“منذ منعطف القرن الثامن عشر على الأقل وحتى يومنا هذا، يغلب على ردود الفعل الغربية تجاه الإسلام طابع من التفكير التبسيطي الجذري المتشدد الذي يمكن الاستمرار بدعوته بالتفكير الاستشراقي، والأساس العام له يستند إلى جغرافيا متخيَّلة، برغم استقطابيتها الهائلة المرعبة، تقسم العالم إلى قسمَين غير متساويَين، أما القسم الأكبر “المختلف” فيدعى بالشرق، والآخر، المعروف أيضًا بأنه “عالمنا”، فيدعى بالغرب. ويظهر هذان التقسيمان عندما يفكر مجتمع أو حضارة معيّنة بمجتمع أو حضارة أخرى مختلفة عن الأولى، ولكن من الممتع ملاحظة أنه حتى عندما يعتبر الشرق دائمًا وعلى نحو متساوق قسمًا من العالم أدنى منزلة من أقسامه الأخرى، فإنه وفي الآن ذاته ينعم عليه دائمًا بكل من الحجم والقوة الكامنة المدمرة الأكبر والأعظم ممّا لدى الغرب” (“تغطية الإسلام”، إدوارد سعيد).
يخطط قادة منتخبات إنجلترا وهولندا وبلجيكا والدنمارك وفرنسا وألمانيا وسويسرا وويلز لارتداء شارة خاصة في كأس العالم في قطر، كجزء من حملة “OneLove” ضد التمييز، وشارة “OneLove” هي شارة تحوي ألوان الطيف الشهيرة لعلم المثليين، الذي قررت قطر ألا تسمح برفعه في مدرجاتها، حفاظًا على المشجعين الأوروبين من غضب المشجعين الرافضين لذلك التوجه.
فقررت المنتخبات المذكورة آنفًا أن يرتدي قادتها تلك الشارات، ما يضع الإدارة التنظيمية لقطر في ورطة دبلوماسية، ومؤخرًا انتقد بيان من الاتحاد الإنكليزي لكرة القدم سياسة قطر تجاه العمّال الذين شاركوا في الأعمال التحضيرية لكأس العالم، وطالب قطر بدفع التعويضات والأجور المتأخرة، بالإضافة إلى التشديد على اعتزازه بحملة “OneLove” وتبنّيه لها.
كانت الحملة التي قادها المنتخب الهولندي قد لقت صداها في المنتخبات الأوروبية التي تحمّست لتنفيذها، وخرج هاري كين، قائد منتخب إنجلترا، بتصريحات مؤخرًا يقول فيها: “بصفتنا قادة، قد نتنافس جميعًا ضد بعضنا في الملعب، لكننا نقف معًا ضد جميع أشكال التمييز”.
لم تكن الاتهامات التي لحقت بقطر فيما يتعلق بقضية المثلية وعلمها، أو حقوق العمّال المهاجرين، هي الأولى، فسلسلة التشويه مستمرة منذ أن حصلت قطر على حق استضافة كأس العالم 2022 منذ أكثر من 12 عامًا.
إن لاعبي كرة القدم الأوروبيين الذين لا يتوقفون عن إطلاق التصريحات واحدًا تلو الآخر، التي تنتقص من شأن قطر وتنظيمها، حتى قبل أن تُلعب البطولة، واقعون تحت تأثير التغطية الإعلامية الغربية للحدث، والتي قدمت مثالًا مكررًا في النظرة الاستشراقية لكل ما يمكن أن يفعله المسلمون أو العرب في أي حدث، حتى في الرياضة.
فكل ذلك لا يشكّل سوى امتداد لميل الغرب/ الشمال لرفض وجهات النظر والتجارب الشرقية وخاصة الإسلامية، مع الغطرسة والنفاق اللذين يعملان على إعادة إنتاج أنماط الاستعمار الجديد من الامتياز والهيمنة.
منذ اليوم الذي مُنحت فيه قطر فرصة استضافة كأس العالم لكرة القدم للرجال عام 2022، انتشرت التغطية المعادية للإسلام والدولة القطرية في وسائل الإعلام الغربية، حيث ركّز الخطاب الإعلامي الغربي بشكل كبير على تسليط الضوء على قضايا حقوق الإنسان، وقوانين الهجرة، والمناخ، واتهامات الرشوة، مع التعتيم على النجاحات المحتملة لأول دولة إسلامية تستضيف كأس العالم لكرة القدم.
على سبيل المثال، يظهر تقرير عن الشبكة الرياضية الأشهر حضورًا على السوشيال ميديا حاليًّا Bleacher Report، بعنوان “6 أسباب جديرة بإبعاد كأس العالم عن قطر”، يناقش مخاوف بشأن الحرارة الحارقة في دولة الخليج الصغيرة، حيث يعدّ الحديث عن الحرارة والصحراء من منظورات النظرة الاستشراقية للشرق في أيام الاستعمار، وتلك النظرة متبوعة بانتقادات حول كيفية تسبُّب الحدث في “اضطراب” للبطولات الأوروبية، حيث يأتي أثناء الموسم وليس وقت الراحة كما المعتاد.
وفي الوقت نفسه، تساءل محللون آخرون في وسائل الإعلام الرياضية عن سبب نجاح دولة عربية (يبلغ عدد سكّانها 2.8 مليون نسمة تقريبًا) ليس لديها تاريخ يذكر في كرة القدم، في أن تصبح الدولة المضيفة، حيث تعمل مثل هذه التقارير على إثارة الشكوك حول قبولية إقامة حدث رياضي ضخم في بلد مسلم.
ما قبل الهوموفوبيا
لم تكن الاتهامات التي لحقت بقطر فيما يتعلق بقضية المثلية وعلمها، أو حقوق العمّال المهاجرين، هي الأولى، فسلسلة التشويه مستمرة منذ أن حصلت قطر على حق استضافة كأس العالم 2022 منذ أكثر من 12 عامًا.
كانت الكثير من الروايات الغربية المحيطة بكأس العالم في قطر، تنطلق من افتراض أن الحدث تمَّ منحه بشكل غير لائق لقطر بسبب الرشوة، فكيف يمكن لهذا البلد الصغير بثقافة كرة القدم الضعيفة فيه، والبنية التحتية القائمة القليلة، والمناخ غير المواتي للغاية، أن يفوز بحقوق استضافة أكبر حدث رياضي في العالم؟
ولاقى تقرير غارسيا، عام 2012، رواجًا كبيرًا بناءً على تلك الاتهامات، رغم أنه لم يحوِ أي دليل يمكن التحقق منه على رشوة غير قانونية من قبل قطر للفيفا، ولكن في العام 2020 توِّج تحقيق وزارة العدل الأمريكية بإدانة 3 من كبار مسؤولي الفيفا، بتهمة تلقيهم رشاوى تتعلق بالعرض القطري.
ولكن لنضع الأمور في إطار أوسع من ذلك، لم يكن على القدر نفسه من الضجيج، ما ثبت من أن دورة الألعاب الأولمبية الشتوية لعام 2002 في مدينة سالت ليك بالولايات المتحدة الأمريكية، نظِّمت بعد رشاوى دُفعت من أجل هذا الغرض، ولم تُلقَ الاتهامات نفسها التي حاقت بكل من اليابان وألمانيا بدفع رشاوى لاستضافة الأولمبياد وكأس العالم.
لا يعدّ هذا تبريرًا للرشوة، ولكن قطر لم تفعل أكثر من دول الغرب والشمال العالمية في هذا المجال، فبينما لا ينبغي تجاهل المخاوف الجدّية من أن الرشوة أصبحت تلعب دورًا في كرة القدم وفي منح كأس العالم لقطر، لا ينبغي أيضًا أن نتعامل مع هذا على أساس أنه نوع من الفضيحة الخاصة بدول “غير غربية” عالية الفساد.
فالمؤشرات تثبت أن قطر ليست دولة فاسدة بشكل خاص، فحينما فازت قطر بحقوق استضافة كأس العالم عام 2010، كان ترتيبها في مؤشر مدركات الفساد لمنظمة الشفافية الدولية الـ 19 من أصل 178 دولة كأقل فسادًا، بينما كانت ألمانيا في المرتبة 15 واليابان 17 والولايات المتحدة 22، فنسبة الفساد إذًا تماثل مستوى الفساد في الدول الغربية، ولا شيء أكثر إثارة فيما يتعلق بقطر سوى كونها دولة عربية شرقية.
الخطاب الإعلامي ومشكلة المهاجرين
جادل العديد من العلماء بأن الخطاب الإعلامي حول الرياضة لا يتعلق فقط بالرياضة، ولكنه أيضًا متشابك في مجموعة متنوعة من القوى الاجتماعية والتاريخية، حيث تاريخيًّا هيمنت الدول الأوروبية الغربية على وسائل الإعلام والثقافة الرياضية العالمية، والشواهد التاريخية على ما فعلته بريطانيا بالرياضات في الهند حاضرة، فقد قام المستعمرون البريطانيون بشكل منهجي بالقضاء على الرياضات التقليدية والمحلية في شبه القارة الهندية لتعزيز رياضتهم.
وتنشر وسائل الإعلام الغربية والخطاب الأكاديمي فهمًا متحيزًا معاديًا للإسلام وللثقافة الرياضية في العالم الإسلامي، حيث في النهاية، وعلى ضوء العدسة الأوسع للإسلاموفوبيا السائدة في وسائل الإعلام الغربية، يمكننا قراءة التغطية المشوَّهة لكأس عالم قطر 2022.
إن الأخذ في عين الاعتبار مفهوم إدوارد سعيد للاستشراق باعتباره “وسيلة فكرية” تستخدَم لتهميش الشرق، يمكن أن يساعدنا في فكّ التشابك عن التحيُّز المتأصّل في الإسلاموفوبيا، الذي تغلغل في الكثير من الخطاب الشعبي الغربي حول كأس العالم والعالم الإسلامي الأوسع.
إن التغطية الإعلامية الاستشراقية للإسلام عمومًا تقوم على 3 من العناصر التكافلية، أولها عنصر التحيُّز الأكاديمي الغربي نحو حصاد وتعليم المعرفة حول العالم الإسلامي من خلال عدسة مركزية أوروبية، والعنصر الثاني حول الاستشراق كوسيلة للفكر في الخطاب الغربي وفي الإعلام الشعبي، والعنصر الثالث في كون الاستشراق هو أسلوب مركزي للتحكُّم بالسلطة الاستعمارية في الشرق وإعادة ترتيبها والحفاظ عليها.
ويساعد اعتبار الاستشراق على أنه وسيلة فكرية أوروبية المركز، في تفسير ميل محللي وسائل الإعلام الرياضية الغربية إلى الاعتقاد بأن العالم الغربي لديه الحق الحقيقي في التحكم وتنظيم الأحداث والهياكل الرياضية، طالما أنه يشارك فيها، في المقابل يصوَّر العالمان الإسلامي والعربي على أنهما غير منظمَين ومعاديَين للإنسان من قبل المحللين الإعلاميين أنفسهم.
على سبيل المثال، ينبع الإيمان الضمني بتغطية كأس العالم في قطر من قبل العديد من خبراء الإعلام الرياضي، من استهداف قدرة دولة عربية على إقامة حدث ضخم، بدلًا من مناقشة كيف يمكن لقطر تحسين سياساتها لجعل الحدث أكثر شمولًا.
حاولت الحكومة القطرية أن تواجه موجة الاستشراق الحالية، فأظهرت بوادر تؤكد أنها منفتحة بشأن قضايا حقوق الإنسان الحالية، وأن تناقش كيف تخطط لحلّها في السياق الثقافي.
ظهر هذا الأمر جليًّا حين كثر الحديث عن العمّال المهاجرين الذين شاركوا في تشييد البنية التحتية الضخمة والعملاقة في التجهيز لكأس العالم في قطر، وأن هناك العديد من الانتهاكات التي حدثت بشأنهم، ويذهب تقرير نشرته “الغارديان” أن هناك 6500 عامل قد لاقوا حتفهم بسبب الظروف الصعبة التي وُضعوا فيها أثناء عملهم.
قام هذا التقرير بإحداث الكثير من الجدل والنقاش حول قمع يُفترض أن العمّال يتعرضون له في قطر، ما دعا منظمة هيومن رايتس ووتش أن تتدخل وتضغط على الحكومة القطرية للتحقيق في هذا الموضوع، وما لم يتمَّ تناوله في الإعلام مرة أخرى هو استجابة الحكومة القطرية لدعاوى منظمات حقوق الإنسان.
اعترفت الحكومة القطرية رسميًّا بالظروف القاسية للعمّال المهاجرين، ووعدت باتخاذ خطوات لتحسين حياتهم، وأطلقت السلطات القطرية، بما في ذلك “اللجنة العليا للمشاريع والإرث”، وهي الهيئة المسؤولة عن تخطيط وتنفيذ البنية التحتية لكأس العالم، العديد من المبادرات، بما في ذلك “نظام حماية الأجور” بوزارة العمل و”لجان تسوية المنازعات العمالية” و”صندوق دعم وتأمين العمال” (صندوق دعم العمّال)، و”نظام السداد الشامل” للجنة العليا، كما تحثّ اللجنة العليا أيضًا المتعاقدين معها على شراء تأمين جماعي على الحياة لموظفيهم.
وبدلًا من أن تصوِّر هذه التغييرات كيف يمكن لحدث رياضي دولي ضخم، مثل كأس العالم، أن يكون له تأثير اجتماعي وسياسي على مجتمع محافظ، وبالتالي بدلًا من الدعوة إلى منع الدول الإسلامية من المشاركة في استضافة الأحداث الكبرى، قد تكون هناك فوائد في تشجيع الثقافة الرياضية في العالم الإسلامي؛ صُوِّر الحدث على كيف أن الدول الإسلامية والعربية هي دول معادية لحقوق الإنسان ولا تراعيها، وكيف أنها ستفشل على الدوام في تنظيم الأحداث الكبرى.
وعلاوة على ذلك، يشكّل الخطاب الأحادي الجانب في وسائل الإعلام الغربية حول قطر تهديدًا للثقافة الرياضية الصاعدة بين النساء المسلمات في المنطقة، وبشكل عام يوضّح التصوير الحالي لدولة قطر في الصحافة الرياضية الشعبية، وجود تحيُّز ضد الإسلام في وسائل الإعلام الغربية وعلى نطاق واسع في صناعة الرياضة.
حاولت الحكومة القطرية أن تواجه موجة الاستشراق الحالية، فأظهرت بوادر تؤكد أنها منفتحة بشأن قضايا حقوق الإنسان الحالية، وأن تناقش كيف تخطط لحلّها في السياق الثقافي، ولكن محاولة إخفاء البيانات والمعلومات خوفًا من الملاحقة من قبل وسائل الإعلام الغربية والمنظمات الرياضية، مثل الفيفا، يمكن أن تزيد من تفاقم الخطاب الاستشراقي.
أعداء المثلية، أعداء الحضارة
لن نتساءل باستنكار، وكأننا لا نعلم لماذا تعني قضايا المثليين الكثير بالنسبة إلى المجتمع الغربي الرأسمالي، ولكن سنتساءل لماذا كل هذا الهجوم على قطر؟ ما الذي فعلته حقًا بشأن المثليين؟
لم تَقُم قطر بشيء أكثر من منع رفع علم المثليين بمدرّجاتها، وبررت هذا القرار ليس من منطلق رفضها لهم كفئة، ولكن حفاظًا على أرواحهم من البيئة الرافضة لذلك الفكر التي يتواجدون فيها كضيوف وليسوا أصحاب أرض.
ولماذا أصلًا كل هذا الجدل بشأن هذا النضال الهوياتي في غير محله؟ فكأس العالم هو مناسبة لأن تظهر انتماءك وهويتك الوطنية، وهذا ما عهدناه منذ انطلاق المنافسة عام 1930 ولم يكن أكثر من هذا، ولكن يبدو أن المنطق الرأسمالي الترويجي لقضية المثليين يستنكر أن توجد دول تقرر أن تبقى على مسافة من ذلك الوضع.
فهناك كمية من الخسارة الملحقة في الدعايا الإعلانية، وبيع تيشرتات المثليين وأعلامهم وشارتهم، حيث إن تأييد المثليين ظاهريًّا من خلال ارتداء أشياء وإبرازها، لهو سوق كبير في الغرب الآن يخسرونه في قطر.
ولكن بدلًا من البوح بالخسارة التجارية فيما يتعلق بقضية المثلية في كأس العالم، يقرر الإعلام الغربي أن قطر ترفض المثليين لأنهم “آخر” همجي ورجعي، إنها محاولة في إدامة الصورة النمطية للعرب على أنهم “الآخر”، وهو كيان غير حضاري وغير مسيحي وغريب ودوني في نظامه الاجتماعي، يوجد في تناقض تام مع قيم وأفكار الغرب.
قد يبدو الافتراض بأن مثل هذه الروايات الاستعمارية الكبرى تستمر في الوجود حتى القرن الحادي والعشرين غريبًا، ومع ذلك ظهرت في التغطيات الصحفية لكأس العالم ميول من صحيفتَي “الغارديان” و”التليغراف” لإعادة تدوير نموذج “نحن وهم” هذا، واصفة قطر وشعبها باستخدام مصطلحات واسعة ومتنوعة في غير مكانها.
وأصبحت هذه الممارسة أكثر شيوعًا منذ الإعلان عن أن كأس العالم في طريقه إلى الشرق الأوسط، حيث على مدى العقد الماضي أو نحو ذلك، تمَّ الإبلاغ باستمرار عن دولة الخليج على أنها أكثر بقليل من مجرد منطقة غبار على حافة العالم المتحضر، حيث يعارض سكانها، الذين تمزّقهم التعاملات المزدوجة والفساد، الوضوح والصراحة والنبلاء من العرق الأنغلوساكسوني.
ما أثار استفزاز الغرب أن قطر استغلت فرصة كأس العالم لإنشاء تراث ثقافي عربي إسلامي الهوية بوضوح، وليست هناك مناسبة أفضل من كأس العالم لإحياء الذكرى الجماعية لحدث، والذي يعمل بمثابة نوع من التحديد التعريفي للجماعة بإيجابية (نحن هذا) أو بمعنى سلبي (هذا هو نقيضنا)، وكأس العالم المقبل هو مثال على مثل هذا الحدث القادر على توليد تراث ثقافي، الذي أدّى إلى تغيير غير مسبوق في المجتمع القطري.
فقد شهدت القضايا المتعلقة بنظام الكفالة والمرأة في الرياضة، والتي كانت مهمة حتى بداية القرن الحادي والعشرين، تغيُّرًا سريعًا منذ الإعلان عن استضافة قطر لكأس العالم، وأصبحت هذه التغييرات الآن هي القاعدة في الدولة الخليجية وسيكون من الصعب للغاية التراجع عنها، بسبب القيم والممارسات العابرة للحدود التي اعتمدتها قطر استعدادًا للبطولة، حيث هناك احتمال أن تكون إرثًا دائمًا بعد عام 2022 وألا تكون حدثًا عابرًا.
ربما كان على الاتحادات الأوروبية للمنتخبات أن تهتم أكثر بتلقين جماهيرها دروسًا عن آداب استخدام المرافق العامة في الدول التي تستضيفهم، أكثر من الانشغال بفرض قيم الحياة على النمط الليبرالي الغربي.
وبالتالي، يصبح المبرر المنطقي وراء رغبة قطر في استضافة كأس العالم أكثر قابلية للفهم إلى حدٍّ ما، فأهدافها متعددة الجوانب، تريد قطر تحدي جوهر الصور النمطية المرتبطة بالمجتمع العربي، إنها تسعى إلى إعلان نفسها كعضو شرعي في المجتمع العالمي، الذي تشبه قيمه وأعرافه الاجتماعية بشدة تلك التي تمارَس في الديمقراطيات الليبرالية في الغرب، وتهدف أيضًا إلى التأكيد على أنه في حين أن قطر جزء من مجتمع عربي ومسلم أكبر، إلا أنها تتمتع أيضًا بهويتها الوطنية الخاصة.
ولكن الإعلام والتغطية الغربية لا يحاولان أن يقتربا أكثر من فهم تلك النظرة، ومن الثناء على تجربة كأس العالم في قطر، وما أظهرته قطر من مواءمة للتغيرات الاجتماعية التي تفرضها استضافة حدث مثل هذا، والصورة الذهنية للبلاد.
ختامًا، ليس على اللاعب روبرتسون القلق بشأن إقامة عائلته في قطر، فالمجتمع القطري لا يشهد العنف في الملاعب والمجتمع العربي بصفة عامة لا يشهد عنفًا في الملاعب، مثل تلك الحدّة التي تواجدت في أماكن أخرى نجحت في استضافة كأس العالم من قبل.
ربما كان على الاتحادات الأوروبية للمنتخبات أن تهتم أكثر بتلقين جماهيرها دروسًا عن آداب استخدام المرافق العامة في الدول التي تستضيفهم، أكثر من الانشغال بفرض قيم الحياة على النمط الليبرالي الغربي، فجماهير المنتخب الإنجليزي بالتحديد المعروفين بـ”الهوليغانز”، تتعدد المواقف التي تسبّبوا فيها بفوضى في الملاعب، ليس بأبعدها ما حدث في يورو 2020، وفي نهائي دوري أبطال أوروبا الماضي من جماهير ليفربول.