لا يزال الجسمان التشريعيان في ليبيا يلعبان لعبة شد الحبل بينهما، مراوحين بين التوافق والتنافر تماشيًا وطبيعة المرحلة الحاليّة، في ظل مأزق حكومي ذي ثلاث شعب، قد يفرز حكومة وفاقية جديدة أو قد يبقى المشهد نفسه، مُطلًا برأسين، لكن تزامن هذا المشهد مع تولي المبعوث الأممي الجديد مهامه، قد يجعل البلاد نفسها أمام خريطة طريق جديدة.
وفي تلك الحالة لم تعد الانتخابات شرطًا، بقدر ما تصبح التوافقات والترضيات وربما الصفقات أهم بكثير، خاصة إذا تواصلت المناكفات بشأن القاعدة الدستورية للانتخابات المقبلة.
واقع المرحلة
لفهم طبيعة المرحلة الحاليّة، والمأزق العالقة فيه القضية الليبية، لا بد من إدراك أن هذا الوضع الحاليّ نتاج ظرفية معينة اقتضاها الانقسام السياسي الحاصل سنة 2014 بعد الانقلاب العسكري للجنرال المتمرد خليفة حفتر، لذلك كان المطلوب من الجسمين التشريعيين وهما مجلسا النواب والدولة إنتاج تشريعات مرحلية وليست دائمة في انتظار تبلور نظام انتقالي يعبر بالمشهد السياسي إلى بر الأمان الديمقراطي.
تجسمت تلك المرحلة في تفاهم الصخيرات المغربية سنة 2015 كمحرك سياسي مدد لمجلس النواب والمؤتمر الوطني العام من خلال إنشاء المجلس الأعلى للدولة، وهذين الجسمين تآكلا حاليًّا بحكم إن لم نقل بموت مشروعيتهما نهائيًا.
لا أحد يمكنه إقناعنا نحن المواطنين بأن حكومة حفتر ستكون البديل الجيد لحزمة الدبيبة ، وستحارب الفساد وتوصلنا للانتخابات ،، الحل الحقيقي بالانتخابات التشريعية ، والتخلص من كل الاجسام والاسماء ، والبرلمان المنتخب يشكل حكومته ويستفثي الشعب ع الدستور ، ونظام الحكم التنفيذي والإداري ،
— ⵄⵍⵢ ⵎⵃⵎⴷ?? علي عبود (@AMAboud6) August 13, 2022
على هذا الأساس لم تكن صلاحيات مجلس النواب هي التمدد في السلطة وسن التشريعات الجديدة، التي ما كان لها أن تتجاوز مسألة الاستفتاء على الدستور الجاهز منذ 2017 أو قوانين الموازنات السنوية أو قوانين الانتخابات، فهذه هي الأعمال المنتظرة من البرلمان.
صفقات التمديد
مع إطالة أمد المسار الانتقالي الحاليّ، بدا واضحًا عدم التوافق بين مجلسي النواب والدولة وكثرة المراوغة بينهما فيما يشبه لعبة باتت مكشوفة وهي المكوث في السلطة وعدم الرغبة في التفاهم بشكل مقصود، لأن أي توافق بينهما يعني حتمًا الحكم على نفسيهما بالموت، لهذا السبب لا يزالان يتمرسان باللف والدوران، وهذا واضح من خلال التباين الأخير بشأن مسألة التفاهم على شرط الجنسية لانتخاب رئيس الجمهورية الذي كان يسمح لترشح مزدوجي الجنسية وهو ما يخدم حفتر، لكن رئيس المجلس الأعلى للدولة نفى موافقته على هذا الشرط، وهو ما يؤكد استمرار لعبة شد الحبل بينه وبين البرلمان.
هذا الإهدار للوقت ليس حتمًا في صالح البلاد من النواحي الاقتصادية والاجتماعية، مع تدهور العملة وما تنتجه من حالة احتقان عارم قد تؤدي بأسرع حال إلى انفلات أمني، على شاكلة ما حدث بالزاوية غرب طرابلس من صراع مسلح دام لليلة كاملة أدى إلى مقتل ستة أشخاص.
وبالتالي فإن عدم التوصل إلى أي صيغة لاجتياز هذه العقبات، لا يوجد له مبرر إلا مزيد من عقد الصفقات والحصول على الامتيازات والتمكن من أجهزة الدولة والتغلغل في مؤسساتها، عبر زيادة المنح والرواتب وتنصيب السفراء وممثلي البعثات في الخارج عبر الولاءات، وهو ما أشار إليه ديوان المحاسبة في تقريره السنوي الذي صدر أخيرًا.
عقيلة يحصن نفسه ويضع مجلس النواب تحت عباءته ويستغل التغيرات في سلك القضاء ويدفع بالقرارات لوحدة واغلب اعضاء مجلس النواب لا حراك ولا ردة فعل المهم بند الرواتب المزايا ماشي #ضاع التشريع بانفراد عقيلة به ولا صد لتعنته وتسلطه
— عصام الزبير بعد الحدف (@sam_alhdf) September 22, 2022
وقد يسهم هذا التمشي في توتر عسكري جديد، خاصة مع تهديد حفتر بشن حرب جديدة على العاصمة بزعم القضاء على الميليشيات، والتمكين لحكومة البرلمان فتحي باشاغا خاصة بعد فشله في دخول العاصمة لعدة مرات رغم استعمال قوة السلاح.
من هذا المنظور فإن طريق أي انتخابات مقبلة سواء كانت تشريعية أم رئاسية، محاطة بالعوائق من كل الجوانب، وعلى رأسها رئيس البرلمان الذي يهدد بإقصاء كل المخالفين للكتلة النيابية الرافضة لتوجهاته، رغم أنهم منتخبون مثل أعضاء كتلته، وهذا التعنت سيتضح أكثر فأكثر مع قرار عقيلة صالح تعيين رئيس المحكمة العليا عبد الله أبو رزيزة، ضمن مسار متدرج لضمان ولاء المؤسسات ويبدو أن رئيس مجلس الدولة خالد المشري قد وافق على التعيين.
محاولات دفع ضعيفة
وسط هذا الانسداد العام على كامل الصعد، تبدو محاولات الدفع بتجديد المسار السياسي، للبناء عليه، ضعيفة ومترهلة جدًا، سمتها الجمود وغياب الفاعلين الحقيقيين لحث مختلف الحساسيات السياسية على طرح حل يحظى بنوع من الوفاق والتشاركية.
رئيس السلطة التنفيذية محمد المنفي لوح بالتدخل لفرض قاعدة دستورية من المجلس الرئاسي، وفق ما تم تداوله في أروقة الأمم المتحدة خلال اجتماع الجمعية العامة في دورتها السابعة والسبعين، ويبدو أنه طرحها على لاعبين دوليين كبار في الملف الليبي، تتعلق أساسًا ببلورة حل دستوري للانتخابات.
في هذا الخضم، يتوقع من المبعوث الأممي الجديد إلى ليبيا، السنغالي عبد الله باثيلي، إكمال الحراك السياسي على أساس تجاوز العوائق نحو إما إطلاق حوار جديد بين أطراف الصراع، والبناء على مسار المستشارة الأممية السابقة ستيفاني وليامز، وإما الدعوة لحوار أوسع قد يشمل الدول ذات الاهتمام الأكبر بالمشهد الليبي، لوضع خريطة طريق جديدة.
خلاصة القول
يوم الخميس القادم
اذا اتفق اهل الحل و العقد في ليبيا ( الحامي الموحد طبعا) خلال جلستهم المغلقه في نيويورك و تفاهم علي حصص كل منهم و تنازلوا عن بعض الفتات لدول الجوار الليبي. مؤكد اننا سنشهد تحولا دراماتيكي في المشهد الليبي. و ان لم يتفقوا فمزيدا من الفوضى.
— essameljabou (@essameljabou) September 27, 2022
وبالتالي فإنه من المنتظر أن يشهد الوضع انفراجة من حيث استئناف الزخم السياسي، وأول ملف حارق سيجابه الفرقاء هو مشكل التمثيل الحكومي، مع تمسك كل طرف بشرعيته، بالتالي قد يتم النظر في توحيد الجهود الحكومية نحو حكومة ثالثة، قد تكون من الطرفين لكن معدلة أو قد تسحب البساط نهائيًا من حكومتي باشاغا والدبيبة.
لكن لا شك أن ذلك سيجابه بمسألة أخرى، نظرًا لتعقيدات وتشعب الواقع الليبي في علاقته باللاعب الإقليمي، وهو ارتباط تلك الحكومتين بمحاور خارجية، وهذا يمكن تفسيره بتعاقب الزيارات بين الدبيبة وباشاغا إلى كل من تركيا وقطر، انتهت بزيارة رئيس البرلمان عقيلة صالح إلى الدوحة وقبلها إلى أنقرة، وحديث عن وساطة قطرية مصرية لم تتضح معالمها أو تنعكس بعد على الجانب الليبي.
كل تلك الفرضيات المطروحة لحلحلة الوضع وفتح نافذة جديدة وجدية ستكون مرتبطة حتمًا بأي مفاجآت قد تحدث على الأرض، أي مغامرة عسكرية تقلب كل التكهنات، فحفتر قام أخيرًا بأكثر من زيارة للجنوب الليبي، بعد تلويح الرئيس الجزائري عبد المجيد تبون بالتدخل المباشر في ليبيا إذا رأى ضرورة، في إشارة واضحة لرفض التدخل المصري الإمارتي في المنطقة المغاربية، وخاصة التفكير في استحداث حكومة ليبية جديدة.
ذلك ما أثار استياءً كبيرًا لدى السيسي وصل حد التفكير في استدعاء السفير المصري من الجزائر وفق تقارير إعلامية، لكن عمومًا يبدو أن اليد الطولى ستكون للجزائر لاعتبارها الجغرافي المغاربي ثم لوزنها في القمة العربية التي ستعقد على أرضها.