ترجمة وتحرير نون بوست
ينصب الاهتمام عادة فيما يخص الديكتاتوريات الأكثر جنونًا وقهرًا على كوريا الشمالية باعتبارها النموذج الذي لا يضاهيه أحد، غير أن إلقاء نظرة على آسيا الوسطى يكشف لنا عن الدول التي قد تنضم إلى قائمة كوريا الشمالية — إن لم تكن قد انضمت بالفعل — والتي لا تنال نفس الاهتمام الإعلامي بشأن جرائمها وقمعها لمواطنيها.
الدولة التي أتكلم عنها بالتحديد هي أوزبكستان، والتي استقلت عن الاتحاد السوفيتي مع أخواتها في آسيا الوسطى والقوقاز عام 1991، إذ أضفت الدولة هناك لمسات فريدة من نوعها على مفهومنا عن الديكتاتوريات.
***
حين تنقضي مدة حبس أي سجين سياسي في بلد ديكتاتوري ما، يمكن تمديد الحُكم الصادر بشأنه بشكل غير قانوني أو دستوري، وتلك واقعة متكررة في بلدان نعرفها، ولكن في أوزبكستان يتم تمديد حبس السياسيين باتهامات واهية قد تصل إلى تقشير الجزر بطريقة غير لائقة في مطبخ السجن، أو عدم كنس الزنازين الخاصة بهم بشكل جيد. أيضًا، يُعرَف عن السلطات هناك أنها قد تغلي السجناء وهم أحياء!
في وقت الحصاد كل عام، يتم تسخير الملايين من الطلبة والمدرسين وغيرهم من عمّال على الأراضي الزراعية لجمع القطن، والذي تذهب أرباحه في النهاية للنظام.
هذه الأمثلة ليست سوى غيض من فيض يجعل أوزبكستان دولة بوليسية كلاسيكية متطرفة، من بين الأسوأ في العالم، وكما جرت العادة مع تلك الدول، يبدو أن رئيسها لا يريد أن يرحل — كزملائه في زمبابوي والجزائر.
إنه إسلام كريموف، الذي ترأس الحزب الشيوعي عام 1989، ويبلغ اليوم من العُمر 76 عامًا، والذي يتمتع بقبضة حديدة وسلطان مستقر نسبيًا، رُغم الفقر المتفشي في بلاده، حيث يصل نصيب الفرد من الناتج القومي إلى 3800 دولار سنويًا، وهو ما يضع البلاد في المركز 171 عالميًا.
في عام 2005، قامت السلطات بإطلاق النار على المئات من المتظاهرين العزّل في مدينة أنديجان، وهي مذبحة تبعتها حملة قمع موسّعة بطول البلاد وعرضها. هذا ويقبع اليوم في سجون أوزبكستان الوحشية حوالي 10،000-12،000 سجين، طبقًا لتقديرات مجموعات حقوق الإنسان — التي لا تحظى بوصول سلس ويسير إلى المعلومات في أوزبكستان بطبيعة الحال، لا سيما وأن الدولة هناك لا تمنح أيًا من العاملين المرتبطين بها تأشيرة الدخول منذ 2002.
لم تسلم منظمة الصليب الأحمر الدولية من هذا القمع، رُغم أنها عادة لا تُحرِج أي بلد بشكل علني كما تفعل منظمات حقوق الإنسان، حيث اضطرت إلى الانسحاب من البلاد العام الماضي نظرًا للتدخل السافر في محاولتها زيارات السجون الأوزبكية.
***
لماذا إذن لا يبالي أحد بشأن أوزبكستان في حين يتحدث الجميع عن كوريا الشمالية؟ ببساطة لأن الولايات المتحدة، ودول غربية أخرى، ليست راغبة في مواجهة كريموف ونظامه الذي يحتاجون إليه لشحن المعدات العسكرية لتصل إلى أفغانستان، والمرشح لعلاقة متينة مؤخرًا لعلاقاته السيئة مع موسكو التي اصطدمت بالغرب مؤخرًا إثر الأزمة في أوكرانيا.
ليس أدل على ذلك من المكالمة الدافئة التي جمعت بين الرئيس أوباما ونظيره كريموف عام 2011، والتي سيصعب تخيّلها لو كان كيم يونج أون، زعيم كوريا الشمالية، هو المتحدث بدلًا من كريموف: “هنأ أوباما الرئيس كريموف على مرور 20 سنة على الاستقلال الأوزبكي، وتعهد الرئيسان بالعمل معًا لتوسيه التعاون بين البلدين، وناقشا رغبتهما المشتركة في تطوير العلاقات على كافة المستويات، بما في ذلك تعزيز الروابط بين المجتمع المدني الأوزبكي والأمريكي، والقطاعات الخاصة للبلدين” — بغض النظر بالطبع عن أن المجتمع المدني الأوزبكي تلاشى تقريبًا جرّاء سياسات كريموف.
يصعب على المرء أن يقرأ عن تلك المكالمة دون أن يتبادر إلى ذهنه ما يحدث لمحمد بِكيانوف، البالغ من العُمر 60 عامًا، والذي يُعَد تقريبًا أطول صحافي تم سجنه، إذ اختطفته السلطات عام 1999 في أوكرانيا بعد لجوءه إلى هناك، وتعرّض كثيرًا للضرب والكهرباء والاختناق في سجون كريموف، حتى أصيب بالسُلّ، وأدى الضرب المُبرِح إلى فقدانه للكثير من أسنانه وقدرته على السَمَع. حين انقضت مدة حبسه عام 2012 تم تمديدها بحُجة مخالفة قوانين السجن — وهي قوانين لا نعرف ماهيتها بالضبط في هذا البلد.
كانت جريمة بِكيانوف الوحيدة هي رئاسة تحرير صحيفة معارضة.
***
تقول سارة مارجون، مديرة هيومن رايتس ووتش في واشنطن، أنه قد تكون للولايات المتحدة مسائل مشروعة تخص الأمن القومي مع أوزبكستان، ولكن ذلك لا يمنعها — كما تفعل مع بلدان عدة — من نقد ما يخص الملف الحقوقي.
تلوح في الأفق بوادر أمل من الكونجرس على الأقل، والذي يحاول أن يسلّط الضوء على ما يجري في أوزبكستان. ففي أكتوبر الماضي، عقدت لجنة هلسينكي بالكونجرس، والتي يرأسها بِن كاردين (ديمقراطي) وكريس سميث (جمهوري)، جلسة استماع عن السجناء السياسيين في أوزبكستان، كما قام 8 من أعضاء مجلس الشيوخ، بما فيهم رئيس لجنة العلاقات الخارجية روبرت منندِز، بإرسال خطاب إلى كريموف يطلبون فيه إطلاق سراح خمسة سجناء، منهم بِكيانوف.
لربما تكون تلك خطوات على طريق فتح الملف الأوزبكي والاهتمام به كما يحدث مع كوريا الشمالية، خاصة أن كريموف مهتم بسمعته في الدول الغربية نظرًا لاعتماده عليها في مواجهة موسكو، ولأنها تدهور تلك العلاقات سيعرّضه للخطر هو وحاشيته التي تجر اليوم جيئة وذهابًا من عواصم أوربا والولايات المتحدة دون قيود. إذا ما قامت الولايات المتحدة بخطوات ولو بسيطة، فقد يُحدِث ذلك فرقًا ولو ضئيلًا، على عكس كوريا الشمالية التي لا تملك الولايات المتحدة أي أوراق ضغط عليها.
المصدر: واشنطن بوست