العطرية، فضلا عن تسجيل نقص في الزيوت العطرية عالية الجودة.
العلاج بواسطة الرائحة
يعود مصطلح “طب الروائح” إلى الكيميائي الفرنسي رينيه موريس جاتيفوس الذي أطلقه في عشرينيات القرن الماضي بعد إجرائه أبحاثًا على الزيوت العطرية الطبية. ونتيجة لذلك، ظهر في نهاية القرن العشرين اتجاه علمي كامل تحت مسمى “علم الروائح” متخصص في دراسة تأثير الروائح على وظائف جسم الإنسان والصحة بشكل عام.
حتى مع إنشاء المدرسة السوفيتية لطب الروائح، فإن البحوث التي تجرى في روسيا حاليا حول الاستخدام العلاجي للزيوت العطرية تكاد تكون منعدمة. على عكس من ذلك، تولي الدول الأوروبية، على وجه الخصوص فرنسا، أهمية قصوى للدراسات التي تتناول مسألة طب الروائح، الذي يحظى بمكانة خاصة في نظام التأمين الصحي الاختياري.
يُستخدم طب الروائح في الغرب في العلاج المعقد للعديد من الأمراض. فعلى سبيل المثال، أثناء مرحلة العلاج النفسي، يستخدم الأطباء الزيت العطري لنبات الخزامى والحسيك ضيق الأوراق والورد وبلسم الليمون والإيلنغ يلانغ للتحكم في مستويات التوتر والقلق، بينما يُستخدم الزيت العطري لنبات إبرة الراعي والليمون والورد لتخفيف اضطرابات الاكتئاب.
تضاهي فاعلية العلاج بطب الروائح مفعول المهدئات الاصطناعية ومضادات الاكتئاب. ولا يقتصر طب الروائح عن كونه مجرد علاج بديل قائم على الروائح اللطيفة التي تداعب أجزاء معينة من الجهاز الحوفي للدماغ، في شكل إشارة كهروكيميائية، حيث تتركز المخاوف والمشاعر. عن طريق استنشاق المكونات الفردية للزيوت العطرية يمكن تثبيط الالتهاب العصبي والتنكس العصبي والإجهاد التأكسدي، وهي أمراض شاعت الإصابة بها عقب انتشار فيروس كوفيد-19، التي يعتبر الاكتئاب ونوبات الهلع ومشاكل التركيز والذاكرة لدى المرضى من أهم مخلفاته.
ليس فقط من أجل الأمراض النفسية
لا يقتصر مجال استخدام الزيوت العطرية على العلاج النفسي فقط، بل يشمل مجال أمراض القلب أيضا، حيث يوصف العلاج بالزيوت العطرية لنبتة الإيلنغ يلانغ والليمون والبردقوش والبرغموت، التي لها تأثير مفيد على ضغط الدم، للمرضى الذين يعانون من ارتفاع ضغط الدم. أما الأشخاص الذي يعانون من اضطرابات ضربات القلب فينصحون بالعلاج بالزيوت العطرية للبرتقال الحلو وخشب الصندل والبرغموت واللافندر.
تُستخدم الزيوت العطرية في الرعاية التلطيفية لتحسين حالة المرضى المصابين بأمراض خطيرة. أثناء العلاج الكيميائي، يمكن لزيت الليمون والزنجبيل والنعناع التقليل من الغثيان. كما يعتبر زيت شجرة الشاي والخزامى والمانوكا والأوكالبتوس من الزيوت العطرية المضادة للميكروبات التي تمنع تطور العدوى في المستشفيات.
كما أن استخدام الزيوت العطرية للصنوبر والزنجبيل والقرنفل والتنوب وإكليل الجبل والغار، التي تقلل من مستوى الالتهاب والألم في المفاصل والعضلات، حقق نجاحا باهرا في مجال التخلص من مشاكل الجهاز العضلي الهيكلي.
بعد استخدام المستخلصات العطرية على نطاق واسع في الأمراض الجلدية وعلم الشعر، احتل طب الروائح مكانة بارزة في مجال التجميل. ويعود الفضل في ذلك إلى جملة من الخصائص، أهمها القدرة على اختراق طبقات الجلد بعمق (حتى الأدمة)، على عكس مكونات مستحضرات التجميل الأخرى، وتميزها بتأثيرات مضادة للالتهابات ومضادة للأكسدة، فضلا عن تحفيز العمليات الطبيعية لتجديد الخلايا والتأثير على مستوى الكولاجين والإيلاستين. كما تعزز خصائصها المضادة للميكروبات إمكانية استخدامها في علاج الأمراض الجلدية المعدية المختلفة.
خلال فترات نشاط الفيروسات الموسمية، تساعد الزيوت العطرية للقرفة والكافور والبرغموت والكاجوبوت والتنوب والصنوبر على الحماية من الإصابة بالعدوى الفيروسية ومن المتلازمة التنفُّسية الحادة الوخيمة.
لذيذ
حتى وقت قريب، ظل سوق الزيوت العطرية في روسيا قائما على الواردات بسبب تدني جودة المنتجات المحلية. وإلى جانب العينات الممتازة، يمكن أيضًا العثور على خيارات غير مرضية. بموجب القانون الروسي، تحظى الزيوت العطرية بنفس أهمية وقيمة مستحضرات التجميل وتجرى عليها سلسلة من الاختبارات الحسية والفيزيائية الكيميائية القياسية من أجل ضمان عدم وجود أضرار جانبية للمنتج عند استخدامه.
يتطلب تقييم جودة الزيت العطري إجراء جملة من التحليلات المعقدة وباهظة التكلفة لا تُلزم الشركات المصنعة بإجرائها اليوم. إلى جانب عدم إدراك معيار جودة الزيت العطري، تفتقد روسيا لفكرة واضحة عن ماهية هذا المنتج بحيث يُعرّف القانون الزيت العطري بأنه مركب متطاير. وبناء عليه، يمكن أن تنضوي بعض المنتجات التي لا علاقة لها بالعلاج بالروائح تحت هذا المسمى.
كيفية اختيار الزيت العطري
إن وجود عبارة “زيت عطري بنسبة 100 بالمئة” على الزجاجة لا يعني بالضرورة أن هذا المنتج عالي الجودة، حيث يمكن أن تحتوي الزجاجة على منتج عالي الجودة لكنه بديل. فعلى سبيل المثال، يمكن العثور على زيوت عطرية للموز والأناناس والخوخ، رغم استحالة استخلاص زيوت عطرية من هذه النباتات.
يمكن تقسيم الزيوت الأساسية بشكل عام إلى ثلاث مجموعات:
– الزيوت الأصلية، وهي التي تستخرج من مواد نباتية طبيعية عن طريق التقطير أو عن طريق الضغط على قشر الحمضيات. وخلال عملية الإنتاج، لا تقوم الشركة المصنعة بتغيير التركيبة الأصلية للزيت داخل العبوة. ويعتبر هذا النوع من الزيوت الأكثر قيمة من وجهة نظر علاجية وتجميلية.
– الزيوت المستصلحة، يتم الحصول عليها عن طريق الجمع بين المكونات الفردية للزيوت الأساسية الطبيعية في أنبوب اختبار. في كثير من الأحيان، يتم استخراج هذه المركبات عن طريق التقطير الثاني أو الثالث للمواد الخام الطبيعية. مع أنه للزيت المستخلص رائحة ذكية، إلا أن قدرته العلاجية تبقى موضع شك. كما يحتوي الزيت العطري الصحيح على عدد من المركبات تكون نسبتها في الخليط الكلي ضئيلة تعجز حتى المختبرات التحليلية عن تحديدها في بعض الأحيان، مع العلم أن التأثير الصحي للزيت لا يعتمد فقط على المكونات الرئيسية بل على هذه المركبات الثانوية في بعض الأحيان.
– الزيوت الاصطناعية، هي التي استُخرجت كليا أو جزئيا من النظائر الاصطناعية لمكونات الزيوت العطرية الطبيعية ويعتبر عدد مكوناتها محدودًا مقارنة بما هي عليه في الزيوت المستصلحة.
وتجدر الإشارة إلى أنه يمكن تزييف المنتجات عن طريق إضافة المذيبات العضوية، التي تشكل خطرا على الصحة، من أجل زيادة الحجم لكن لا يعتبر استخدام المكونات الاصطناعية دائمًا أقل تكلفة من المكونات الطبيعية.
اختيار شفاف
لا يطالب القانون عادة الشركات المصنعة بتقديم مستندات تثبت مدى جودة الزيوت العطرية. وعليه، يكاد يكون من المستحيل التمييز بين الزيت العطري الطبيعي والاصطناعي والمستصلح. ولكن، عند اختيار الزيت، ينبغي الإنتباه إلى بعض النقاط:
– الثمن
نظرًا لخصائص عملية الإنتاج، لا يمكن أن تباع الزيوت العطرية بثمن زهيد. يحتوي حقل كامل من الخزامى على حوالي 100 كيلوغرام من الزهور، يتم جمعها ومن ثم تقطيرها وهي عملية مكلفة للغاية. وينتج عن تقطير 100 كيلوغرام من الخزامى كيلوغرام واحد فقط من الزيت العطري الأصيل. ومن أجل إنتاج نفس الكمية من زيت الورد ينبغي تقطير خمسة أطنان من بتلات الورد. ومن الضروري الحرص على حصاد الورود بشكل يدوي في وقت معين من اليوم وفي طقس معين. لذلك، عند العثور على زجاجة من زيت الور – أحد أغلى أنواع الزيوت – بسعة 10 مليلتر ثمنها لا يتعدى 200 روبل، فكن على يقين من أن هذا الزيت مزيف.
– الزجاجة والتصنيف
حسب المعايير الدولية، ينبغي صنع العبوة من الزجاج الداكن ووضع ملصق عليها يحتوي على عبارات من قبيل “زيت عطري طبيعي 100 بالمئة” أو زيت أساسي 100 بالمئة أو زيت أساسي نقي”. وينبغي الإشارة إلى اسم النبات وتحديد الجزء الذي استُخرج منه الزيت سواء كان الجذر أو الورقة أو الزهرة، وذكر الشركة المصنعة وتاريخ انتهاء الصلاحية.
– التفريق اللوني
يكشف التركيب الكيميائي للزيت العطري الكثير عن كيفية إنتاجه وإمكانية التلاعب بمكوناته. وعليه يتوجب على الشركة المصنعة امتلاك نتائج التحليل الكروماتوغرافي وتقديمها للمشتري عند الطلب.
كيفية التطبيق بشكل صحيح
إلى جانب الممارسة، أكدت العديد من الدراسات مدى فعالية استخدام الزيوت العطرية لعلاج الأمراض المختلفة، وهو ما يحفز المرء على استخدام طب الروائح بنشاط في المنزل. ومع ذلك، ينبغي معرفة أن الأداة العلاجية الفعالة لا يمكن أن تكون آمنة تمامًا، لا سيما أن الاستخدام الخاطئ للزيوت العطرية يشكل خطرا على الصحة.
قواعد الاستخدام الآمن للزيوت العطرية:
1- من أجل تجنب الإصابة بحروق أثناء الاستحمام، ينبغي تخفيف قوام الزيوت العطرية عن طريق وضع قطرات منه في الشامبو أو في مادة قابلة للتحلل في الماء. في المقابل، يحظر وضع الزيوت العطرية في حمام مليئ بالماء، لأن الزيوت لا تذوب في الماء وحتى التحريك المكثف لا يحول دون تجمع قطرات الزيت على السطح و اتصالها بالجلد.
2- عند تعطير المرافق، ينبغي الاكتفاء بوضع جرعات الزيوت الموصى بها على العبوة من أجل تجنب الغثيان والإصابة بالصداع والدوار.
3- بغض النظر عن المعلومات الموجودة على العبوة وعلى موقع الشركة المصنعة، ونظرا لما يشكله ذلك من تهديد على الصحة ولعدة أسباب أخرى غير مدروسة بشكل واضح، يُمنع استخدام الزيوت العطرية عن طريق الفم.
4 _ لا ينبغي أن تتجاوز مدة جلسة العلاج بالروائح 20 دقيقة: بعد نهاية الجلسة، يوصى بتهوئة الغرفة وتجنب النوم أثناء جلسة العلاج. وتجاهل هذه القاعدة يهدد بالإصابة بالصداع، فضلا عن تعطل عمل الجهاز التنفسي.
5- تجنب تطبيق الزيت العطري غير المخفف بشكل مباشر على الجلد: لا يظهر رد الفعل التحسسي بشكل فوري، ولكن بعد عدة تطبيقات. في هذه الحالة، تعتبر الزيوت النباتية أو الكريم المحايد من المواد المناسبة لتخفيف المستخلصات العطرية. عند تطبيق الزيت لأول مرة، ينبغي استخدام نسبة قليلة منه.
6- من الضروري تخزين الزيوت العطرية في الثلاجة لأنها من المنتجات المعرضة جدا للأكسدة – عملية تحول الزيت العطري من دواء إلى سم.
المصدر: ارغومينتي إي فاكتي الروسي