ترجمة حفصة جودة
سيكون هناك الكثير من الصور الرمزية لموجة الاحتجاجات الأخيرة في إيران، فكل شخص لديه كاميرا على هاتفه، لكن إحداها تحديدًا تلخص انفجار الغضب: شابة ترفع قبضتها عاليًا وتقف على صفيحة قمامة مقلوبة والنار والدخان من حولها، إنها قوية لكن ليس فقط من أجل محتواها الفني.
هذه الشابة تقف في قلب طهران، تواجه الدولة التي قد تنهي حياتها حرفيًا على الفور، هذه السيدة تقود ثورتها، خرج الشباب الإيراني في الشوارع بعشرات المدن في إيران يحرقون حجابهم ويهتفون “المرأة، الحياة، الحرية”.
يحتج الآخرون بهدوء، حيث يسيرون في الشوارع يرتدون ما يرغبون في ارتدائه، أو يخرجون بالسيارات متسببين في اختناق مروري يجعل من الصعب على الشرطة والباسيج (الشرطة الدينية) المناورة.
إنهم الجيل الأحدث من الحركة التي تعود بدايتها إلى 1905 وتكافح من أجل الحقوق الديمقراطية، لم تندلع هذه الحركة فجأة في 2022، لكنها موجودة منذ قرن وتظهر في أشكال مختلفة.
مؤخرًا، منذ 1999، تندلع مظاهرات ضخمة في إيران كل 10 سنوات، كأنها مضبوطة على عقارب الساعة، تستمر تلك المظاهرات عادة لأسابيع وتبدأ غالبًا بعد حدث مأساوي مثل حظر الصحف في 1999 وتزوير الانتخابات في 2009 وارتفاع أسعار الوقود في 2019.
هذه الأزمة حدثت داخل إيران خاصة بسبب النظام، فالجمهورية الإسلامية نفسها لم ترفض فقط التطور والإصلاح بل أفسدت أي محاولة للعامة للقيام بذلك
يتطلب الأمر وقتًا حتى تتحول هذه المطالب إلى هتافات ضد السلطة أو تطالب بانهيارها، في 2022 لم تكن هناك فترة راحة، فبمجرد نزول المتظاهرين إلى الشوارع بعد موت مهسا أميني، كانت هناك مطالبات بتنحي المرشد الأعلى وتفكيك النظام، كان فتيل الاشتعال قصيرًا.
لكن لا تخطئ الأمر، فاضطرابات إيران أزمة ذاتية، لذلك يجب أن يكون الحل ذاتيًا من الداخل أيضًا، وليس من أحد المناصرين في المنفى أو محاربي تويتر أو النشطاء الأجانب المتدثرين في طوائفهم المريحة.
ثورة أهل البلد
أيًا يكن ما يحدث في إيران، يمكن أن تسميه ثورة نسوية أو انتفاضة أو انفجار قصير للغضب، فإنه أصيل، وبغض النظر عن تحقق مطالب المتظاهرين من عدمها، فإنها ثورتهم وحدهم.
هذه الأزمة حدثت داخل إيران خاصة بسبب النظام، فالجمهورية الإسلامية نفسها لم ترفض فقط التطور والإصلاح بل أفسدت أي محاولة للعامة للقيام بذلك.
ورغم ما ينشره المنفيون ووسائل الإعلام الغربية، فحتى الآن لم يطالب غالبية الإيرانيين بسقوط الجهورية الإسلامية أو أي نوع من السقوط العنيف لنظام الحكم، إنها يطالبون بالإصلاح بكل بساطة.
يتجلى ذلك بوضوح في الإقبال الكبير على الانتخابات الرئاسية في 2014 عندما وصلت نسبة المشاركين في التصويت إلى 72.94% ومرة أخرى في 2017 عندما وصلت نسبة المشاركين في التصويت إلى 73.3%، في تلك الأخيرة فاز حسن روحاني بأغلبية ساحقة بينما رفض الناخبون منافسه المفضل لدى السلطة إبراهيم رئيسي، لم تكن مجرد انتخابات، كانت استفتاءً على مستقبل إيران والذي فهم الناخبون عواقبه بشكل كامل.
رغم الانتصارات الساحقة التي حققها الإصلاحيون – وأولوهم محمد خاتمي – فإن المؤسسة التي تضم المرشد الأعلى ومجموعة رئيسية من المتشددين وعناصر الحرس الثوري، أحبطت آمال الشعب.
في الحقيقة، لم يكن رئيسي – الذي لا يحظى بأي شعبية – لينجح في انتخابات 2021، إلا لأن كل المرشحين البارزين مُنعوا من الترشح ضده، كانت المشاركة في الانتخابات هي الأقل في تاريخ الجمهورية بنسبة 48.8%، لكن الانتخابات سجلت رقمًا قياسيًا آخر: 14.07% من الناخبين كانوا أصوات احتجاج باطلة وقد تجاوزت مجموعة أصوات أي مرشح آخر.
بالطبع أصبح رئيسي هو الرئيس الآن، وأصبحت كل مؤسسات الدولة المنتخبة وغير المنتخبة في يد المتشددين، ما حدث كان لحظة ترسيخ فاصلة.
كانت مهمة رئيسي أسهل من سابقه، فعلى عكس الحكومات الإصلاحية والبراغماتية، لم يتعرض الرئيس بشكل مستمر لتقويض المتشديين أو الصحافة التي تتحكم بها الدولة أو الاتحادات غير المنتخبة، ولم يقف وزراؤه أمام البرلمان باستمرار مهددين بالمساءلة.
وهكذا، ما نراه الآن هو الجوهر الحقيقي للجمهورية الإسلامية الحديثة، وليس تصورها الأصلي تحت قيادة الخميني عندما كان هناك أحزاب سياسية ونقاش فصائلي واسع – رغم بعض القيود – فشكلها المعاصر الآن أصبح أكثر تقييدًا.
جيل التيك توك
لم يترك النظام الحاليّ أي مساحة للنقاش أو الإصلاح، فالنظام الذي يرفض آمال غالبية مواطنيه قد دمر شرعيته بنفسه، والشرعية في قلب ما يحدث الآن.
كما ذكرت في كتابي، فإن أغلب المتظاهرين في الشوارع شباب في أواخر عمر المراهقة وفي العشرينيات من عمرهم يكافحون للسيطرة على زمام مصيرهم، هؤلاء هم جيل التيك توك المهتمين بمسلسل “Stranger Things” على نتفليكس أكثر من اهتمامهم بالثورة التي أخرجت آباءهم إلى الشوارع في 1979.
لكنهم أيضًا جسورون ولا يعانون من ثقل خيبات أمل التظاهرات الفاشلة السابقة مثل احتجاجات 2009 التي خلفت ملايين المحبطين البائسين.
ما نشهده الآن مؤسسة تفضل اعتقال الناس وقتلهم بدلًا من الوصول إلى حل، لأن في دولة تواجه تشكيكًا في شرعيتها فإن التسوية في نظرها تعني الاستسلام
ربما لأن المؤسسة أجهضت حركة الإصلاح وربما أسوأ، وأذعن قادتها فلم يعد لهم صلة بالأمر، أصبح هؤلاء المتظاهرون بلا قيادة ومن غير المرجح أن ينجحوا بطريقة ذات مغزى.
لكن على العكس، اعتمد مؤيدو السلطة والمتشددون على انتفاضة شعبية مماثلة للحصول على الشرعية كما في عام 1979، فكل الإيرانيين دعموا الثورة بشكل أو بآخر خاصة هدفها الجوهري وهو الاستقلال عن التدخل الأجنبي.
في الوقت نفسه فإن العقوبات الغربية والضغوط الشديدة والهستيريا المعادية لإيران أتت بنتائج عكسية وسهلت على الجمهورية الإسلامية تبرير وجودها وقمعها، وكما نرى فإن الافتقار إلى التعاون التكنولوجي الخارجي جعل من السهل على السلطة قطع الإنترنت وعزل إيران عن بقية العالم.
نقطة اللاعودة
لم تعد ثورة 1979 قادرة على جمع الناس معًا في مواجهة انتشار الحرمان من الحقوق والفساد والمحسوبية والوحشية، في الحقيقة فآلاف الإيرانيين الذين قاتلوا ضد الديكتاتور ومن أجل الثورة فقدوا إيمانهم فيما فعلوه قبل فترة طويلة لأسباب عديدة، والآن بالنسبة لملايين الشباب الإيراني الذي وُلد بعد هذا الحدث، فهذه نقطة اللاعودة.
لم يكن من الضروري أن يتم الأمر على هذا النحو، ما كان سيجمع الناس معًا التقدم للأمام، ونظام وقيادة مستعدة لمواكبة العصر وللتفاوض والاستماع والسماح للإيرانيين بالمشاركة في عملية اتخاذ القرار.
لكن بدلًا من ذلك ما نشهده الآن مؤسسة تفضل اعتقال الناس وقتلهم بدلًا من الوصول إلى حل، لأن في دولة تواجه تشكيكًا في شرعيتها فإن التسوية في نظرها تعني الاستسلام.
وكما أخبرني شاب إيراني قبل سنوات في مواجهة ثورة أخرى “المشكلة تكمن في أننا مستعدون للموت من أجل ما نؤمن به، أما هم فمستعدون للقتل فقط”.
المصدر: ميدل إيست آي