عروس يهودية إسرائيلية ببدلة بيضاء وطرحة تغطي وجهها تتقدم برفقة صديقاتها لدخول الأقصى، ومجموعة من الصغار تجاوزت أعمارهم الـ 10 سنوات مع ذويهم وبعض الكهنة قرب حائط البراق ضمن “احتفالات البلوغ”، وسجود ملحمي (انبطاح كامل – استواء الجسد على الأرض بالكامل)، كلها مشاهد تتكرر داخل المسجد بشكل دائم ومنظَّم ضمن سياسة الاقتحامات، بعدما كانت نادرة الحدوث باتت واقعًا شبه يومي تحت حراسة الشرطة الإسرائيلية.
ولم ينحصر اقتحام المستوطنين للأقصى في الساعات المخصصة صباحًا وبعد الظهيرة لتأدية صلوات تلموديه فقط، أو وقت المناسبات الوطنية الإسرائيلية والدينية، بل هناك طقوس تمارَس لتعزيز الهوية اليهودية للمسجد، في محاولة لربط الأجيال الجديدة من المستوطنين الإسرائيليين بالأقصى.
وما يشجّع على ممارسة المستوطنين المتطرفين لتلك الطقوس الدينية والاجتماعية، هي “جماعات الهيكل” التي تعتبر المسجد الأقصى “مكانًا يهوديًّا مقدّسًا وهيكلًا قائمًا” رغم هويته الإسلامية.
وبواسطة أدوات مساعدة، يمارس غلاة المستوطنين طقوسهم داخل الأقصى وأركانه تكاد تتواجد في كل بيت، وإن كان بعض منها يوجد في بيوت المتشددين فقط، وهي تعبّر عادة عن جوانب مختلفة من العادات والمعتقدات والتقاليد اليهودية بالنسبة إلى المتدينين.
كما تعتبَر أدوات الطقوس اليهودية جزءًا لا يتجزأ من تطبيق الفرائض الدينية اليومية، في حين يعتبرها غير المتدينين تحفًا فنية تحظى بالإعجاب بسبب جمالها أو براعة صناعتها أو مغزاها التاريخي.
أبرز الطقوس التوراتية التي تقام في الأقصى
– صلاة الصباح (شحاريت): وهي قراءة فردية أو جماعية مع أجزاء منتقاة ممّا يُسمّى بـ”أدعية البركات”، وأصبحت تؤدّى على نحو شبه يومي داخل المسجد الأقصى علنًا.
– صلاة بعد الظهر (منحاه): تؤدّى أحيانًا في اقتحام ما بعد الظهر، وهي مشابهة لصلاة الصباح لكنها تنتقي مقاطع أخرى ممّا يُسمّى بـ”أدعية البركات الثمانية”.
– مباركة الزفاف: عادة دارجة بشكل ملحوظ في العامَين الأخيرَين، إذ يعمد العروسان إلى اقتحام الأقصى قبيل زفافهما والصلاة فيه بمباركة أحد الحاخامات، ثم التقاط الصور التذكارية والرقص عند باب السلسلة، وذلك “طلبًا للبركة من مكان الهيكل”.
– صلاة التوبة: تؤدّى قبيل الأعياد اليهودية الكبيرة، خاصة عيد الغفران، ويصاحبها ارتداء ثياب التوبة البيضاء، بالإضافة إلى لباس خدَمة الهيكل وكهنته.
– رفع العلم الإسرائيلي: رفع العلم في الأقصى خلال ما يُسمّى يوم “توحيد القدس”، الذي يسبق رقصة ومسيرة الأعلام التهويدية.
– احتفالات البلوغ (بار/ بات متسفاه): تكون بعمر الـ 13 للذكور والـ 12 للإناث، ويقرأ فيها البالغ ما حفظ من مقاطع التوراة، ثم يقرأ له الحاخام صلوات البركة، ويتعمّد المستوطنون إقامتها في الأقصى لربط أبنائهم به.
– السجود الملحمي (برخوت): ويعني الانبطاح الكامل، واستواء الجسد على الأرض ببسط الذراعَين والساقَين والوجه بالكامل، ويمثّل هذا أقصى درجات الخضوع، ويُمنع هذا السجود على الحجارة لأنها مادة صناعة الأصنام، لكنه جائز على حجارة المسجد الأقصى باعتباره “هيكلًا قائمًا” و”محل سكن الرب”، ولهذا يُسمّى بـ”السجود الملحمي”.
ماذا تمثل الطقوس التلمودية للمستوطنين؟
تشكّل تلك الطقوس استفزازًا كبيرًا لمشاعر المسلمين عامة والمقدسيين خاصة، وبكل قوتهم يحاولون إيقاف تلك الممارسات، فهي لا تليق بحرمة الأقصى لما لها من مآرب أخرى.
يقول روبين أبو شمسية، الباحث المقدسي، إن إقامة الطقوس اليهودية داخل الأقصى هي واحدة من الاستراتيجيات والسياسات الدينية عند المتطرفين اليهود لخلق مفهوم مكانية التوراة في الأقصى، موضّحًا أنه ينطوي عليها كثير من الخطورة لتثبت الرواية الإسرائيلية أن هذا المكان مقدس لهم، ولهم الأمل بهدم المعلم الإسلامي “قبة الصخرة” وبناء الهيكل الثابت.
ويرجع أبو شمسية إقامة الطقوس داخل الأقصى إلى التقاليد والموروثات التوراتية، إلى أن هذا المكان الأجدر لتقام به سواء مباركة الزواج أو احتفالات البلوغ (بات متسفاه)، موضّحًا أن هناك صلوات خاصة تحضر من قبل المتطرفين اليهود والمتدينين وفي أماكن مخصصة، مثل باب الرحمة أو منطقة محراب داوود أو جزء من باب السلسلة ومنطقة سبيل قايتباي.
وذكر الباحث المقدسي لـ”نون بوست” أن من ضمن الاحتفالات، وهي البلوغ، ما يهدف إلى أن يدخل في عقل الطفل اليهودي الذي ينتقل من مرحلة الطفولة إلى البلوغ تحمُّل المسؤولية، بأن يكون جزءًا من اليهود الذين يطمعون في الأقصى، ويكون له معوله الخاص لهدم المسجد.
أما احتفالية رأس السنة التي تشهد تدفقًا كبيرًا من قبل المتدينين اليهود عند اقتحام الأقصى بداية السنة حسب التقويم العبري، ويكون ذلك بأمنية الأمل القريب، ويأتون بالشمعدان واللباس المخصّص لهم (القميص الأبيض)، ليحمل الكثير من الرسائل العبرية، وهي “كما يحافظ القميص على الجسد ويستره” يجب أن يكونوا حماة للهيكل ويهدموا المسجد، بحسب أبو شمسية.
وذكر أن الكثير من الطقوس الأخرى التي تتم باقتحام الأقصى وفق جماعات، مثل الخطوبة بين أبناء اليهود المتدينين واحتفالات النجاح التي يرافقها صلوات مخصصة، توحي بتفكير الإنسان المتزمّت اليهودي بأن المكان المقدس هو “الهيكل الأول”.
أشهر الأغاني التوراتية المصاحبة للاحتفالات في الأقصى
– “المعبد سيُبنى” أو “الأب”: الأغنية الأكثر تداولًا خلال الاقتحامات، خاصة أثناء الخروج من الأقصى عند باب السلسلة، لمغنيها نعومي شيمر، أُطلقت عام 1967 وتتكلم عن الأمل في بناء “الهيكل الثالث” على جبل موريا (مكان الأقصى) من أشجار الأرز.
– “نعمة بناء القدس”: تغنّى في مناسبات كيوم (توحيد القدس)، وتتحدث مقاطعها عن عرش داوود والبقاء في أورشليم، و”شكر الرب على نعمة القدس”.
– هتاف “شعب إسرائيل حي”: يُلفَظ بالعبرية (عام يسرائيل حاي)، وهو جملة متداولة يقولها المستوطنون للتعبير عن أنهم شعب حي، وأجازت محكمة الصلح في القدس في 16 أبريل/ نيسان 2018 الهتاف بهذا الشعار داخل الأقصى، معللة ذلك بأنه هتاف قومي لا ديني ولا يشكّل خطرًا على أحد، وذلك خلال بتّها في قضية عضو الكنيست المتطرف أتيمار بن خفير، الذي هتف به خلال اقتحامه عام 2015.
ويبدو واضحًا أن ممارسة الطقوس اليهودية في الأقصى تشكّل خطورة كبيرة، وتدفع غلاة المستوطنين بالتجرُّؤ على محاولة السيطرة عليه أكثر في ظل حمايتهم من قبل الشرطة الإسرائيلية، لذا ضرورة تواجد المرابطين وزيادة عددهم تعرقل من إقامة الكثير من تلك الطقوس العبرية، التي تعزز فكرة “التقسيم الزماني والمكاني” كما في العقيدة التوراتية.