“من الواضح أن الصراع بين الفرقاء السياسيين في الكويت لن يتوقف بين الأسرة الحاكمة وبقية ألوان الطيف السياسي من نخبويين وإعلاميين ونواب”.. يبدو أن تلك النتيجة هي القراءة الأولية لما أفرزته نتائج الانتخابات البرلمانية الكويتية التي جرت الخميس 29 سبتمبر/أيلول 2022، وأعلنت نتائجها صباح أمس الجمعة.
وبينما كان يعول البعض على مخرجات الماراثون الحاليّ في نزع فتيل الأزمة، يبدو أن اختيارات الكويتيين سيكون لها رأي آخر، فرغم المفاجآت التي شملتها تلك الانتخابات في بعض المسارات، فإن النتيجة الأكثر تأثيرًا هي الإبقاء على حالة النزاع بين أطراف العملية السياسية، ما سيكون له على الأرجح تأثير قوي على أداء مجلس الأمة (البرلمان) من جانب والتعاون مع الحكومة من جانب آخر.
كان الكويتيون قد توجهوا إلى صناديق الاقتراع للإدلاء بأصواتهم لاختيار 50 نائبًا للبرلمان من بين 305 مرشحين بينهم 22 امرأةً، فيما جاءت النتائج لافتة للنظر حيث شملت تغيير 54% من أعضاء المجلس السابق، وسط إقبال كبير هذه المرة بلغت نسبته 70% بحسب مراقبين.
يأتي هذا الاقتراع – وهو الأول من نوعه الذي يجري وفق نظام الصوت الانتخابي الواحد، واعتماد التصويت بالبطاقة المدنية لأول مرة بعد صدور مرسوم باعتماد التصويت في انتخابات أعضاء مجلس الأمة وفق عنوان السكن المسجل بالبطاقة المدنية، ومرسوم آخر بإضافة مناطق جديدة إلى الدوائر الانتخابية -، في وقت تشهد فيه البلاد حالة من الغموض السياسي جراء الصراع الممتد لسنوات بين البرلمان والحكومة، وهو الصراع الذي أسفر عن حل المجلس وإجبار الحكومة على الاستقالة أكثر من مرة، وتسبب في عرقلة الكثير من القرارات والإجراءات، الأمر الذي انعكس بطبيعة الحال على المشهد العام داخليًا.
وتنقسم الدوائر الانتخابية في الكويت إلى خمس دوائر رئيسية، كل دائرة منها تنتخب عشرة أعضاء، وبلغ عدد من يمكنهم الانتخاب أكثر من 730 ألف ناخب وناخبة، لاختيار 305 مرشحين، بينهم 22 امرأةً، فيما بلغ عدد المرشحين في الدائرة الأولى 48، بينهم 3 نساء (95 ألف ناخب وناخبة) وكذلك 48 مرشحًا في الدائرة الثانية، بينهم 4 نساء (84 ألف ناخب وناخبة)، و47 مرشحًا في الدائرة الثالثة، بينهم 8 نساء (131 ألف ناخب وناخبة) و80 مرشحًا في الدائرة الرابعة، بينهم 5 نساء (188 ألف ناخب وناخبة) و82 مرشحًا في الدائرة الخامسة، بينهم امرأتان (238 ألف ناخب وناخبة).
انتهت الانتخابات الكويتيه و انتجت برلمان قوي و تتصدره الوجوه الوطنيه و غابت عنه وجوه تقليديه و يحسب لرئيس الحكومة و نائبه وزير الداخليه التطبيق الحازم للرقابه على المال السياسي والفرعيات و تكللت جهودهم بنجاح العمليه السياسيه نجاحا مبهرا ورغم عدم فوز ابني فيها لكنها انتخابات نزيهه
— ناصر الدويلة (@nasser_duwailah) September 30, 2022
نتائج مفاجئة
جاءت النتائج مفاجئة للبعض وصادمة للبعض الآخر، حيث شهدت صعودًا جديدًا للإسلاميين، سنة وشيعة، كما عادت المرأة للمجلس مرة أخرى بعد غياب طويل، فضلًا عن السقوط المدوي الذي شهده ما كان يطلق عليهم “نواب الحكومة”، وفي المقابل ضخت تلك النتائج دماءً جديدةً للمجلس، بدخول 27 عضوًا جديدًا إلى البرلمان، 12 منهم كانوا نواب سابقين، و15 لم يسبق لهم الحصول على العضوية، هذا بخلاف سابقة هي الأولى من نوعها بنجاح مسجونين سابقين ببعض المقاعد.
وأسفرت المحصلة النهائية عن فشل 20 عضوًا سابقًا في الحفاظ على مقاعدهم بجانب امتناع 7 أعضاء من المجلس المنحل عن الترشح مرة أخرى، فيما جاءت نسب التغيير بين الدوائر الخمسة متباينة، فكانت 60% في الدائرة الأولى والثانية والخامسة و50% في الدائرة الثالثة والرابعة.
وحصد النواب الشيعة تسعة مقاعد، فحقق “التآلف الإسلامي الوطني” (الشيعي)، مفاجأة بوصول ثلاثة من أصل أربعة من مرشحيه إلى مجلس الأمة، فيما نجح “تجمع العدالة والسلام” في الحصول على مقعدين، بينما المقاعد الأربع الأخرى حققها مرشحون مستقلون من التيار ذاته.
أما “الحركة الدستورية الإسلامية” (حدس)، الجناح السياسي لـ”الإخوان المسلمين” في الكويت، فحافظت على مقاعدها الثلاث في المجلس السابق وهم: النائب السابق أسامة الشاهين في الدائرة الأولى، والنائب السابق حمد المطر في الدائرة الثالثة، والنائب السابق عبد العزيز الصقعبي في الدائرة الثالثة، فيما حصل “التجمع السلفي” على مقعدين، بيما بلغ إجمالي عدد المقاعد الذي حصل عليها السنة (إخوان وسلفيون) 8 مقاعد.
وبعد غياب تام عن المجلس السابق الذي كان خاليًا من العنصر النسوي، عادت المرأة إلى أروقة البرلمان مرة أخرى عبر مقعدين اثنين حصلت عليهما الوزيرة السابقة جنان بوشهري، وعالية الخالد، وذلك من بين 22 امرأةً ترشحت لخوض هذا المارثون الذي شهد حملات دعائية مكثفة في مشهد لم يعتده الكويتيون.
المجلس شهد كذلك عودة واحد من رواد العمل النيابي والسياسي في البلاد، وأحد أعلام البرلمان منذ سبعينيات القرن الماضي، وذلك بعد ابتعاد متعمد عن المشهد طيلة سنوات طويلة، وهو أحمد السعدون، الذي يحظى بشعبية جارفة، أهلته للحصول على الرقم الأكبر في تاريخ انتخابات مجلس الأمة منذ تطبيق نظام الصوت الواحد، وذلك بحصوله على المركز الأول في دائرته الثالثة بـ12239 صوتًا، وسط توقعات برئاسته للمجلس لما يتمتع به من حب الجميع، حكومة ومعارضة.
لا عزاء للمطبعين حيث قال الشعب الكويتي كلمته #التطبيع_خيانة خسر دعاة التطبيع جاسم الجريد وفجر السعيد اليوم في الانتخابات البرلمانية الكويتية،
القضية الفلسطينية رافعة خافضة pic.twitter.com/J7BB63Yk5v— رياض السنيد (@2QKR9btSjicLBYt) September 30, 2022
الكويتيون يعاقبون حكومتهم
كلاكيت ثاني مرة.. سقوط مدوٍ لنواب الحكومة أمام المعارضة التي حققت 28 مقعدًا من بين 50 مقعدًا تمت المنافسة عليهم، متفوقة بذلك على نتائج النسخة الأخيرة في 2020 بـ4 مقاعد حين حصلت على 24 مقعدًا، لتواصل نجاحها في الهيمنة على الجماهيرية وتأييد الشارع الكويتي الذي تغلب عليه القبلية.
ومن الواضح أن موقف الشارع من الحكومة انعكس داخل صناديق الاقتراع، حيث خسر قرابة 20 نائبًا كانوا من المؤيدين للحكومة مقاعدهم، 3 منهم تقلدوا مناصب وزارية في الحكومة الأخيرة للشيخ صباح الخالد الصباح وهم: وزير الإعلام والثقافة السابق حمد روح الدين الكندري في الدائرة الأولى، ووزير الشؤون الاجتماعية والتنمية المجتمعية ووزير الدولة لشؤون الإسكان والتطوير العمراني السابق مبارك العرو في الدائرة الثالثة، ووزير الدولة لشؤون مجلس الأمة السابق محمد عبيد الراجحي في الدائرة الرابعة.
معاقبة الحكومة تجاوزت النواب الداعمين لها إلى أولئك أصحاب المواقف الرمادية (بحسب الناخبين)، ممن يقفون على مسافات متساوية بينها وبين المعارضة، ومنهم مرشحي “الحوار الوطني” وهو التيار الذي قام بدور الوساطة بين الحكومة والبرلمان المنحل، فحصل زعيمه، أستاذ القانون المعروف، عبيد الوسمي، على مقعد بصعوبة بالغة، فيما خسر المقربون منه مقاعدهم وأبرزهم مساعد العارضي وفرز الديحاني في الدائرة الرابعة، وهشام الصالح في الدائرة الثالثة، وبدر الحميدي في الدائرة الثانية.
يذكر أن الحكومة السابقة بقيادة صباح الخالد قد دخلت في معارك ضارية مع المجلس السابق الذي هيمنت عليه المعارضة، أسفرت عن استقالة الحكومة وحل البرلمان مع تعيين رئيس وزراء جديد في يوليو/تموز الماضي، وهو الشيخ أحمد النواف الصباح.
الصراع باق
كان مرد النزاع السابق بين الحكومة والبرلمان هو سيطرة المعارضة أولًا على المجلس ثم إصرار النواب على مساءلة وزراء على خلفية قضايا تشمل الفساد، بعضهم من العائلة الأميرية، وهو ما كان يقود في النهاية إلى عرقلة عمل المجلس وتجميد المشهد السياسي برمته.
ومع تشكيلة المجلس الجديد في ضوء النتائج الأخيرة فإن تركيبة البرلمان لن تتغير، سيطرة للمعارضة وحضور للتيارات الدينية بشقيها السني والشيعي، ما يبقي حالة النزاع قائمة، الأمر الذي من المتوقع أن يزيد من تأزم الوضع في البلد الذي يعاني من أزمات سياسية متكررة، داخلية من خلال صراع النخبة ولعبة الكراسي الموسيقية بين قواه السياسي، وخارجية عبر حدوده المتلاصقة مع دولتين ملتهبتين سياسيًا، إيران والعراق.
ووفق المحلل السياسي الكويتي، غانم السليماني، فإن “اكتساح نواب المعارضة يشكل تحديًا كبيرًا للحكومة المقبلة التي تواجه مصاعب اقتصادية وتزايد المطالب الشعبية بإنجاز مشاريع تنموية”، وهو ما قد يذهب إلى تكرار السيناريو ذاته الذي شهدته البلاد قبل حل البرلمان وإقالة الحكومة، بحسب تصريحاته لوكالة “فرانس برس”.
تمسك كل فصيل في البرلمان السابق بمواقفه والتشدد في الزود عنها، مع الفشل في التقريب بين وجهات النظر المختلفة، وسط حالة من فقدان الأمل في انفراجة سياسية قريبة، لعب دورًا محوريًا في تأجيج الصراع بين المجلس والحكومة، وهو ما تحول إلى صراع مناطقي طائفي أيديولوجي شخصي في كثير من الأحيان، ما أجهض كل محاولات الحلحلة، ليبقى السؤال عن مصير مجلس الأمة بتشكيلته الحاليّة التي لا تختلف كثيرًا عن سابقتها.
تفاؤل رغم التأزم
في محاولة للقفز خارج الصندوق، فإن الانتخابات الحاليّة وإن لم تأت بمخرجات جديدة، فإنها شهدت بعض التفاصيل التي ربما تبعث على التفاؤل وتقدم بصيصًا من الأمل بشأن تبريد الأجواء وتنحية الخلافات مرحليًا لعبور تلك المرحلة الحرجة التي تمر بها البلاد، هذا بخلاف أن المجلس بحلته الجديدة سيضم بين جنباته شتى ألوان الطيف السياسي في الكويت، في ظاهرة ربما تكون حديثة العهد وتعكس رغبة حقيقية في التغيير وتطور واضح في عقلية الناخب ومعايير الاختيار التي تميل إلى المصلحة الوطنية العليا مقارنة بالمصالح القبلية التي كانت تهيمن على المشهد لسنوات طويلة.
يأتي على رأس تلك التفاصيل الإقبال الجماهيري الكبير على الماراثون الانتخابي، أملًا في القدوم بأعضاء قادرين على إحداث الفارق، وإيمانًا بدور البرلمان في الحياة السياسية، وهو الشعور الذي كان قد تراجع مؤخرًا ووثقته المقاطعة الشعبية للانتخابات السابقة.
ويمكن إرجاع استعادة الكويتيين الثقة في برلمانهم ودوره في تحسين أوضاعهم، بإيمانهم بوجود رغبة قوية لدى القيادة الحاكمة في تعديل الأمور هذه المرة، وهو ما يمكن قراءته في الخطاب الشهير لولي العهد مشعل الأحمد الجابر الصباح، الذي طالب فيه المواطنين بـ”تصحيح مسار المشاركة الوطنية حتى لا نعود إلى ما كنا عليه لأن هذه العودة لن تكون في صالح الوطن والمواطنين وسيكون لنا في حالة عودتها إجراءات أخرى ثقيلة الوقع والحدث”.
كما أن احتمالية أن يرأس البرلمان الجديد شخص بمكانة وشعبية السعدون، له رصيد كبير من الدعم لدى الشارع الكويتي من جانب، والقيادة الحاكمة والمعارضة من جانب آخر، ربما يكون عاملًا قويًا في تهدئة الأوضاع داخل المجلس ومحاولة تكسير حالة الجمود بين الطرفين بما يفتت العراقيل التي كانت تصيب الأداء العام للمجلس والحكومة معًا بالشلل التام.
في ضوء المعطيات السابقة.. فإنه من حيث الشكل لم يتغير البرلمان كثيرًا، سيطرة للمعارضة في مقابل تراجع ملفت للحكومة، لكن هناك مستجدات ربما تعيد ترتيب المشهد الداخلي مرة أخرى، وتبرد جزئيًا من درجة الحرارة المرتفعة بين التيارات السياسية داخل المجلس، تحت مظلة إرادة قوية لدى القيادة الحاكمة لتجنب سيناريوهات الماضي.
وتبقى الأسابيع الأولى لعمل مجلس الأمة هي معيار التقييم الموضوعي الذي سيتضح من خلاله ما إذا كان الكويتيون تعلموا الدرس جيدًا في ظل تلك الظروف الاستثنائية الحرجة التي يشهدها العالم عمومًا والمنطقة على وجه الخصوص، أم أن الأمر سيسير وفق تلك السردية المأزومة التي اعتادها هذا البلد النفطي الذي خسر الكثير جراء الأزمات السياسية الغارق فيها منذ سنوات.