ترجمة وتحرير: نون بوست
في واقع معاصر تحتد فيه المواجهة العالمية مع روسيا والصين، تستميت الدول الغربية في احتواء خصومها من خلال اتباع سياسة معارضة توسيع علاقات الشراكة مع الدول الأخرى بشتى الوسائل. فعلى سبيل المثال، يثير عمل كل من بكين وموسكو على تكوين علاقات بناءة مع الجزائر – أحد أكثر اللاعبين الفاعلين نفوذًا في شمال إفريقيا – قلق الغرب.
واستنادًا إلى الإرث التاريخي، لا يمكن للغرب الجماعي التعويل على رفض الجزائر التعاون مع روسيا أو الصين، لكنه قد يحاول فرض سياسة خارجية مماثلة لتلك التي تنتهجها الهند.
علاقات الجزائر المتوترة مع دول الغرب
كانت إسبانيا وفرنسا من الشركاء الغربيين الرئيسيين للجزائر على مر التاريخ، مع تحسّن طفيف في العلاقات مع الولايات المتحدة إثر انهيار الاتحاد السوفيتي تجلى في تعزيز التعاون بين البلدين في المجالات الاقتصادية والتعليمية والثقافية والعسكرية وتدفق الأموال والاستثمارات الجديدة، خاصة بعد الحرب الأهلية ما بين 1991 و2000.
عقب ذلك، أظهرت الجزائر باعتبارها لاعب شمال أفريقي رئيسي بالنسبة لواشنطن قيمتها الجيوستراتيجية بعد أن لعبت دورًا مهمًا في توفير المعلومات الاستخبارية والمساعدة في عمليات مكافحة الإرهاب في بلدان المغرب الإسلامي وارتفاع المبادلات التجارية مع الولايات المتحدة في قطاع النفط والغاز.
بدا أن العلاقات الأمريكية الجزائرية آخذة في التحسن، لكن جميع هذه المبادرات فشلت بمجرد إعلان دونالد ترامب عن قرار الاعتراف بسيادة المغرب على الصحراء الغربية. ونتيجة ذلك، توتّرت العلاقات الأمريكية الجزائرية. ورغم تعويل بعض الخبراء المحليين على تغيّر مسار السياسة الخارجية الأمريكية في شمال إفريقيا مع إدارة بايدن، غير أن ذلك لم يحدث.
الخلافات الجزائرية الإسبانية
تمر علاقات الجزائر مع جيرانها الشماليين بفترة اختبار. فيما يتعلق بإسبانيا، تدهورت علاقة الجزائر معها بسبب رسالة رئيس الوزراء الإسباني بيدرو سانشيز إلى الملك محمد السادس ملك المغرب بوصفه مقترح نظام الحكم الذاتي للصحراء الغربية بأنه “الاقتراح الأكثر جدية وواقعية ومصداقية” لتسوية النزاع.
مرت العلاقات بين مدريد والرباط بدورها بفترات عصيبة قبل ذلك بسنة بسبب حقيقة استضافة إسبانيا زعيم جبهة البوليساريو، إبراهيم غالي، من أجل تلقيه العلاج من فيروس كوفيد-19. لقيت هذه الخطوة استياء المغرب ونتج عن التوترات الدبلوماسية توقف قوات إنفاذ القانون المغربية عن منع المهاجرين غير الشرعيين من اختراق الحواجز التي أقيمت حول الجيبين الإسبانيين سبتة ومليلية، فاجتاز الآلاف من المهاجرين غير الشرعيين الأراضي الإسبانية. وطمعًا في استعادة العلاقات مع الرباط وإرضاء واشنطن في نفس الوقت، غيّرت مدريد موقفها من قضية ملكية الصحراء الغربية.
ألقت جميع هذه العوامل بظلالها على العلاقات الجزائرية الإسبانية. استدعت وزارة الخارجية الجزائرية سفيرها في مدريد لإجراء نقاشات معه، ولم تكتفي الجزائر بذلك فقط بل علقت معاهدة الصداقة وحسن الجوار والتعاون التي تجمعها مع إسبانيا. كما نظرت السلطات الجزائرية في إمكانية وقف العلاقات التجارية بشكل مؤقت، غير أنها أجّلت اتخاذ هذه الخطوة مراعاةً لمصالحها.
رغم ضيق التعاون الاقتصادي بين البلدين واقتصاره على مجالات معينة، إلا أنه يحظى بأهمية كبيرة. حسب قاعدة بيانات “كومتريد” التابعة للأمم المتحدة، ناهز حجم المبادلات التجارية لسنة 2021 بين الجزائر وإسبانيا 7.96 مليار دولار، 5.64 مليار دولار منها نتيجة الصادرات الإسبانية إلى الجزائر. تزوّد الجزائر إسبانيا سنويًا بحوالي 13 مليار متر مكعب من الغاز. وعلى خلفية التوترات الجيوسياسية الراهنة والأزمة الروسية الأوكرانية وازدياد الطلب على الغاز مقابل انخفاض المعروض، كاد هذا التعاون أن يتوقف بعد نظر الجزائر في فسخ العقود المبرمة مع إسبانيا في هذا المجال جراء تفكير مدريد في بيع وارداتها من الغاز إلى دول أوروبا أو المغرب، وهو ما رفضته الجزائر معتبرةً إيّاه خرقًا للالتزامات التعاقدية.
لطالما أثّرت الخلافات السياسية بين الجزائر وإسبانيا على التعاون في مجال الطاقة بين البلدين. في الأول من تشرين الثاني/ نوفمبر 2021، توقّفت الجزائر بسبب اضطراب العلاقات مع المغرب عن ضخ الغاز عبر خط أنابيب الغاز المغاربي الأوروبي، الذي يمر عبر أراضي المغرب. وعليه، لم يتبقى غير خط أنابيب غاز واحد يربط بين الجزائر وإسبانيا وهو “ميد غاز” الذي افتتح في آذار/مارس سنة 2011.
تراجعت إمدادات الجزائر من الغاز نحو إسبانيا، على الرغم من أنها تعتبر أكبر شريك تجاري في قطاع الغاز
بسبب الانحياز إلى جانب الرباط، ضيّعت مدريد على نفسها فرصة أن تصبح مركز الغاز الجديد في أوروبا على الرغم من أنها تطمح لذلك. وفي تموز/ يوليو من العام الجاري، أفاد رئيس الوزراء الإسباني بيدرو سانشيز بأن بلاده يمكن أن تصبح مركزًا أوروبيًا جديدا بفضل امتلاكها نظاما فعالا لإعادة تغويز الغاز الطبيعي المسال، مشيرًا إلى أنه في حزيران/يونيو أعيد تصدير 20 بالمئة من الغاز الطبيعي المسال المستورد إلى دول الاتحاد الأوروبي الأخرى.
في الوقت الحالي، تضم إسبانيا ست منشآت متخصصة في معالجة الغاز الطبيعي المسال. لكن المملكة غير مرتبطة بشكل كافي مع بقية الاتحاد الأوروبي، وبالتالي فإن تحولها إلى مركز غاز في القارة سيتطلب توسيع وتطوير الخدمات اللوجستية إلى جانب الوقت والموارد.
تتالت التقارير بشأن إمكانية إنقاذ إسبانيا دول الاتحاد الأوروبي من أزمة طاقة تلوح في الأفق حتى قبل انطلاق العملية العسكرية الخاصة في أوكرانيا. في البداية، كشفت وسائل الإعلام عن نظر الناتو في إمكانية بناء خط أنابيب غاز يربط كاتالونيا بألمانيا بهدف تقليل اعتماد أوروبا الوسطى على الوقود الروسي.
لكن من الصعب على إسبانيا تنفيذ هذه المبادرات – في حال أمكن ذلك – في وقت قريب، ما يدفعها لزيادة مشترياتها من الغاز الطبيعي المسال الروسي رغم احتدام المواجهة بين الغرب وموسكو. هذه الصائفة، كانت روسيا ثاني أكبر مصدر للغاز الطبيعي لإسبانيا بنسبة 24 بالمئة من إجمالي الطلب، متجاوزةً بذلك الجزائر التي كانت نسبة وارداتها من الغاز نحو إسبانيا تناهز 22 بالمئة من إجمالي الطلب.
تعتبر الولايات المتحدة المورّد الرئيسي للغاز إلى إسبانيا. تواصل مدريد ارسال الغاز إلى الرباط وقد استؤنفت عمليات التسليم عبر خط أنابيب المغرب العربي-أوروبا، الذي يمر عبر الأراضي المغربية والذي أنشئ في السابق خصيصًا من أجل تصدير الغاز من الجزائر إلى إسبانيا. وحتى مع نفي إسبانيا تحويل الغاز الطبيعي المسال الجزائري إلى المغرب، إلا أن ذلك لم يشفع لها عند السلطات الجزائرية مما أدى إلى تفاقم الخلافات.
تراجعت إمدادات الجزائر من الغاز نحو إسبانيا، على الرغم من أنها تعتبر أكبر شريك تجاري في قطاع الغاز. في نهاية تموز/ يوليو من العام الجاري، أعلنت شركة النفط والغاز الجزائرية “سوناطراك” تعليق الإمدادات بسبب “انهيار الجزء الإسباني” من خط أنابيب ميد غاز. ومن جهتها، تُعارض المؤسسة الحاكمة الإسبانية فكرة استخدام الجانب الجزائري موارد الطاقة كأداة للضغط من أجل تحقيق مصالحه لذلك تسعى إلى تنويع وارداتها من الغاز.
بدائل للسوق الإسبانية
في ظل الظروف الراهنة وتزايد الطلب بشكل كبير على الوقود الأزرق ووجود فرص أخرى لإمداد أوروبا بالغاز، مثل خط الأنابيب عبر المتوسط إلى شبه الجزيرة الإيطالية عبر أراضي تونس، فإن مصالح الجزائر في مأمن. في أوائل تموز/ يوليو الماضي، كشف الرئيس الجزائري عبد المجيد تبون اعتزام بلاده تزويد إيطاليا بكمية كبيرة من الغاز بموجب صفقة تناهز قيمتها أربعة مليارات دولار، معلنا بذلك إبرام شراكة استراتيجية مع روما. وخلال الاجتماع الذي جمعه مع رئيس الوزراء الإيطالي ماريو دراغي، أشار تبون إلى أن إمدادات الغاز من الجزائر إلى إيطاليا ستزداد فقط في السنوات المقبلة.
تبحث السلطات الجزائرية في إمكانية زيادة إمدادات أوروبا من الموارد الطاقية. في 28 تموز/ يوليو الماضي، ونتيجة مفاوضات استمرت عدة أشهر، وقّعت الجزائر والنيجر ونيجيريا مذكرة تفاهم لإضفاء الطابع الرسمي على مشروع خط أنابيب الغاز عبر الصحراء يؤمن نقل الغاز النيجيري إلى أوروبا – علمًا بأن هذه المبادرة طُرحت قبل سنوات وتم إبرام أول اتفاق بشأن بنائها في سنة 2009 غير أن تنفيذ المشروع تأخر بسبب عدد من التهديدات والعقبات.
يتعدى طول خط أنابيب الغاز عبر الصحراء أكثر من 4 آلاف كيلومتر بسعة تناهز 30 مليار متر مكعب في السنة، أي ما بين 7 و8 بالمئة من استهلاك الغاز من قبل دول الاتحاد الأوروبي. نظريًا، يتضمّن المشروع بناء خط أنابيب لنقل الغاز من دلتا النيجر إلى عين صالح في جنوب الجزائر عبر أراضي النيجر. لكن هناك العديد من التساؤلات، أهمها من يضمن سلامة المشروع وأمنه؟ وهل تنفيذه ممكن؟ وطبيعة الأطراف التي ستمول المشروع؟
عند التخطيط للمشروع ينبغي الأخذ بعين الاعتبار ضرورة تحديث الخدمات اللوجستية والبنية التحتية، نظرا لأن المغرب العربي والقارة الأفريقية ككل مناطق كبيرة غير متشابهة. من جهتها، تلعب دول إفريقيا جنوب الصحراء دورا غير ملحوظ في السياسة الاقتصادية لدول شمال إفريقيا. فعلى سبيل المثال، تتراوح حصة دول إفريقيا جنوب الصحراء بين 3 و4 بالمئة من حجم التبادل التجاري للمغرب وتونس والجزائر ومصر وليبيا.
تغيب مشاريع الاستثمار المشتركة وتكاد تكون منعدمة بسبب الافتقار إلى خدمات النقل الضرورية وبنية تحتية للطاقة قادرة على ضمان التفاعل والتجارة. كما أن ارتفاع تكلفة منتجات الطاقة يشكل عائقا أمام تشغيل الخط في منطقة ابتليت بالصراعات السياسية والاقتصادية والعرقية والدينية.
لا تعتبر هذه المحاولة الأولى لتصدير موارد الطاقة من نيجيريا. في سنة 2016، صُمم مشروع “خط أنابيب الغاز نيجيريا المغرب” ينطوي على بناء خط أنابيب غاز من نيجيريا إلى أوروبا عبر المغرب وإحدى عشرة دولة من غرب إفريقيا. وكان من المخطط إرساء خط أنابيب الغاز على طول قاع المحيط الأطلسي وعلى طول ساحل غرب إفريقيا، بطول يناهز ستة آلاف كيلومتر.
في الوقت الراهن، يعتبر خط أنابيب النفط الروسي “دروجبا” الذي يناهز طوله 5500 كيلومتر أطول خط أنابيب مخصص للطاقة. واستنادا إلى ذلك، يتطلب تنفيذ المشروع موارد وأبحاثًا واختصاصيين وتقنيات معينة، أي أن سيناريو تنفيذ هذا المشروع في وقت قريب مستبعد.
بسبب حاجة أوروبا اليوم إلى مصادر بديلة للطاقة، أدركت فرنسا أهمية الحفاظ على العلاقات التي تجمعها مع الجزائر التي بات يسودها نوع من التوتر بسبب العوامل التاريخية. أظهرت الزيارة الأخيرة التي أداها الرئيس الفرنسي إلى الجزائر رغبة فرنسا في استعادة التقارب.
اغتناما للذكرى الستين لاستقلال الجزائر، بعث الرئيس الفرنسي رسالة إلى نظيره الجزائري حثه فيها على تعزيز العلاقات الفرنسية الجزائرية القائمة بين البلدين. في المقابل، لم يُرحّب الجزائريون بزيارة الرئيس الفرنسي وطالبوا علنا بمغادرة بلادهم.
الوضع معقد بسبب عدم استعداد باريس لمنح مدريد دور وسيط للطاقة بين الجزائر ودول الاتحاد الأوروبي الأخرى، خاصة في ظل فقدان قصر الإليزيه نفوذه في شمال إفريقيا
في الحقيقة، لا تعتمد باريس التي تعول بشكل أساسي على الطاقة النووية لتوليد الكهرباء، بشكل كبير على موارد الطاقة الجزائرية بحيث يغطي الغاز 20 بالمئة من الطاقة الكهربائية، ما بين 8 و9 بالمئة منه متأتية من الجزائر. مع ذلك، لا يمكن الجزم بأن ماكرون لم يطلب خلال الاجتماع الذي جمعه مع الجانب الجزائري بذل جهود لزيادة إنتاج الغاز. وتعتبر مسألة الأمن أهم جانب في العلاقات بين البلدين.
بعد تراجع النفوذ الفرنسي في مالي، ظهرت أصوات تنادي بضرورة التخلص من النفوذ الفرنسي في البلدان الأفريقية الأخرى التي كانت مستعمرات سابقة. من خلال الزيارة، تمكن ماكرون من تحقيق أهداف معينة بما في ذلك إنهاء الحرب الباردة مع الجزائر عن طريق إنشاء آلية للحوار والتشاور وحل الخلافات في إطار الاحترام المتبادل، ومهد الطريق لتأسيس شراكات مستقبلية في المجال الدبلوماسي والأمني والاقتصادي. وقد وقعّّ الطرفان على إعلان بشأن “استئناف الشراكة”، بينما بقيت الخلافات بشأن مسألة التأشيرات بين البلدين دون حل. كما تعهد الرئيس الفرنسي بتيسير مسألة إصدار التأشيرات لعائلات أصحاب الجنسية المزدوجة والفنانين والرياضيين ورجال الأعمال، غير أنه لم يتم توجيه تعليمات بشأن هذه المسألة إلى حدود سنة 2021.
بالنظر لعدم اعتذار السلطات الفرنسية عن الجرائم التي اقترفتها خلال فترة الاستعمار في حق الجزائريين، لم تُوقّع اتفاقيات بشأن زيادة إمدادات الغاز الجزائري ولم يتم الإعلان عن استثمارات بمليارات الدولارات ولم تعلّق الجزائر على نية فرنسا لعب دور الوسيط بين الجزائر وإسبانيا والمغرب.
انتظر المجتمع الجزائري اعتذار ماكرون عن جرائم الاستعمار الفرنسي بعد وصفه فترة الاستعمار بـ “جريمة ضد الإنسانية” ليكون أول سياسي فرنسي يفعل ذلك. لكنه خيّب آمال الشعب الجزائري واختار تحميل المؤرخين المسؤولية عن طريق إنشاء لجنة فرنسية جزائرية مشتركة لدراسة سجلات الفترة الاستعمارية.
خلال فترة رئاسة ماكرون لم تشهد العلاقات الجزائرية الفرنسية تحسنًا، ويظهر ذلك في استدعاء الجزائر سفيرها من باريس في أيار/ مايو 2020 وتشرين الأول/ أكتوبر 2021، مع العلم أن جل الخلافات تعود لأسباب تاريخية. وتصريحات الرئيس الفرنسي الذي زعم أن الجزائريين أعادوا كتابة تاريخهم بطريقة لا تستند إلى الحقيقة والسجلات وإنما على كراهية فرنسا، أثارت غضب السلطات الجزائرية. وتشكيك الرئيس الفرنسي في وجود الأمة الجزائرية قبل استيلاء فرنسا على الجزائر سنة 1830، يفسر المواقف وردود الأفعال التي يتبناها الشعب الجزائري اليوم.
إن الخلافات القائمة بين الجزائر، باعتبارها لاعب الإقليمي الرئيسي في شمال إفريقيا، وفرنسا تُقلق كلا من بروكسل وواشنطن لا سيما أن الجزائر تزوّد كلا من البرتغال وإيطاليا وفرنسا بالغاز. وبالنظر إلى الثروات التي تمتلكها الجزائر وحاجة الاتحاد الأوروبي الملحة إليها، سيحاول الأخير عدم مفاقمة الخلافات والتوسط من أجل حل النزاعات. ورغم إمكانية تحقيق ذلك، إلا أن الوضع معقد بسبب عدم استعداد باريس لمنح مدريد دور وسيط للطاقة بين الجزائر ودول الاتحاد الأوروبي الأخرى، خاصة في ظل فقدان قصر الإليزيه نفوذه في شمال إفريقيا.
الشراكة مع روسيا والصين
إن تنامي شراكة الجزائر مع روسيا والصين يقض مضجع الدول الغربية. تجمع بين موسكو والجزائر علاقات متينة قائمة منذ الاستقلال وشراكة وثيقة. وفي إطار مذكرة تفاهم تعود لسنة 2006، ساعدت “غازبروم” أكبر شركة نفط وغاز جزائرية “سوناطراك” على تطوير إنتاج الغاز الطبيعي المسال. إلى جانب ذلك، تتجلى العلاقات الوثيقة القائمة بين البلدين في التعاون في المجال الأمني، حيث تعتبر الجزائر أكبر مستورد للأسلحة الروسية بتأمين أكثر من 80 بالمئة من معداتها العسكرية (على مدى السنوات الثلاث الماضية، احتلت البلاد مرتبة ثالث أكبر مستورد للأسلحة الروسية بعد الهند والصين).
لا يقتصر التعاون في المجال الأمني على عمليات التصدير والاستيراد فقط. ففي سنة 2021، أجريت أول مناورات تكتيكية روسية جزائرية مشتركة في ملعب تارسكوي التدريبي في أوسيتيا الشمالية. في تشرين الثاني/ نوفمبر من نفس السنة، أجرت البحرية الروسية والبحرية الجزائرية تدريبات مشتركة في البحر الأبيض المتوسط تزامنا مع مناورات “بولاريس 21” التي شاركت فيها ست دول أعضاء في حلف الناتو.
ردًا على المناورات العسكرية التي شاركت فيها القوات البرية والجوية الفرنسية والمغربية التي أجريت بالقرب من الحدود الغربية للجزائر، يخطط الجيشان الروسي والجزائري لإجراء تدريبات مشتركة لمكافحة الإرهاب تحت مسمى “درع الصحراء” في قاعدة حماقير التي تبعد 50 كيلومترا عن الحدود المغاربية في تشرين الثاني/ نوفمبر المقبل. وقد رفض الدبلوماسيون الجزائريون الانضمام إلى جانب الولايات المتحدة وإدانة موسكو في جلسة الأمم المتحدة المنعقدة في آذار/ مارس 2022، على الرغم من التزامهم التاريخي بمبادئ سيادة الدولة. في المقابل، تدعم روسيا الجزائر في قضية الصحراء الغربية.
ستحاول دول الاتحاد الأوروبي تجنب الانحياز علنًا إلى جانب المغرب فيما يتعلق بالصحراء الغربية
على غرار روسيا، تعود العلاقات التي تجمع الجزائر مع الصين إلى حقبة الحرب الباردة وإلى عهد ماو تسي تونغ. في الآونة الأخيرة، دفعت طموحات بكين العالمية المدعومة بمبادرة حزام واحد طريق واحد الصين إلى تحويل أنظارها نحو شمال إفريقيا، حيث ترغب بكين في توسيع نطاق نفوذها. بغاية تحقيق مآربها، خصصت الحكومة الصينية مبالغ كبيرة للاستثمار في البنية التحتية الجزائرية وضاعفت المبادلات التجارية بين البلدين بشكل كبير خلال العقد الماضي.
تتعاون كل من الجزائر والصين في مجال الطاقة والبناء. كما انضمت الجزائر إلى مشروع حزام واحد طريق واحد منذ سنة 2013، وخلال هذه الفترة اتفق الطرفان على بناء أول ميناء للمياه العميقة في الجزائر غرب العاصمة الجزائرية تناهز تكلفته 3.3 مليار دولار. ويرجح أن يكون ميناء الحمدانية ثاني أكبر ميناء للمياه العميقة في إفريقيا. مع مرور الوقت، أصبحت الصين من الدول المصدرة للأسلحة إلى الجزائر، تزودها بطائرات استطلاع وطائرات مسيرة مختلفة الطراز.
يخشى الغرب فكرة تبديد موسكو وبكين الهيمنة الغربية في أفريقيا خاصة في منطقتي المغرب العربي والساحل. ويرجع اهتمام الجزائر بإرساء علاقات مع الصين وروسيا إلى سنوات طويلة، عندما دفع الموقف الذي اتخذته الدول الغربية من قضية الصحراء المغاربية والدعم غير المشروط للمغرب بالجزائر إلى أحضان روسيا والصين. لكن مع ملاحظة الدول الغربية اقتراب اللاعب الإقليمي القوي في شمال إفريقيا من تحالف غير صديق لها، ستحاول مما شك فيه تحويل انتباه الجزائر نحوها، لا سيما أنها تعتبر ثالث أكبر مورد للغاز إلى الاتحاد الأوروبي.
وإلى جانب غض كل من مدريد وباريس الطرف عن القضايا المثيرة للجدل والحساسة من أجل تعزيز العلاقات مع الجزائر وتقليص فرص تعاونها مع روسيا والصين، ستحاول دول الاتحاد الأوروبي تجنب الانحياز علنًا إلى جانب المغرب فيما يتعلق بالصحراء الغربية.
المصدر: المجلس الروسي للشؤون الدولية