من أبرز التحديات التي تواجه الرئيس الصومالي حسن شيخ محمود، الذي اُنتخب قبل أشهر قليلة، شبح المجاعة الوشيكة، إذ يهدد الجوع نحو نصف أبناء شعبه جرّاء الجفاف والتداعيات الاقتصادية للغزو الروسي لأوكرانيا، فضلًا عن الاضطراب الأمني القائم في ظل مواجهة حركة الشباب المتطرفة المرتبطة بتنظيم القاعدة.
توقعات الحكومة الصومالية والأمم المتحدة تفيد بأن نحو 8 ملايين من مجموع سكان الصومال (16 مليونًا تقريبًا) يحتاجون إلى مساعدات غذائية، بينما أكّد مبعوث الرئيس الصومالي لمواجهة أزمة الجفاف، عبد الرحمن عبد الشكور ورسمي، في حديث لـ”الجزيرة نت”، وجود 300 ألف صومالي يعانون من المجاعة حاليًّا.
وفي تقرير نشره مكتب تنسيق الشؤون الإنسانية التابع للأمم المتحدة، كشف أن 1.5 مليون طفل صومالي يعانون من سوء التغذية بسبب ظروف الجفاف، منهم آلاف قد يواجهون خطر الموت بسبب سوء التغذية الحاد قبل نهاية سبتمبر/ أيلول الجاري، كما نقلت مجلة “تايم” الأمريكية عن منسق الأمم المتحدة للشؤون الإنسانية في الصومال، آدم عبد المولى، أن آلاف الصوماليين توفّوا بالفعل جرّاء نقص الغذاء.
الرئيس شيخ محمود يثير القضية في الولايات المتحدة
كان ملف الجفاف والأمن في الصومال أكثر الملفات التي استعرضها الرئيس حسن شيخ محمود خلال خطابه أمام الجمعية العامة للأمم المتحدة، يوم الخميس 22 سبتمبر/ أيلول، فقد حاول جذب اهتمام القادة العالميين إلى الوضع الكارثي الذي تمرُّ به الصومال جرّاء أزمة الجفاف، وما يصاحبها من تأثير هجمات حركة الشباب واستهدافها لقوافل المساعدات وقطع الطرق بين المدن والأقاليم.
وخلال كلمته أيضًا، أشار الرئيس الصومالي حسن شيخ محمود إلى أن حالات الجفاف الإقليمية تهدد بشكل مباشر حياة وسبل عيش بعض المجتمعات الأكثر ضعفًا، وأضاف أن الحكومة الصومالية دعت مجتمع الأعمال لديها والمغتربين والشركاء الدوليين للعمل معها لبذل كل ما في وسعها لتفادي “مجاعة محتملة وشيكة”، وحثّ هؤلاء الشركاء على مساندة الجهود لتقديم الدعم والإغاثة الفوريَّين إلى المجتمعات الأكثر تضررًا.
كما انتهز الرئيس حسن شيخ محمود فرصة مشاركته في حفل الاستقبال السنوي الذي أقامه الرئيس الأمريكي، جو بايدن، في واشنطن العاصمة، وتركّز اللقاء على تناوُل الدور الأمريكي في دعم الصومال على أصعدة مختلفة، منها الحرب على حركة الشباب وتنظيم “داعش”، بالإضافة إلى الجهود المبذولة لمواجهة الجفاف، وما تقدمه الولايات المتحدة عبر الوكالة الأمريكية للتنمية الدولية (USAID) من إغاثة النازحين والمتضررين من الجفاف.
وخلال اللقاء، أشاد الرئيس محمود بالحكومة الأمريكية لمساعدتها في حرب الصومال ضد حركة الشباب، مؤكدًا أن “الشعب الصومالي وحكومته يقاتلان لطرد الإرهابيين من البلاد”.
I had the pleasure of attending the reception hosted by the @POTUS during the 77th Session of the UNGA Assembly.
The #USA is a strategic ally & friend for #Somalia‘s development & progress of whom we look forward to further enhancing our bilateral ties to advance regional peace. pic.twitter.com/0izEn8rZm0
— Hassan Sheikh Mohamud (@HassanSMohamud) September 25, 2022
-مبعوث صومالي خاص يزور أمريكا وكندا-
كان لافتًا أن الرئيس الصومالي حسن شيخ محمود قام بتعيين السياسي البارز عبد الرحمن عبد الشكور ورسمي في منصب “المبعوث الخاص لشؤون الجفاف والإنسانية”، حيث الأخير قام بجولات شملت مختلف الأقاليم الصومالية المتضررة من الجفاف لتحديد حجم الاحتياجات، ثم انطلق بعدها في جولة خارجية لاستقطاب الدعم للمتأثرين.
خلال مشاركته في فعالية في نيويورك خلال الاجتماع السنوي للجمعية العامة للأمم المتحدة، الأسبوع الماضي، قال المبعوث الصومالي: “إذا لم تكن هناك استجابة إنسانية كافية… فستحدث المجاعة”، وأضاف: “أعلم أن هناك بعض المنافسة على الساحة الدولية في الأولويات مع أوكرانيا والتأثير المستمر لكوفيد-19 وأزمة الطاقة، لكن هذا لا يعني أننا يجب أن ننسى القرن الأفريقي والصومال”.
وتابع: “لا تنسوا الصومال، لا سيما الجفاف الذي يهدد بالتحول إلى مجاعة”، مشددًا على أن الوضع مشابه لما كان عليه عام 2011، عندما تسبّبت المجاعة في موت أكثر من 250 ألف شخص، مضيفًا: “حان الآن وقت العمل”، وحثّ قادة العالم على تقديم تعهُّدات سخية للمتضررين من الجفاف.
وبينما حذّر الأمين العام للأمم المتحدة، أنطونيو غوتيريش، من أن الناس في القرن الأفريقي على مشارف “كارثة إنسانية”، أعلنت رئيسة الوكالة الأمريكية للتنمية الدولية، سامانثا باور، أن واشنطن ستقدم 151 مليون دولار إضافية لتلبية الاحتياجات في الصومال.
كما تعهّدت إيطاليا والمملكة المتحدة وقطر في الفعالية ذاتها، بتمويل إضافي للاستجابة للأزمة، لكنّ منسق الإغاثة في الأمم المتحدة، مارتن غريفيث، لفت إلى وجود حاجة لمزيد من الأموال، فقد قالت الأمم المتحدة في نهاية أغسطس/ آب إنها تلقّت أكثر بقليل من 60% من المساعدات التي تحتاج إليها في الصومال، والتي تقدَّر بـ 1.4 مليار دولار قابلة للارتفاع.
من الولايات المتحدة توجّه المبعوث الصومالي عبد الشكور إلى كندا، حيث أجرى مباحثات مع وزير التنمية الدولية الكندي، موضّحًا أنه طلب من الحكومة الكندية زيادة الأموال من أجل الاستجابة للجفاف في الصومال، وأنه ناشد جماعة الضغط والمناصرة الكندية في تحويل تركيز العالم نحو الجهود المبذولة لمنع المجاعة في الصومال.
كان من اللافت أيضًا أن الرئيس الصومالي شيخ محمود استقبل في مقديشو خلال الشهر الحالي، المفوض الأعلى للسياسة الخارجية في الاتحاد الأوروبي، جوزيب بوريل، وبحسب بيان نشره بوريل على حسابه الرسمي في موقع تويتر، فإنه ناقش مع الرئيس حسن شيخ محمود الوضع السياسي والأمني في الصومال والتحديات الإنسانية.
Discussed w/ President Hassan Sheikh Mohamud political and security situation in #Somalia and humanitarian challenges
I acknowledged new leadership’s efforts of advancing state-building in cooperation with federal member states and further promoting economic reform efforts
(1/2) pic.twitter.com/G9N36v295X
— Josep Borrell Fontelles (@JosepBorrellF) September 11, 2022
وأقرَّ مفوض الاتحاد الأوروبي بجهود القيادة الصومالية الجديدة، لدفع عملية بناء الدولة بالتعاون مع الدول الأعضاء الفيدرالية، وتعزيز جهود الإصلاح الاقتصادي.
يذكَر أن زيارة المسؤول الأوروبي الرفيع كانت الأولى من نوعها خلال العقود الثلاث الماضية، ما يشير إلى مدى القبول الدولي الذي يتمتّع به الرئيس الصومالي المنتخَب وفريق حكومته، فقد ذكر بوريل في تغريدة أخرى أن الاتحاد الأوروبي على استعداد لمواصلة الدعم متعدد الأوجه للصومال، وتكييفه مع التطورات، لافتًا إلى أن “تحقيق الاستقرار في الصومال لا يزال أمرًا حاسمًا للأمن الإقليمي”.
لم ينصبّ اهتمام الرئيس الصومالي وحكومته على الغرب فقط في جهوده الحثيثة للتصدي لكارثة المجاعة الناجمة عن الجفاف، فقد قام بجولات شملت معظم دول الخليج بالإضافة إلى تركيا، لحثّ قادة هذه الدول على تقديم الدعم للصومال الذي تراكمت عليه الأزمات والتحديات.
بالفعل استجابت السعودية وقطر والإمارات والكويت بإرسال مساعدات إنسانية فورية، إلا أن هذه المبادرات ليست كافية في ظل الاحتياجات الهائلة، واستمرار الحملة العسكرية ضد حركة الشباب، حيث نجح الجيش الصومالي بدعم من الحلفاء (الولايات المتحدة وتركيا) في تحقيق انتصارات كبيرة واستعادة عدة مناطق من قبضة الحركة المتطرفة المرتبطة بتنظيم القاعدة.
تجاهُل إعلامي لأزمة الجوع في الصومال والقرن الأفريقي
بشكل عام، يمكن القول إن استجابة الشركاء الدوليين للصومال لم تكن كافية، كما أنه لا يوجد اهتمام إعلامي كافٍ من المؤسسات الإعلامية الكبرى بأزمة الجوع المتفاقمة في الصومال والقرن الأفريقي عمومًا، مقارنة بالأزمة الأوكرانية الناجمة عن الغزو الروسي.
هذا الحديث يذكّرنا بالتصريح المثير الذي أدلى به في وقت سابق المدير العام لمنظمة الصحة العالمية، تيدروس أدهانوم، إذ وصف الأزمة في إقليم تيغراي الإثيوبي بأنها أسوأ كارثة على وجه الأرض، وتساءل عمّا إذا كان سبب عدم استجابة قادة العالم يرجع إلى “لون بشرة سكان تيغراي”.
ربما كان أدهانوم، وهو من عرقية تيغراي، صريحًا وواضحًا في حديثه، حيث حظيَ تصريحه بتداول إعلامي مكثف، إلا أن مبعوث الرئيس الصومالي لشؤون الجفاف، عبد الشكور، قال المعنى نفسه لكن بشكل غير صريح، عندما صرّح في نيويورك قائلًا: “أعلم أن هناك بعض المنافسة على الساحة الدولية في الأولويات مع أوكرانيا والتأثير المستمر لكوفيد-19 وأزمة الطاقة، لكن هذا لا يعني أننا يجب أن ننسى القرن الأفريقي والصومال.. لا تنسوا الصومال”.